نابليون ينتقم من "أم خالد"

رواية حقيقية يتناقلها الفلسطينيون منذ وقوعها، ويكتب عنها الناشط في جمعية "فلسطينيات" جهاد أبو ريا، وتأتي متوافقة مع بحث عمر الراشد عن دور الفرنسيين في الاستيطان اليهودي في فلسطين، وتتحدث الرواية عن انتقام جنود نابليون بونابرت من قرية "أم خالد" الصغيرة إثر فشلهم في دخول عكا سنة 1799K وتدميرها تدميرا كاملا.

الجميزة الدهرية

مع ارتفاع صوت أذان الصبح، ومن تحت شجرة الجميز العملاقة، نهض نابليون من نومه مرعوبا. كان جسمه ينتفض خوفا، وكان العرق يتصبب من جبينه. لقد تداخلت عليه الأمور لاستيقاظه المفاجئ من نومه على صوت " الله اكبر، الله اكبر ". لوهلة خشي نابليون أن أحمد باشا الجزار استطاع اللحاق به، وأسره.

جهاد أبو ريا قرب الجميزة

عند سماع صراخ نابليون المفاجئ هرع جنوده إليه. كان الأمر مضحكا بعض الشيء لبعضهم، لكن أحدا منهم لم يتجرأ أن ينبس ببنت شفة، فجميعهم يعلم أن نابليون لن يرحمهم، وأن الموت مصير من يجرؤ على ذلك.

رويدا رويدا تمالك نابليون نفسه، وفهم أن صوت الأذان لم يكن مصدره مساجد عكا التي طالما حاصرها خلال الشهرين الاخيرين. لقد تيقن أن صوت الأذان مصدره مسجد قرية "أم خالد" الذي يبعد عشرات الأمتار عن شجرة الجميز.

حاصر نابليون بجيشه الجرار مدينة عكا نحو شهرين، وخلال كل هذه المدة لم يتوقف الأذان عن الارتفاع داخل أسوار المدينة يوما واحدا. كان ذلك بمثابة علامة شؤم لنابليون، ورسالة له من أحمد باشا الجزار أن المدينة لا زالت صامدة، وترفض الاستسلام.

الجميزة أصبحت مزارا

غادر نابليون عكا ذليلا حزينا بعد فشله في احتلالها، واختراق أسوارها، وقرر التوجه جنوبا باتجاه مصر. مر بالقرب من مدينة حيفا، لكنه لم يتوقف هناك، فالمكان ليس بعيدا عن عكا وعيون الجزار في كل مكان. استمر في طريقه بجانب قرية طيرة حيفا، فعثليت، فالصرفند وكفر لام ثم توقف قليلا بجانب قرية الطنطورة ينظر الى جمالها الخلاب.

بعد استراحة قصيرة أكمل مشواره ليمر بجانب قرية كبارة، ثم قيساريا، فعرب النفيعات، ومن بعدها قرية وادي الحوارث ليطل بعد ذلك على قرية "أم خالد”.

وصل نابليون قرية "أم خالد" التي تبعد عن مدينة عكا نحو ثمانين كيلومترا، في ساعات المساء، وقرر النوم هناك تحت شجرة الجميز. لقد كان جسمه منهكا متعبا بعد معارك طويلة.

لم يكن اختيار نابليون النوم تحت شجرة الجميز العملاقة صدفة، فقد سمع عنها قبل وصوله اليها، فجذورها تمتد الى أكثر من ألف عام، حتى أصبحت مزارا يلتمس بركتها الوافدون اليها.

 

قبل أشهر قليلة من وصول نابليون قرية "أم خالد"، تم تعيين سالم مؤذناً لمسجد القرية. إنه رجل جدي، ويمتلك صوتا جميلا كباقي أفراد عائلته. كان ذلك خلال اجتماع كبار القرية تحت شجرة الجميز، وكانت وصيتهم الوحيدة له المواظبة على رفع الأذان في شتى الظروف.

ما إن هدأ نابليون من روعه حتى أمر جنوده بإحضار المؤذن اليه. كان سالم قد انتهى لتوه من رفع الأذان من على مئذنة المسجد، ونزل إلى داخل المسجد لأداء صلاة الصبح. فجأة هاجمه جنود نابليون داخل المسجد، واقتادوه إلى قائدهم. لم يفهم، ولم يستوعب سالم لماذا تم اقتياده من دون غيره، وهو الذي لم يعتدِ في حياته على أحد. لم يستغرق الأمر إلا عدة ثوانٍ حتى أطلق نابليون بنفسه النار على سالم، وأرداه قتيلا.

لم يكتفِ نابليون بإعدام سالم، بل أمر جنوده بهدم القرية كاملة، وحرقها، وطرد أهلها. كان ذلك في الواحد والعشرين من شهر أيار لعام الف وسبعمائة وتسعة وتسعين. هدم جنود نابوليون القرية، وبقيت شجرة الجميز.

غادر نابليون وجنده قرية "أم خالد"، وغادروا البلاد جميعها، وعاد أهالي قرية "أم خالد" إلى قريتهم ليبنوها من جديد مزدهرة عامرة.

دفن أهالي "أم خالد" شهيدهم سالم، ورفع ابنه الأذان من جديد. ارتفع صوت الأذان، ولم يتوقف حتى حضر الصهاينة إلى المكان، فهدموا القرية مرة أخرى. هدموها، وبقيت شجرة الجميز صامدة تنتظر عودة أهلها ليبنوها مرة اخرى.