البيروني.. جامع العلوم والفلسفة
البيروني من أساطير الفلسفة والعلم عبر التاريخ التي أخذ عنها ومنها العالم الكثير.
في الخامس من أيلول/سبتمبر من كل عام تحتفي إيران والمجتمع الفلسفي والفكري بميلاد الفيلسوف والعالِم والمفكر أبي الريحان البيروني، أحد رموز الفلسفة والعلوم والعرفان. وقد أطلق على هذا اليوم في إيران، اسم "يوم النجوم الوطني"، للدلالة على تخصّص البيروني وتميّزه في علم النجوم والفلك.
ولد أبو ريحان محمد بن أحمد البيروني في العام 352 هـجرية في قرية صغيرة تسمى بيرون في منطقة خوارزم التي كانت ضمن حدود دولة السامانيين.
لقَبه البيروني بــ "العارف بكل شيء" لما جمعه في شخصيته من علوم وفلسفة ومعارف، فكان أحد أهم فلاسفة وعلماء القرنين الرابع والخامس، في الرياضيات وعلم الفلك والتقويم والأنثروبولوجيا والدراسات الهندية والتأريخ والتسلسل الزمني والعلوم الطبيعية. يعتبر البيروني أب الأنثروبولوجيا والجيولوجيا، وكان يتقن الخورازمية والفارسية والعربية والسنسكريتية، وكان على دراية باليونانية القديمة والعبرية والسريانية.
كان أبو الريحان معاصراً لابنِ سينا، غير أنه تميّزَ عن الأخير في تنوّع مؤلفاته من ناحية المواضيع والقضايا والأفكار. فتختلفُ مؤلفاته بين العلوم والفلسفة والأدب والعرفان. بينما قد نجد أفكار ابن سينا ذاتها متكررةً بين كتبه ومؤلفاته. لقد أحاط البيروني بكافة علوم زمانه - ومن النادر أن تجتمع هذه العلوم في إنسان - ولم يترك حقلاً إلا واقتحمه فقد كان شغوفاً بالتعلّم حتى لحظاته الأخيرة.
يمكن القول إنّ البيروني كان مبتكراً يبتدع المفاهيم الفلسفية ويتقبّل كل التساؤلات غير المطروحة التي تخطرُ بذهنه، على عكس ابن سينا الذي كان يستخدم التركيب والعرض للمفاهيم أي كان مثل موسوعة أو دائرة للمعارف.
وكان مولعاً بالتزوّد المعرفي والمثابرة وتطوير نفسه فكرياً، حتى لا يكاد القلم يُفارق يده. وكان عزيز النفس مقدّراً لمكانة العلم ورفعة شأنه، فأبى صُحبة الخلفاء ورفض عطاياهم ولم يطاوعهم تكريماً منه لهيبة حملة العلم ورواده.
من أبرز ما ترك من إرث علميّ وفكريّ:
· كتاب القانون المسعودي
· تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة
· الآثار الباقية من القرون الخالية
· الصيدنة في الطب
· الجماهر في معرفة الجواهر
وله كتب ومؤلفات أخرى. ففي الأدب له شرح ديوان أبي تمام، ومختار الأشعار، والآثار، وفي الفلسفة له كتاب المقالات والآراء والديانات، وجوامع الموجود في خواطر الهنود، وله في الجغرافيا كتاب تصحيح الطول والعرض لمساكن المعمور من الأرض، وكتاب تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن، وفي التاريخ له كتاب تصحيح التواريخ، وفي الفلك ألّف كتاب الاستشهاد باختلاف الأرصاد وتعبير الميزان لتقدير الأزمان، وفي علم الرياضيات له كتاب استخراج الكعاب والأضلاع وما وراءه من مرتاب الحساب، وله أيضاً كتاب الأرقام.
هاجم البيروني أرسطو الذي اعتقد بأن الأجرام السماوية ثابتة، ففسر ظاهرتي الكسوف والخسوف. وكانت ملاحظاته هي المرجع الرئيسي الذي لجأ إليه العالم دانثورن لحساب العجلة التي يتحرك بها القمر. كما ذكر مجرة درب التبانة كجزء من عدد كبير من المجرات الأخرى في الكون. دخل البيروني في كثير من المناقشات حول دوران الأرض وخاصة مع ابن سينا كما أنه اعترض على توقعات أرسطو حول علم الفلك.
وألف البيروني جمعاً، في الفلك والرياضيات 95 كتاباً من مجموع مؤلفاته 146 كتاباً تحوي 65% مما تم اكتشافه في علم الفلك والقواعد الأساسية التي يعتمد عليها في العصر الحديث. إلى جانب إنجازاته في الفيزياء والجغرافيا وعلم النبات وغيرها.
توفي هذا العالم الموسوعي عام 440 هـ الموافق 1048م، بعد حياة يملؤها العلم والمعرفة وتزخر بالعطاء وسيلان القلم.
البيروني من أساطير الفلسفة والعلم عبر التاريخ، التي أخذ عنها ومنها العالم الكثير، فسلامٌ على روحه في يومه.