العلاج الانشغالي يواجه تداعيات "كورونا" التربوية!
التدريبات تناولت العديد من التمارين، منها على سبيل المثال، تمارين على التوازن، بالتمدد بأرجوحة حاملاً أوزاناً متماثلة في كل يد، وعلى معالجة الذاكرة البصرية عبر اختيار رسوم متطابقة مندمجة مع رسوم متنوّعة، وسواها.
مارك كفروني فتى في العاشرة، صدف أن دخل عام "الكورونا"، ومتابعة الدراسة "أونلاين"، من دون الالتحاق بالمدرسة، والانضواء في الصف مع ضوابطه الزمنيّة والمسلكيّة.
"سنة الكوررنا"، وما بعدها، كان يفترض بمارك تعلّم الحروف، وأصواتها، وكيفية اندراجها في الكلمات والجُمل، لكن "الأونلاين" لم يعطِه دراسة وافية تحقّق هذه الشروط الدراسية.
اليوم، وقد مضت عدة أعوام على مارك، وهو يصارع شروط الانضباط في الصف، وتلبية متطلبات الدراسة الصفيّة بالطريقة التقليدية التي يتطلبها النظام التعليمي.
والدته رغدى الشاعر تصف معاناته في السنتين الأخيرتين اللتين تلتا مرحلة كورونا، وتلاحظ أنه "عانى فقدان التركيز، وتشتت الذهن، ونسيان ما يدرسه في غضون وقت قصير، وإفراطاً في الحركة، وعدم القدرة على الالتزام بمكان معيّن إلّا لدقائق، بحسب الشاعر، التي أضافت: تعذّبنا معه كثيراً، لم نجد طريقة تبقيه ملمّاً بما درسه، ولا تحسين تركيزه، ولا ضبط مكان جلوسه، ومن نتائج ذلك، عدم قدرته على متابعة شؤون الصف.
في #أنتم_أونلاين: ما هو العلاج الانشغالي؟ وكيف يُطبّق؟ #اليوم_العالمي_للعلاج_الوظيفي#OccupationalTherapy #OccupationalTherapyDay @nadrfares @amanimhanna pic.twitter.com/6H3TdMBDlB
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) October 27, 2020
ليست حالة الطفل مارك وحيدة من نوعها، فكلّ الحالات التي تشبه حالته، يعاني منها أطفال من عمره، وفي السنة الدراسية عينها، تقول زينب الحاج- متخصّصة في العلاج الانشغالي (Occupational Therapist) - وتتولى معالجة عدة حالات من عمر مارك.
تستنتج الحاج أن كل ذلك يؤكّد أن برامج الدراسة زمن "كورونا" هي السبب في ضياع الأطفال الذهني.
تدريبات أولية
خضع مارك لأربع جلسات علاجية لدى الحاج، حتى الآن، وتفيد الشاعر، كما تنقل عن مدرسته، أنه أبدى تحسّناً أولياً من حيث تعلّم الحروف، والتركيز، والتذكّر، والانضباط الحركي.
التدريبات تناولت العديد من التمارين، منها على سبيل المثال، تمارين على التوازن، بالتمدّد بأرجوحة حاملاً أوزاناً متماثلة في كل يد، وعلى معالجة الذاكرة البصرية عبر اختيار رسوم متطابقة مندمجة مع رسوم متنوّعة، وسواها.
وبعد التواصل مع المدرسة، بات مارك يأخذ مبادرات تكسر طول مدة مكوثه بمكانه، فهو "محتاج للتوقّف عن الدرس كل ربع ساعة ريثما يستعيد حيويته الطبيعية"، تقول الحاج.
العلاج الانشغالي
العلاج الانشغالي واحد من الاختصاصات التي لا تزال مغمورة، وفي لقاء مع الحاج، شرحت ماهيته، وطرق الإفادة منه، وقالت بدايةً، إنه يُدرّس كاختصاص في الجامعتين: القديس يوسف (اليسوعية)، واللبنانية حيث تخرّجت الحاج سنة 2011-2012، وتستغرق دراسته 4 سنوات.
الحاج أفادت أنّ التخصّص يتطلّب برنامجاً أكاديمياً، يستند على أسس نظرية وتطبيقية مترافقاً مع تدريب ميداني في عدد من المراكز المتخصصة، والمستشفيات، ذاكرةً أنه تمّ تأسيس القسم في كلية الصحة العامة – الفرع الأول في الجامعة اللبنانية عام 1997".
هدف الاختصاص تمكين الشخص من استخدام قدراته الوظيفية للقيام بأنشطته اليومية، وأداء أدواره الحياتية، وتعزيز مشاركته الاجتماعية بشكل آمن ومستقل قدر الإمكان، بحسب الحاج، مضيفةً أن "المعالج الانشغالي يعتمد خطة تدخّل علاجيّة مبنيّة على تقييم دقيق لقدرات الشخص، واحتياجاته، ووظائفه الحياتية، والبيئة المحيطة به، آخذاً في الاعتبار نمط حياة الشخص، واهتماماته، وأنشطته الترفيهية.
من أهدافه تذليل العوائق التي تحدّ من ممارسة الإنسان لأنشطته اليومية بشكل مستقلّ، ويتمّ ذلك من خلال: مساعدة الشخص في الحفاظ على قدراته المتبقّية، واستعادة القدرات اللازمة للقيام بتلك الأنشطة، إضافة إلى تزويده بالأدوات المساعدة والأجهزة التعويضية، وتكييف البيئة المحيطة لتتلاءم مع احتياجاته.
تشمل الفئات المعنية بالعلاج الانشغالي الأشخاص من جميع الأعمار (الأطفال والكبار والمسنين) ممّن تدنّت لديهم إمكانية قيامهم بأنشطتهم اليومية، ووظائفهم الحياتية بشكل مستقل بسبب مرض، أو إصابة مؤقتة، أو دائمة -جزئية أو كاملة- أو بسبب عدم تلاؤم البيئة المحيطة مع العوامل الفردية الخاصة بهم.
بعض الفئات التي يتناولها العلاج: الشلل الدماغي عند الاطفال، اضطراب طيف التوحّد، الصعوبات التعلمية، التأخّر في النمو العقلي والحسي والحركي، متلازمة داون، الإفراط الحركي وتشتّت الانتباه، الشلل النصفي الناتج عن الجلطات الدماغية، إصابات الدماغ، الأمراض النفسية والعقلية، أمراض الشيخوخة كالباركنسون والألزهايمر، وغيرها.
وتفيد الحاج أنها اختارت هذا الاختصاص، لأنها كانت تبحث عن عمل مفيد للناس، يساعد على تحسين شروط الحياة، وتدرّبت، واشتغلت في عدد من المستشفيات، ومراكز إعادة التأهيل، ومدارس تتضمّن قسم صعوبات تعلّم مثل: مستشفى بيروت الحكومي (مستشفى الرئيس الحريري)، مؤسسة محمد خالد-الأوزاعي،SESOBEL، ومجمّع الرحمة الطبي، ومجمّع الأرز التربوي، ومركز الحنان للرعاية، وعيادة خاصة.
وقالت إنه في مسيرتها المتواضعة، اختبرت أن عملها هو مساعدة التلاميذ على تخطي مشاكلهم، بالتعاون والتفاهم مع الأهل، ومعرفة مدى تقبّلهم، وتفهّمهم لمشكلة ولدهم، والإيمان الذي لديهم بقدرة ابنهم على تخطي صعوباته.
يمكن للاختصاصي في العلاج الانشغالي أن يعالج من عمر 6 أشهر الى عمر الشيخوخة، وآلية التدخّل العلاجي تختلف بين عمر وآخر، وفقاً لحدّة المشاكل التي يعاني منها الشخص المستهدف بالعلاج.
ولاحظت الحاج أن "المشكلات تتزايد بوتائر متسارعة والظروف العامة مؤثرة في هذا المجال".
مشكلات وأسباب
من مسبّبات المشاكل التي على المعالجين الانشغاليين مواجهتها تفيد الحاج أنها "التكنولوجيا والشاشات، فالأولاد يمضون وقتاً طويلاً على الشاشات: تلفزيون، كومبيوتر، هواتف نقّالة. مما يحرمهم من اللعب الذي يساعدهم على التطور الجسدي، وتطوير المهارات بمبادرات ذاتية".
ولفتت إلى أن اللعب ضروري جداً للأولاد لكي يطوّروا مهاراتهم، فالحركة تحفّز الدورة الدموية، والمشي بطريقة صحيحة تتيح للإنسان الحصول على كمية كافية من الأكسيجين، بينما بطء الحركة بسبب المكوث خلف الشاشات، يبطّيء ويقلّل وصول الأكسجين إلى الدماغ وبالتالي تراجع قدرة الدماغ على أداء وظائفه بشكل جيد.
ونبّهت من أنّ الجلوس مع اتّباع نظام غذائي غني بالسكريّات، فقير بالأوميغا 3، ومواد حيوية أخرى، يبطّئ تطور المهارات الذهنية.
والبرامج التربوية، ومناهجها، بدلاً من أن تحفّز نموّهم العقلي، تحبطهم، وتربكهم بما لا يتناسب مع ميولهم وحاجاتهم.
ولاحظنا في بعض المناطق الريفية أن التمسّك بزواج الأقارب يجدّد الإصابة بإعاقات لدى الأولاد، خصوصاً مع جهل اللجوء إلى الطب لمعرفة سلامة هذا الزواج.