حوار شامل عن المرجع السيد محمد حسين فضل الله – الجزء الرابع

نص الحلقة

محمد علوش: لا يمكن أن تُفهَم أطروحات المرجع الديني السّيد محمد حسين فضل الله في منهجه الفكري أو تفسيره القرآنيّ بمعزلٍ عن قضايا الأمّة وفي القلب منها القضية الفلسطينية، فهي عند السيّد قضية وطنية، وهي قضية قومية، وهي قضية إسلامية، وهي قضية إنسانية.

آمن السيد بعدالتها كما آمن بوجوب الجهاد في سبيلها، فعاش لها ودفع أثماناً من أجلها. احتضن حركاتها المقاومة، كما كانت له منزلة خاصة عند قادة المقاومة وكوادرها.

في هذا الجزء الرابع من الحوار، نخصّصه للحديث عن علاقة السيّد فضل الله بالمقاومة الفلسطينية وبقضايا الأمّة، وذلك مع سماحة العلاّمة السيّد علي فضل الله.

نرحّب بكم سماحة العلاّمة السيّد علي فضل الله. في الحلقة الماضية، تحدّثنا، أو أشرفنا، وكان الحديث في نهاية الحلقة هو حول التقريب ما بين السنّة والشيعة ورأي سماحة السيّد محمد حسين فضل الله في موضوع هذا التقريب، وضربت مثالاً في الموضوع، أنه اتفق مع المذاهب السنيّة في موضوع توقيت الأذان لصلاة المغرب. في قضايا أخرى، أنا أريد أن أسأل هنا عن المنهج الذي كان يعتمده سماحة السيّد في هذه القضايا الإشكالية مذهبياً. هل كان من ضوابط محدّدة يعتمدها، أم أنّه فقط في بعض الجزئيات يجد أنّ الحُجّة هنا أقوى فيميل إليها مثلاً؟

 

السيّد علي فضل الله: هو طبعاّ سماحة السيّد في هذا الموضوع لم يكن، بعض الناس يصوّر أنّه يريد أن يتقارب فهو سعى إلى أن يذلّل كلّ العقبات. لا، هو كان يرى أنّ التقارب موجود في داخل الفقه، في التاريخ، في الجانب العقدي، الأمور موجودة، ولكن نحتاج إلى أن نُظهِرها، ونستطيع أن نصل إليها بالبحث العلمي المجرّد، أن ننزع هذا التوتر المذهبي من داخل حركتنا الفقهية والعلمية، لأنّ هذا يترك تأثيراً ولو بطريقة غير مباشرة، يجعل المرء يأنس إلى رأيٍ مخالِف، وحتى البعض كان يعتبر أنّ الخلاف، الرشد في خلافهم، أنّك يجب أن تكون فعلاً تعبّر عن هويتك وعن رشدك فتخالفهم. هذا الأمر بالتأكيد لم يكن موجوداً عند سماحة السيد، كان يتحدّث علمياً، أوصله بحثه العلمي إلى هذه القناعات، وربما هناك أمور لم يوصِله البحث العلمي، فبقي على قناعاته، اختلف فيها مع المذاهب الإسلامية. ولكن في النهاية هو دعا العلماء إلى أن يتلاقوا، أن يتحاوروا علمياً، فقهياً، بعد أن يتجرّدوا من هذه الخصوصية، ليس من الخصوصية، ولكن من توتر الخصوصية، الذي يترك أثراً على طريقة التفكير، يستطيعون أن يصلوا إلى قناعات مشتركة.

 

محمد علوش: طبعاً هنا أتذكّر دراسة أجراها طبعاً الدكتور سعود المولى حول فكر السيّد محمد حسين فضل الله، يقول "كان داعية ليس إلى التقريب بين المذاهب فحسب، بل إلى الابتعاد الكامل عن جميع ألوان المذهبية والطائفية أيضاً". يتابع في مكان آخر، يقول "كما أنّه لم يفهم التشيّع كتيار سياسي، أقلية خائفة متوترة مغامرة ساعية للسلطة".

هل هذا بالفعل ما كان يحرّك السيّد بهذه الطريقة، عبارة عن فئة سياسية ذات هوية مذهبية أكثر منها ثراء فكري داخل تيار إسلامي عام؟ هل هذه الصورة كانت بهذا الشكل؟

 

السيّد علي فضل الله: بطبيعة الحال، سماحة السيّد كان يقف ضدّ موضوع التوتر المذهبي، الذي يعبَّر عنه بالمذهبية، أو التوتر الطائفي الذي يعبّر عنه بالعصبية.

 

محمد علوش: عفواً على المقاطعة، مع أنّه خلال حياة السيّد لم نشهد توتراً مذهبياً بالمعنى الذي نراه الآن؟ ما القلق الذي كان موجوداً عند سماحة السيّد آنذاك؟

 

السيّد علي فضل الله: في مرحلة من المراحل، كان هناك توتر مذهبي أو توتر طائفي، كان موجوداً، ولم يكن غائباً. الآن لم يكن ظاهراً بالشكل الحالي، لأنّ السياسة أحياناً هي التي تُبرِز هذه التوترات وتُظهِرها إلى العلن، لكن كانت الصورة واضحة عنده، أنّ اللعب على الوتر المذهبي والطائفي هو الأساس في حركة كلّ قوى الاستكبار، هم لا يريدون خيراً لواقعنا. لذلك كانت الصورة واضحة عنده، كان دائماً يحذّر من هذه المذهبية، ولهذا منذ وقتها، ولم يكن هناك هذا التوتر الذي نشهده الآن بهذا العمق، منذ ذلك الوقت، هو حرّم سبّ الصحابة وأمّهات المؤمنين، لأنّه كان يرى صورة مستقبلية أنّه سيُلعَب على هذا الوتر، على التوتير، لأنّ السّبّ هو توتير، اللعن هو توتير، ليس فكراً، الفكر ليس إشكالاً، يُترَك في أيّ وقت، لكن الإشكالية كانت بالتوتير، كان يرى ذلك، ولذلك كان يسعى إلى نزع هذا الفتيل من الأساس.

 

محمد علوش: بتقديركم، لأنّها إشكالية على الأقلّ في الشارع السنّي، تحمل لبساً، على أنّ بعض الرموز المعتبَرة لدى علماء السّنّة تعرَّض للامتهان عند الشيعة بحسب ما يقول البعض، أريد أن أسألك إلى أيّ حدّ ساهمت هذه الفتاوى بشكل عام، سواء كانت الصادرة من سماحة السيّد محمد حسين فضل الله، أو من الإمام الخامنئي، لقطع دابر هذه الإشكالية وحسمها نهائياً بحيث لا تعود للظهور مجدّداً؟

 

السيّد علي فضل الله: مع الأسف، تركت أثراً إيجابياً، لكن مع الأسف أنّ البعض حاول أن يفرّغها من مضمونها ويضعها بدائرة إما المجاملة أو الرغبة بالاختراق، أو البعض جعلها بإطار التقية وغير ذلك من الأمور، ولذلك سعى إلى تفريغ مضمونها، لكن الذين يعون المنطلقات الحقيقية التي انطلق منها سماحة السيّد رضوان الله عليه أكيد يعرفون، لأنّ هذا لم يكن يأتي بمعزل عن قضايا أخرى، هم أكيد يعرفون مدى الجدية في ذلك، لأنّ الأمر لم يكن مجاملة.

 

محمد علوش: وإنما هي قناعة وفتوى توصّل إليها باجتهاده.

 

السيّد علي فضل الله: سماحة السيّد بناها على المبدأ، المبدأ الإسلامي، قال أنّ المبدأ الإسلامي لا يحبذ موضوع السبّ، حتى الله تحدّث "وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ".

 

محمد علوش: " فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ".

 

السيّد علي فضل الله: أيضاً الإمام علي عليه السلام عندما رأى بعض أصحابه يسبّون أهل الشام، طبعاً كان هناك معركة صفين.

 

محمد علوش: خلاف.

 

السيّد علي فضل الله: الخلاف الذي كان وقتها، وعندما رآهم يسبّون، فقال لهم لماذا تسبّون، قالوا له نسبّهم لأنّهم يسبّوننا، قال لهم لا، "إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ"، ليس هذا أسلوبنا، "وَلَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ ، وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ: اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ، وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ". هذا المنطق العلمي، يتحدّث بمنطق علمي، والمنطق الوحدوي يجب أن يكون دائماً هو الحاكِم، ليس هذا الأسلوب، الأسلوب العلمي هو ينبغي أن يكون حاكماً على الساحة الإسلامية والوحدة لا بدّ دائماً أن تكون حاضرة في خطابنا، أيّ شيء يسيء إلى الوحدة لا بدّ أن يُترَك مهما كان.

 

محمد علوش: وأنا أقرأ لسماحة السيّد في ما يتعلق بالحوار داخل الفضاء الإسلامي السنّي الشيعي وغيره، له مقولة تقول نتعاون في ما اتفقنا عليه، ويحاور بعضنا بعضاً في ما اختلفنا فيه. طبعاً هناك مقولة أخرى للشيخ محمد رشيد رضا أنّه نتعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً في ما اختلفنا فيه. لا، السيّد ابتعد أكثر.

 

السيّد علي فضل الله: السيّد يقول يجب أن نتحاور، يجب أن نفهم بعضنا البعض لأّنّ القضية دائماً مطروحة، القضايا الفقهية مطروحة، وتتجدّد دائماً القضايا السياسية، فالحوار يجب أن يستمرّ دائماً، لأنّه في كلّ مرحلة سيأتي من يشعل فتيلاً في الفكر، أو في العقيدة، إذا لم نتحاور ونفهم بعضنا، قد لا نصل إلى نتائج، ولكن نفهم بعضنا البعض، نغيّر من نظرة بعضنا البعض.

 

محمد علوش: في تصوّر سماحة السيّد  أو في هاجسه، هل كان يرى أنّ هناك ضبابية في الرؤية أو خلل في التصوّر عن الآخر، بمعنى الشيعة مرجعية أو علماء ومجتمع، في الرؤية له تصوّر مختلف عن المفهوم السنّي، والعكس تماماً؟ هل كان عنده هذا الشعور؟

 

السيّد علي فضل الله: طبعاً عنده هذا الشعور أنّ الإشكالية عدم الفهم، ولهذا هو كان دائماً يقول أنّ من الوسائل التي تساهم بتعزيز الوحدة الإسلامية الزواج، لأنّه من خلال الزواج يحصل تلاقٍ ويحصل تواصل، ويصبح كلّ واحد يعرف الآخر على حقيقته، يراه كيف يصلّي، وكيف يتعبّد، ويراه وهو يقرأ القرآن، لا يأتي أحد ويقول له مثلاً لهم قرآن غير القرآن، أو غير ذلك من الأمور، فالتواصل هو المطلوب.

 

محمد علوش: هل لهذا السبب كانت فتوى الإمام أو السيّد بحق الزواج للمرأة الشيعية من السنّي أم العكس بالمطلق من دون أيّ حذر أو قيد أو قلق؟

 

السيد علي فضل الله: طبعاً، هذا أمر بالعكس كما ذكرنا كان يشجّع عليه، وهو يراه أنّه السبيل لوأد الفتنة، لكن بشرط، أكيد كان يشترط الاحترام المتبادل، وهذا مطلوب في الحياة الزوجية بكلّ الجوانب، لا نأتي بشيء خاص، الاحترام، قد يكون الأمر بالسياسة أحياناً، قد يكون الزوج عنده موقف سياسي، الحياة الزوجية مبنية على أساس المودّة والرحمة، الرحمة أن يقدّر كلّ واحد ظروف الآخر، أن ينظر إلى الآخر من موقع الحق بالتفكير والحق بالرأي، فإذا تأمّنت هذه الظروف أكيد تساهم في الوحدة الإسلامية، ولكن إذا بات كلّ واحد يريد أن يقمع الآخر ستساهم بتعزيز الفتنة أكثر وإثارة التوتر أكثر.

 

محمد علوش: أريد أن أسأل ما إذا كان يرى الميراث السنّي الفكري والفقهي وحتى التاريخي والثقافي جزءاً من التراث الإسلامي الغني والجامع، طبعاً هو له محاضرات وحتى كتابات في ما يتعلق بالتراث الإسلامي، أخذنا مقتطفاً ممّا يقوله سماحة السيّد بهذا الخصوص. نستمع لما قاله، وأريد أن أسألك بهذا الخصوص.

 

المرجع السيّد فضل الله والتراث: يقول السيّد محمد حسين فضل الله "نحن أمّة تعتزّ بتراثها حيث يلعب الماضي دوراً أساسياً في ذهنية العربيّ، والمنطلقات الدينية جزءٌ هامٌ من مظوماتنا المعرفيّة. كذلك نحن أمّة للدين، لذلك أرى أنّه من الصعب على أيّ مفكّرٍ أن يتقدّم بنظريّةٍ عن الترقي أو التقدّم أو الحضارة من دون أن يأخذ بعين الاعتبار هذه الحقيقة. نحن العرب والمسلمون الوحيدون الذين نجعل من ماضينا عبئاً على حاضرنا، عبئاً ننأى به بدلاً من جعله طاقة ومحرّضاً ومحرّكاً في دوامة العصر".

 

محمد علوش: طبعاً انطلاقاً من مفهوم التراث لدى سماحة السيّد، هل هو التراث المقصود هنا الإسلامي هو فقط التراث الشيعي بكلّ مضامينه، أم أنّه التراث العابر للمذاهب بكلّ الأحوال؟

 

السيّد علي فضل الله: لا، طبعاً التراث الإسلامي هو الإسلامي، وخاصة كان يقول دائماً أنّ الفقه، كان دائماً يتحدّث بالفقه كما يتحدّث بعض العلماء، أنّ الفقه الشيعي يأتي على هامش الفقه السنّي، هو إجابات على ما كان يُطرَح في الفقه السنّي، ولذلك كان دائماً يرى أنّ التراث الإسلامي لا بدّ أن يُقرأ، ولا تستطيع أن تفهم، حتى المذهب لا تستطيع أن تفهمه إلا بفهمك لبقية المذاهب، وموقع المذاهب الأخرى. هذا أمر كان واضحاً، ولذلك كما كان سماحة السيّد، كان يتحدّث بهذه اللغة الإسلامية العامة، وكان دائماً يدعو إلى أن نفكّر إسلامياً، ليس بالمعنى الشعاراتي، أنّنا دائماً يجب أن نفكّر إسلامياً قبل أن نفكّر بالشعارات.

 

محمد علوش: هل الأمر كان يقتصر فقط على كتابات السيّد ومحاضراته، أم أنّه ترجم هذا الفكر عملياً، بمعنى خاض تجربة الحوار مع الآخر ودعا إلى مجمعات من هذا النوع، أو بارك مثل هذا العمل؟

 

السيّد علي فضل الله: طبعاً سماحة السيد كان له باع طويل في هذا الحوار، وطبعاً اللقاءات الكثيرة التي كانت تتمّ كان حريصاً عليها مع كلّ القيادات الإسلامية، حرص على أن يلتقي وأن يتحدّث، ولذلك طبعاً هناك تراث موجود، تراث حواري، وليس تراثاً فقط تنظيرياً. الآن، هل السيّد بنى مؤسسة؟ لا، السيّد قد لا يكون بنى هو مؤسسة مباشرة تتابع، ولكن بالتأكيد دعم مؤسسات التقريب، سواء كانت تلك التي كانت في القاهرة أو في إيران أو أي مؤسسة تقريب، كان السيّد دائماً واحداً وأساسياً وركناً أساسياً في أيّ موقع كانت، وكان يشجّع أيّ عمل حواري، وحتى عندما انطلق تجمّع علماء المسلمين في لبنان كصيغة وحدوية كانت موجودة، كان هو من الداعمين. كان يدعم أيّ حركة وحدوية تنطلق ويشجّع هؤلاء، ويصبح كأنّه واحد منها، يتابع تفاصيل التفاصيل، ويسعى إلى نقدها وتصويبها، وهذا كان أساسياً في حركة سماحة السيّد. كان يرى أنّ الهمّ الأول والأساسي، أو من الهموم الأساسية الأولى، كما كان عنده همّ فلسطين، كان عنده همّ الوحدة الإسلامية، كان يعتبرها من أولويات عمله.

 

محمد علوش: على ذكر فلسطين، وأنا سأخصّص ما بعد الفاصل كامل بقية الحلقة للقضية الفلسطينية، لكن اللافت في موضوع السيّد اهتمام كبير وعاطفة جيّاشة واندفاع قوي في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وكان عنده أمل كبير فيها وعلاقات تربطه بكلّ أصناف المقاومة الفلسطينية من حركة حماس إلى حركة الجهاد وقبلها مع حركة الإخوان المسلمين بهذا الإطار. كيف كان ينظر للقضية الفلسطينية سماحة السيّد؟ هل هي قضية إسلامية أم قضية عربية أم أحد الإشكاليات التي يمكن العبور من خلالها إلى التقريب في الوجهات المذهبية، سنيّة وشيعية؟

 

السيّد علي فضل الله: طبعاً كان السيّد حريصاً على هذه القضية، كان يعتبرها أمّ القضايا، لأنّه كان يعتبر أنّ فلسطين إذا سمحنا بسقوطها فمعنى ذلك علينا أن نتهيّأ لسقوط بلاد أخرى ومواقع أخرى أساسية في العالم العربي والعالم الإسلامي، ولذلك كان يرى أنّ هذه القضية لا بدّ أن نصرّ على متابعتها، تحت أيّ ظرفٍ من الظروف، لا بدّ أن يبقى الصوت، حتى لو بقيت أصوات، حتى لو أنّ العالم، كلّ العالم العربي والعالم الإسلامي بمعنى الدول، قرّروا أن ننتهي من هذه القضية ونذهب إلى الحلّ السلمي، لا بدّ أن يبقى هذا الصوت موجوداً. ولذلك، كان سماحة السيد دائماً يعبّر بأكثر من كلام أنّه لن نقبل بوجود هذا الكيان، حتى لو أنّ العالم، كلّ العالم، قبل.

 

محمد علوش: كان عنده رفض مطلق لوجود إسرائيل، بمعنى اتفاق السلام، أو ما يُعرَف بحلّ تسووي لهذه القضية، على قاعدة وجود دولتين، هذا ما كان يقبله.

 

السيد علي فضل الله: لم يكن يقبله، لم يكن يرى أنّه يمكن أن يسجَّل في التاريخ أنّ المسلمين في مرحلة من المراحل قبلوا بأن يسقط بلد من بلادهم ويتحوّل إلى موقع آخر، لم يكن يقبل، ولذلك كانت فتاواه بعدم جواز التعامل مطلقاً بأيّ شكل من الأشكال مع هذا الكيان، عدم القبول بوجود هذا الكيان، عدم بيع هذا الكيان أيّ أرض أو أيّ مكان، وكان يرى ألا حرية لأحد أن يتنازل عن القضية الفلسطينية، لأنّه كان يعتبر أنّ هذه القضية هي عنوان، عنوان أعمّ حتى من الموضوع الفلسطيني، عنوان يشكّل هوية.

 

محمد علوش: ليست قضية وطنية وإنما قضية إسلامية، أكبر من أن تكون وطنية أو عربية.

 

السيّد علي فضل الله: كان طبعاً يدعو إلى اعتبارها تحمل كلّ هذه الأبعاد، هي قضية وطنية بالتأكيد، تبقى قضية وطنية، لكن هي قضية عربية، هي قضية إسلامية، وهي قضية مفترض أنّ بعدها إنساني، ولا يمكن أن تُعالَج إلا بكلّ هذه الأبعاد، لا يمكن أن تُعالَج ببُعد واحد، لأنّها قضية متشابكة أصبحت مع قضايا أخرى، وأصبحت جزءاً من منظومة عالمية. لا بدّ أن يكون عمل على كلّ هذه الأبعاد، وكلّ هذه الأبعاد يجب أن تُحرَّك في سبيل إعادة فلسطين إلى شعبها.

 

محمد علوش: طبعاً، أنا سأفصّل أكثر لا سيما في العلاقة مع حركات المقاومة داخل فلسطين تحديداً، لكن لفت نظري أنّه كان تلميذًاً للمرجع السيّد محسن الحكيم، وهو أجاز آنذاك، السيّد الحكيم، مع انطلاق منظمة التحرير، جواز دفع الخُمس لدعم القضية الفلسطينية. تقديرك، هذا كان أحد الروافد التي سلّطت الضوء أكثر عند سماحة السيّد في ما يتعلق بأهميتها الإسلامية والوحدوية، أم أنّه في سياق طبيعي، أنه بالفعل في هذه القضايا كان لا بدّ؟

 

السيّد علي فضل الله: يمكننا أن نقول أنّ سماحة السيّد كان له دورٌ في هذه الفتوى.

 

محمد علوش: حتى كان له دور فيها.

 

السيّد علي فضل الله: كان موجوداً، حتى كان موجوداً، لأنّ القضية الفلسطينية كانت طبعاً حاضرة في وجدانه، وطبعاً كان هو من بيت السيّد محسن الحكيم، وكان حريصاً على أن تصدر هذه الفتوى، ولذلك هو كان مؤثراً فيها، وطبعاً هذه الفتوى بقيت، حتى السيّد عندما أصبح مرجعاً هو أفتى كذلك، وكان يجيز لمن يأتي ويريد أن يناصر القضية الفلسطينية، بعيداً عن الجانب المذهبي.

 

محمد علوش: وقدّم الدعم حتى المادي.

 

السيّد علي فضل الله: الخُمس الذي ليس موجوداً عند بقية المسلمين، موجود عند الشيعة فقط، كان يجيزه.

 

محمد علوش: تسمح لي سماحة العلاّمة، نذهب إلى فاصل قصير.

مشاهدينا، أرجو أن تتفضّلوا بالبقاء معنا.

 

السيّد محمد حسين فضل الله (أرشيف): أجبرتنا فلسطين على الوحدة الإسلامية حولها، لأنّ بعضنا ربما لم يختر ذلك، فلننطلق من هذه الوحدة الإسلامية الحركية الواعية المنفتحة التي تحدّق بفلسطين كمنطلقٍ لكلّ قضايا المسلمين في العالم ولكلّ المواجهة للاستكبار في العالم.

 

 

المحور الثاني

 

السيّد محمد حسين فضل الله (أرشيف): المقاومة ليست إرهاباً، هي عنفٌ مشروعٌ في كلّ الحضارات، وهو معنى الجهاد في الإسلام الذي ليس جهاداً عدوانياً، أما العدوان على الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، أما ظلم الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، فهو عملٌ لا حقّ للناس فيه.

 

محمد علوش: نجدّد بكم الترحيب مشاهدينا ومع سماحة العلاّمة السيّد علي فضل الله.

سماحة العلاّمة، طبعاً أنهينا، أو قبل الفاصل، كنّا نتحدّث عن القضية الفلسطينية، وأعطيتني حضرتك معلومة، أنّ السيّد محمد حسين فضل الله كان له دور بتصدير الفتوى من قبل السيّد محسن الحكيم في ما يتعلق بجواز دفع الخُمس للقضية الفلسطينية، وحتى أنّه كان ضمن الفتوى على ما أذكر، أو بحسب ما قرأت، جواز الانخراط حتى في العمل الفلسطيني المسلّح، وهذا كان أمراً إلى حد ما يحمل أبعاداً كثيرة.

 

السيّد علي فضل الله: جرأة كذلك.

 

محمد علوش: جرأة شديدة طبعاً.

 

السيّد علي فضل الله: حتى في الواقع السياسي.

 

محمد علوش: في الواقع السياسي لأنّ أغلب الدول كانت تحت استعمار، وتعيش خضّات وتوترات. تقديرك، في هذه القضية، هل هو خط كان موجوداً فقط عند سماحة السيّد وبعض العلماء، أم أنّ القضية أصلاً موجودة حتى في الوجدان الشيعي أساساً كقضية فلسطينية، أنّها قضية إسلامية، قضية وطنية، قضية عروبية، لا بدّ من رفدها ودعمها بعيداً عمّا يُعرَف بالتوتر المذهبي؟

 

السيّد علي فضل الله: طبعاً مفروض أن تكون في الوجدان الشيعي، على اعتبار أنّ الوجدان الشيعي دائماً يتربّى من خلال عاشوراء على رفض الظلم، مفروض أنّ عاشوراء تربّي على هذه القيمة، دائماً تُستحضَر هذه القيمة، رفض الظلم، رفض الطغيان، وطبيعي أنّ الوجدان الشيعي يتربّى، طبعاً إلى جانب التربية الإسلامية العامة، لا نستطيع أن نحيّدها في هذا الإطار عن أيّ ثقافة شيعية. أكيد هذا الأمر موجود، لكن طبعاً كان هناك البعض ليست لديه مثل هذه الحرارة في التعامل مع القضية، ربما يقول لك أنا مع القضية لكن في النهاية هذه قضية لا علاقة، البعض يأخذها من الجانب المذهبي، البعض يقول الجانب الوطني، والبعض يأخذها من جانب أنّ هذه القضية من الصعب، البعض بات عنده يأس من هذه القضية. هذا كان موجوداً، وطبعاً كان السيّد من الأشخاص يمثل تياراً في هذه القضية، لأنّ البعض أيضاً يعتبر الأولوية لقضايا خاصة لها علاقة بالجانب المذهبي، فهذا طبعاً موجود في الوجدان العام، لكن البعض يحاول أن ينحو بالأمر لناحية ثانية، فيهوّن من هذا المخزون الذي يجب أن يكون دائماً حاضراً في رفض أيّ واقع للظلم بأيّ موقع من المواقع، حتى لو كان موقعاً يختلف مذهبياً.

 

محمد علوش: طبعاً سماحة السيّد، هو فقط إضافة إلى الدعم للقضية الفلسطينية، دعم كلّ الفكر المقاوم، وحتى الحركات التي تشكّلت في فكر المقاومة، وعلى ما يبدو، هذه الحركات تعيد الاعتبار لسماحة السيّد ودوره وحيثيته في ما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية. حاولنا أن نأخذ شهادة من حركة حماس، ممثلها في لبنان الأستاذ علي بركة، حول دور سماحة السيّد. نشاهد ماذا يقول.

 

علي بركة: رحم الله العلاّمة السيّد محمد حسين فضل الله، لقد كانت فلسطين في قلبه وعقله ووجدانه، لم تخلُ له خطبة إلا وفلسطين دائماً أساساً في هذه الخطبة. كان دائماً يسأل عن المقاومة في فلسطين، يطمئنّ عن أحوالها، عن أحوال المجاهدين، وكان يتصل بنا دوماً، وكان هناك لقاءات شهرية، نحن في حركة المقاومة الإسلامية حماس مع سماحة السيّد محمد حسين فضل الله، وإذا تأخّرنا عليه كان يتصل بنا أين أنتم، أريد أن أستخبر عن المجاهدين، أستخبر عن المقاومة في فلسطين، عن أحوالها، وكان يدعم أُسر الشهداء في فلسطين، وتحديداً المحاصَرين في قطاع غزة.

سماحة السيّد فضل الله هو أحد المراجع الأساسيّة التي كنّا نستشيرها في القضية الفلسطينية، وفي الشأن السياسي المتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية. نحن كنّا دائماً نستشيره في المحطات المفصليّة في تاريخ القضية الفلسطينية، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر، عندما كنّا ندرس خيارات المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني  في نهاية عام 2005، حيث أنّ الانتخابات كانت ستجري في يناير 2006، من الشخصيات الأساسية في العالم العربي والإسلامي التي استشرناها في هذه المسألة هو سماحة العلاّمة السيّد محمد حسين فضل الله، والذي أشار على حركة حماس أن تشارك في الانتخابات التشريعية، حتى تحمي المقاومة الفلسطينية، وتحارب الفساد في السلطة الفلسطينية.

 

محمد علوش: مولانا، ما الذي لفتك بكلام الأستاذ علي بركة بخصوص حضور السيّد في القضية الفلسطينية؟

 

السيّد علي فضل الله: أكيد، أنا من خلال موقعي وعلاقتي مع سماحة السيّد، أكيد الأمر كان بهذه الصورة، بهذا الوضوح. كان سماحة السيّد يتابع القضية الفلسطينية بكلّ مراحلها، سواء كان عندما كانت القضية الفلسطينية لا تزال في إطار وجودها في لبنان، كان يتابع، كان حريصاً على أن ينقد الكثير من الممارسات، ويحفّز في سبيل إبقاء القضية الفلسطينية في وجهتها الحقيقية، وكذلك في الداخل الفلسطيني. كان لديه هذا التواصل، وطبعاً أتصوّر أنّه بالتفاصيل في كثير من الأمور التي تُذكَر، كان هناك حتى كوادر كانت تأتي إلى سماحة السيّد، وكان السيّد هو، من حركات مقاومة فلسطينية طبعاً إسلامية، كانت تأتي، والسيّد كان هو يبيّن الفكر الذي ينبغي أن يبقى، التوجّه الذي ينبغي أن يبقى، إلى جانب قيادات. فهذا الأمر أنا أؤكّد عليه. واقعياً وعملياً وكان يتطور باستمرار، ولم أعرف في أيّ مرحلة من المراحل أنّ هناك وهناً في التعامل.

 

محمد علوش: سماحة العلاّمة، دعم القضية الفلسطينية ليس بالضرورة أن يكون دعماً للمقاومة الفلسطينية. البعض يقول لا، أنت قد تدعم القضية الفلسطينية من خلال دعم مشروع السلام للقضية الفلسطينية، في حين أنّ سماحة السيّد كان يرفض حتى اتفاقيات أوسلو وما تلاها في ما بعد، وكان يرى أنّ الحلّ لا يكون إلا بالعمل الجهادي المسلّح. لِمَ كانت وجهة نظر سماحة السيّد هي تنحصر في هذا الإطار تحديداً، رغم أنّ هناك جزءاً كبيراً من الفلسطينيين، بمن فيهم من كان يقود منظمة التحرير ياسر عرفات كان باتجاه البحث عن حل تسووي؟

 

السيّد علي فضل الله: طبعاً السيّد كان يرى أنّ المقاومة بكلّ أشكالها، بالمسلح والحجارة وأيّ وسيلة، أحياناً برفض التعامل مع الكيان، هذه أيضاً من الوسائل، كلّ الوسائل التي يمكن أن نواجه بها الكيان كان حريصاً عليها، لكن طبعاً سماحة السيّد لم يكن يعنف في مواجهة الذين يرون الحلّ السلمي، ولكن كان يقول لهم جرّبوا ولن تصلوا إلى نتيجة، كان عنده قناعة بأنّ هذه الحلول السلمية لن تؤدّي إلى النتيجة المرجوّة لأنّ هذا الكيان معروف في خلفيته، معروف في طبيعته، لا يمكن أن يقبل بوجودٍ آخر، حتى لو قبل لمرحلة فهو سوف يسعى إلى أن يستفيد من ذلك حتى يقوّي نفوذه وليس حتى يعطي الشعب الفلسطيني قوة، أو ليرتاح لمرحلة حتى يعود بعد ذلك وينقضّ بمرحلة أخرى كما حصل بالنسبة لاتفاق أوسلو. لم يكن عنده قناعة بأنّ هذه توصل الى الحلّ، ثمّ كان يرى أنّه لا يمكن أن نجزّئ فلسطين، فلسطين لا بدّ أن تبقى كما يقال من البحر إلى النهر، لا بدّ من أن تبقى كما هي، فلسطين، كلّ فلسطين، ليس هناك تجزئة.

 

محمد علوش: هذا الموقف في دعم المقاومة منذ مراحلها الأولى، أيام منظمة التحرير وحركة التحرير حينما كانت منظمة ثورية بمعنى تمارس النضال المسلّح، وصولاً إلى حركة حماس وحركة الجهاد في ما بعد، وحتى نشأة المقاومة في لبنان لمواجهة المحتل الاسرائيلي، كان له دور سماحة السيّد، على الأقلّ البعض يقول كمنظّر لهذا العمل فكرياً، هل هو كان السبب، تقديرُكم، في ما تعرّض له من استهداف سواء في العام 1985 أو 1986 في ما يتعلق بمجزرة بئر العبد وما بعدها في الـ2006 أيضاً تمّ استهداف منزل السيّد على يد الاحتلال الإسرائيلي؟ هل من ربط بين الأمرين؟

 

السيّد علي فضل الله: طبعاً ممكن.

 

محمد علوش: لماذا يتمّ استهداف السيّد وهو رجل دين؟ سؤال يُطرَح.

 

السيّد علي فضل الله: طبعاً أكيد السيّد كان له حضوره في الميدان العام وتأثيره، واضح، كان هو البارز والمؤثّر في الساحة الجهادية، في ساحة المقاومة بشكل عام، وكذلك كان هو يربّي على هذه الروح، وكانت أشرطته والتسجيلات في ذلك الوقت، لم يكن الواقع الإعلامي كما هو الآن، هي تنتشر في كلّ مكان وتترك تأثيراً، ولذلك كان السيّد من الأساس هو مستهدَف لهذا الحضور الذي كان له، وجاءت طبعاّ عدّة قضايا أخرى ربما أضافت، كموضوع اتهامه بموضوع المارينز أو غير ذلك من الأمور، لكن في النهاية هي كلّ هذه الشخصية، عندما صدر الأمر بأن تكون هناك مجزرة بئر العبد، أنه آن الأوان أن يخرج السيّد من المعادلة بكلّ عناوينها، السيّد لا تستطيع تجزئته لمرحلة من المراحل عن كلّ المراحل، عادة الذين يدرسون مواجهة أيّ شخصية يلاحظون كلّ تاريخها وكلّ واقعها، وكانوا يتطلعون إلى الدور المستقبلي الذي يمكن أن يكون لسماحة السيّد، وكما برز هذا الدور، ولذلك أستطيع أن أقول أنّ هذا أكيد داخل في الحسابات.

 

محمد علوش: حركة حماس وحركة الجهاد التي هي إلى حد، على اعتبار أنّ المؤسس لها الشيخ فتحي الشقاقي أو الدكتور، كان هو جزء من حركة الإخوان المسلمين، ارتباط مع الإخوان أو الالتقاء مع الإخوان حصل في محطات عديدة من قبل سماحة السيّد، هذا ترك أثره حتى في فضاء الحركة الإسلامية، على سبيل المثال، ما أعرفه أنا ممّا قرأت أنّ الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة كان يقول لأتباعه بقراءة كلّ ما يكتبه السيّد فضل الله وعدم أخذ أيّ ملاحظة عليها رغم الاختلاف المذهبي. أريد أن أسأل هنا في طبيعة العلاقة التي كانت تربطه في فضاء الحركات الإسلامية من غير اللون الشيعي تحديداً. ضمن أيّ إطار كان يتعامل معها؟ وهل بالفعل كان يرى نفسه أنّه بالفعل قد يكون مرشداً لها، موجّهاً لها، أو على الأقلّ ضابطاً لإيقاعها الفقهي؟

 

السيّد علي فضل الله: سماحة السيّد بخلفيته، بطريقة تفكيره، لم تكن هذه الجوانب المذهبية حاضرة لديه، كان يتحدّث مع الحركة الإسلامية سواء كان في تونس أو الحركة الإسلامية في الجزائر أو أيّ حركة إسلامية في كلّ مواقعها، كان يتحدّث بعنوانها حركة إسلامية، لم يكن يتوقف عند خلفيتها، سنيّة أو غير سنيّة، بأيّ اتجاه.

 

محمد علوش: يجد في المقابل جسوراً؟

 

السيّد علي فضل الله: وأتصوّر أنّ هذا الأمر موجود عند الآخرين، لم يكونوا يشعرون، وهذا نحن، على الأقلّ أنا من خلال لقاءاتي، التقيت بالشيخ راشد الغنوشي، والتقيت بالجميع، طبعاً باعتبار كان هناك هناك تواصل من خلال سواء اتحاد علماء المسلمين، كنت فيه، مجلس الأمناء، أو غير ذلك من المواقع الأخرى التي كنت ألتقي فيها في المؤتمرات، كنت أجد أنّ هذا الأمر كان واضحاً لدى الجميع، أنّ هذه الخلفية التي نتحدّث عنها الآن، المذهبية، الخصوصية، أبداً لم تكن حاضرة لدى، كما أنّها ليست حاضرة لدى السيّد، أيضاً ليست حاضرة لدى الآخرين. لذلك، كان يمكن للسيّد أن يكون هو راعياً لكلّ حركة إسلامية، وكان دائماً عندما يرى أيّ ثغرة في حركة إسلامية، كان مباشرة يتواصل معها، كان ناقداً، هذا معروف، السيّد كان دائماً يتابع وينقد، ولم يكن فقط يترك الأمور أو يتحدّث بالعلن أو بوسائل الإعلام والفضائيات، وإنما كان يتواصل مباشرة، وكان حريصاً على أن يتأكّد أنّ هذا الأمر أخِذ بعين الاعتبار.

 

محمد علوش: نجل سماحة السيّد السيّد جعفر فضل الله يقول السيّد فضل الله كان يؤسّس لاعتبار الحوار مع الآخر ضرورة فكرية في مسألة تشكيل الهوية الفكرية، وليس الحوار من أجل الحوار، أو أنّه مجرّد فريضة إسلامية. هذا تقدّم أيضاً في مفهوم الحوار، أنّه لتشكيل الهوية الفكرية. كيف؟ لو قلنا أنّها فريضة إسلامية قد يتقبّلها البعض على اعتبار أنّ الله دعا إلى الحوار، لو قلنا حوار من أجل الحوار ربما لتخفيف التوتر المذهبي، أما أن يشكّل الهوية الفكرية، كيف يمكن الربط هنا؟

 

السيّد علي فضل الله: المسار العملي لسماحة السيّد كان واضحاً أنّه كان يريد أن تشكَّل، لا بدّ أن نأخذ التراث بكامله، ويغني كلّ مذهب، إذا أردنا أن نأخذ مذهبياً، يغني كلّ مذهب التراث لديه بما عند الآخر، ولهذا كان يعزّ عليه في كثير من الحالات أنّ هناك تراثاً موجوداً مثلاً بالمذهب الشيعي، أو تراث موجود في المذهب السنّي، الشيعة لا يستفيدون منه، والسنّة لا يستفيدون من الأول، وبالتالي هذا الأمر يسيء إلى المذاهب بذاتها، إلى جانب أنّه من الممكن أن نصل إلى هوية واحدة. لماذا لا نسعى إلى الوصول إليها؟ لماذا؟ لماذا انتهى موضوع المذاهب، وفقط عندما نعمل في السياسة نتفق في السياسة ونتفق حول قضية فلسطين ونتفق حول قضايا أخرى؟ يمكننا أن نعمل على المستوى الفكري، والسيد كان باحثاً في هذا الإطار، ولذلك هو دخل إلى تفاصيل.

 

محمد علوش: في إحدى المقالات، أو حوار، لا أذكر الآن، لا يحضرني، لكن قرأته بالتأكيد من سماحة السيّد، بما معناه حتى أكون أميناً في النقل، أنّ التشيّع لا يقتصر على مذهب آل البيت، التشيّع أوسع من ذلك. ما الذي كان يقصده إذا كان بالفعل صاحب هذه العبارة؟

 

السيّد علي فضل الله: لم يكن السيّد يرى أنّ التشيّع هو التشيّع بالمعنى الخاص، كان يرى أنّ التشيّع هو الإسلام.

 

محمد علوش: يمكن أن يكون سنيّاً وفي نفس الوقت شيعياً؟ بمعنى يعتمد المذاهب السنيّة وهو في نفس الوقت يصنّف شيعياً بهذا المفهوم؟

 

السيّد علي فضل الله: الإنسان الشيعي لا بدّ أن لا يرى نفسه منعزلاً، بالبحر الواسع، كان يرى، هذا الفكر الذي يحمله يجب أن يكون يأخذ من كلّ الأفكار الموجودة في اجتهادات المسلمين أو في أفكار المسلمين، لا يجب أن يُعزَل، الإنسان الشيعي يجب أن يعتبر دائماً نفسه أنّه يمثّل الإسلام، هذا الإسلام بتنوّعاته. بعض الناس يقول هذا معناه أنّكم ألغيتم الآخر، أنتم الإسلام، اي الآخر أخرجتموه من الإسلام، لا، كان يرى أنّ ليس هذا المقصود، البعض ربما أشكل بهذه الصورة.

 

محمد علوش: حصل إشكال.

 

السيّد علي فضل الله: لا، أن تعتبر نفسك أنّك بهذا البحر الإسلامي لك طريقة بالتفكير، لك طريقة، وللآخرين طريقة، وكلّ هذا التنوّع هو يمثل صورة الإسلام. الإسلام الوحدة في إطار هذا التنوّع، وهذا الذي نحتاجه دائماً.

 

محمد علوش: هل كان بتقديره أنّ الحركات الإسلامية التي مدّ جسور التواصل معها، أنّها كانت تستوعب هذه الفكرة، وأنّها كانت خارجة عن إطار الشرنقة المذهبية أو غير معقّدة تعقيداً تاريخياً بها في تقديره؟

 

السيّد علي فضل الله: بمرحلة من المراحل قد تكون، ولكن لم يكن هناك هذا الجو، ولكن بعد تأجيج الجو المذهبي أو تأجّج أو تأجيج، في الحالتين صحيح، أصبح كلّ واحد ينظر للآخر.

 

محمد علوش: بخلفية أخرى.

 

السيّد علي فضل الله: بخلفية مذهبية، وهذا الذي وقعت به الحركة الإسلامية، ولذلك نجد الانقسام الذي يفترض ألا يصل إلى الحركة الإسلامية لأنّه يجب أن يكون تفكيرها أبعد وأوسع، لكن الحركة الإسلامية تفكّر بمواجهة القضايا الكبرى. كيف تواجه القضايا الكبرى بهذه العقلية الانغلاقية؟

 

محمد علوش: مولانا، مدّ الجسور مع الحركات الإسلامية، لأنّه اعتبرها جزءاّ من الفضاء الإسلامي بعيداً عن المذهبية، هذا قد نفهمه في إطار التقريب، لا سيما ينطلق الجميع من الإسلام الحركي، لكن هل بادر سماحة السيّد بالتواصل مع مرجعيات سنيّة مثل الأزهر أو هيئة كبار العلماء في السعودية التي تعتمد المذهب الحنبلي أو إطار آخر ضمن فضاء أوسع، وهو ما يُعتبَر بالمرجعية التقليدية على الأقلّ لدى أهل السنّة، أم كان يقتصر الحوار والعلاقة والأمل في ما يتعلق بالإسلام الحركي؟

 

السيّد علي فضل الله: طبعاً كان له تواصل مع العديد من القيادات الإسلامية، وهذا أمر معروف، لكن مع الأزهر بشكل مباشر، السيّد التقى أو ذهب إلى الأزهر، هذا لم يحصل، طبعاً هذا كان يمكن أن يحصل في مراحل لاحقة، يُشتغَل عليه، ولكن أنا عندما ذهبت إلى الأزهر والتقيت بشيخ الأزهر، وجدت معرفة وتقديراً، ويؤخذ سماحة السيّد.

 

محمد علوش: له حيثية وجدت داخل الأزهر.

 

السيّد علي فضل الله: نعم، ربما يختلف عن نظرتهم إلى علماء آخرين طبعاً في الإطار الشيعي، كانوا يرونه طبعاً.

 

محمد علوش: مع أنّ الأزهر كان رائداً في ما يتعلق بالمذاهب.

 

السيّد علي فضل الله: ولكن لم تتوفر لسماحة السيّد الفرصة، وكذلك التقى بالبعض إفرادياً ربما خلال زيارته إلى الحج، كان يلتقيهم، ولكن بالشكل العام الواسع، هذا الأمر لم يحصل.

 

محمد علوش: طبعاً قضايا عديدة، والأمر يحتمل حلقات وحلقات. طبعاً في ما هو قادم، سنتحدّث في مفهوم السيّد لأنسنة الفكر الديني وهو إطلاقه حتى من إطار الشرنقة المسلمة إلى فضاء أوسع، وهو البعد الإنساني، ومن هنا يأتي الحوار مع الآخر غير المسلم، المسيحي أو غيره، إضافة إلى فضاءات أخرى كان متحدّثاً بها سماحة السيّد سنخصّص في ما هو قادم من حلقات في هذا الإطار.

كلّ الشكر والتقدير لك سماحة العلاّمة السيّد علي فضل الله على هذه الإطلالة الطيّبة، كما أشكركم مشاهدينا على حسن المتابعة، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.