بريطانيا: تحليل جيني متطور يساعد الأطفال المصابين بالسرطان
دراسة تمكنت عبر تجربة طبية جديدة في بريطانيا إلى تحليل متطور يحسّن بصورة كبيرة شكل الرعاية الطبية التي يتلقاها الأطفال المصابون بالسرطان، ومن شأنه أيضاً أن يعطي نتائج أسرع من التحاليل السابقة التي تأخذ وقتاً.
يعمل اختبار التسلسل الكامل للجينوم الجديد الذي تجريه هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا على تحسين رعاية أطفال مرضى السرطان من خلال توفير معلومات وراثية شاملة عن الأورام.
فقد توصلت دراسة عبر تجربة طبية جديدة في المملكة المتحدة، قامت بها "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" (أن أتش أس NHS) إلى تحليل متطور يحسن بصورة كبيرة شكل الرعاية الطبية التي يتلقاها الأطفال المصابون بالسرطان، ومن شأنه أيضاً أن يحل محل مئات التحاليل الطبية الأخرى.
وأعرب عدد من الخبراء عن سعادتهم البالغة بنتائج الدراسة الجديدة حول صورة من التحليل الجيني الذي يمكنه في اعتقادهم، أن يساعد ألف طفل كل عام في بريطانيا وحدها.
وهذا الفحص الطبي المعروف بـ"التسلسل الكامل للجينوم" والمتوافر لدى "هيئة الخدمات الصحية الوطنية"، يتميز بأنه يعطي النتائج بصورة أسرع مقارنةً مع الفحوص والتحاليل المعيارية أو القياسية كما تسمى، المعمول بها عادة، كذلك يقدم فوائد تفوق كل الفوائد التي تنطوي عليها تلك الإجراءات الطبية مجتمعة، وذلك وفق كلام الباحثين في مستشفى "غريت أورموند ستريت" و"جامعة كامبريدج" ومستشفيات "كامبريدج الجامعية"، و"معهد ويلكوم سانجر".
ويعمل هذا الفحص عبر تقديم قراءة للشيفرة الجينية الكاملة التي يحملها الورم الذي يكابده المريض، ويحدد كل طفرة من الطفرات الجينية التي تسبب السرطان.
ومن خلال تحديد هذه الطفرات الجينية يسمح "تسلسل كامل الجينوم" للأطباء بتقديم علاجات مخصصة لكل مريض بحسب حالته، ويكتشف ما إذا كان من المحتمل أن يظهر السرطان في جسمه مجدداً.
كذلك ومن خلال هذا التحليل الجيني أن يحدد إذا كان السرطان متوارثاً في العائلات، ويكشف إذا كان أشقاء المريض معرضين شأنه لخطر كبير.
وكانت التحاليل الطبية المعيارية المعتمدة للسرطان كانت تكتفي بتفحص مناطق صغيرة من جينوم السرطان، مما يعني أنه يتعين على الأطفال غالباً الخضوع لفحوص متعددة بغية الحصول على نتيجة ما.
وقال الدكتور جاك بارترام، كبير الباحثين لدى مستشفى "غريت أورموند ستريت" Great Ormond Street و"نورث تايمز للطب الجيني"North Thames Genomic Medicine Service" في تصريح لوكالة "برس أسوسييشن": "إنها المرة الأولى التي يوضع فيها هذا التحليل الطبي تحت الدراسة في الوقت الفعلي للحالة، ويخضع له أي طفل يدخل إلى هذه المؤسسة ويشتبه في إصابته بالسرطان".
وأضاف بارترام أّنّ "الفحص الجيني يعطي جميع المعلومات التي نريدها مقدماً في غضون فترة زمنية قصيرة جداً، مع ظهور النتائج في أقل من 10 أيام".
ووفق البحث، بفضل فحص التسلسل الكامل للجينوم لا يحتاج الأطفال إلى الخضوع المتكرر للخزعات أو أي من الفحوص المعيارية المعتمدة في الرعاية الصحية الخاصة بمرضى السرطان من الأطفال، والبالغ عددها 738 فحصاً.
الدراسة التي نشرت في مجلة "نيتشر ميديسن" Nature Medicine، بحثت في بيانات خاصة بـ281 طفلاً مصابين بأورام صلبة وسرطان الدم (اللوكيميا)، وقدموا خزعات من أورامهم أو غيرها من عينات مأخوذة من أجزاء أخرى من الجسم.
وتبيّن أنّ التسلسل الكامل للجينوم حسّن الرعاية السريرية الفورية لدى 7% من الأطفال، وينطوي في الوقت نفسه على جميع المنافع التي تقدمها عادة الفحوص المعمول بها حالياً، حتى أنه يعطي النتائج في مدة زمنية أسرع.
وخلص فريق البحث إلى أنّ "التسلسل الكامل للجينوم حل وبدقة محل كل الفحوص الجزيئية المعمول بها يحلل الفحص الجزيئي الشيفرة الوراثية للفرد من خلال تطبيق البيولوجيا الجزيئية) في الرعاية الصحية وتحديداً 738 فحصاً، و"كشف عن كثير من السمات الجينومية غير المعروفة سابقاً لأورام الطفولة".
وأضاف الفريق: "لقد أظهرنا أنّ في المستطاع الاستفادة من التسلسل الكامل للجينوم كجزء من الرعاية السريرية الروتينية للأطفال الذين يشتبه في إصابتهم بالسرطان، وأنّ في مقدوره أن يغير التدابير العلاجية السريرية من خلال تقديم معلومات جينومية غير متوقعة".
وأشار بارترام إلى أنّ "الأطباء في الوقت الحاضر يستمرون في إجراء الفحوص الطبية المعيارية المعمول بها، مثل تحاليل الدم والخزعات إلى أن تحصل على التشخيص وتجد المسبب الجيني وراء الورم".
وأعرب عن سروره من أنّ "روعة هذا التحليل أنك تحصل على كل هذه المعلومات مسبقاً كي لا تضطر إلى الاختيار من قائمة الاختبارات الطبية الخاصة بك".
وعثر في بعض الحالات خلال الفحص على طفرات جينية غير متوقعة تفاقم خطر الإصابة بالسرطان في المستقبل، مما يعني أنّ الطفل ربما يخضع لعدد من الفحوص المنتظمة بغية التحقق من السرطان فيما يتقدم في سنوات العمر.
وذكر الدكتور بارترام أنّ النتائج تركت فريقه "مذهولاً"، متابعاً: "سبق أن وضعنا معايير عالية جداً وبالتأكيد في مستشفى غريت أورموند ستريت، ومستشفى أدنبروك، لذا فإنّ معيار التشخيص الجزيئي لدينا جيد للغاية، وربما يكون الأفضل في العالم".
وأكد قائلاً: "مختبرنا الخاص بفحوص الجينوم يوفر حالياً تحليلاً متطوراً جداً لتسلسل الحمض النووي (دي أن إي) لذا، حتى مع ذلك فإنّ التحليل الجديد يتجاوز الفحوص المتوافرة أصلاً ويفوقها".
كما أوضح أنّ وحدة الخدمات الطبية الخاصة بعلم الجينوم المتوافرة لدى "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" البريطانية تمثل تقدماً "رائداً عالمياً"، والمنافع التي تقدمها للمرضى الآن "لا نظير لها تقريباً في مختلف أنحاء العالم".
البروفيسورة دام سو هيل كبيرة المسؤولين العلميين والمسؤولة الأولى عن قسم الجينوميات لدى "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" في إنجلترا، قالت من جهتها إنّ "هيئة الخدمات الصحية الوطنية تمثل نظام الرعاية الصحية الوحيد في العالم الذي يقدم التسلسل الكامل للجينوم بصورة روتينية، بما في ذلك جميع أنواع سرطان الأطفال وبعض أنواع السرطان لدى البالغين والأمراض النادرة، مما يساعدنا في تقديم تشخيصات أكثر دقة كي نتمكن من تقديم علاج أكثر دقة للمرضى".
وأضافت: "من الرائع أن نرى أدلّة على الفوائد التي يطرحها هذا الفحص الجيني بالنسبة إلى المصابين بالسرطان من الأطفال واليافعين"، و"نأمل في أن تؤدي هذه البيانات إلى استخدامه على نطاق أوسع في مرافق هيئة الخدمات الصحية الوطنية إلى جانب الفحوص الخاصة بلائحة الجينات الشاملة الأخرى".