الكبد الوبائي يزحف بين خيام نازحي غزة

انتشرت حالات التهاب الكبد الوبائي في قطاع غزة خاصة بين الأطفال، نتيجة نقص النظافة الشخصية والمياه، وتلوث الغذاء، والاكتظاظ السكاني في مراكز النزوح، وذلك بسبب القيود التي يفرضها جيش الاحتلال الإسرائيلي على كل مقومات الحياة.

  • الكبد الوبائي يتفشى بين خيام نازحي غزة
     الاحتلال "لا يقتلنا بالصواريخ فقط بل بالمرض ومنع المياه والمنظفات"  (الصورة للمركز الفلسطيني)

يعيش محمد قشطة قلقاً شديداً على طفله أحمد (7 أعوام) في إثر تشخيصه بالتهاب الكبد الوبائي من نوع الأول (A) من جراء استمرار حرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال على غزة.

وبعيون مليئة بالإحباط يعرب الأب عن استيائه الشديد لما وصلت إليه الأحوال الصحية في قطاع غزة، وعدم قدرته على توفير رعاية ملائمة لطفله المريض.

نزح محمد برفقة أسرته من مدينة رفح في أيار/ مايو الماضي بعد اجتياح جيش الاحتلال للمدينة، إلى منطقة المواصي غرب خان يونس، والتي تكتظ بعشرات الآلاف من النازحين وسط ظروف بيئية بالغة السوء.

 يقول محمد وهو ينظر إلى ابنه على سرير الاستشفاء في مستشفى ناصر بخان يونس، إن الاحتلال الإسرائيلي "لا يقتلنا بالصواريخ والرصاص وحسب، بل بالمرض ومنع المياه والمنظفات عنا".

ما هو هذا الالتهاب؟

والتهاب الكبد الوبائي (A) هو إصابة شديدة العدوى تحدث في الكبد، ويسببها فيروس نتيجة تناول طعام أو شراب ملوّث، أو نتيجة للمخالطة القريبة بشخص حامل للمرض.

وانتشرت حالات التهاب الكبد الوبائي في قطاع غزة خاصة بين الأطفال، نتيجة نقص النظافة الشخصية والمياه، وتلوث الغذاء، والاكتظاظ السكاني في مراكز النزوح، وذلك بسبب القيود التي يفرضها جيش الاحتلال الإسرائيلي على كل مقومات الحياة.

اقرأ أيضاً: "الصحة العالمية": الظروف في غزة بيئة مثالية لانتشار الأمراض

 أحد الأطباء المعالجين لأحمد يقول، إنهم يكافحون لتوفير كل ما يلزم لعلاج أحمد وباقي المرضى الذي يعانون من فيروس الكبد الوبائي، رغم نقص شديد في المستلزمات والمعدات الطبية.

ويوضح أن أحمد جاء إلى المشفى وهو يعاني من اليرقان (اصفرار العينين والجلد)، والشعور بحكة شديدة في الجسم، وانتفاخ في الجزء الأيمن العلوي من البطن والشعور بأنه أصبح طرياً، وهي أعراض تظهر في المرحلة الوسطى للمرض قد تتطور إلى أعراض أكثر خطورة إذا لم يتم علاجها.

وعلى عكس التهاب الكبد (B) و (C)، لا يسبب التهاب الكبد (A) مرضاً مزمناً في الكبد، لكن يمكن أن ينجم عنه أعراض منهكة، تتراوح من خفيفة إلى حادة، ولا تظهر جميع هذه الأعراض على المصابين بالعدوى.

 أسباب انتشاره في غزة

ويضيف الطبيب المعالج أن جميع الأطفال في قطاع غزة يعانون من هزال وضعف شديد في البنية نتيجة سوء التغذية على مدار أشهر من الحرب وسط ظروف معيشية بالغة السوء لا تجد فيها الأسر ما تنفقه على أطفالها لتطعمهم بشكل جيد، مشيراً إلى أن انتشار الكبد الوبائي يعود إلى تراجع النظافة وتلوث المياه والطعام، بالإضافة إلى الاكتظاظ في مراكز الإيواء، التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة.

وتعاني مناطق جنوب قطاع غزة من أزمة مياه قاسية، حيث بالكاد تحصل العائلة على 20 لتراً من المياه النظيفة يومياً بعد عناء الوقوف لساعات أو قطع مسافة طويلة للحصول على هذه الحصة الزهيدة.

اقرأ أيضاً: انتشار الأمراض المعدية في أوساط النازحين شمال قطاع غزة 

وفي سرير مقابل لأحمد، ترقد الطفلة جنى علوان (10 أعوام) بحالة إعياء شديد، مع ملامح يطفو عليها المرض.

 وتقول والدتها إنهم يعيشون في خيمة منذ 7 أشهر ولا يحصلون على المياه بشكل كاف، ويضطر زوجها للاستعانة بمياه البحر لتوفير المياه من أجل النظافة الشخصية، لكن ذلك لم يمنع إصابة ابتها بالمرض.

وتتساءل بأسى وهي تنظر إلى ابنتها كيف لها ألا تصاب بالمرض ومياه الصرف الصحي تنساب بين خيام النازحين، والنفايات تملأ الطرقات، مشيرة إلى أن الجهود التي بذلتها لمنع جنى من اللعب في المحيط والالتزام بالجلوس في الخيمة لم تفلح.

وتحذر وكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني من تزايد خطر انتشار الأمراض المعدية، في جميع أنحاء قطاع غزة، في خضم ندرة مزمنة في المياه وغياب الوسائل اللازمة لإدارة النفايات والصرف الصحي بشكل مناسب.

 وبحسب معطيات برنامج الصحة التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا”، يُبلغ عن 800 إلى 1000 حالة إصابة جديدة بالتهاب الكبد أسبوعياً من المراكز الصحية والملاجئ التابعة للأونروا في مختلف أنحاء غزة.

وارتفعت حالات التهاب الكبد الوبائي من 85 حالة فقط أُبلغ عنها قبل الحرب، إلى ما يقرب من 40 ألف حالة أُبلغ عنها منذ بدء حرب الإبادة المتواصلة على غزة منذ 10 أشهر، وفق معطيات المؤسسة الأممية.

وتؤكد “الأونروا” أن الظروف الصحية المتردية تسهّل انتشار الأمراض، بما في ذلك التهاب الكبد (أ)، محذرة من أن المزيد من الأطفال يتعرضون لخطر الإصابة بالكبد الوبائي، نتيجة للنزوح الجماعي، واكتظاظ الملاجئ، ونقص المياه النظيفة والصابون، وغيرها من مستلزمات النظافة.