مع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الدكتور علي لاریجاني

من بيروت… الدكتور علي لاريجاني، مبعوث قائد الثورة وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في أول ظهور إعلامي بعد توليه المنصب، يتحدث عن القضايا الإقليمية ورؤية طهران للمستقبل.. هل تطرق الدكتور علي لاريجاني في لقائه مع الرئيس جوزاف عون إلى ملف سلاح المقاومة؟ وما الذي كشفه عن لقاءاته بالرؤساء الثلاثة في لبنان؟

نص الحلقة

 

غسان بن جدو: مشاهدينا المُحترمين سلام الله عليكم. في إيران الجمهورية الإسلامية ثوابِت ومُتغيّرات، ثوابِت خيارات واستراتيجيات ومُتغيّرات سياساتٍ وأسماء. للثورة ثوابت عقائدية، شرعية، فكرية ودستورية وحتى ثقافية وطنية وقومية، للدولة الإيرانية ثوابِت في المؤسّسات كهياكل عامة والانتخابات كآليات حُكم. في الجمهورية الإسلامية مُتغيّرات في البرامِج والمسؤولين والمُنْتَخَبين والمُعيّنين. من الثوابت والمُتغيّرات إسمٌ يلمع في كل مراحل وتغيّرات تقلّبات حتى وإنْ أزاحه البعض عن مُنافسةٍ رئاسية أو استبدله آخرون بوزيرٍ في حكومة أو اختاروا غيره رئيساً لسلطةٍ تشريعية، أو حتى انقلبت عليه حِفْنةٌ في مؤسّسة قرارٍ وخيار. الإسم العَلَم بلا التشكيك هو الدكتور علي لاريجاني، بقي إسماً ثابتاً في النظام والمجتمع، بين سلطةٍ وموقع تأثير حتى وإنْ خضع لمنظومةِ مُتغيّرات انتخاباً أو اختياراً. اليوم يعود الدكتور لاريجاني بقوّةٍ من الباب العريض أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأمن القومي وهو أعلى سلطة اتّخاذ قرارٍ دفاعي واستراتيجي في دولة نظام الجمهورية الإسلامية ومُمثّلاً شخصياً لقائد الثورة والجمهورية آية الله السيّد علي خامنئي. لاريجاني بصلابةِ الثبات في =الحرب العدوانية الأخيرة على بلده وبكفاءة التعبير عن الموقف داخلياً وخارجياً وبجدارةِ تمثيل المُرشِد في لحظات إيران الساخِنة، اليوم لاريجاني بعد موسكو ولقائه بوتين مبعوثاً خاصاً للقائد خامنئي هو في بيروت آتياً من بغداد في أولِ جولةٍ عربيةٍ له مباشرةً بعد تولّيه منصبه مسؤولاً مباشراً عن الأمن القومي تخطيطاً وإدارة. أظنّه الحوار الأول للدكتور لاريجاني مشكوراً بعد تولّيه منصبه. كنا على موعدٍ في طهران فإذا بنا نلتقي في بيروت. للحوار نَكْهةٌ أخرى، محاوِر أخرى وظروفٍ أخرى. شكراً دكتور لاريجاني على هذا الحوار الخاص وأنتم في زَحْمة اللقاءات في بيروت. سيّدي العزيز جولتكم العربية كأمينٍ عامٍ للمجلس الأعلى للأمن القومي تُثير هذا التحفّظ الأميركي اللافِت، زرتم بغداد فإذا بواشنطن تُعْرِب عن تحفّظها وانتقادها. طبعاً العراق ردّ بوضوحٍ وقال نحن دولة ذات سيادة والاتفاق الذي حصل هو اتفاق أمني. ماذا تقولون في الانتقاد الأميركي وردّ الدفاع العراقي؟

 

علي لاريجاني: بسم الله الرحمن الرحيم، في الحقيقة نحن نملك علاقة أخوّة وصداقة قوية واستراتيجيةٍ مع لبنان والعراق، وهذه العلاقات تمتدّ على مدى العصور التاريخية، وطبعاً نحن نتحاور مع بعضنا في مختلف الأمور المُشتركة. حاولنا أن نبحث الأمور الاستراتيجية في بغداد وكذلك وقّعنا اتفاقيةً أمنية، والنقطة المحورية في هذه الاتفاقية الأمنية أننا نسعى لأن نصل إلى أمانٍ وثباتٍ =واستقرارٍ للبلدين، وهذه هي النظرة العامة للجمهورية الإسلامية لواقع التعاون الإقليمي. وفي لبنان أيضاً وبسبب العلاقات المتينة التي تربطنا وبسبب الأحداث المُستجدّة كان من الضروري أن نتشاور في الأمور وأن نُقدّم بعض الإيضاحات.

 

غسان بن جدو: بكل احترام للجميع ربّما لا تحتاج الولايات المتحدة الأميركية أن تُعْرِب عن تحفّظها وانتقادها لزيارتكم فهناك أصوات عدّة تتكفّل بهذا الأمر، بكل احترام طبعاً للجميع، مع ذلك ما هو مهمّ أنكم التقيتم الرؤساء الثلاثة: رئيس الجمهورية، رئيس البرلمان ورئيس الحكومة، من فضلكم فصِّلوا لنا خُلاصة مُحادثاتكم هنا في بيروت لأنه من المهمّ أن نتعرَّف عليها خصوصاً وأنكم قدمتم من لقاء رئيس الوزراء.

 

علي لاريجاني: ما تفضّلتم به من غضبِ الأميركيين هذا يعود لنظرتهم في توفير الأمن للمنطقة. ما قاله السيّد ترامب إنه يريد أن يبني السلام في المنطقة عن طريق القوَّة يعني أنه إما على الجميع في المنطقة أن يستسلموا أو أن يُحاربوهم. رؤيتنا نحن مختلفة معهم تماماً، نحن نعتقد أنه في المنطقة يجب أن يسود الأمان عبر استقلالية وقوّة واحترام سيادة الدول، ولا حاجة لأن يستسلم أيّ بلدٍ لبلدٍ آخر وهما نظرتان مختلفتان، فهذا الغضب الذي نراه مَنْشأه من هنا وهو ليس أمراً مُسْتَغْرَباً. أما عن لقاءاتنا مع فخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس نبيه بري وكذلك مع السياسيين من الشيعة والسنّة والدروز والمسيحيين فكانت لقاءات جيِّدة، وكذلك مع دولة رئيس مجلس الوزراء أيضاً حيث تمحور البحث على أن موقف الجمهورية الإسلامية هو موقف واضح تماماً. نحن نرى أن لبنان هو دولةٌ شقيقة لنا وعلاقتنا ليست جديدة وإنما لها سابقةٌ وتاريخٌ عريق، ولذلك نحن في جميع الظروف نقف إلى جانب لبنان ونحن دائماً كنا ندافِع عن لبنان وعن مقاومته، ونحن نرى أن المقاومة هي رأس مال كبير لبلدان المنطقة سواء في لبنان أو سائر البلدان. من الممكن أن تكون هناك وجهة =نظر أخرى للبعض في لبنان فالجميع لا يُفكّر بشكلٍ واحدٍ لكن ما نراه ويتجلّى في الآيات الإلهية أنه عندما تكون هناك مقاومة في البلد وهناك مَن يقومون بالجهاد والدفاع عن البلد علينا أن نحترمهم ونُفضّلهم على القاعدين لأن مقامهم أعلى، ولذلك نحن نعتقد أن هناك محوراً قائماً على التبيين ونرى أن هذا لن ينجح إلا بالمقاومة، وقَطْعاً كل دولةٍ بناءً على نظامها ونظام الحُكم فيها تتّخذ القرارات ونحن لا نتدخّل في هذا الشأن لأننا نعتقد أن المقاومة تتمتَّع بالبلوغ السياسي الكافي ولا تحتاج لتوجيهاتِ أحدٍ، وبالطبع هم يتَّخذون القرارات المناسبة بعد تقييم الظروف ونحن نبحث الأمور المختلفة مع أصدقائنا في المنطقة دائماً، وعندما يطلبون منا المُساعدة نساعدهم ونقدّم المَشْوَرة ولكننا لا نتدخّل.

 

غسان بن جدو: دكتور لاريجاني في لبنان أكثر من سلطةٍ وأكثر من رئيسٍ ويجوز لنا القول ربما أكثر حتى من مجتمع، القضية ليست مُجرّد خلاف، نحن في خضمّ معركةٍ سياسية مُلْتَهِبة هنا في لبنان على قاعدة سلاح المقاومة أو سلاح حزب الله لأن البعض هنا في لبنان لا يريد حتى إسم المقاومة وإيران هي جزء لا يتجزّأ ممّا يعتبره البعض هنا في لبنان جزءاً من هذا الخلاف، فكيف يمكن أن تتعاطوا معه لتُبدِّدوا مخاوف وهواجِس هذه الأطراف التي تقلق منكم؟

 

علي لاريجاني: الحقيقة أن موضوع المقاومة لا ينحصر بالشيعة أو السنّة، المقاومة هي للجميع، والمقاومة ليست طائفية. نحن ندعم وندافِع عن حماس التي هي مقاومة سنّية وكذلك ندافع عن حزب الله الذي هو قوّة مقاومة شيعية. إذاً موقف الجمهورية الإسلامية ليس موقفاً طائفياً ومَن يوقِع الشُبْهة في هذا الموضوع فهو لم يفهم خيارات الجمهورية الإسلامية وبإمكانه التعرّف على الحقائق ميدانياً. النقطة الثانية أن الجمهورية الاسلامية الإيرانية في الظروف المختلفة لبلدان المنطقة هل عليها أن تغيِّر وجهة نظرها؟ يعني مثلاً نقول إننا لا ندعم المقاومة في ظروفٍ معيّنة؟ أبداً، نحن نعتقد أن المقاومة هي رأس مال كبير للأمّة الإسلامية ونعتقد أنه في أية دولةٍ توجد علينا أن نساعدها، لكننا لا نتّخذ ذلك أرضيّةً للتدخّل ونحن نعتقد ان المقاومة الإسلامية لها ما يكفي من القُدرة على اتّخاذ القرار ونحن لا نتدخّل في قراراتهم ولا نتدخّل في قرارات الدول كذلك، =ولكننا نُبيّن وجهة نظرنا بكل صراحةٍ ولا حاجة لنا لإخفاء الأمور. نحن حقيقةً نعتقد أن حزب الله وحماس قد وصلا إلى نضوجٍ كافٍ وإذا راجعتم تاريخنا فنحن كجمهوريةٍ إسلاميةٍ لا نُملي عليهما أبداً، حماس والمقاومة يتّخذان قراراتهما، نحن نتعامل معهما من باب الأخوَّة، نحن نعتقد حقّاً أن المقاومة لن تنضج بالأوامر المباشرة. نحن نُقدِّم المَشْورة ولكن لا نُملي عليهما، الإملاء لا يؤدّي إلى التقدّم، هما يتّخذان القرار الذي يريانه مناسباً. اليوم نرى ثمّة شخصيات كبيرة في حماس، في الجهاد الإسلامي، في حزب الله تُحلّل بشكلٍ جيِّدٍ ولها أفكار ممتازة ولا تحتاج لأن نتدخّل.

 

غسان بن جدو: في لبنان هناك أطراف مسيحية كثيرة حزبية وشخصية هي أيضاً مع خيار المقاومة وليس فقط المسلمين من الشيعة والسنّة.

 

علي لاريجاني: نعم بالتأكيد، عندما =استشهد سماحة السيّد حسن نصر الله في لبنان رأينا مُشاركة الجميع، إذاً المقاومة ليست للمسلمين فقط فالمسيحيون شاركوا في المقاومة أيضاً، نعم المقاومة لم تقتصر على الشيعة والسنّة بل كان هنالك تيّار مسيحي مُشارِك مع المقاومة.

 

غسان بن جدو: الرئيس نبيه بري صديقكم الحميم منذ سنواتٍ طويلةٍ وتعرفونه وربّما الآن هو لا يحمل فقط كرة لَهْب يل يحمل مِنطاد لَهْبٍ ونار من الملفّات الساخِنة. أنتم التقيتم به تقريباً بعد عام خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، كيف وجدتم الرئيس نبيه بري وهو الذي يحمل ليس فقط كرة اللّهَب ولكن مِنطاد اللّهَب؟ وأيضاً بكل محبّة ما هي انطباعاتكم الأولى عن لقائكم الأول مع الرئيس جوزف عون ورئيس الوزراء نواف سلام؟

 

علي لاريجاني: أنا أعتقد وكما أشرتم في سؤالكم وكما تعرفون أن الأستاذ نبيه بري هو من الرجال السياسيين العُظماء في لبنان وكذلك في العالم العربي، ويتمتَّع بنبوغٍ سياسي وله باعٌ طويل وتجارب كبيرة. وفي ما يتعلّق بموضوع المقاومة فهو من العناصر الأساسية فيها وهو يعلم جيّداً كيف يتصرَّف في كل الظروف. واليوم تبادلنا وجهات النظر طبعاً وسمعنا وجهة نظره التي تنمّ عن معرفةٍ شاملةٍ وعميقة، ورأينا أن ما قاله دولته يفتح الباب للمُضّي قُدُماً نحو حلّ الأمور في لبنان. وطبعاً كانت لديه عدّة مُقترحات في ما يتعلّق بأمور المنطقة، على سبيل المثال كيف تتعاون الدول الإسلامية في المنطقة على حلّ بعض الأمور الصعبة سواء في لبنان أو سائر البلدان الإسلامية. طبعاً هذه النصائح كان يقدِّمها دائماً واليوم عرض مجموعةً من النصائح أيضاً، ودائماً عندما ألتقيه أستفيد من وجهات نظره ومن استشارته ونحن نتشاور باستمرار.

 

غسان بن جدو: كما قلتُ يحمل مِنطاد =لَهَبٍ على قاعدة الجَدَل الساخِن حول سلاح المقاومة. هل تحدّثتم في هذا الملف سواء معه أو مع رئيس الجمهورية أو مع رئيس الحكومة؟

 

علي لاريجاني: نعم وهو رجل المرحلة الصعبة، وكما استطاع أن يتجاوز المراحل الصعبة السابقة بجدارةٍ سيستطيع أن يتجاوز هذه المرحلة. أنا أعتقد أنه يملك أفكاراً قيّمة لحلّ الأمور.

 

غسان بن جدو: بالنسبة لجوزف عون ونواف سلام هل تحدّثتَ معهما أو أتيتما على ذِكْر سلاح المقاومة في لبنان؟

 

علي لاريجاني: نحن بشكلٍ عام نقلنا وجهة نظرنا لكي يفهموا بشكلٍ واضحٍ موقف الجمهورية الإسلامية تجاه المقاومة وأنها لا تريد أن تتدخَّل في شؤون الدول. ونحن نعتقد أن الدول تستطيع أن تتّخذ القرار المناسب بعد استشارة الأطياف المختلفة، ونحن لا نخفي وجهة نظرنا ونقولها بشكلٍ صريحٍ لكننا لا نريد أن يحدث سوء تفاهُم. ففي أية حال هناك بعض الشياطين في السياسة يمكنهم أن يستغلّوا بشكلٍ سيّىء ويختبئوا خلف الأشخاص ويطلقون مفاهيم مُغْرِضة. في أية حال نحن قدّمنا وجهة نظرنا وكانت واضحة ومُساعِدة لفَهْمِ الحقائق.

 

غسان بن جدو: سؤال لبناني بحت، ما هو انطباعكم عن شخص الرئيسين جوزف عون ونواف سلام؟

علي لاريجاني: في أية حال كل دولة تنتخب رؤساءها ومسؤوليها وفقاً لمزاجها ونحن علينا أن نتأقلم ونتعامل مع كل الشخصيات المختلفة، ولا نعتقد أن عليك أن تتوقَع أن يكون الجميع مثلك ولكن في المجتمع الدولي علينا أن نجد السُبُل للتعاون وأن نستطيع أن نتعاون ونتكلّم ونتحاور مع مختلف الشخصيات والتوجّهات، وهذا هو العمل الدبلوماسي. المرحوم الشهيد مدرس في زمن النهضة الدستورية قبل مائة عام تقريباً قال إنه لا مانع في أن يختلف الرجال السياسيون في الرأي ولكن يجب ألا تتحوّل إلى عداوة، عليهم أن يطرحوا آراءهم بشكلٍ واضحٍ شرط ألا تتحوّل إلى عداوةٍ لأن النموّ والرقيّ يأتيان من الحوار.

 

غسان بن جدو: لافِتٌ أنكم اخترتم جولة عربية في أول زيارة لكم كأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي، نعم أنتم =قَدِمْتم من موسكو والتقيتم الرئيس بوتين ولكن ذهبتم إلى هناك بصفتكم المستشار الأعلى للمُرْشِد السيّد خامنئي لكن كأمين عام المجلس الأعلى القومي اخترتم بلدين عربيين، العراق ولبنان، لماذا هذا الاختيار لجولةٍ عربيةٍ وليست إقليمية مثل أفغانستان، باكستان، أذربيجان، أرمينيا حيث هناك ملفّات ساخِنة؟ وأيضاً معذرةً وبكل محبّة هل تفتقدون زيارة سوريا في جولتكم العربية هذه؟

 

علي لاريجاني: ما تفضّلتم به صحيح، منطقتنا منطقة حامية تقريباً وتكثُر فيها الأحداث ويجب أن نتواصل مع الجميع. هناك دول يجب أن نزورها ومنها دول شمال إيران التي ذكرتها حضرتك، ولكنني اخترتُ العراق ولبنان لأنهما صديقانا ونتعاون معهما منذ سنواتٍ طويلة. سوريا لم أكن أنوي أن أذهب إليها لأنه لا توجد حالياً علاقات بيننا ولكن لنا مع لبنان والعراق علاقاتٌ قديمة وقريبة وكان يجب أن آتي إلى لبنان والعراق لبحث مُستجدّات المنطقة.

 

غسان بن جدو: دكتور لاريجاني ونحن =نتحدّث عن سوريا كنتم آخر ضيف أجنبي دولي التقى الرئيس السابق بشّار الأسد في دمشق، للتاريخ وبكل صراحة هل عندما التقيته كنتم تتصوّرون أنها الساعات الأخيرة له قبل أن يُغادر دمشق ويترك إدارة حُكم له ولحزبه على مدى خمسين عاماً؟ هل تفاجأتم؟

 

علي لاريجاني: أنا لا أعتقد أنَ حتى مَن هاجموا ودخلوا واجتاحوا سوريا كانوا يعتقدون أنهم يستطيعون أن يُسْقِطوا النظام السوري، ما حدث كان مختلفاً تماماً وسبب زيارتي لسوريا أنه كان هناك أمر يودّ السيّد بشّار الأسد أن يطرحه للبحث وكان علينا أن نسمعه ولذلك ذهبتُ إلى هناك لكن الأمور والأحداث تسارعت بشكلٍ كبيرٍ. وبشكلٍ عام كانت الأحداث في السنتين الماضيتين سريعة جداً وهذه هي خصوصيّة هذه المرحلة، لذا لا أعتقد أن أحداً من السياسيين روسياً كان أو من أية دولة من الدول الداعمة للسادة الحاكمين في سوريا حالياً كان يتنبّأ أن الأمور سوف تجري بهذه السرعة في سوريا وتُحْدِث هذه الفوضى.

 

غسان بن جدو: ربّما في لقاءٍ آخر نتوسّع في هذا المجال لكن سؤالي هل من إمكانية لتطبيع العلاقات بينكم وبين سوريا ولو في الحدّ الأدنى لا سيّما وأن حليفكم الأكبر على مدى السنوات العشر الماضية من القتال هي روسيا، والعلاقات الآن بين سوريا الحالية الجديدة وبين روسيا هي علاقات أكثر من ممتازة؟

 

علي لاريجاني: الإمكانية موجودة ولا نقول إنها معدومة لكن هذا يعتمد على ما سنراه من أفعال الجمهورية السورية الحالية. علينا أن نرى ما يفعلون، الوضع الآن مُشوّش هناك وغير واضح وهو ليس الوضع الذي نرغب به ولا نرى حدوث ترتيبات واضحة، وإسرائيل تدخّلت الآن هناك كثيراً ونحن لا نُحبّذ هذا السلوك مع سوريا ولكن علينا أن نرى ما ستؤول إليه الأمور مُستقبلاً في سوريا. هنالك احتمال منطقي وإذا تغيَّرت الأمور في المستقبل فيُمكن أن ثمّة علاقات هناك.

 

غسان بن جدو: في الآونة الأخيرة كَثُر =الحديث عن تواصُلٍ كبير بينكم وبين مصر، بحسب معلوماتكم هل هذا التواصُل هو تواصُل جدّي يؤدّي إلى تقدُّمٍ نوعي في العلاقات بينكم وبين مصر أم هناك صعوبات ذاتية وموضوعية؟ ربّما الولايات المتحدة الأميركية لا تسمح بهذا التقدُّم، وربّما الحيثيّات الإسرائيلية الحالية وربّما حتى بعض العرب الذي لا يُحبّذون تطوير علاقاتكم مع مصر؟

 

علي لاريجاني: لا توجد هنالك مشاكل ولكن إذا تدخّلت أميركا فهذا موضوع آخر لذلك نحن نستمرّ بمُحادثاتنا مع إخواننا في مصر دائماً، ومن جانبنا لا توجد أية مشكلة. أنا أعتقد أن مصر دولة مهمّة في المنطقة ولها تاريخٌ كبير ومُشرِّف للغاية ولها حضارة كبيرة =وتَذْخَر بالعُلماء، والآن تُعدّ مصر دولة كبيرة وقوية وممتازة حالياً في العالم العربي. وباعتقادي ليس بيننا أية مشكلة لكنني أعتقد أننا ومصر لدينا أعداء مُشتركين، والمباحثات معها حالياٍ جيّدة ومفيدة. العلاقة جيّدة معها ولكن هناك مشاكل كثيرة يمكن أن يفتعلها الأميركيون لأن الساحة الدولية هي ساحة المشاكل والمُتغيّرات ولكن نحن ليست لدينا أية مشكلة.

 

غسان بن جدو: هل تخطّطون لزيارة القاهرة؟

 

علي لاريجاني: الآن لا ولكن في المستقبل ممكن إذا استجدّت مهمّة مُحدَّدة.

 

غسان بن جدو: دكتور لاريجاني عدوان إسرائيلي كبير على إيران، أخطأت تل أبيب والحمد لله في ذروة غرورها ونرجسيّتها بالكشف أنها كانت تُخطّط لهذا العدوان على إيران منذ 14 عاماً، منذ عام 2011 تُخطّط لهذا العدوان. طبعاً الهدف الجوهري أعلنه نتنياهو وهو إسقاط النظام وقد تحدَّث عن ذلك بكل صراحةٍ ودعا الشعب إلى الانتفاضة في ذلك الوقت. دكتور لاريجاني أنتم لديكم جزمٌ في إيران بأنكم حقّقتم النصر على إسرائيل، ما هي حِجَجِكم التي بها نستطيع أن نقول إن إيران انتصرت على العدوان الإسرائيلي؟

 

علي لاريجاني: أعتقد أن ما تفضّلتم به هو دليل انتصار الجمهورية الإسلامية، هم أرادوا إسقاط النظام في الجمهورية الإسلامية، ما تفضّلتم به صحيح وقد خطّطوا لهذا الأمر منذ أربعة عشرة عاماً ولم يوفّقوا، وكان مُخطّطهم أن يثيروا الفتنة في الجمهورية وأن ينزل الناس إلى الشوارع وهذا ما صرَّح به نتنياهو عدّة مرّات وطلب من الشعب الإيراني النزول إلى الشارع، لكن هذا من غباء نتنياهو، كان يظنّ أن الشعب الإيراني يُحبّه ولكن الشعب الإيراني ينْفُر منه، وما حدث كان على عكس ما تصوَّر. حتى المعارضة في إيران وقفت مع النظام في الجمهورية الإسلامية أيضاً وهذه هزيمة أخرى. =نتنياهو كان يظنّ أن دول المنطقة أيضاً ستدعم إسرائيل لأن لديها بعض مع الجمهورية الإسلامية ولكن هذا لم يحدث. كل الدول الإسلامية رغم بعض المشاكل الموجودة بينها اجتمعت ودعمت الجمهورية الإسلامية. غياب الإنجازات هذا يُدلّ على الهزيمة الاستراتيجية لإسرائيل، نعم هي استطاعت عبر الغَدْر أن تغتال بعض شخصيّاتنا وهذه كانت خديعة واستطاعت بها أن تقتل بعض القيادات عندنا ولكن ما فعلته هو أنها دمَّرت الأبنية ودُمِّرت أبنيتهم. إذا أردتم أن تُقارنوا إسرائيل في تعداد النَسَمَات عندها مع الجمهورية الإسلامية بجغرافيّتها وعُمقها والدمار الذي أحدثته الصواريخ الإيرانية فسترون أنه حتى من الناحية التكتيكية أنها هي مَن خسرت. الكيان الصهيوني يخفي دائماً خسائره ولكن أنتم تعلمون أن كثيراً من وسائل الإعلام أعلنت أن إسرائيل تحوّلت إلى جهنّم وأصبحت مثل غزّة، وترامب نفسه قال إن إيران بواسطة صواريخها أحدثت جهنّم على نتنياهو وأنه هو مَن أنقذه. هذه كلها إذا وضعناها إلى جانب بعضها البعض نعلم أن هناك هزيمة استراتيجية للكيان الصهيوني. ربمّا نسمع كلاماً إعلامياً مختلفاً، هو مَن بدأ الحرب ولكن مَن طلب وقف إطلاق النار؟ إسرائيل، هذا يُظْهِر مَن خسر ومَن فشل في هذه الحرب هو بدأ الحرب وهو طلب وقف إطلاق النار ونحن لم نطلب. إذاً هو فشل في تحقيق أهدافه استراتيجيّاً وتكتيكيّاً وهو بدأ الحرب وهو طلب وقفها.

 

غسان بن جدو: لكن نتنياهو قبل يومين قال إن إيران تتحضَّر لهجومٍ على إسرائيل ونحن أيضاً نتحضَّر لهذا الهجوم، هل يُفاجئك هذا الكلام؟

 

علي لاريجاني: أنا يجب ألا أجيب على =هذا الموضوع ولكننا مُستعدّون دائماً للردّ بقوّةٍ على أيّ هجومٍ من الكيان الصهيوني. إسرائيل لن تترك المنطقة تستقرّ، نتنياهو ما دام موجوداً على سُدّة الحُكم لن يدع الأمور تستقرّ حتى في فلسطين، نتنياهو شخص شرّير ولن يدع الأمور تستقرّ. في لبنان تشاهدونه كل يوم يستهدف مكاناً وفي الدول الأخرى كذلك، هو يُزْعِج الدول دائماً، رأينا ما فعله في سوريا، هذا التخبُّط الأمني الذي يُحْدِثه في الدول غير مقبول. ولذلك أنا أكرّر أن نتنياهو ما دام موجوداً فلن يكون هناك استقرار وأمن حتى للذين يعيشون في فلسطين. وهذه مشكلة بالطبع، وهو يفتعل الأزمات لمصالحه الشخصية.

 

غسان بن جدو: المعاون الأول لرئيس الجمهورية الدكتور محمد عارف قال أمس =إن هناك إمكانية لمفاوضات ومحادثات مباشرة مع الولايات المتحدة ألأميركية بشروط، ربّما شروط المصلحة أو المنفعة، هل فعلاً يمكن أن نرى قريباً محادث مباشرة بين طهران وواشنطن؟ وما هي هذه الشروط؟

 

علي لاريجاني: المفاوضات طبعاً تكتيكية ويمكن أن تكون على وجهتين، إما أن تكون الدولة تعلم أن الحرب غير مُجدية فتتّجه نحو المفاوضات، وهذه مفاوضات مُجدية ولكن في بعض النقاط دولٌ تستفيد من المفاوضات كخِدْعةٍ لكي تتّجه إلى الحرب التالية وهذه مفاوضات خادِعة. إذاً على الأميركيين تحديد موقفهم أولاً فهم الآن عندما يتحدّثون عن المفاوضات فهم في الوقت نفسه يتحدّثون عن الحرب وهذا يعني أنهم لم يدركوا أن الحرب لن تُجدي. إذا أدرك الأميركيون يوماً أن الحرب لن تُجدي نفعاً لهم وتجلب لهم الخسائر أيضاً سنتّجه نحو المفاوضات. إيران لن تركع في الحرب، ما حدث مع إيران من ثورةٍ إسلاميةٍ كانت ثورة مُتجذّرة وكبيرة جدّاً، أكبر ثورة شعبية، هي ليست كانقلابٍ عسكري حدث في بعض الدول مثل ليبيا وسوريا، الملايين من الناس نزلوا إلى الشوارع وشاركوا في هذه الثورة بوعي ثوري راسِخ. أكثر من سبعة وسبعين في المئة من الشعب شاركوا في الثورة، هم إذاً أدركوا أنه عبر العمليات العسكرية لا يستطيعون أن يحصلوا على ما يريدون من إيران، وأن يستسلم الإيرانيون، هنا نستطيع أن نتّجه إلى المُفاوضات وإيران لن ترفض ذلك لأنها ستكون مفيدة، وإذا أدركوا أنهم لا يستطيعون أن يواجهوا الجمهورية الإسلامية بالحرب وأتوا إلى المفاوضات قَطْعاً ستستجيب الجمهورية الإسلامية، ولكن إذا جاؤوا إلى المُفاوضات من أجل الإعداد للحرب التالية فهذا لن يكون مفيداً لنا.

 

غسان بن جدو: نتحدَّث الآن مع مسؤول الأمن القومي في إيران والمُمثّل الخاص للسيّد خامنئي، هل طهران ما بعد الحرب لأن هناك مَن يعتقد أنه بعد نصركم على إسرائيل أو الحرب على إسرائيل، على المستوى الدولي نعم الولايات المتحدة الأميركية هي القوّة العُظمى والأولى لكن على المستوى الإقليمي كأننا أصبحنا في مرحلة أن إيران هنا والولايات المتحدة الأميركية هنا بكل احترام لها طبعاً، هل إيران مُستعدّة الآن لهذا الحوار المباشر ليس على المفاوضات النووية بل على ما هو أعمق وأكبر، على شيءٍ ربّما يُسمّى تسوية شاملة؟

 

علي لاريجاني: أعتقد أن علينا أن نمشي في هذا الموضوع خطوةً بخطوة، علينا أن نرى أولاً هل أميركا ستكون صادقة في هذه المُفاوضات، هل الأطروحات التي تقدّمها الآن على سبيل المثال في لبنان أو في العراق صادقة حقّاً وتأخذ بأولويّة مصالح الشعب اللبناني حقّاً أو حتى في العراق كذلك. أعتقد أنه ما دامت نظرية أميركا هي أن علينا أن نحقّق السلام بالقوّة فهذا معناه إما الاستسلام وإما الحرب وهذا =لا يُجدي نفعاً. أنا لا أعتقد أنهم سينجحون في أيّ مكانٍ آخر إلا إذا استسلمت الدول كما فعلت سوريا، استسلموا بالكامل لهم وترون ما هي النتيجة، ولكن الدول التي تعتبر وتقيم لنفسها مكانةً واحتراماً ولديها قوّة لن تستسلم. أثناء الحرب قال ترامب عليكم أن تستسلموا ولكن قائد الثورة رفض هذا الأمر وصفعه على فَمِه لكي لا يُكرّر هذا الكلام. إيران لن تستسلم ولم تستسلم ولذلك علينا أن ننظر إلى الساحة بشكلٍ جيّد. البعض يظنّ أن المفاوضات ستحلّ كل =شيء، المفاوضات تكون مُفيدةً عندما يستطيع الأطراف أن يقبلوا ويدركوا أنهم لن يستطيعوا أن يحقّقوا ما يريدون عبر الحروب، هنا تتقدّم المُفاوضات ولكن عندما يعتقد الطرف الآخر أنه بالقوّة يستطيع أن يأخذ ما يريد فهو يحقّق ما يريد بالحروب، فإذاً هنا المُفاوضات لا تعطي أية ثمرة إلا إذا غيّروا نظرتهم إلى المفاوضات.

 

غسان بن جدو: دكتور لاريجاني اعذرني هذا الكلام المُحْرِج لي كعربي قبل غيري لكن أرجوك أن تتفهّم هذا الأمر، هناك مَن يقول إنه بالرغم من كل مساعيكم على =مدى سنوات وربّما على مدى عقود من حرصكم على تعميق العلاقات مع الدول العربية، أكثر من طرفٍ خصوصاً حلفاء الولايات المتحدة الأميركية وهم كُثُر في منطقتنا العربية، لا حلّ لكم لتعزيز هذه العلاقات، لتثبيت الاستقرار ولترسيخ ما تعتبرونه أمناً إقليمياً إلا بتسوية مع الولايات المتحدة الأميركية، بمعنى آخر طريقكم مباشر إلى العالم العربي بهذا الشكل لن يفيد، التسوية مع أميركا هي التي تفيد في العالم العربي. هذا كان مُحْرِجاً لي كعربي ولكن هناك مَن يقول أن هذا هو الحلّ الوحيد أمامكم.

 

علي لاريجاني: أنا لا أنفي أن وجهة النظر هذه موجودة ولكن نحن لا نعتقد بهذا، وأنا لا أعتقد أن هذا الكلام هو كلام عميق ودقيق. أنا أسألك، إذا كانت دولة تقول إما أن تستسلموا وإما أن تحاربوا فهل برأيكم هناك مكان للتفاوض أو الصداقة حتى مع هذه الدولة؟ عندما تكون دولة لا تريد سوى أن تحفظ مصالحها ولا تراعي أبداً الدول الأخرى، نحن لسنا هكذا، نرى أن إيران دولة مُقْتَدِرة وقوية ونحن لا نرى أن هذا يؤمِّن مصلحة الدول في المستقبل. =أعتقد أن الرؤية في المنطقة والعالم سوف تتغيّر ولن تبقى أحادية القطب، هل هم الآن يستطيعون مواجهة الصين؟ صحيح أنهم يفرضون تعرفةً جمركية على البضاعة الصينية ولكن الصين أيضاً تقابلها بالمثل. هل استطاعوا فرض أوامرهم على بوتين؟ إذاً نحن يجب ألا نكون لُقْمةً سهلة لهم، علينا أن نكون أقوياء وصامدين في وجههم، لذلك أنا لا أوافق على أن مفتاح الدخول إلى الدول العربية هو أميركا. أشير إلى نقطةٍ أخرى، هذه الدول العربية التي تتحدّثون عنها الآن، لقد التقيتُ بعض المسؤولين في السنوات الماضية وهذه نقطة لطيفة ومهمّة، هذه الدول التي هي صديقة لأميركا وعندها قواعد هناك كانوا يقولون إننا يجب ألا نعتمد على الأميركيين وأن نهبط بحبله إلى البئر. أنا لا أريد أن أسمّي الدول ولكن حتى هم لا يثقون ثقةً كاملة وكانوا يريدون أن يُقيموا علاقات بدولٍ أخرى كالصين وإيران كذلك ولكنهم أيضاً يريدون أن يحافظوا على علاقاتهم بأميركا، طبعاً في الظاهِر كما تفضّلتم هم يتحدّثون على هذا النحو.

 

غسان بن جدو: لكن في كل الأحوال الولايات المتحدة الأميركية هي القوّة العظمى المُتنفّذة هنا في المنطقة وأثبتت بصراحةٍ السنوات الأخيرة أن أميركا لها اليد الطولى بشكلٍ كبيرٍ والدول العربية ليست بالضرورة مستسلمة للولايات المتحدة ولا تابعة ولا عميلة ولكن هي تقرأ بأن مصالحها هي في توثيق العلاقة مع أميركا وعليكم أنتم إيران لأنكم في خصومةٍ مع أميركا أن تلطّفوا العلاقة مع أميركا حتى لا تجد عَنْتاً في توثيق العلاقات معكم من هذه الزاوية.

 

علي لاريجاني: يمكنهم أن يوجدوا بعض =العقبات ولكن بين الصفر والمئة هناك أعداد أخرى أيضاً، لا يستطيع الأميركيون أن يقطعوا علاقاتنا بالدول العربية ولكن نعم لن تصل العلاقة إلى القمّة، إلى المئة ولكن نستطيع أن نستفيد من هذه العلاقات.

 

غسان بن جدو: المملكة العربية السعودية أصبحت لها يد طولى مُتنفّذة في المنطقة العربية، لا نقاش في ذلك، في لبنان، في سوريا وفي معظم الدول العربية للأمانة، نعم عقدتم تسوية، مُصالحة جيّدة في الصين، استأنفتم العلاقات مع علاقات بشكلٍ جيّد وكبير والحقيقة أننا نتمنّى أن تكون العلاقات دائماً ممتازة بين طهران والرياض لأن انعكاسها سيكون إيجابياً بشكلٍ كبير على المنطقة بكاملها. بعد التطوّرات في سوريا وبعد العدوان الإسرائيلي عليكم وبعد ما حصل هنا في لبنان، السعودية الآن أصبحت أكثر قوّة في المنطقة العربية، كيف هي علاقتكم الآن مع السعودية؟ وثانياً أنتم في إيران إلى ماذا تطمحون للوصول بها على مستوى التعاون الجدّي لأن هناك خلافات بينكما، في اليمن، في لبنان على مستوى حزب الله وفي سوريا.

 

علي لاريجاني: صحيح، كانت هناك بداية جيّدة كما تفضّلتم مع السعودية وعلينا أن نعمّق هذه العلاقة. أنا لا أقول إننا نتّفق معهم في جميع الأمور والملفات ولكنني أعتقد أننا نستطيع أن نُعمّق ونوسّع هذه العلاقة والاتفاق جيّد ويمكن العمل والتعاون في إطار وثيقة الاتفاق الجيّدة التي تحدّثتم عنها.

 

غسان بن جدو: دكتور لاريجاني أنتم شخص معروف في المنطقة ورجل مُعتدل وخبير ومُحترِف ومقبول، والآن تولّيتم مكاناً ممتازاً، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، هل ستصبح لديكم خطّة لتسوية بعض الخلافات بينكم وبين الدول العربية ومنها السعودية في بعض الملفات الواضحة؟ أتحدّث تحديداً عن لبنان واليمن؟

 

علي لاريجاني: أنا قَطْعاً أحبِّذ أن نتَّجه =نحو حلّ جميع الملفات في المنطقة بالحوار معهم ومع بلدانٍ مثل السعودية ومصر، ولا أعتقد أن هناك خلافات كبيرة. أعتقد أننا نختلف في بعض الآليات ووجهات النظر كما تفضّلتم ولكن الحلّ هو في الحوار. هم أصدقاؤنا وإخوتنا وكذلك الدول الإسلامية جميعها، وقَطْعاً أنا أرى أن هذا أمر مفُيد.

 

غسان بن جدو: مَن تابعوا الحرب العدوانية الإسرائيلية عليكم ربّما قرأوا في الصحف ولم يطّلعوا بشكلٍ كبير ولكن الدكتور لاريجاني من الأسماء التي برزت بشكلٍ كبير في خطابها، في شجاعتها، في جُرأتها، تصدّيتم بوضوح، لا أقول إنه كان مُفاجئاً ولكن كان إقداماً مهمّاً، وحتى كُشِف بأن إسرائيل كأنها عرضت عليكم الانشقاق وأن تخونوا بلدكم، هل هذا الكلام دقيق حتى أنهم هدّدوكم بالاغتيال؟

 

علي لاريجاني: نعم هذا صحيح، تمّ تهديدي بالقتل في اليوم الأول من المعركة عبر الهاتف، وتمّ تهديدي عبر الموساد، وطبعاً أجبتهم بما يليق بهم ولكن نعم تمّ تهديدي.

 

غسان بن جدو: مَن برز بشكلٍ كبير قد لا يكون مُفاجئاً لكم ولكن الحقيقة فاجأ العالم، مَن برز بشكلٍ كبير هو آية الله السيّد خامنئي، برز برباطة جأشه، بإدارته بشكل موثوق به وبهدوءٍ كبير، وهناك مَن يقول لعلّه المُنتصر الأكبر لدرجة أنه بعد أن ظهر بعد الحرب وُصِف بأنه قوي إيران، حيدر إيران، هل يمكن أن تحدّثونا دكتور لاريجاني عن حقيقة دوره السياسي والعسكري خلال الحرب؟

 

علي لاريجاني: طبعاً هو قلب الموازين في الحرب الأميركية الإسرائيلية لأنهم في اليوم الأول استطاعوا أن يغتالوا عدداً كبيراً من قياداتنا ولكن هو استطاع أن يستبدلهم بسرعةٍ وخلال بضع ساعاتٍ فقط وهذا أمر مهمّ جداً. وبعد ذلك ظهر في خطاب إلى الشعب الإيراني أوضح فيه شكل المواجهة وأهمية المرحلة، وهذا الهدوء الذي يتضمّن القوّة أيضاً هو الذي غيّر المعادلة. عندما قال الأميركيون بوقاحةٍ عليكم أن تستسلموا طبعاً أجابهم بقوّةٍ، لن نستسلم وسنواجه بقوّة، والقوات المُسلّحة أيضاً وافقت ودافعت بقوةٍ وشراسة، وعندما كانت القوات المُسلّحة تُطلق الصواريخ كان ذلك بقوةٍ وشجاعة. كل هذا كان بسبب إرشاداته الحكيمة وهذه أيضاً من ضمن العلامات الفارِقة، كان الأمل الذي يعطيه للشعب وقيادته ولآخر لحظة كان معنا.

 

غسان بن جدو: لا ننسى دوره كقائد أعلى للقوات المُسلّحة عملياً بمعنى هل كان في غرفة العمليات؟ هل كان يوجّه الأوامر أم يعطي توجيهات عامة فقط؟

 

علي لاريجاني: صحيح، هو كان يُدير كقائدٍ للقوات المُسلّحة في غرفة العمليات، كانوا يستشيرونه في كثيرٍ من الأمور وكان يوجّههم ويسيطر على الأمور بشكلٍ كامل. وهذه كانت تجربة مهمّة جدّاً للقوات المُسلّحة، أثبتوا مدى إمكانيتهم وقُدراتهم بأنه حتى لو تمّ اغتيال كل القيادات فهناك مَن يستطيع أن يحلّ =مكانهم ويُدير الأمور من دون أيّ خَلَل. وفي الليلة نفسها بدأ إطلاق الصواريخ من الجمهورية الإسلامية على إسرائيل، وبرغم كل المشكلات التي واجهناها في الدفاع الجوي ولكن الصواريخ كانت تُطْلَق وهذا يكشف عن شجاعةٍ مُنقطعة النظير.

 

غسان بن جدو: سؤالي الأخير دكتور لاريجاني بسبب ضغط الوقت لعلّنا نستكمل الجزء التاريخي منه في طهران قريباً بإذن الله، لستُ أدري إن سمحت ظروفكم هنا في بيروت للقاء الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، ليست زيارتكم الأولى بعد استشهاد السيّد لكن هل تفتقدون السيّد حسن نصر الله رحمه الله.

 

علي لاريجاني: أنا زرتُ لبنان أيضاً بعد شهادة السيّد حسن ولا يمرّ يوم أو ليلة عليّ ولا أذكر سماحة السيّد الشهيد. هو كان رجلاً عظيماً جداً وشخصيةً مُنقطعة النظير ولن تتكرّر، ولذلك هو مَبْعَث فخر لي لأنني عندما آتي إلى هنا ألتقي أصدقاءه. اليوم التقيتُ بعض الشخصيات في حزب الله، وأنا أعتقد أن حزب الله هو مَبْعَث فخرٍ وشرف العالم، وهو شخصية تثبتّت في التاريخ. وفي المؤتمر الصحافي أيضاً بعد لقاء دولة الرئيس نبيه بري رأيتُ خلطاً بين العدو والصديق وقلت لهم إنكم تخلطون بين العدو والصديق، وعلى الشعب اللبناني والدول العربية أن تحترم المقاومة ولا تتعرّض لها. هذه الشخصيات لن تتكرّر، ولسنواتٍ طويلة ظهرت لنا شخصية فذّة مثل سماحة السيّد الشهيد حسن نصر الله.

 

غسان بن جدو: رغم كل الضغوط والصعوبات والهجمات على حزب الله هل أنتم مطمئنّون إلى واقع ومستقبل حزب الله في لبنان؟

 

علي لاريجاني: نعم مئة بالمئة، أنا حتى في زيارتي الماضية إلى لبنان أكّدتُ أن هذه الروحية التي نعلمها ونراها لن تموت، هم أحياء وكل واحدٍ منهم كألف رجل ولن يستطيعوا إنهاءهم بهذه السهولة. القواعد عندهم تتأقلم بناءً على الأحداث والوقائع ولكن هم يستمرّون ويُثمرون للعالم الإسلامي.

 

غسان بن جدو: دكتور علي لاريجاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي شكراً لكم على هذا اللقاء الخاص، الشكر لكم مشاهدينا المحترمين على حُسن المتابعة وإلى لقاءٍ آخر بإذن الله، في أمان الله....