أسباب الشعور بالملل.. ومن هم الأكثر عرضة له؟
لا يوجد تعريف واضح للملل، إذ كشفت أبحاث امتدت لعقود أنّ "الملل شعور غامض بقدر ما هو مؤلم"، وأنّ القدرة على احتمال المهام الرتيبة تتفاوت بشدة من شخص لآخر.. من هم الأكثر عرضةً للملل، وما هي النصائح لتخطي هذا الشعور؟
-
بعض الأطفال بعد انتهاء المدرسة تصبح أيامهم أرضاً خصبة للشعور بالملل بشكل عام
لماذا يشعر الناس بالملل؟ سؤال يطرحه البعض يومياً عند الشعور بالملل، وعندما تجد العقول صعوبة في ملء وقتها. قد يشعر الناس بالقلق أو بقلّة الاهتمام بما يحيط بهم. فالملل أمر شائع، حيث أفاد أكثر من 60% من البالغين في الولايات المتحدة مثلاً أنهم يشعرون بالملل مرة واحدة على الأقل أسبوعياً، وفق ما ذكر موقع "تايو كلينك" الأميركي.
لا يوجد تعريف واضح للملل، إذ كشفت أبحاث امتدت لعقود أنّ "الملل شعور غامض بقدر ما هو مؤلم"، وأنّ القدرة على احتمال المهام الرتيبة تتفاوت بشدة من شخص لآخر.
نادراً ما يشعر الإنسان بالملل أثناء تركيزه على المهام الشاقة كالعمل أو الدراسة، أو أثناء مشاركته في محادثة شيّقة. عند الانتهاء من هذه الأنشطة، يشعر بالتعب ويبحث عن طرق لتسلية نفسه وإشغالها.
لطالما ابتكر البشر اللعب والترفيه للتغلّب على الملل. يقرأ البالغون، ويقضون وقتاً في ممارسة الهوايات، أو يروون القصص لتجنب الملل.
قبل ظهور التلفزيون والأجهزة المحمولة، كان الأطفال يتغلبون على الملل بالخروج أو اللعب مع صديق أو إخوة لهم.
أما اليوم فتستحوذ الإلكترونيات على اهتمام كبير من الناس. لكن هذه الوسيلة سهلة المنال، وبدلاً من أن تُخفف الملل مؤقتاً، يقضي الكثيرون ساعات طويلة على الإلكترونيات.
من السهل ألا نشعر بمرور الوقت أثناء تصفح مثلاً منصة "تيك توك" أو مشاهدة فيديوهات "يوتيوب". قد تمر ساعة أو ساعتان من دون أن ندرك ذلك. ورغم كل هذا الوقت، لا يشعر المرء بالضرورة بالانتعاش، بل يعاني معظمهم من إرهاق أكبر.
إنّ قضاء وقت طويل على الأجهزة الإلكترونية يُقلل من الشعور بالملل، لكنه يُسبب أيضاً مشكلةً أخرى. فكلما قلّ شعور الناس بالملل، قلّت قدرة الدماغ على التعامل معه.
الدماغ يستعيد نشاطه بعد بذل الطاقة
عندما يُركز دماغ الشخص على نشاط مكثف، فإنه يبذل طاقة كبيرة. وعند الانتهاء من النشاط، يعود إلى حالته الطبيعية. هذا أمر طبيعي، وهو الطريقة التي يستعيد بها الدماغ نشاطه. ويمكن اعتبار هذه الحالة حالة راحة، حيث تنشط عدة مناطق دماغية مترابطة خلال هذه الفترة. ويبدو أنّ هذه المناطق تعمل بتناغم كشبكة متصلة. ويُشار إلى ذلك بشبكة الوضع الافتراضي.
وعندما يكون الناس في هذه الحالة، تحدث أمور مهمة كثيرة في الدماغ، حيث يعمل على ترسيخ الذكريات ويتأمل في الدروس المستفادة. يستعرض الدماغ السيناريوهات ويطبق ما تعلّمه، وكيف يمكن استخدامه في المستقبل. فيقضي بعض الناس وقتاً في التفكير في أنفسهم والآخرين. يسترجعون ذكريات الماضي ويحلمون بالمستقبل.
ما الأسباب التي تجعل البعض أكثر عرضة للشعور به؟
قد نميل للاعتقاد بأنّ الملل هو ردّ فعل مباشر ومبرّر للأنشطة الرتيبة، فنادراً ما تجد شخصاً مثلاً يستمتع بغسل الصحون أو إعداد الإقرار الضريبي. ولو ذكر شخص أنه يستمتع بمثل هذه الممارسات، فسوف يثير ارتياب من حوله.
يقول جيمس دانكيرت، رئيس مختبر الملل بجامعة ووترلو بأونتاريو: "أعتقد أنّ جميع الناس يشعرون بالملل، لكن البعض لديهم قدرة مدهشة على التعامل معه".
دخلت كلمة "ملل" إلى اللغة الإنكليزية منذ مطلع القرن التاسع عشر، لكنها لم تجرِ على الألسنة إلا بعد أن ذكرها تشارلز ديكنز في إحدى رواياته.
وقد انتشر الآن الملل في كل مكان، حتى إنه يوصف أحياناً بأنه آفة المجتمع المعاصر.
في عام 2016، قاضى موظف فرنسي رئيسه السابق في العمل، لأنّ الموظف كان يشعر أنّ وظيفته مملة إلى حد "يثبط العزيمة" و"يقتل الإبداع"، وحكمت المحكمة لصالحه.
It’s natural not to love every minute of your job, and feeling bored or unfocused at work is something we all experience from time to time.
— Fernando 🇮🇹🇨🇭 (@Franc0Fernand0) July 8, 2025
However, if this happens every day, then you need to reconsider your approach.
وابتكر مواليد "الجيل زد"، الذين ولدوا في الفترة من منتصف التسعينيات إلى أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نوعاً جديدا من الملل، يدعى "ملل الهاتف"، حين تتصفح تطبيقات الهاتف بلا هدف، ولا تجد شيئاً مثيراً للاهتمام.
واكتشف بعض الباحثين مؤخراً أنّ الحيوانات الأليفة أيضاً تصاب بالملل.
لم يكن من السهل الكشف عن الأسباب التي تجعل البعض سريع الضجر في حين قد يعيش آخرون دون أي مصدر للترفيه، وذلك لأنّ علماء النفس لم يتفقوا حتى الآن على تعريف للملل.
يدرك علماء النفس حالياً أنّ هناك خمسة أنواع على الأقل من الملل، منها "الملل القياسي"، حين يشرد ذهنك وتشعر أنك لا تجد شيئاً تفعله، و"الملل التفاعلي"، حين يتملكك الغضب من الشخص الذي أرغمك على أداء هذه المهمة المملّة، كالمدرس أو المدير في بيئة العمل، وتفكر في الأشياء التي كان يمكن أن تفعلها في المقابل.
وهناك أيضاً "ملل البحث"، حين تكون مضطرباً ومتململاً وتبحث عن أشياء تفعلها للتخلص من الملل، و"ملل اللامبالاة"، حين تشعر بالراحة وتنفصل عن العالم من حولك، واكتشف مؤخراً "ملل عدم الاكتراث"، حين تشعر أنك لست منزعجاً ولا سعيداً، لكنك عاجز عن التخلص من هذا الملل.
يبحث البشر دائماً عن وسائل لشغل تفكيرهم. إذ نريد دائماً أن نستغل قدراتنا العقلية في أمور مفيدة. ولهذا يستطيع بعض الناس البقاء بمفردهم لسنوات، بينما لا يتردد آخرون في صعق أنفسهم بعد 15 دقيقة فقط من العزلة. ففي حين يستسلم البعض لمشاعر الضجر والملل، تدفع هذه المشاعر آخرين للبحث عن طرق لتسلية أنفسهم وممارسة أنشطة هادفة.
I agree they shouldn’t have to work but there’s another reason. Maybe he likes it. I know elderly people that do it because they enjoy meeting and helping people. Not because they have to. They retire maybe do some traveling, start a hobby then get bored. They begin feeling like…
— Hubert Kunnemeyer (@iOSDeveloper01) July 8, 2025
وربطت دراسات بين الملل وبين سمات شخصية أخرى، مثل سرعة الغضب والعصبية، والميل إلى القلق والشعور بالذنب والغيرة. وفي كل الأحوال، فإنّ الملل مؤشر سيء، وقد يكون ناتجاً عن عدم القدرة على التحكم في المشاعر.
هل الإصابة بالملل تُكتسب من البيئة أم تنتقل بالوراثة؟
يقول جيمس دانكيرت، رئيس مختبر الملل بجامعة ووترلو بأونتاريو: "أعتقد أنّ جميع الناس يشعرون بالملل، لكن البعض لديهم قدرة مدهشة على التعامل معه".
ويرى دانكيرت أنّ الشعور بالملل، كشأن جميع المشاعر، هو محصلة لعوامل مكتسبة ووراثية. فيبدو أنّ من يشعر بالملل يكون قد طوّر قدراته على التعامل مع الملل حتى أتقنه، وربما يتمكن أضيق الناس صدراً وخلقاً من الاستمتاع بالعزلة وشغل وقت الفراغ في أعمال هادفة، لو استخدم الأساليب الصحيحة.
ولهذا إذا لاحظت أنك تشتكي من الحياة الرتيبة والمملّة، فكّر في مدى اختلاف تجربة أحد الأشخاص عن تجربة آخرين، وستدرك حينها أنّ العبرة برؤيتك الخاصة للأمور.
نصائح للتغلّب على مشاعر الملل المزعجة
تطرح "مايو كلينك" عدة نصائح للتغلب على الشعور بالملل منها:
- وازن بين أنشطتك والراحة.
- من الجيد أن يكون لديك مجموعة متنوعة من الأنشطة التي تستمتع بها، بما في ذلك التواصل الاجتماعي، والتي تُحفز عقلك. ومع ذلك، فإنّ وقت الراحة مهم لإعادة شحن طاقتك. واحرص على تحقيق التوازن بين الأنشطة المنظمة والراحة المتقطعة لتعزيز تفكيرك الإبداعي.
- جرّب شيئاً جديداً.
-انضمّ إلى أحد النوادي، جرّب هواية جديدة، العب لعبة، اقرأ كتاباً، أو اطبخ وصفة جديدة لتحفيز إبداعك وتشتيت انتباهك عن الملل.
- استمتع بالهواء الطلق.
- يُعد قضاء الوقت مع الطبيعة من أفضل الطرق العلاجية للتخلص من الملل، كما أنه يُعزز التفكير الإبداعي.
- احتضن الفضول واللطف. هذا سيزيد من تفاعلك مع الناس والعالم من حولك.
- استمتع بالتذكر: يُعدّ التذكر جزءاً كبيراً من وقتنا مع التقدم في السن. إنه أمر طبيعي ومتوقع. إذا أصبح الإفراط في التذكّر مشكلة، فحاول التركيز على أهدافك ورغباتك الحالية أو المستقبلية لبضع دقائق.
I was feeling a little bored, but I just realized I can go read CTRLALTDEL in its entirety right now, and now I am full of complete *glee* https://t.co/sZxuPNMGIB
— NATSU • KAZE (@_NATSU_KAZE_) July 8, 2025