كيف تُعالج الأزمات النفسية بالألوان في لبنان؟

الألوان تؤدّي دوراً مهماً في تغيير الطاقة العامّة بعد وخلال الخرب، لذلك علينا اعتماد الألوان الفاتحة أو الباردة لتخفيف حدّة ولهيب هذه المشاعر والألوان الدافئة كلون التراب للشعور بالأمان، والتمرين الأكثر إفادة هو الرسم الحرّ من دون قيود..

  • في وجه الحرب.. علاج بالألوان في لبنان!
    في وجه الحرب.. علاج بالألوان في لبنان! (غرافيك: زينب ترمس)

 قد يرنو المرء إلى أنواعِ علاجٍ غير تقليدية يسمّيها المختصون حديثة، ولكن ماذا لو عنّ على باله مثلاً التداوي بالفن أو بالألوان! فهل هذا ممكن؟ وهل يمكن لدنياه ورونق ألوانه بلسمة الآلام والأمراض النفسية والعصبية وغيرها؟

عرضنا في تقريرٍ سابق لدور الموسيقى في علاج الأمراض والأزمات مع رئيسة ومؤسّسة الجمعية اللبنانية للعلاج بالموسيقى  كوسيط د. حمدة فرحات، وكان لافتاً تفاعل القرّاء مع هذا الموضوع الشيّق في "الطب الحديث"!

وشرحت فرحات للميادين نت يومها، أنّ "العلاج بالموسيقى كوسيط هو نوع من العلاج النفسي والجسدي الذي يتوسّط الموسيقى بجميع مكوّناتها، أي اللحن والإيقاع والهارموني والبوليفوني والصوت البشري والآلات بأنواعها والأوركسترا والأصوات الطبيعية والمبتكرة" .

وفي الإطار أوضحت أنّ "الشخص الخاضع للعلاج ينفعل ويتفاعل مع كلّ هذه العناصر في التركيبة الموسيقية، سواء أكانت الجلسات العلاجية إدراكية أم أنشطة فردية أو جماعية".

كان الفنّ أحد المصادر الرئيسية للتواصل خلال تاريخ البشرية. ولنتذكّر فقط لوحات الكهوف من العصر الحجري القديم، الممتدة من 40 ألف عام إلى 14000 سنة مضت. ومع ذلك، لم يبدأ استخدام الفن لخصائصه العلاجية إلا مؤخّراً.

  • العلاج بالفن والرسم (المصدر: تدوين)
    العلاج بالفن والرسم (المصدر: تدوين)

العلاج بالفنّ أحدث أنواع العلاجات النفسية

واليوم تشرح هديل الرز  المعالجة بالفن، ومدرّبة حياة وفنانة تشكيلية لـ الميادين نت أنّ "العلاج بفن الرسم الذي ابتكره البريطاني أدريان هيل وهو أوّل من اعتمد فنّ الرسم كعلاج نفسي، كان أوّل من استخدم مصطلح العلاج بالفن في عام 1942.

  • أول كتاب عالمي للمبتدئين في الرسم بالألوان لأدريان هيل (المصدر Etsy)
    أول كتاب عالمي للمبتدئين في العلاج بالألوان لأدريان هيل (المصدر Etsy)

في تلك الفترة، تمّ استخدام الفنّ أثناء علاج مرضى السل. وبما أنّ المرضى كان لا بدّ من حبسهم في المصحّات، فقد تمّ استخدام الفن لمساعدتهم على الانخراط في الأنشطة الفنية والتعبير عن أنفسهم ومكافحة العزلة والوحدة. وسرعان ما تمّ فهم أنّ الفن قد ساعدهم على التأقلم بشكل أفضل مع حالتهم.

إذاً كما تقول الرز  فـ "هو من أحدث أنواع العلاجات النفسية التي تستخدم الفنون كوسيلة لتغيير مخزون العقل الباطن أو تغيير مشاعر سلبية، فبالتالي إنّ أيّ فرد من أفراد المجتمع يعاني من مشكلة نفسية ما تستطيع الفنون كالمسرح، الرسم، التعبير الجسدي، النحت، الموسيقى.. أن تساعده ليحقّق التغيير الذي يريده من الداخل أولاً لينعكس سلوكاً إيجابياً في ما بعد".

  • العلاج بالفن والرسم (المصدر: تدوين)
    العلاج بالفن والرسم (المصدر: العلاج بالفن)

وإذْ تقول إنّ هذا العلاج معتمد دولياً للكبار والصغار،  وبالتالي "كوني متخصصة بالعلاج بفنّ الرسم فأنا استخدم علم الألوان و الأشكال كوسيلة في العلاج، ويوجد الكثير من التمارين والتقنيات التي نستخدمها بالتشخيص والعلاج.

نعمل على استبدال الصور القديمة المخزّنة

العقل الباطن يخزّن صوراً فنحن كمعالجين بالفن نعمل على استبدال الصور القديمة المخزّنة، فبالتالي المعتقد القديم الذي يكون هو سبباً رئيسياً في ظهور هذه المشكلة، بحسب كلّ فرد تختلف الحالة من فرد إلى آخر، إلى صورة جديده تخدم مصلحة الفرد لتغيير منظوره إلى الأمور، فبالتالي تتغيّر الأفكار ونعمل بعدها على وصل هذه الأفكار بمشاعر إيجابية تخدم الفرد ونثبت العمل بخلق عادة جديدة ليتغيّر بعدها السلوك"، كما تشرح.

الرز الناشطة والمتابعة لحالات يومية وخريجة جامعة "فيكتوريا" المرخّصة من قبل ICF  أي (التصنيف الدولي للأداء الوظيفي والإعاقة والصحة) تؤكّد، وفق التجربة أنه "فعّال جداً لدى الكبار والصغار أيضاً"، وتوضح أنّ مدة العلاج "تختلف بحسب المرونة النفسية وإرادة الفرد ولكن تتراوح فترة العلاج بين شهر وسنة. وهناك مشكلات يجب على الفرد متابعة حالته مع طبيب نفسي وبعض الحالات يكفيها المعالج بالفن".

اعتماد الألوان الباردة في وجه الحرب!

ولأنّ بلدها لبنان وغزة وفلسطين وغيرها عرضة لاعتداءات وحروب يشنّها "جيش" الاحتلال بهمجيّة ووحشيّة فاقت التصوّر البشري "ما يؤثّر بشكلٍ مباشر على المتضرّرين مباشرة، وأيضاً بشكلٍ غير مباشر على البلد ككلّ، فالجميع تعرّض لأزمة والجميع يشعر بالتوتر والقلق والخوف والفقد..

لذا، فالألوان هنا تؤدّي دوراً مهماً في تغيير الطاقة العامّة، لذلك الآن علينا باعتماد الألوان الفاتحة أو الباردة لتخفيف حدة ولهيب هذه المشاعر والألوان الدافئة كلون التراب للشعور بالأمان، والتمرين الأكثر إفادة هو الرسم الحرّ من دون قيود لتفريغ المشاعر السلبية المخزّنة أو رسم الطبيعه بطريقة عشوائية غير منظّمة".

  • المصدر: (Luxury Avenue)
    المصدر: (Luxury Avenue)

وهنا تلفت المدرّبة والفنانة هديل الرز إلى أننا  "لا ننصح برسم الدمار ولا رسم أرواح الأموات لأنّ هذا النوع من الرسم يرسّخ الألم ويعزّز المشاهد الموجعة، موضحةً أنه يجب على من يعانون من مشكل نفسي عصابي مراجعة طبيب نفسي أولاً".

هل يجب أن تكون موهوباً؟

ولا يشترط العلاج بالفن إطلاقاً أن تكون موهوباً في الرسم أو غيره من الفنون، حتى ينجح العلاج، لأنّ الهدف في الأساس ليس القطعة الفنية في حدّ ذاتها، ولكن ما يعبّر من خلاله المريض عن أفكاره ومشاعره الداخلية، والذكريات والقصص والرسائل التي تخرج في القطعة الفنية، والتي تساعد المريض على الشعور بالتحسّن، والطبيب النفسي كذلك يساهم في تحليل سلوك المريض".

اقرأ أيضاً: ريم وهاجر.. ألوان حياة طغت على سواد ما دمّره الاحتلال

وتختم الرز "نتوخّى خصوصية الناس الخاضعين لدورات علاج بالفنّ أو بالألوان طبعاً، خاصة وأنّ ذلك يكون وفق رغبة الأشخاص، ولا نلجأ للتصوير خلال العلاج".