ماذا جنى العربُ منَ السلام؟
نصف قرن يكاد يمر على ما سمي "عملية السلام في الشرق الاوسط"، فأين نحن منها اليوم؟ أين أصبح "السلام العادل والشامل" الذي وعد به الفلسطينيون، ومنت الشعوب العربية نفسها به؟ بعد ستة واربعين عاما على "كامب دايفيد"، تعود سيناء إلى دائرة الخطر بعد اثنين وثلاثين عاما على "أوسلو"، ما زلنا ننتظر "استئناف مفاوضات حل الدولتين" الذي دفنته حكومة الاحتلال بعد خمسة أعوام على "ابراهام"، الاستيطان متواصل في الضفة بنجاح كبير ماذا ربح العرب من هذا "السلام" المزعوم؟ أبيدت غزة ، احتلت أراض جديدة في سوريا ولبنان وغور الاردن مهدد وتهويد القدس متواصل وها قد عاد شبح "اسرائيل الكبرى" ليقض مضاجع الحكام العرب هل هذا الكيان الذي تأسس على التطهير العرقي واغتصاب الارض، قادر على السلام؟
نص الحلقة
بيار أبي صعب: مساء الخير. نصف قرنٍ يكاد يمرّ على ما سُمّيت عملية السلام في الشرق الأوسط فأين نحن منها اليوم؟ أين أصبح السلام العادل والشامل الذي وُعِد به الفلسطينيون ومنّت الشعوب العربية نفسها به؟ بعد 46 عاماً على كامب ديفيد تعود سيناء إلى دائرة الخطر، بعد 32 عاماً على أوسلو ما زلنا ننتظر استئناف مُفاوضات حلّ الدولتين الذي دفنته حكومة الاحتلال. بعد خمسةٍ أعوام على أبراهام الاستيطان مُتواصل في الضفة بنجاحٍ كبير. ماذا رَبِحَ العرب من هذا السلام المزعوم؟ أُبيدت غزّة، احتلّت أراضٍ جديدة في سوريا ولبنان وغور الأردن مُهدّد وتهويد القدس مُتواصل، وها قد عاد شَبَح إسرائيل الكبرى ليقضّ مضاجِع الحُكّام العرب. هل هذا الكيان الذي تأسّس على التطهير العِرقي واغتصاب الأرض قادر على السلام؟
لمُناقشة هذا الموضوع معنا الليلة في الاستوديو الأكاديمي والباحث في القانون الدولي الأستاذ حسين العزي، ومعنا من عمّان الأكاديمي والمُحلّل السياسي الأستاذ إبراهيم علوش، ومن القاهرة الكاتِب السياسي الأستاذ إلهامي المليجي، أهلاً بكم جميعاً. أستاذ حسين نصف قرن تقريباً على بداية ما سُمّيت بعملية السلام مع العدو الإسرائيلي، ماذا جنت الدول العربية؟ ماذا كسبت؟ باستثناء الحماية الأجنبية للأنظمة القائمة، على مستوى الشعوب ماذا ربحت في الأمن؟ في الاستراتيجيا، في الاقتصاد، في الاستقرار، في السيادة، في استعادة الحقوق الوطنية والقومية؟ ماذا ربحت على مستوى القضية الفلسطينية؟
حسين العزي: بدايةً مساء الخير جميعاً وشكرا أستاذ بيار على هذه الاستضافة الكريمة في برنامج موضوعي وطني =قومي بامتياز. كُتِبَ على هذه الأمّة الشقاء والعناء منذ أكثر من مئة عام عندما قرّرت الأنظمة الدولية الكبرى اغتصاب فلسطين وإنشاء ما يُسمّى بإسرائيل الكبرى. ومنذ ذلك الوقت والشعوب العربية في تراجُعٍ مستمرّ وفي خسارةٍ مُتراكِمة لمصلحة الأنظمة الكبرى ولمصلحة بعض الأنظمة الإقليمية. نعم الشعوب العربية هي الخاسِر الأكبر وأول خساراتها هي تفكّك الموقف العربي من القضية المحورية وهي فلسطين. الخسارة الثانية هي زَرْع كيانٍ غريب تحت مُسمّى وتحت فكرة توراتية لاهوتية ابتُدِعَت أو أُسِّست في عِلم الميتالورجيا تُسمّى إسرائيل الكبرى وحدودها من الفرات إلى النيل. هذا الكيان الذي نشأ كفكرةٍ توراتيةٍ وتحوّل بعد نكبة 1967 للأسف إلى مشروع استعماري سمّاه العظيم إدوارد سعيد بالاستعمار المُقدّس وصل اليوم إلى مرحلة المشروع الاستراتيجي.
بيار أبي صعب: على مستوى السلام هل ربح العرب؟هل في هناك مَكاسِب بمعنى ما؟
حسين العزي: هذا السياق هو خسارة مُتراكِمة لعملية ما يُسمّى بالسلام وللشعوب العربية وعلى رأسها خسارة القضية الفلسطينية، عن أيّ سلامٍ نتحدّث؟ هل هو سلام بارِد أم سلام دافئ؟ بدأنا بالأرض مقابل السلام وانتقلنا في ما بعد إلى السلام مقابل الازدهار ولم نرَ سلاماً إنما مزيداً من الحروب، وبالتالي الشعوب العربية لم تجنِ إلا الخسارة، خسارة القضية الفلسطينية وخسارة الموقف العربي الموحَّد.
بيار أبي صعب: أستاذ إبراهيم علوش طوال العقود الماضية قُدِّمت لنا عملية السلام العادل والشامل على أساس أنها الطريق إلى تحقيق عدالة حقيقية للشعب الفلسطيني، وأنها تؤدّي إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق دولة فلسطينية مُستقلّة قابلة للحياة، وأنها تضمن الاستقرار في المنطقة. أين نحن الآن من كل ذلك؟
إبراهيم علوش: تحيّاتي لك أستاذ بيار وللدكتور حسين والأستاذ إلهامي وللمشاهدين الأعزّاء. اعذرني يا عزيزي ولكنني أرى أن مجموعة المُصطلحات المُسْتَخْدَمة هنا مُفخّخة لأنه لا يمكن أن ينشأ سلام بوجود احتلال، والاحتلال لا يقتصر على الأراضي المُحتلّة عام 1967، تأسّس الكيان الصهيوني على الاحتلال، وما دام هناك احتلال فهذا الكيان يبقى حالة من الظلم وثمّة تَبِعات ليس على الفلسطينيين فحسب بل على كل المُحيط كما نرى لأن هذا الكيان الغريب الذي أتى بغُرباء من كافة أنحاء الأرض لكي =يُقيم كياناً هو في الحقيقة مُعسكر تتبع له دولة، هو جيش بالأساس، لا يستطيع هذا الكيان أن يستمر إلا من خلال إخضاع المُحيط ومن خلال تفكيك ذلك المُحيط وتفكيك إرادته وهويّته وقُدرته على العمل المشترك. ونحن نرى آثار ذلك من خلال ما تُسمّى معاهدات السلام. نعم وعدوا الناس بالكثير ولكن الطريف في الأمر حتى التنازُلات الصغيرة التي كان يُفترض أن يقدّمها الكيان الصهيوني سواء في الأراضي أو في غيرها لم تتحقّق، لا دولة فلسطينية قامت مع اعتراضي على المبدأ والمفهوم لأنه عندما يكون هناك احتلال فالحلّ هو التحرير والمقاومة وليس التعايُش مع الاحتلال تحت عنوان دولة فلسطينية لا يمكن أن تقوم إلا بالتفاهُم مع الطرف الأميركي الصهيوني. مع ذلك نَكَثَ الكيان الصهيوني بعهوده وبات واضحاً أنه يمثّل تهديداً للدول العربية التي سالمته والتي أخضعت الشعب وأخضعت حِراك الشعب في دول الطوق من أجل تحقيق ذلك السلام الموهوم، والآن نرى بوضوحٍ اقتصادياً لم يتحقّق ما يُسمّى سَهْم السلام وإنما ما تحقّق هو تبعية بالنسبة للأردن ومصر. أهم بند في البُعد الاقتصادي هو اتفاقيات الغاز، اتفاقية الغاز الأردنية 15 مليار دولار، رهنت إنتاج الكهرباء في الأردن للقرار الصهيوني من خلال شراء الغاز الفلسطيني المسروق، والآن بعد اتفاقية غاز سابقة بعشرين مليار دولار في مصر ثمّة إعلان عن اتفاقية جديدة بخمسة وثلاثين مليار دولار تستمر حتى عام 2040. نحن رأينا آثارها من خلال انقطاعات الكهرباء في مصر عندما تبلغ مستويات الذروة. الكيان الصهيوني يريد أن يتحكّم بالغاز، بالمياه، بالنسبة للأردن من طريق نهر الأردن أو بالنسبة لمصر من طريق نهر النيل ورأينا إعلانات ترامب أن بناء سدّ النهضة تمّ بتمويلٍ أميركي. فنحن نرى أن ما تُسمّى عملية السلام هي مشروع للإمساك بالمفاصِل الحقيقية للدول المُطبّعة والحبل على الجرّار بالنسبة للدول الأخرى.
بيار أبي صعب: أستاذ إلهام المليجي ما نشهده الآن من توحّش وتغوّل إسرائيلي. ما شاهدناه ونشهده كل يوم من إبادة وتجويع وتدمير في غزّة هل كان مُمكناً من دون الصمت والتواطؤ العربيين وهما النتيجة المباشرة للمعاهدات التي تربط مختلف الأنظمة العربية بإسرائيل؟
إلهام المليجي: أولاً تحيّاتي لك أستاذ بيار وللدكتور حسين وللدكتور إبراهيم. بالتأكيد ما كان ممكناً أن يحدث هذا التوحّش الصهيوني وهذا العدوان البربري الهَمَجي للكيان إلا تحت غطاء السلام. دائماً ما يستخدم هذا الكيان كل ما يُسمّى بمعاهدات السلام كغطاءٍ لمزيد من التوحّش والتوغّل والاستيطان. بدأت مفاعيل اتفاقية كامب ديفيد 1980، في العام 1982 قامت قوات الاحتلال بغزو أو اجتياح لبنان ومُحاصرة بيروت، ولأول مرة في التاريخ =المُعاصر تُحتلّ عاصمة عربية، جرى ذلك بعدما خرجت مصر من دائرة الصراع وبعدما كُبّلت باتفاقية كامب ديفيد. وهنا أعود إلى المؤرِّخ الكبير جمال حمدان عندما قال إن كامب ديفيد أخطر تهديد للقوم المصري في تاريخه الحديث، وأشار صراحةً إلى أن الخطر يكمُن في تحويل سيناء التي ذكرتها في مُقدّمتك وقلتَ إنها دخلت في دائرة الخطر. هي أبداً لم تخرج من دائرة الخطر، تحييدها طبقاً لاتفاقيات كامب ديفيد لم يُخرجها من دائرة الخطر. بل العكس وضعها في قلب الخطر، أن تحوّل سيناء هذه الجغرافيا المُهمّة والتي تشكّل بوابة الأمن القومي المصري تحوّلها إلى منطقةٍ عازلةٍ تضمن أمن الكيان الصهيوني وتضع القرار المصري رَهْن الإرادة الدولية بدلاً من أن يبقى تجسيداً للسيادة الوطنية فهذا بالفعل هو أكبر خطر يتهدّد الأمن القومي المصري. خلاصة القول إن اتفاقية كامب ديفيد وبعدها اتفاقية وادي عربة وبعدها اتفاقية أوسلو كل هذه الاتفاقيات استخدمتها، وإذا راجعنا فإننا سنجد أنه بعد كل اتفاقية يزيد الكيان الصهيوني من شَراسته وتوغّله ويَرْفع من منسوب إرهابه.
بيار أبي صعب: أعزّائي المشاهدين في ما يلي لمحة سريعة عن اتفاقيات السلام مع كيان الاحتلال منذ أواخر السبعينات إلى اليوم، نشاهد معاً.
دكتور حسين العزي من وجهة نظر القانون الدولي إلى أيّ مدى ما زالت هذه الاتفاقيات قائمة وشرعية حين تحتلّ إسرائيل محور فيلادلفيا في رفح وتهدّد سيناء، حين تصوّت على رفض الدولة الفلسطينية وضمّ الضفة، حين تواصل تهويد القدس إلى آخره؟ أما زالت الاتفاقيات من ناحية القانون قائمة وشرعية ومُلْزِمة؟
حسين العزي: في ما يتعلّق بقانونية وشرعية وصحّة تعبير مشروعية اتفاقيات السلام من منظور قانوني نقول إن الفُقهاء في هذا الإطار انقسموا إلى قسمين، الفريق الأول يقول بأن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات للعام 1969 وضعت شروطاً لصحّة الاتفاقيات وأهمّها إرادة الدولة ورضاها، بالإضافة إلى تأمين المصالح المُتبادلة. هذا الفريق الأول، وهذا الفريق يقول بصحّة هذه المعاهدات أما الفريق الثاني وهو التيّار الواسع يقول بأن هذه الاتفاقيات للحُكم على مشروعيّتها ننظر إلى الغاية منها، هل حقّقت الغاية منها؟ لطالما أن اتفاقيات قامت أولاً مُخالفةً لمبدأ حقّ تقرير المصير، قامت بمُخالفة لمبدأ استعمال القوّة في العلاقات الدولية. إذاً هذه الاتفاقيات تُخالِف مبادئ وقواعد آمرة من القانون الدولي العمومي العُرفي والدولي وبالقواعد الاتفاقية والعرفية. وبالتالي لأن القواعد (الاآرة) هي أسمى القواعد في سُلّم التراتبيّة في القانون الدولي والوطني فإذاً هذه الاتفاقيات هي غير قانونية وغير شرعية، وبالتالي هي كأنها لم تكن ولا تنتج أيّ آثار قانونية، هذا من منظورٍ قانوني. يلتقي هذا المنظور القانوني بالواقع السياسي، إذا أُبرمت اتفاقية بين طرفين وتضرّر منها طرف ثالث فهل تبقى الاتفاقية محصورة بين الطرفين اللذين أبرماها؟ بالتأكيد لا، وفقاً للقانون يحقّ للطرف الثالث المُتضرّر الاحتجاج على هذه الاتفاقيات. ومن هنا نقول إن هذه الاتفاقيات هي غير قانونية ومُخالفة لمبادئ القانون الدولي وللقواعد ((الاآرة)) وهي غير مشروعة بالاستناد إلى الغاية التي أُبرمت من أجلها. ماذا قدّمت هذه الاتفاقيات للعدو؟ قدّمت أراضي الشعب الفلسطيني، إذاً هي اتفاقية أبرمها طرف لا يملك هذه الأرض، وبالتالي مَن لا يملك لا يحقّ له أن يَهْب أو أن يُبْرِم العقود، وبالتالي هذه الاتفاقية من وجهة نظرنا ومن وجهة تيّار واسع في القانون هي باطِلة بُطلاناً مُطلقاً.
بيار أبي صعب: دكتور إبراهيم علوش في أوسلو اعترفت منظمّة التحرير بدولة إسرائيل من دون أن تُحدّد حتى حدود هذه الدولة. هل يمكن القول اليوم إن هذه الاتفاقيات كانت سلسلة مُناورات مُخادِعة أخذت فيها إسرائيل كل شيء ولم تعطِ شيئاً؟ كسرت الإجماع العربي ومكّنت الاحتلال من تثبيت أمنه وحدوده وتعطيل الرَدْع المُشترك ومواصلة التوسّع والاستيطان والتفرّغ لتصفية القضية الفلسطينية إذا جاز التعبير، وصولاً إلى الإبادة والتطهير العِرقي، هل سقطت أوسلو اليوم برأيك؟
إبراهيم علوش: أوسلو ساقِطة منذ وُقّعت لأنها ساقِطة سياسياً ومبدئياً، ولكنني أعلم أنك تسأل عن الموضوع القانوني. أودّ مرة أخرى أن أحذّر من موضوع المُصطلحات المُفخّخة. انا أحذّر من استخدام ما يُسمّى بالقانون الدولي في التعامُل مع القضية الفلسطينية لأنه ينطلق من مشروعيّة الكيان الصهيوني وحقّه بالوجود. على الرغم من ذلك قرأت مرة اجتهاداً لدكتور عربي في القانون يستند إلى اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، يقول إن الاتفاقيات التي تُوقَّع تحت القَسْر والإجبار تُعدّ لاغيةً من حيث المبدأ لأن الظروف التي وُقّعت فيها ليست ظروفاً مادية طبيعية مُتكافئة. أضف إلى ذلك أن هناك تجاوزات كبيرة يقوم بها الكيان الصهيوني. حضرتك أستاذ بيار تحدّثتَ عن ممرّ أو محور فيلا دلفيا، أضف إلى ذلك هناك انتهاك كبير لمُعاهدة وادي عربة وهو التعدّي على الوصاية الهاشمية، وعلى المُقدّسات الإسلامية والمسيحية في القدس المنصوص عليها بموجب معاهدة وادي عربة، فبالتالي هناك انتهاكات كبيرة تُبرّر إعلان بُطلان المعاهدة حتى لو افترضنا جَدَلاً أنها =قانونية وهي ليست كذلك. أضف إلى ذلك بالنسبة لأوسلو تحديداً كان يهدف إلى أمرٍ واحدٍ فقط.وهذا الأمر تحقّق وهو إنشاء سلطة فلسطينية تُنسّق مع العدو الصهيوني في احتواء المقاومة. وهذا هو الدور الذي نراه للسلطة والتي أُسّست بناءً على أوسلو من أجله. فإذاً ما أراده العدو الصهيوني من أوسلو تحقّق ولكن ما أُوهِم به البعض أن ثمّة مخارج قانونية للتعامُل مع ما يُسمّى بالمطالب بين قوسين، المطالب الفلسطينية المطروحة في أوسلو، مثلاً أحد ملاحِق اتفاقية أوسلو اتفاق باريس لعام 1994 حوّل مناطق السلطة الفلسطينية اقتصادياً إلى مُستعمرةٍ اقتصاديةٍ خالصةٍ، حتى عام 2023 أي قبل طوفان الأقصى المجيد كان حجم التبادُل التجاري نحو ستة مليارات دولار سنوياً، نحن نتحدّث عن مُستعمرة مُحاصّرة وبالتالي هناك فائض تجاري ضخم يحقّقه الكيان الصهيوني من تلك المُستعمرة المُحاصَرة عبر معابرها كافة. فإذاً إذا نظرتَ أمنياً واقتصادياً وبالعودة إلى النقطة الأولى عمّا يُسمّى ثِمار السلام والسهم الاقتصادي كان الأمر كارثياً بالنسبة للفلسطينيين في ظلّ اتفاقية اوسلو. هل هذه الاتفاقيات باطلة أم لا؟ إسمح لي مع كل المودّة والاحترام لكل الناس ولكنني أرى أن المقياس الذي يجب أن نتّبعه في تقييم أية معاهدة أو اتفاق هو المصلحة الوطنية والقومية. هذه الاتفاقيات برمّتها تُخالف مصلحة الأمّة كيفما عرّفت الأمّة سواء تحدّثتَ عن وطنٍ صغيرٍ أو أمّة عربية أو عالم إسلامي. اليوم حتى أحرار العالم يصرخون من النهر إلى البحر لأن غريزة الإنسان وفُطرته الطبيعية عندما يكون هناك احتلال فالحلّ هو التحرير من النهر إلى البحر مع المقاومة بأشكالها كافة.
بيار أبي صعب: أستاز إلهامي المليجي إسرائيل الكُبرى لم تعد أسطورةً أو شعاراً، كتبتَ أخيراً أن الاحتلال ماضٍ في تحويل الخرائط من حُلمٍ توراتي إلى واقعٍ جغرافي. ما معنى اتفاقيات السلام الماضية والآتية؟ وما جدواها أمام هذا الواقع الجديد القائم على التوسّع التُرابي وتغيير الوضع القائم من دون أيّ حسابٍ للشرعية الدولية؟
إلهامي المليجي: صحيح كما قال الدكتور إبراهيم إن هذه الاتفاقيات إذا لم تتّفق مع المصلحة الوطنية فإنها ستظلّ حبراً على ورق. في أربعينات وخمسينات وستينات القرن الماضي كنا نقول إن هذا العدو توسّعي ولديه مشروعه وبروتوكولات حُكماء صهيون كان يقول إن هذا غير حقيقي لكن اليوم صرَّح قائد الكيان =نفسه على منصّة الأمم المتحدة ورَفع الخريطة وقال هذه دولة إسرائيل الكبرى، حتى إذا كانت هناك ثمّة شرعية لهذه الاتفاقيات وأنا أتحدّث هنا بشكلٍ أكثر تحديداً عن اتفاقية كامب ديفيد فهي قد سقطت، الكيان الصهيوني أسقطها عندما احتلّت قوات الاحتلال الصهيوني ممر فيلادلفيا، أيضاً عندما سيطرت على الجانب الفلسطيني من معبر رفح وقِسْ على ذلك الكثير من المواقف. الحقيقة أن الكيان الصهيوني منذ نشأته واضح المآرِب، هو نشأ على على التوسّع وعلى الاستيطان وعلى العدوان، هذه هي أداوته منذ اللحظة الأولى لزرعه على الأرض الفلسطينية. فبالتالي علينا ألا نستغرب اليوم أنه حينما وجد الظرف مواتياً ومناسباً لتحقيق مشروعه الحقيقي وهو مشروع إسرائيل الكُبرى أعلن عنه بكل فجور. السؤال اليوم أين أنظمتنا العربية من ذلك؟
بيار أبي صعب: سنُجيب على هذا السؤال بعد الفاصل أستاذ مليجي، فاصل قصير ونعود.
أهلاً بكم مُجدّداً في هذه الحلقة من "على محمل الجد"، اسمحوا لي أن أعيد الترحيب بضيوفي الأستاذ حسين العزي في بيروت، والأستاذ إبراهيم علوش في عمّان، والأستاذ إلهامي المليجي في القاهرة. نصل الآن إلى القسم الثاني من الحلقة مع فقرة "على محمل النقد" عن خصوصيّة الوضع في سوريا ومطبّ التطبيع. هنا وجهة نظر الكاتب السياسي طارق الأحمد فهو يتحدّث عن عملية إحكام خِناق على الشعب السوري المُهدّد في القوت والحرية والكرامة والعيش المُشترك، ما يجعل التطبيع بتعبيره وكأنه تحصيل حاصِل، نستمع معاً إلى الأستاذ طارق الأحمد.
طارق الأحمد: من الواضح بأن مسار التطبيع الذي يخصّ سوريا يتجاوز الموضوع الحكومي. نحن أمام عملية كاملة جرت على الشعب السوري، أولاً على الدولة السورية وعلى الشعب السوري بحيث أن التطبيع هو ليس حكومياً فقط بل ما يُراد هو الدخول في الوجدان السوري تبعاً لما جرى في السويداء كما تعلمين. وبالتالي جرى الضغط على الشعب السوري وعلى الدولة السورية من خلال تدمير كل مُقدّرات الجيش السوري، ليس معظمه إنما كل مُقدّراته من سلاح، أيضاً جرى تسريح ضبّاط الجيش السوري بمعنى أن الدولة السورية فقدت جيشها الوطني وبالتالي أصبحت الدولة السورية والوطن السوري بلا حماية، بلا جهاز مناعي، تبع ذلك المجازر وما حصل في السويداء. وبالتالي أصبحت العلاقة مع العدو الإسرائيلي وأصبح موضوع التطبيع جاهزاً ليدخل حتى في الوجدان السوري مع الأسف الشديد لدى بعض الفئات وبعض الجهات. وبالتالي أنا أعتقد بأن المسألة أعمق بكثير من تطبيع حكومات. وهنا يأتي التطبيع أو تأتي عملية تسوية مع الحكومة السورية أو كل ما نشاهده من علاقات أصبحت معلنة وكأنها تحصيل حاصِل، لذلك تجدين بأنها لم تعد تأخذ ردود الأفعال التي كنا نتوقّعها لو كانت منذ سنوات عديدة لكل مَن يسأل. إذاً نحن أمام عملية تمّ فيها وضع الشعب السوري كله والدولة السورية كلها في قالب والضغط عليها بشدّة من أجل الوصول إلى عملية التطبيع. نحن أمام عملية قاهِرة فعلاً بحقّ الدولة والشعب السوري.في موضوع الحكومة السورية، أنتِ الآن لستِ في وضع طبيعي، هي تبحث عن مسائل أخرى، تبحث عن اعتراف، عن رَفْع العقوبات، عن الاقتصاد، والآن أنتِ أمام عملية رَبطْ حقيقية ما بين القوى الكبرى في العالم، الولايات المتحدة الأميركية ووكيلتها الرئيسية إسرائيل والتطبيع معها، ورَفْع القَيْد ليس فقط عن الحكومة بل عن الدولة السورية والشعب السوري.
بيار أبي صعب: أستاذ إبراهيم علوش الحالة السورية فريدة وغريبة في هذا السياق، ضربت إسرائيل الجيش السوري ودمّرت ترسانته، ثبّتت احتلالها للجولان وتوسّعت إلى جبل الشيخ ولم تتوقّف بعد. =الحُكم الانتقالي في سوريا ينتمي مبدئياً إلى عقيدةٍ تعتبر إسرائيل عدوّاً مُطلقاً، ما سرّ هذا الإصرار لدى النظام الحالي على المُضيّ في مُهادنة الاحتلال والتمهيد لمعاهدة سلام؟ وما ثمن مثل هذا السلام؟ هل السلطة مُكْرَهة كما يوحي الأستاذ طارق الأحمد في شهادته؟
إبراهيم علوش: ما تفضّلتَ به جميعاً سواء كان تدمير القُدرات العسكرية السورية أو التوسّع واحتلال مئات الكيلومترات المُربّعة الجديدة، حوالى ستمئة كيلومتر مربعّ وتثبيت نُقاط في المُرتفعات خصوصاً جبل الشيخ الذي يُطلّ على عدة أقطار عربية وليس فقط على سوريا ولبنان، جرى كله تحت عنوان واحد إسمه "سهم باشان"، وهذا اللفظ الذي استُخْدِم لوصف العملية العسكرية الصهيونية في سوريا هو لفظ توراتي، وهذا يُدْخِلنا بدوره في مُصطلح آخر بات يجري العمل على تحضيره هو ممرّ داوود الذي يصل الجولان السوري المُحتلّ بمنطقة الفرات سواء سورياً أو عراقياً تتمّةً لمقولة إسرائيل الكُبرى بين مزدوجين من الفرات إلى النيل. نحن نتحدّث عن مُخطّطٍ كبيرٍ بالنسبة لسوريا، مُخطّط في جانب منه هو تفكيكي وفي جانب آخر منه هو مُخطّط توسّعي صهيوني وإعادة ترتيبٍ لأوراق المنطقة جميعاً، ولا يقتصر الأمر على سوريا بل يتعدّاه إلى لبنان. بالنسبة للحُكم الموجود عزيزي هذا هو الدور الذي جاؤوا به كي يتولاّه، النَزْعة التكفيرية بصورةٍ عامة إذا لاحظنا تراها بالمناسبة أكثر تشدّداً مع السنّة المُعتدلين ومع الطوائف الإسلامية الأخرى من غير السنّة، منها مع مَن يحتلّون الأرض وعندها تصدر فتوى أهل كتاب وفتوى صُلح الحُدَيْبة وإلى ما هنالك من ترّهات يمكن الردّ عليها حتى بمنطقٍ إسلامي =، ولكن النقطة التي أريد أن أقولها إنه ثمةّ صِراع الآن في الميدان السوري لتوسيع مناطق النفوذ بين الاحتلال التركي الذي أيضاً يحتلّ أراضٍ سورية وبين الاحتلال الصهيوني وبين مشاريع انفصالية مختلفة ضمن هذا السياق، أنا لا أنظر إلى =الحُكم في دمشق باعتباره حكومة انتقالية مركزية بل با باعتبارها مشروعاً طائفياً آخر ربّما يمثّل طائفة أكبر تعتبر ذاتها أكثريّة ولكنه يُفكّر بمنطق أقلّوي، بمنطق الإقصاء والانكفاء وليس بمنطقٍ وطني وقومي والنتيجة الطبيعية لذلك هي التطبيع مع العدو الصهيوني. كل مَن يُفّكر بذلك المنطق ينتهي إلى التطبيع ورأينا مثال ذلك في لبنان، وكل مَن يُفكّر بصورةٍ وطنيةٍ يتسامى عن الفكرة الطائفية. نُدين كل تطبيع مع العدو الصهيوني سواء أتى من دمشق أو من السويداء أو من المنطقة الشرقية التي تحتلّها الميليشيات الكردية التي تحمل مشروعاً انفصالياً بدورها. كل تطبيع هو خيانة وكل تطبيع مُدان.، وكل تطبيع يُتمّم التطبيع الآخر ولا يبرّره.
بيار أبي صعب: أستاذ حسين مُبادرة بيروت 2002 تعود دائماً إلى الحديث بصفتها أفضل ما قدّمه العرب في القمّة العربية ببيروت 2002 التي هي مشروع مُبادرة سلام، كان من شروطها الانسحاب لما قبل 4 حزيران 1967 وحتى من الجولان وبعض الجنوب اللبناني الذي كان مُحتلاً، وإعلان دولة عاصمتها القدس ومُناقشة مسألة حقّ العودة بناءً على القرار الأممي 194. إسرائيل رفضت، هذه المُبادرة وُلِدَت ميتة، إسرائيل تريد أكثر، كيف تعلّق على هذه المحطّة الأساسية بمُبادرة العرب نحو سلامٍ حقيقي؟
حسين العزي: أستاذ بيارإسمح لي أن نضع الأمور في نِصابها =في ما يتعلّق بما يحصل في سوريا، ر بْطاً بالمشروع الأمّ، المسار الذي بدأ به ما يُسمّى بقيام دولة إسرائيل الكبرى، هذا المشروع مرّ بمساراتٍ مختلفة؛ أحياناً اعتمد الحرب الصلبة وأحياناً أخرى اعتمد الحرب الناعِمة عبر اتفاقيات السلام أو التطبيع. في ما يتعلّق بقمّة بيروت في ظلّ هذا المشروع لا يمكن الحُكم على أية نتيجة لأية اتفاقية من دون النظر إلى المآلات النهائية لهذا المشروع الأمّ. قمّة بيروت كانت أفضل ما قدّمه العرب صحيح في ما يتعلّق بمبدأ أن الأرض مقابل السلام، لكن سُرعان ما تنازل العرب عنه في الاتفاقيات الإبراهيمية التي قامت على مُعادلة السلام مقابل الازدهار. لأن المشروع هو قيام إسرائيل الكُبرى – أو كما أسمّيها إسرائيل العُظمى التي تتخطّى الحدود التوراتية من الفرات إلى النيل وصولاً إلى دمشق، هنا مَرْبَط الفرس في ما يتعلّق بالمرحلة القادمة والتحدّيات التي تواجهها اتفاقيات التطبيع في سوريا.
الوضع في سوريا مُعقّد جدّاً، حُكم انتقالي ما زال وليداً هشّاً، يعاني ضائِقة اقتصادية.
بيار أبي صعب: هل يملك صلاحية توقيع اتفاقيات سلام؟ هذا الحُكم لا يملك الشرعية، لم يُفوّضه الشعب هل يمكن أن يوقّع اتفاق سلام؟
حسين العزي: من منظورٍ قانوني هو لا يملك الصلاحية لأنه لم يأتِ عبر انتخابات ديمقراطية حتى وفق المعايير الأميركية بل جرى تعيينه وبالتالي لا يُعبّر عن إرادة الشعب الحقيقية وهنا مَرْبط الفرس. ما هو الثمن إذن؟ إذا كان الثمن هو الجولان أعتقد أن الشعب السوري في مرحلةٍ ما لن يقبل، وسوف تشتعل جذوة المقاوِمة من جديد لمُناهضة هذا المشروع، وبالتالي لن تكون النهاية في مصلحة العدوّ الإسرائيلي حتى وإنْ طال الزمن قليلاً.
بيار أبي صعب: فكرة المقاومة سنعود إليها لاحقاً لأنها ستكون =خِتام الحلقة. أستاذ إلهامي كتبتَ في إحدى مقالاتك الأخيرة على موقع الميادين أن مصر تحوّلت من قائدٍ طبيعي للمشروع القومي العربي إلى دولةٍ مُحاصَرة بمُحدّدات أمنية وعسكرية لا تخدم سوى المشروع الصهيوني. كيف ترى دور مصر في هذه المرحلة؟ وهل يجب أن تتحرّر مصر من القيود التي تفرضها كامب ديفيد؟
إلهامي المليجي: الحقيقة كما ذكرتُ في مقالي، أنا من الجيل الذي وقف ضدّ كامب ديفيد وانتقدها منذ اللحظة الأولى – منذ اتفاقية الكيلو 101 وزيارة السادات. لو عدنا إلى ظروف توقيع اتفاقية كامب ديفيد يمكن العودة إلى كتاب مهمّ لوزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل، الذي استقال لأنه رأى بوضوحٍ أن الغرب أدرك شخصية السادات ونزعته النَرْجسيّة، وكما يقول المثل الشعبي في مصر "تخّنوا بالكدب ودنه وعرّضوله مقاس قفاه"، بمعنى أنهم احتفوا به إعلامياً ولقّبوه بـ قائد السلام والشجاع والبطل لكن في حقيقة الأمر كما قال محمد إبراهيم كامل إن السادات عندما عبر بوابة كامب ديفيد كان عارياً مُكبّلاً لا يملك حِراكاً بسبب ما تفلّت به لسانه داخل الغرف المُغلقة من تنازلات وتجاوزات وتعهّدات الواحد تلو الآخر حتى كتّف نفسه وبدّد كل ما كات معه من أرصدة وكانت النتيجة أنه لم يجد أمامه مفرّاً من التوقيع على إشهار إفلاس مُبادرته، بمعنى أن هذه المُبادرة التي أفرزت أو أنتجت اتفاقية كامب ديفيد وأضرّت بشكلٍ كبيرٍ بالدولة المصرية على كل الأصعدة. ذكر أنه سيأتي المنّ والسلوى وسيزدهر الاقتصاد ولكن واقع الأمر أن الأزمات الاقتصادية تعمّقت أكثر
والطبقة المُتوسّطة ازدادت فقراً.
بيار أبي صعب: ما الذي يمكن أن تفعله مصر الآن؟ أنت رسمتَ الخلفية بوضوح، هل يمكن لمصر الآن أن تتفلّت من هذه القيود؟ نحن نعلم أنها مُرتبطة بالمُساعدات العسكرية الأميركية ولكن ما هو الحلّ الآن؟
إلهامي المليجي: بتقديري أنه إذا كانت هناك قيادة سياسية لديها القناعة والقُدرة والطموح لأن تكون قيادة تاريخية فالآن حانت اللحظة التاريخية، كل هذا الحصار الذي تحدّثتَ عنه وتحدّث عنه الزملاء كله بفعل الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية. ترامب صرّح علناً وقال إن الإدارة الأميركية السابقة أخطأت حينما دعمت سدّ النهضة، تدخّله كذلك في السودان، في ليبيا، هذا الحزام الناري الذي يُحيط بمصر هو من فِعْل الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية. إذاً لكَسْر هذا الحزام عليك أن تفكّ الخِناق الذي يُسمّى بكامب ديفيد، ولديّ الأساليب التي تعتمد عليها، الكيان نفسه خرق هذه الاتفاقية أكثر من مرة. هذه لحظة وفرصة تاريخية لكَسْر قيد كامب ديفيد والعودة إلى دورك المنوط بك شعبياً وعربياً وإقليمياً ودولياً.
بيار أبي صعب: أشكرك جدّاً على هذا الموقف. دكتور علوش كتبتَ عن سعي إسرائيل لحماية كيانها بمناطق عازِلة، لكن خلف هذه المناطق هناك محميّات منزوعة السلاح، هذا يصحّ في لبنان وسوريا والأردن وسيناء، ناهيك عن الضفة والقطاع والقدس. ما احتمالات بروز صحوة عربية أمام هذه الشهوة التوسّعية الجديدة؟ وما الخيارات السعودية في هذا السياق؟
إبراهيم علوش: حين نتحدّث عن صحوةٍ عربيةٍ علينا أن نُميّز بين المنظومة الرسمية العربية، وهي مُتواطئة في استمرار وجود الكيان الصهيوني، وبين الشعوب العربية المغلوب على أمرها بسبب تلك المنظومة. علينا أن نُميّز بين ديناميكيّتين هنا، بالنسبة للمنظمومة العربية الرسمية وعلى رأسها السعودية تشعر الآن بخللٍ كبير جدّاً من جرّاء أمرين، الأول هو انفلات الكيان الصهيوني في محيطه وإعلانه رسمياً على لسان أعلى مسؤول رسمي في الكيان الصهيوني وهو نتنياهو عن مشروع إسرائيل الكبرى الذي يضمّ أراضٍ من ثماني دول عربية، ومن جهةٍ أخرى أن الخطوات "الحَرْبجيّة" التي يقوم بها الكيان الصهيوني، مثلاً القصف المستمر في لبنان رغم التزام حزب الله بوقف إطلاق النار، والتمادي والتغوّل في سوريا، كل ما يقوم به في غزّة الأمر الذي يؤثّر على مسألةٍ مُهمّة جدّاً. هناك توتّر عالّ من طرف المنظومة الرسمية العربية من جرّاء الخطوات الصهيونية لأن السكوت عنه والانخراط في مشروع إبراهيمي بالرغم منه يهدّد مَنْزِلة المملكة العربية السعودية في العالم السنّي وعُذراً على هذه اللغة كقائد خصوصاً في ظلّ المُنافسة مع تركيا على هذا المنصب. وهناك رأي عام داخلي ورأينا استطلاعات رأي توضح بشكلٍ جلّي، الشباب السعودي وشعب الجزيرة العربية مُناهِض للتطبيع مع الكيان الصهيوني قلباً وقالباً. بالتالي هناك حالة من عدم الاستقرار الشديد يُسبّبها نتنياهو لهذه الأنظمة العربية. السؤال الجوهري يصبح كيف ستترجِم الأنظمة العربية ذلك إلى خطواتٍ عملية باستثناء الامتناع عن توقيع اتفاق مع الاستمرار بالتطبيع. هناك تطبيع يجري سعودياً خارج الإطار الإبراهيمي، سمعنا جميعاً عن سفينة بحر ينبع التي كانت تنقل الأسلحة من الولايات المتحدة عبر ميناء جنوة إلى فلسطين المُحتلّة والتي أوقفها العمّال الإيطاليون. هذا يجري في مصر، في الأردن، في الإمارات، هناك خطوط بحرية وبرّية وجوية لدعم الكيان الصهيوني. وهنا السؤال الكبير الذي يُغيّر كل المُعادلات ماذا سيفعل الشعب العربي؟ إلى متى يستمر في صمته؟
بيار أبي صعب: أستاذ إلهامي المليجي كتبتَ مطالباً بموقفٍ عربي مقاوم يعيد تعريف الصراع بوصفه صراع وجود لا صراع حدود، كيف ترى دور المقاومة في المرحلة المقبلة وهل يمكن للمقاومة أن تقف في وجه هذا المدّ الصهيوني؟
إلهامي المليجي: رأينا في قطاع غزّة أو في لبنان أن المقاومة أثبتت أنها صمّام الأمان ضدّ مشاريع الهيمنة، وأنها هي الوحيدة القادرة في الظرف الراهِن في ظلّ غياب الشعوب العربية الفاعِلة فإن المقاومة وحدها هي القادِرة على صدّ وكَبْح جَمَاح هذا العدو الصهيوني المُتعطّش للدماء، لكن مع تقديرنا واحترامنا لهذه المقاومة فإنها لا يمكنها أن تواجه لوحدها بل يجب أن تكون هناك وبالتالي تكون حركة مقاومة عامة =بمعنى أنه على الجيوش العربية أن تدخل في غِمار حالة المقاومة هذه وهنا ستكون نهاية الكيان.
بيار أبي صعب: أستاذ حسين هل هناك سلام ممكن بعد غزّة؟
حسين العزي: قبل الإجابة أريد أن أحيّي اندفاعة الأستاذ المليجي وأتمنّى ان يكون على صواب، ولكن بعد ما حصل في غزّة واستكمال واستمرار العدو الإسرائيلي في الدفع نحو الإبادة والتطهير العِرقي والتهجير القَسْري من دون أيّ اعتبار للقوانين حتى لأبسط القواعد الإنسانية يبقى الرِهان دائماً وأبداً على استمرار جَذْوة المقاومة. لنبدأ من لبنان بعد العدوان الأخير ما زالت المقاومة صامِدة ومستمرّة وتعدّ العدّة للقضاء على هذا الكيان المؤقّت، ونحن نُصرّ على أنه مؤقّت لأن هذا وعد إلهي بالنصر.
بيار أبي صعب: وكذلك في غزّة.
حسين العزي: حتماً، المسار واحد والمشروع واحد. والنصر هو نصر الشعوب سواءً في لبنان أو في غزّة أو في مصر، وأقول إن الرِهان كان وما زال على المقاومة في كل الدول العربية ولا سيّما ونحن ننتظر خير أجناد الأرض الأخوة في مصر، ونأمل قريباً وسريعاً أن تعود مصر إلى ريادة العالم العربي بقوميّتها العربية وبنضاليّتها وبنُصرتها للقضية الفلسطينية.
بيار أبي صعب: أضمّ صوتي إلى صوتك، تحية إلى الشعب المصري العظيم والقدوة حتى في أصعب الظروف.
الختام مع أبيات على ذِكر مصر من قصيدة شهيرة للشاعر المصري الراحل أمل دنقل "لا تُصالِح ولو وقفت ضدّ سيفك كل الشيوخ والرجال التي ملأتها الشروخ، هؤلاء الذين تدلّت عمامتهم فوق أعينهم وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ، لا تُصالح فليس سوى أن تريد، أنت فارس هذا الزمان الوحيد وسواك المسوخ".
شكراً لضيوفي مع حفظ الألقاب حسين العزي، إبراهيم علوش، إلهامي المليجي، شكراً للمتابعة وإلى الأسبوع المقبل.