إنجاز غير مسبوق.. خبراء يكشفون عن خريطة دماغية تبين آلية اتخاذ قرار ما!
علماء أعصاب من 22 مختبراً يحقّقون إنجازاً غير مسبوق بعد اختبارات لمدة سبع سنوات، ويكشفون عن خريطة عصبية تظهر نشاط الدماغ أثناء اتخاذ قرار ما.. كيف؟
-
يتمّ تغيير حجم كلّ نقطة بشكل خطي وفقاً لمعدل إطلاق النبضات العصبية المتوسط الخام لتلك الخلية العصبية حتى تصل إلى حجم أقصى
توصّلت شراكة دولية غير مسبوقة بين علماء أعصاب من 22 مختبراً إلى تحقيق إنجاز علمي بارز، يبيّن خريطة عصبية تُظهر نشاط الدماغ بالكامل أثناء اتخاذ القرار.
وخلال الاختبار جمعت البيانات من 139 فأراً، وغطت نشاط أكثر من 600 ألف خلية عصبية في 279 منطقة دماغية، أي ما يعادل نحو 95% من دماغ الفأر. وتُعدّ هذه الخريطة الأولى من نوعها التي توفّر تصوّراً كاملاً لما يحدث في جميع أنحاء الدماغ عند اتخاذ قرار ما.
وفي هذا الإطار، قال الدكتور بول غليمشر، رئيس قسم علوم الأعصاب والفسيولوجيا، ومدير معهد علوم الأعصاب بكلية غروسمان للطب في جامعة نيويورك، عن نتائج هذه الشراكة: "لقد أنشأوا أكبر مجموعة بيانات يمكن تخيّلها على هذا النطاق".
The complexity of the human brain and its functions in a neat infographic map
— Massimo (@Rainmaker1973) September 7, 2025
[zoomable version: https://t.co/4KyqZPcgRB] pic.twitter.com/HBqFEFYO4S
في مجال علوم الأعصاب، قال غليمشر، غير المشارك في البحث الجديد في تصريح لشبكة "سي أن أن" الأميركية: "سيُسجِّل التاريخ هذا الحدث كإنجاز كبير".
ومن أجل بناء هذه الخريطة، اعتمد الباحثون إجراءً موحّداً كي يتمّ استخدامه في جميع المختبرات، ثم قاموا بتتبّع النشاط العصبي لدى الفئران أثناء استجابتها لمحفّزات بصرية، ودمجوا كلّ البيانات التي جمعها كل ّمختبر، واستغرق هذا العمل سبع سنوات، وعُرضت نتائجه في دراستين نُشرتا في مجلة Nature، في 3 أيلول/سبتمبر الجاري.
This is the first brain map showing how decisions are made.
— Nicholas Fabiano, MD (@NTFabiano) September 16, 2025
Each colored dot represents a neuron that is firing during the process. pic.twitter.com/foDErX4ih5
وأوضح ألكسندر بوجيه، أستاذ علم الأعصاب الأساسي في جامعة جنيف، الذي شارك في تأليف الدراسة الأولى وكان المؤلف الرئيسي للدراسة الثانية: "هناك نتيجتان رئيسيتان، ولهذا لدينا دراستان":
الدراسة الأولى: تناولت التوزيع الواسع للنشاط الكهربائي المرتبط باتخاذ القرار.
الدراسة الثانية: استخدمت البيانات لتقييم كيفية تأثير التوقّعات على اتخاذ الخيارات.
وقال بوجيه: "بدأنا من الصفر. لم يسبق لأحد أن حاول القيام بشيء كهذا من قبل".
من خلية عصبية واحدة إلى آلاف في آن واحد
لعقود من الزمن، درس العلماء نشاط الدماغ خلال مهام محدّدة باستخدام أقطاب كهربائية تسجّل النبضات الكهربائية من خلية عصبية واحدة. لكنّ تسجيل خلية واحدة في كل مرة كان أمراً صعباً وبطيئاً. لكن بعد أشهر عديدة من العمل يمكن الحصول على نتائج نحو 100 خلية عصبية فقط، ما يجعل من هذه التقنية مناسبة بشكل أفضل لدراسة مناطق محددة جداً في الدماغ.
خلال العقد الماضي، حقّق علم الأعصاب قفزة كبيرة إلى الأمام مع تطوير مسبارات عصبية رقمية تُدعى Neuropixels، التي يمكنها مراقبة آلاف الخلايا العصبية في وقت واحد. وكانت هذه الأقطاب الحساسة أداة أساسية لإنشاء الخريطة الجديدة.
وأوضح بوجيه: "انتقلنا من مراقبة بضع مئات من الخلايا العصبية في منطقة واحدة إلى 600 ألف خلية عصبية في جميع مناطق الدماغ".
A brain-wide map of decision-making! 🧠 Study reveals how sensory inputs, choices, & motor actions are encoded across 279 brain regions. Dataset publicly available.#Neuroscience #BrainMapping #DecisionMaking #OpenScience #BigData #Neuropixels https://t.co/54Lc3CmYgV
— Sheila Macrine, Ph.D. (@MacrinePhD) September 13, 2025
اقرأ أيضاً: "البقعة الزرقاء".. مفتاح إعادة ترتيب الذكريات في الدماغ
خلال التجارب، ارتدت الفئران خوذات مزوّدة بأقطاب كهربائية أثناء قيامها بتحريك عجلة صغيرة للتحكّم في حركة دائرة مخططة بالأبيض والأسود على الشاشة. كانت الدائرة تظهر لفترة وجيزة إما على الجانب الأيسر أو الجانب الأيمن من الشاشة، وكانت الفئران التي تمكّنت من توجيه الدائرة إلى المركز تحصل على مكافأة من ماء السكر. وأثناء استجابة الفئران لما رأوه، سجّلت مسبارات Neuropixels الإشارات الكهربائية في أدمغتها.
ووفقاً للخريطة، بدأ النشاط بالارتفاع في الجزء الخلفي من الدماغ، في المناطق التي تعالج المدخلات البصرية. ثم انتشر النشاط إلى جميع أنحاء الدماغ، حيث أضاءت المناطق المسؤولة عن التحكّم في الحركة عندما وصل قرار الفأر إلى مرحلة الحركة. تولى ذلك نشاط واسع الانتشار في الدماغ عندما حصل الفأر على مكافأته من ماء السكر.
وأوضح بوجيه: "ما من مناطق قليلة فقط تشارك بذلك، بل شبكة كبيرة جداً من المناطق تعمل معاً".
“Where was I again?”
— Mohamady El-Gaby (@GabyMohamady) November 6, 2024
Our study published today https://t.co/SssPQUDv7l reveals brain cells can form a coordinate system for our behaviours. Instead of locating where we are in the world, this coordinate system tells us “where we are” in a sequence of behaviours: 🧵below: pic.twitter.com/Y7YPmP402U
كذلك أوضح مؤلفو الدراسة أنّ معرفة مدى مشاركة أجزاء الدماغ في اتخاذ القرارات سيساعد الباحثين على إجراء دراسات محددة أكثر حول السلوكيات المعقّدة.
ثمّ أضاف الباحثون تحدّياً إضافياً للفئران. ففي بعض الأحيان، كانت الدائرة باهتة أو شبه غير مرئية. ولكي تقرّر الفأرة أيّ اتجاه تدير به العجلة للحصول على المكافأة، كان عليها أن تتذكّر ما رأته في المحاولات السابقة.
وأوضح بوجيه أنّ "هذا ما يُعرف بالمعرفة السابقة. كلّ قرار يُتخذ بهذه الطريقة".
وكان علماء الأعصاب قد افترضوا سابقاً أنّ الدماغ يستعين بالمعرفة السابقة في المراحل المبكرة من اتخاذ القرار، "حتى إنه بمجرد ما أن تبدأ في معالجة المحفّز الحسي، فإنك تفعل ذلك في سياق ما تتوقّعه".
وأشار بوجيه إلى أنّ "خريطة الدماغ أظهرت أنّ هذا التنبؤ كان صحيحاً".
مسح رقمي واسع النطاق للدماغ
وأشار غليمتشر إلى أنّ التعاون الدولي واسع النطاق في مجالات أخرى قد غيّر طريقة إجراء العلم، وأنّ نطاق العمل الذي أنتج خريطة نشاط الدماغ يُعدّ نقطة تحوّل كبيرة في علم الأعصاب.
ولفت إلى أنه "تقليدياً، كانت العلوم البيولوجية تُجرى في كلّ مختبر بمختبر"، بخلاف التعاون متعدّد المختبرات التي تحدث كثيراً في مجالي الفيزياء والفلك، مستشهداً بمثال بارز وهو مسح السماء الرقمي سلوون (Sloan Digital Sky Survey)، الذي يضم مئات علماء الفيزياء الفلكية والفلك، وقد أنتج أكثر الخرائط ثلاثية البعد تفصيلاً للكون على الإطلاق، التي تغطي أكثر من ثلث السماء ليلاً.
وقال غليمتشر: "لقد أحدث مسح السماء الرقمي سلوون ثورة في طريقة جمع البيانات الفلكية وتوزيعها بين علماء الفلك"، مضيفاّ أنّ "رؤية المنظمة البحثية التي تقف وراء خريطة الدماغ، المختبر الدولي للدماغ (International Brain Laboratory)، كانت بناء مسح رقمي شبيه بمسح سلوون للدماغ".
وخلص بوجيه، المؤسس المشارك للمختبر الدولي للدماغ، إلى أنه "في أفضل الأحوال، ستكون هذه الخريطة الأولى بين العديد من التعاونات واسعة النطاق بين علماء الأعصاب"، معرباً عن أمله في أن "تلهم هذه المبادرة مجموعات أخرى لبدء العمل بهذا النوع من النهج".