مراكب الموت
للبنان وجه آخر، ورسائل أخرى يُرسلها من شواطئه لايقدّرَ لها جميعًا أن تصل إلى شواطئ مقابلة... بعضها يضيع في الماء والملح، وبعضها يعود بالحزن والدمع.. قصة قواربٍ تسمى "مراكب الموت"، قاطع البحر حسراتهم وخيباتهم وراكمها واحدة واحدة. لقد كانت قوارب الهروب بأمتارها القليلة طولًا وعرضًا، محمّلة بأطنان هائلة من الآمال، ومطالبةً باجتياز آلاف الأميال... ومن ظلمات البر والبحر، كان مداد قصص الضحايا. حدود قاتلة في الحياة، وعدالة مفقودة بعد الممات ..هذا ما حدث.
نص الحلقة
<p>درّة الشرق وبهجته، رسالة الحضارة ومنارتها ولكن...</p>
<p>للبنان وجهٌ آخر ورسائل أخرى يُرسلها من شواطئه، لا يقدَّر لجميعها أن تصل إلى شواطئ أخرى، بعضها يضيع في الماء والملح وبعضها الآخر يعود بالحزن والدمع، قصّة قوارب تُسمّى مراكب الموت. </p>
<p>غرق مركب طرطوس عام 2022 كان فصلاً قاسياً من فصول تلك القصة، وبين عشرات الضحايا ناجون قلائل كان جهاد أحدهم. </p>
<p>هبة محمود: سلام جهاد كيف حالك؟</p>
<p>جهاد مشلاوي: الحمد لله.</p>
<p>هبة محمود: أنت أكثر مَن يحتاج إلى صدق السؤال عن أحوالك. </p>
<p>جهاد مشلاوي: لا يسعنا سوى أن نشكر الله على كل حال. </p>
<p>هبة محمود: متى بدأت تُراودك فكرة الهجرة؟ </p>
<p>جهاد مشلاوي: منذ أن بدأتُ أكتشف مَن أنا، قرّرتُ ألا أبقى هنا لأنّ لا شيء لنا فيه، أقل حقوقنا كشبابٍ وكشعبٍ في هذا البلد لا نحصل عليه. </p>
<p>هبة محمود: أنت تتحدّث كشابٍ فلسطيني يعيش في لبنان.</p>
<p>جهاد مشلاوي: بالضبط. </p>
<p>وسام التلاوي: الوضع المعيشي في لبنان صعب جداً، لدّي أربعة أبناء، لا توجد طبابة ولا دواء، نحن محرومون من أبسط حقوقنا. كان لديّ إبنة ذكية جداً موهوبة بالرسم، كنّا قد خطّطنا أن نفتح مطعماً حين نهاجر إلى إيطاليا، كانت قد رسمته، كان لدى أبنائي أحلام كثيرة، أردتُ أن أهاجر من أجلهم ليتعلّموا ويكتسبوا اللغة، الله أخذ أمانته. </p>
<p>محمد صبلوح: السبب هو الارتفاع الجنوني للدولار، اللبناني وخاصةً الطرابلسي لم يعد قادراً على تأمين قوت يومه، حتى السوري لم يعد يستفيد من تقديمات الأمم. أمام هذا الواقع هناك عصابات مُنظّمة تستغلّ حاجات الناس وعَوَزهم لإقناعهم بالهجرة غير الشرعية. </p>
<p>هبة محمود: هل لديكم أرقام أو إحصاءات حول عدد المراكب التي تُبحِر يومياً من طرابلس؟</p>
<p>محمد صبلوح: لا توجد إحصاءات دقيقة حتى لدى الدولة، ولكن منذ العام 2019 إلى 2021 كان هناك 3115 مهاجراً غير شرعي خرجوا من لبنان، منذ 2022 تضاعف العدد مرتين أو ثلاث. الذين يهاجرون هم لبنانيون وسوريون وفلسطينيون، العدد الأكبر سابقاً كان من اللبنانيين ولكنه تراجع مؤخّراً مقابل زيادة عدد السوريين والفلسطينيين. </p>
<p>هبة محمود: مع مَن تواصلتَ؟ </p>
<p>وسام التلاوي: عرفتُ من خلال مواقع التواصل أن هناك فلاناً من ببنين يساعد الناس على الهجرة، ذهبتُ إليه وقلتُ له إنني أريد الهجرة ولكنني لا أمتلك المال ولكن لديّ منزل قَيْد الإنشاء في عكار، أراد الحصول عليه مقابل سفرنا أنا وأبنائي الأربعة. </p>
<p>هبة محمود: كيف اتّفقتَ مع المُهرّب؟ </p>
<p>جهاد مشلاوي: كان أصحابي قد سافروا من خلاله قبلها بشهر ثلاث رحلات خرجت ووصلتْ، وهذا ما شجّعني على الأمر، كان المبلغ المُتّفق عليه هو سبعة آلاف دولار، 3500 دولار عند تسجيل الإسم ومثله عند الصعود إلى المركب. </p>
<p>وسام التلاوي: في 23 أيلول اتّصل بي المُهرّب وقال لي هيّا سننطلق. </p>
<p>جهاد مشلاوي: هم يتّصلون بالناس قبل أربع أو خمس ساعاتٍ، يتمّ جمعهم في مزرعةٍ صغيرة، كنا بحدود المئتي شخص، قال مساعدو المُهرّب إن العدد كبير ويجب على البعض منا أن يغادر إلى الرحلة المقبلة، تمّ وضعنا في سيارات مُقفلة وذهبنا إلى شاطئ البحر على أساس ألا يتخطّى عددنا المئة شخص، فؤجئنا بأن العدد 160 إلى 170 شخصاً.</p>
<p>وسام التلاوي: عندما وصلنا إلى المنية وجدنا 3 قوارب صيد صغيرة يتمّ وضع كل أربع عائلات في قاربٍ واحدٍ ومن ثم يجري نقلهم إلى القارب الكبير، وجدتُ المركب مُمتلئاً ولم يعد يتّسع، فقال ارمِ أولاده في البحر. </p>
<p>جهاد مشلاوي: أصبحنا بحدود 150، 160، 170 حتى وصل القبطان، بمُجرّد وصوله رفض قيادة المركب لأنه سيغرق حتماً، ولكنه أُرغِم وهُدِّد على القيادة بقوّة السلاح، قال أنا مُستعدّ للموت من دون أن أتحمّل دم الأبرياء، قالوا له سنبدأ بأبنائك وليس بك، هدّدوه بأبنائه، هذه عصابة، أنت مُجرّد رقم بالنسبة إليها، أقلع القبطان، كان المركب يتوقّف كل عشر دقائق. </p>
<p>وسام التلاوي: كنّا نتخبّط لحوالى الثلاث أو أربع ساعات في المياه حتى وصلنا قبل المياه الإقليمية، بدأت المياه تتسلّل إلى القارب، ألبستُ أبنائي سترة النجاة ورميتهم في الماء، كانت الأمواج والرياح تدفعهم بعيداً، أنا وزوجتي لا نجيد السباحة. </p>
<p>جهاد مشلاوي: قبل وقوع المركب بثوانٍ قفزتُ ولم ألتفت إلى الوراء، سبحتُ لحوالى مئة مترٍ بعيداً عن المركب، التفتُّ إلى القارب حيث كان الناس يطفون على سطح المياه، قلّةٌ مَن بقوا على قَيْد الحياة، بدأوا بالصراخ لي فقلتُ لهم عودوا إلى المركب. </p>
<p>وسام التلاوي: طلبتُ من جهاد أن يساعدني ويجلب إبني، عدتُ لأرى زوجتي وأبنائي ولم أجدهم، في الوقت الذي كنتُ أبحث فيه عن أبنائي وجدتُ حوالى 150 جثة عائمة على الماء، لا أعرف كيف حصل ذلك. </p>
<p>جهاد مشلاوي: حين كنتُ أسبح وجدتُ أمامي وسام تلاوي ومعه إبنه وإبنته، قال لي أرجوك ساعدني أنا لا أجيد السباحة، حملتُ إبنته على ظهري، حين اقتربنا من المركب تفاجأت بشيءٍ صغير بجانبي اعتقدت أنه حقيبة وإذ به طفل صغير عُمره شهران، كلما اقتربنا من المركب أكثر كان عدد الجثث العائمة يزداد أكثر. صعدنا إلى المركب، الجميع مات، الذين أحصيتهم كانوا حوالى 35 إلى 40 شخصاً حياً على ظهر المركب، هنا بدأت رحلة أخرى وعذاب آخر، بدأنا نفقد الواحد تلو الآخر، كان الموج يضربنا فنقع في الماء، أحدهم يقع ولا يعود، كلما تقدّم الوقت أكثر كلّما فقدنا أشخاصاً، بدأ العدد يقلّ حتى هبط الليل، كنتُ مرعوباً من الليل، كيف سنمضي ليلتنا في البرد، كانت مرحلة أخرى كلياً، بدأ الجميع يُهلوس بسبب وَهْج الشمس طيلة اليوم، عطش، جوع، خوف، رعب.</p>
<p>وسام التلاوي: إبنتي وإبني بقيا معي لليوم الثاني، إبني عطش كثيراً وقال لي يا أبي أريد أن أشرب، بدأتُ أسقيه من فمي، إبنتي بقيت معي لوقتٍ أكثر، كنتُ أتعرّض للإغماء، أضعتُ إبنتي أثناء الليل، نادتني من بعيد يا أبي أنا هنا، جاءت إليّ ودّعتني وقبّلتني، قلتُ لها أنا أموت، كانت مُتمسّكة برقبتي استيقظتُ ولم أجدها. </p>
<p>جهاد مشلاوي: عند بزوغ الضوء أصبحنا ستّة أشخاص، كنا حوالى 40 شخصاً حين انقلب القارب منا وأصبحنا ستّة، أنا وأحمد رحمه الله أخ نور، نور اختفى ليلاً، وشاب وإبنه توفيا وأيمن قباني وشاب آخر، كنتُ أنظر إلى الرجل وهو يحتضن إبنه ويبكي وقال الولد ذهب، اعتقدتُ أن الموج سحبه، قال لي إنه مات بين يديه، ظلّ يعانقه حوالى الخمس دقائق ويقبّله ثم تركه في الماء، هذا المشد زلزل كياني، قلتُ لهم لن أموت هنا، سأموت وأنا أحاول، لن أنتظر الموت، مرّت 24 ساعة، لو علم بنا أحد أو رأى الجثث لأنقذونا. قلتُ لهم سأعود سباحةً مَن سيذهب معي، قال أيمن أنا معك ولكن ساعدني فأنا لا أجيد السباحة، بدأنا نسبح حوالى الساعة ونصف الساعة ولا زال المركب بجانبنا، سبحنا لحوالي العشر ساعات وأصبحنا قريبين من الشاطئ، قال لي أيمن سنأخذ سيارة إلى ساحة التلّ ونشتري الملابس وسأشتري لك هاتفاً، كان يريد أن يكافئني، بقي حوالى الكيلومتر إلى الشاطئ، سألته هل تستطيع السباحة من هنا قال إن شاء الله، استغرق الأمر معي حوالى الثلاث ساعات للوصول إلى الشاطئ، كانت أصعب مرحلة مرّت، بدأتُ أتساءل أن كل ما حصل معي في المركب والموت والمسافة التي سبحتها والعطش والرعب أيُعقل أن أموت على الشاطئ! استسلمتُ. </p>
<p>وسام التلاوي: وجدتُ غيمة في السماء وكأنها القدّيس مار شربل، بدأتُ أتوسّل لربّ العالمين أن ينقذني من أجل أمّي، في اليوم الثاني عصراً وجدتُ سفينةً، فتحتُ عينيّ واعتقدتُ بأنني في طرابلس، لم أكن أعلم أنني في سوريا، سحبتني المياه من لبنان إلى سوريا، وجدتُ العلم السوري. </p>
<p>جهاد مشلاوي: عانيتُ خلال الأربعمائة متر حتى وصلتُ إلى الشاطئ، وجدتُ امرأةً مُحجّبة ومعها صبية، وفي الجانب الآخر شابان يتحدّثان، كانوا ينظرون إليّ ولكنهم خائفون من الاقتراب منّي، لا يعرفون من أنا ولماذا أنا في الماء، بدأتُ أنادي الحاجة وقلتُ لها لا تتركيني، رفعتُ لها بيدي ووقعتُ. اشترى لي الشاب الماء شربتها وفقدتُ الوعي، آخر كلمة سمعتها وهم يقولون اطلبوا الإسعاف إنه يتقيّأ دماً، استيقظتُ في المستشفى. أيمن قباني كان ملاكاً أرسله الله لي كي أوصله إلى الشاطئ. </p>
<p>وسام التلاوي: أخذوني إلى طرطوس، نقلوني في الإسعاف إلى قسم العناية، جاء وزير الصحة وغيره من المسؤولين السوريين في مستشفى طرطوس، اهتمّوا بي كثيراً. مَن لا يشكر الناس لا يشكر الله.</p>
<p>جهاد مشلاوي: في طرطوس أُجريت لنا الإسعافات الأولية، أشكر الجميع هناك لم يقصّروا، جاؤوا لنا بالثياب والطعام، حتى أن الدكاترة والمُمرّضين طلبوا من أمّي أن تبيت في بيوتهم، فتحوا لنا بيوتهم ولم ندفع أية مصاريف للمستشفى، كانوا أفضل من الدولة اللبنانية. </p>
<p>وسام التلاوي: أين قضاتنا ومشايخنا وسياسيّونا، لماذا لم يكترث لنا أحد؟</p>
<p>هبة محمود: ألم يتمّ التواصل معكم أنتم الناجون للاعتناء بكم وبصحتكم، حتى من الناحية المعنوية وليس المادية فقط؟</p>
<p>وسام التلاوي: أبداً، كنتُ مُصاباً وذهبتُ إلى المستشفى الحكومي لتنظيف جرحي فطلبوا مني 600 ألف ليرة.</p>
<p>أمّ وسام: لقد وضعتْ هذه الورقة على الحائط قبل أن يخرجوا، كتبتْ 20 أيلول سافرنا إلى ألمانيا. عانينا كثيراً، الموت أهون، نعيش الاكتئاب والمرض والحزن، حين يبدأ إبني بالبكاء أهرب منه، لقد دُمّرنا. </p>
<p>هبة محمود: كيف هو وضعك النفسي والمادي؟ </p>
<p>جهاد مشلاوي: أنا مُدمّر نفسياً ولا زلتُ أعاني حتى اليوم، أتعالج عند ثلاثة أطباء نفسيين، الوضع المادي سيّىء، نحن مدينون بمبلغ كبير، مبلغ السفر كان دَيْناً، وضعنا سيّىء جداً.</p>
<p>محمد صبلوح: هم بحاجة لأكثر من المساعدات المالية، هم بحاجة للعلاج النفسي والمتابعة، لا يخضعون للمتابعة، أنا أتابع بعض الأهالي خاصةً الذين فقدوا ذويهم في البحر، بعضهم وصل حدّ الجنون ولكن للأسف الناس ينسون، العصابات تستغّل حاجة الناس لإقناعهم بالهجرة غير الشرعية على أمل الوصول إلى أوروبا حيث تُفتح لهم الجنان ويجدون الأموال على الشاطئ. </p>
<p>جهاد مشلاوي: لم يتّعظ الناس مما حصل وبعضهم قرّر الهجرة، هم يحاولون فقط لأنهم أموات هنا. </p>
<p>هبة محمود: هذه لم تكن رحلتك الأولى؟ </p>
<p>جهاد مشلاوي: هذه الرحلة السابعة أو الثامنة للخروج من هذا البلد.</p>
<p>هبة محمود: ألا زلتَ تفكّر بالهجرة؟ </p>
<p>جهاد مشلاوي: ولن أتخلّى عنها ولكنها مُجمّدة في الوقت الحالي، طالما أننا لا نحصل على حقوقنا في هذا البلد فالفكرة ستبقى ولكن ليس عبر البحر، أتمنّى ممّن يشاهدون الحلقة ألا يخاطروا بأنفسهم. </p>
<p>محمد صبلوح: بسبب غياب الأداء الأمني والقضائي اضطررنا لتشكيل شبكة لمنظمات حقوق الإنسان محلية ودولية وتنظيم أنشطة توعوية للقول بأن ما يحدث في لبنان غير مقبول، هناك تساهُل أمني وقضائي مع المُهرّبين لإلزام الأمن والقضاء على القيام بدورهما بالدرجة الأولى، ثانياً هناك غياب للعدالة في التحقيقات، أنا واكبتُ مركب نيسان 2022 ومركب طرطوس ومركب سلعاتا وعدّة مراكب، حين أدقّق في التفاصيل أجد أن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان حيث يُسمح لمُرتكب الجريمة الإفلات من العقاب. </p>
<p>وسام التلاوي: لم نُسأل ولم نُستجوب.</p>
<p>هبة محمود: بعد أشهر من غرق المركب ألم يتمّ التحقيق معكم؟ </p>
<p>وسام التلاوي: أبداً، هم عبارة عن مافيا، أنتظر أن يتمّ استجوابي لكي أدلي بكل ما أعرفه. </p>
<p>محمد صبلوح: هناك عصابة مُنظّمة تأخذ ملايين الدولارات، يتمّ اعتقال قبطان المركب فقط أو مالكه، أما هذه الشبكة الكبيرة التي تتقاضى ملايين الدولارات فهي حرّة طليقة. نحن نسعى أولاً لتوعية الناس وثانياً نحاول بشتّى الوسائل للضغط على القضاء للقيام بدوره.</p>
<p>جهاد مشلاوي: أعرف أنه موقوف ولكنه قد يُخلى سبيله مقابل مبلغ مادي، هذه أكبر جريمة بحق الوطن العربي كله، شخص ارتكب مجزرة بحق 150 شخصاً كيف يُخلى سبيله، يجب أن يُعدَم في ساحة عامة.</p>
<p>محمد صبلوح: رسالتنا للمنظمات الحقوقية المحلية والدولية أن هؤلاء الناس بحاجة للرعاية. </p>
<p>هبة محمود: أنت حالياً لا تذهب إلى بيتك؟</p>
<p>وسام التلاوي: لا أستطيع ذلك. </p>
<p>هبة محمود: هل تنزل إلى الشارع؟</p>
<p>وسام التلاوي: نادراً جداً، ليس لديّ القدرة. </p>
<p>هبة محمود: حتى البحر؟ </p>
<p>وسام التلاوي: البحر غدر بأبنائي، أنا أنتظر الموت.</p>
<p>هبة محمود: كيف مرّت الأشهر الماضية؟</p>
<p>جهاد مشلاوي: أحاول أن أنسى، أريد أن أنسى فقط، حين أنوي النوم يعود السيناريو أمامي، من الجيّد أنني ما زلتُ مُسيطراً على نفسي. </p>
<p>هبة محمود: ما هي الصورة المُسيطرة عليك وتتكرَّر في ذهنك؟</p>
<p>جهاد مشلاوي: لحظة الغرق لا تغيب عن بالي، يستحيل أن أنسى الشباب، كنتُ قد وعدتهم بأن أزورهم لقراءة الفاتحة لهم ولكنني لا أمتلك الشجاعة حتى اليوم، لا أستطيع أن أراهم تحت البلاطة، الفكرة صعبة، رحمهم الله.</p>
<p>قاطع البحر حسراتهم وخيباتهم وراكمها واحدةً واحدة، لقد كانت قوارب الهروب بأمتارها القليلة طولاً وعرضاً مُحمَّلةً بأطنانٍ هائلةٍ من الآمال، ومُطالَبةً باجتياز آلاف الأميال، ومن ظلمات البرّ والبحر كان مداد قصص الضحايا، حدودٌ قاتلة في الحياة وعدالةٌ مفقودة بعد الممات، هذا ما حدث.. </p>
<p> </p>