مشاهدات من هافانا: برائحة التاريخ العابقة هافانا تنفض غبار الخمسينيات

وأخيراً إنها اليابسة! من بين الغيوم اللاتينية تظهر أولى الأراضي الكوبية أمام ناظريّ. التفافات عديدة يقوم بها القبطان فوق مساحات خضراء شاسعة، بطائرته الممتلئة يهبط بسلام في مطار "خوسيه مارتي"، بثلاثمئة وخمسين راكباً من مختلف الجنسيات يقصدون الجزيرة الكاريبية.

تضم هافانا كل إرثها التاريخي ولكنها تشق طريقها بسرعة نحو المعاصرة
وسط تصفيق حار للهبوط الناجح يتنفسون الصعداء بعد نحو 13 ساعة من الطيران المتواصل.

يترقب زائر هافانا للمرة الأولى أن يستهل زيارته برؤية مدينة توقف زمنها في خمسينيات القرن الماضي، لكنه سرعان ما يكتشف أنها نفضت بعضاً من غبار الماضي وبدأت بمواكبة حداثة القرن.

باتت هافانا مشدودة بين زمنين، فالشوارع العتيقة والمباني وسيارات الفورد والشيفروليه القديمة موجودة، لكن بالتوقيت الجديد.. البلد اللاتيني يواكب العصر بسيارات حديثة ومبان عصرية وشوارع نظام السير فيها متطور.

زائر كوبا الخضراء ينتظر اكتشاف جزيرة السيجار ولافتات تشي غيفارا وكاسترو وفنادق الخمسينيات، فيجد كل ذلك إلى جانب لمسات معمارية حديثة الطرز، وكوبيين يتجولون بهواتفهم الذكية وحواسيبهم المحمولة.

كوبا أمست في السنوات الأخيرة مقصداً للسياح، مناخها المعتدل وطبيعتها الخلابة تجذب الآلاف، لا سيما بعد عودة العلاقات بين هافانا وواشنطن، يملأون فنادقها الفاخرة والبسيطة ومنتجعاتها ومطاعمها، التي بدأت تتفلت من مالكها، بعدما كانت كلها ملكاً للدولة، بل أصبح بمقدور القطاع الخاص تقديم هذه الخدمات للشعب الكوبي والزائرين.

لشوارع هافانا نكهة فريدة وممتعة، الحديث مندمج مع القديم، لكن جمالية القديم تتفوق.

في إحدى الزواريب الملونة، ها هو كوبي سعيد يمشي معانقاً محبوبته وسط تساقط لآلىء قليلة من المطر.

وهناك في آخر الشارع، تلميذ بالزي المدرسي الأصفر والأبيض ينزل من عربة يجرها حصان وها هو يدخل بيته الأرضي المطلي باللون الزهري.

وعلى الكورنيش البحري، امرأة سمراء ممتلئة تتمايل راقصة على أنغام موسيقى كوبية تقليدية تصدح من هاتف ذكي تحمله صديقتها.

لا يمكن وصف كل مشهد أثناء التجول في شوارع هافانا إلا بأنها لوحات ملونة فريدة فائقة الجمال تحمل معانٍ فنية رائعة.

وعلى  الرغم من كل التغيرات الطارئة تبقى رائحة التاريخ عابقة في هافانا.. لكل مبنى أو شارع حكاية أو أكثر من الماضي الغابر.. ماضٍ بعيد، ماضي القرن السادس عشر بنكهة إسبانية.. ولاحقاً بنكهة أميركية شمالية.. لكن تطغى النكهة "الكاستروية" - "الغيفارية" منذ القرن الماضي.