سلاح المقاومة والسيادة

على وقع التحولات الدولية والإقليمية، يعود إلى الواجهة في لبنان جدل «سلاح المقاومة» بين دعوات الحصرية بيد الدولة، وضرورته كخيار استراتيجي في وجه التهديدات الوجودية. فهل انتهى دور المقاومة المسلحة؟ أم أنها تفرض نفسها مجدداً في ظل استمرار الاحتلال والعدوان؟ ما موقعها في الصيغة الوطنية؟ وهل تكفي الضغوط الدولية لضبط الكيان الإسرائيلي؟

نص الحلقة

 

 

بيار أبي صعب: مساء الخير، على عتبة المواجهات الكبرى وفي قلب واقعٍ مُتغيّر دولياً وإقليمياً يُخيّم عليه شَبَح إعادة رَسْم الخرائط وتصاعُد التهديدات الوجودية هناك حديثٌ يكاد يطغى على كل ما عداه في لبنان، تسليم سلاح المقاومة أو حصريّة السلاح بِيَدِ الدولة. وهذا النقاش الذي يتجاوز الإطار الوطني لكونه شأناً عربياً بامتياز يزداد حدّةً وتعقيداً في قلب الواقع الداخلي المُتشظّي، هل انتهى دور المقاومة المُسلّحة أم هي تفرض نفسها اليوم كضرورةٍ استراتيجيةٍ أكثر من أيّ وقتٍ مضى؟ أما زالت إسرائيل ذلك الكيان الإبادي الاستيطاني التوسّعي الذي يمثّل تهديداً وجودياً لشعوبنا؟وهل تكفي القرارات الدولية والضغوط الدبلوماسية لِلَجْمِها؟ ثم كيف نحمي السيادة اليوم؟ كيف نواجه الاحتلال والعدوان؟ وهل المقاومة حقٌّ مشروع، حقٌّ مُكْتَسَب للشعوب الخاضِعة للاحتلال؟ وأيُّ موقعٍ يمكن أن تحتلّه المقاومة المُسلّحة في الصيغة الوطنية؟ وأخيراً ما المُرْتكزات القانونية والسياسية والأخلاقية التي تُبرِّر استمرار هذه المقاومة.

أعزّائي المشاهدين أهلاً بكم في حلقةٍ جديدة من "على محمل الجد"، لمناقشة هذا الموضوع ضيوفنا الليلة الباحث والأكاديمي اللبناني الدكتور قاسم غريّب معنا في الاستوديو، ومن الكويت الكاتب السياسي الأستاذ أحمد الديين عضو الحركة التقدّمية الكويتية، ومن باريس المحامي المغربي الدكتور عبد المجيد مراري، أهلاً بكم. أستاذ قاسم نبدأ معك، الكلام اليوم عن تجريد المقاومة من سلاحها، حين تُجرَّد المقاومة من سلاحها فأنت تلغي وجودها، هل لبنان بات فعلاً بغنى عن المقاومة؟ هل هي صفحة طُوِيَت؟ هل انتهت المقاومة ولم تعد هناك حاجة إليها؟

 

قاسم غريّب: مساء الخير أستاذ بيار لك ولضيوفك وللمشاهدين، أتصوّر أن العمل الآن هو على ذلك، على قَتْل كل مفهوم المقاومة وعلى رأسها المقاومة المُسلّحة بحجّة أن هذه المقاومة فشلت بتحقيق الوعود التي وعدت اللبنانيين بها. هذه الحِجّة التي تُقال اليوم، وَضْع العَرَبة أمام الحصان، هناك إسرائيلي مُتغوّل بعدوانه، مُسْتَبيح لكل لبنان بسمائه وأرضه، يضرب أنّى يشاء وأين يشاء من دون أيّ إزعاجٍ دولي وبقبولٍ ضمني لبناني بأن هذا من مُنْدَرَجات القرار 1701. إذاً السعي الحثيث اليوم هو لقتل المقاومة المُسلّحة، المقاومة برأيي كانت هي السدّ المنيع أمام التطبيع، ليس هناك أيّ حديث عن التطبيع اليوم  في لبنان وإنما الحديث عن قتل المقاومة المُسلّحة بحيث إذا سقطت المقاومة في لبنان أصبح الحديث عن التطبيع عادياً وطبيعياً جدّاً ونقع بعده في شِراك التطبيع.

 

بيار أبي صعب: قَتْلها لأنه لم تنتفِ الحاجة إليها.

 

قاسم غريّب: لم تنتفِ الحاجة إليها بل على العكس ما نراه اليوم من التغوّل الإسرائيلي ومن العدوان الإسرائيلي غير المسبوق، كنا باحتلال مزارع شبعا والآن أصبحنا باحتلال نُقاط عدّة، الحديث فقط عن النقاط الخمس هو تهميش لحقيقة العدوان الموجود الآن، هناك منطقة حدودية تحت مرمى النار الإسرائيلية ولا يُسمح لأهلها بالذهاب إليها. إذاً هناك عدوان يطال لبنان من أقصاه إلى أقصاه، عدوان يومي لا يستثني شيئاً. إذاً حَصْر الحديث من حيث العدوان بالنقاط الخمس هو تسخيف لحقيقة العدوان الإسرائيلي اليوم. اليوم نعم هناك محاولة حثيثة لقتل المقاومة المُسلّحة التي تبرز الحاجة إليها أكثر من أيّ وقتٍ مضى، تحت أيّ عنوان هذا شيء آخر.

 

بيار أبي صعب: أنتقل إلى الأستاذ أحمد الديين، أستاذي كيف يبدو لك الصِراع من الخليج في هذه اللحظة؟ برأيك هل انطوت صفحة المقاومة في لبنان وفي فلسطين وسائر دول المواجهة؟ هل انتهى زمن الكفاح المُسلّح؟ ما الحلول البديلة؟

 

أحمد الديين: الخليج هو جزء من الأمّة العربية والصِراع الدائر الآن مع العدو الصهيوني في فلسطين وكذلك العدوان والاحتلال الإسرائيلي لأجزاءٍ من الأراضي اللبنانية كلها مُبرّرات جدّية تضع أساساً لوجود مقاومة مُسلّحة، مقاومة للاحتلال، مقاومة للعدوان، مقاومة للتهديدات الصهيونية التي تستهدف لبنان. صفحة المقاومة ستظلّ مفتوحة طالما هنالك احتلال وما دام هنالك عدوان وتهديد صهيوني، والكيان الصهيوني ليس مُجرّد دولة مجاورة للبنان، الكيان الصهيوني هو كيان عدواني استيطاني توسّعي، وهو لم يكتفِ فقط بإخضاع لبنان للتطبيع لو استطاع ذلك لا قدّر الله وإنما سيفرض بعد ذلك مسألة التوطين التي يرفضها الدستور اللبناني سيفرض التوطين كمطلبٍ لاحقٍ للتطبيع، ولذلك فإن المقاومة تكتسب أهمية جدّية. هي لها أساس قائم يتمثّل في وجود الاحتلال والعدوان ولها أساس أيضاً في القانون الدولي الذي يكفل للشعوب حقّها في مقاومة المُحتلّ وفي مقاومة العدوان الخارجي.

 

بيار أبي صعب: لنطرح السؤال بشكلٍ آخر على الأستاز عبد المجيد مراري، الشعب المغربي يقول كلمته كل يوم وفي كل الميادين تضامُناً مع فلسطين، وأنت شخصياً تخوض المعارك على جبهة القانون الدولي، مثلاً كمُتحدّث باسم الفريق القانوني أمام المحكمة الجنائية الدولية. في ضوء تجربتك الغنيّة في هذا المجال إلى أيّ مدى تبدو لك مُجْدِيةً مواجهة الاحتلال على ساحة القانون الدولي والشرعية الدولية؟ أوامر الإحضار بحقّ نتنياهو ووزير حربه غالانت بقيت حبراً على ورق بل عرَّضت المُدّعي العام للمحكمة كريم خان لأبشع أشكال الاغتيال المعنوي. 

 

عبد المجيد مراري: تحية لك سيّدي ولضيوفك الكرام ولمشاهدي القناة. تبدو لي هذه المعركة رئيسية، حتى الاحتلال الإسرائيلي يعتبرها معركة مهمّة جداً ويُسخّر لها جيشاً من المحامين وميزانية ضخمة ويعطيها الأهمية الثانية بعد الاهتمام بالشأن العسكري والاهتمام بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها، فيريد أن يعطي قيمة ثانية لهذه المواجهة على المستوى القضائي، لا ننسى بأنه أثناء المواجهة أمام محكمة الجنايات الدولية ومنذ صدور المُذكّرات في 21 نوفمبر تقدّمت إسرائيل بما يزيد عن 49 طعناً بمعنى أنه يولي أهميةً لهذه القرارات ويخاف من نتائجها التي وضعته في عُزْلةٍ دولية، وصار نتنياهو وغالانت يوصَفان بأنهما مُجرميّ حرب مطلوبيْن للعدالة بغضّ النظر عمّا إذا نُفِّذت هذه المُذكّرات أم لا، لكن منذ متى كنا نحلم بأن تستصدر جهة قضائية دولية قراراً كهذا، أن تكون هناك جُرأة لمؤسّسةٍ قضائية، لمؤسّسة الإدّعاء العام وتصادق عليها الغرفة التمهيدية الأولى، لم نكن لننتظر مثل هذه القرارات أو على الأقلّ مَن كان يائِساً من العدالة الدولية لم يكن ينتظر مثل هذه القرارات. نحن كنا نسعى ونُخطّط لها وكنا نأمل بالوصول إلى ما وصلنا إليه، وأعتقد أن المجر ليست نموذجاً ولا يمكن أخذ المجر كنموذجٍ على الإطلاق. منذ ثلاثة أيام صدر قرار عن رئاسة المحكمة يعطي توكيلاً لمكتب المُدّعي العام بأن يتّخذ اللازم وأن يكتب تقريراً في ما يمكن أن يُتّخذ في حقّ المجر بمعنى أن المحكمة لم تقل كلمتها بعد في مسألة المجر. أما مسألة المُذكّرات فأعتقد أن الامتحان لم توضع محكمة الجنايات الدولية فيه لأن المُعوّل عليه هي الدول الأوروبية الغربية، فرنسا، ألمانيا، بلجيكا وغيرها من الدول. ألمانيا وصفت زيارة نتنياهو أو قبول المجر باستقبال نتنياهو بأنه يومٌ أسود للعدالة الدولية، ألمانيا الحليف الاستراتيجي لإسرائيل والمُصدّر الأول للأسلحة إلى إسرائيل في أوروبا، تعطي هذا الموقف لأن الأمر مُرتبط بالعدالة. لا أظنّ أن نتنياهو يجرؤ على القدوم إلى فرنسا على الإطلاق ولا حتى غالانت أو بن غفير أو سموتريتش. أنتم تابعتم معنا أعتقد يوم الجمعة الماضي، المُدّعي العام الفرنسي يفتح تحقيقاً رسمياً في جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية في إسرائيل ضدّ ضبّاط في الجيش الإسرائيلي على خلفيّة مساهمتهم ومشاركتهم في التجويع ومَنْع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزّة وغيرها من القضايا. الشرطة الكندية فتحت تحقيقاً أيضاً،  وبالتالي أختم بالقول إن المعركة القضائية تُعدّ المعركة التالية وسجّلنا فيها نقاطاً منذ الخامس من فبراير 2021 إلى يومنا هذا، سجّلنا نقاطاً كبيرة جدّاً ولم يستطع الاحتلال الإسرائيلي بما يملكه من ميزانية ومن جيش قانوني أن يُسجّل نصف نقطة من ذلك.

 

بيار أبي صعب: كما يقال باللهجة المغربية " يعطيكم الصحّة" لأنني أدرك الدور الذي لعبتموه شخصياً في هذه المعركة الكبرى. الصحافية المصرية هند الضاوي وهي الباحثة في الشؤون العربية والدولية ترى أن إسرائيل لا تحترم الاتفاقيات والقرارات الدولية، وأن الولايات المتحدة فشلت حتى الآن في تقديم الضمانات، وبالتالي لا يمكن أن نطالب حزب الله الآن بالتخلّي عن منظومته التسليحية، نشاهد معاً. 

 

هند الضاوي: بعد التحية لحضراتكم، في الكثير من الصٍراعات حول العالم كان للمقاومة دور كبير في تحرير الأوطان سواء كنا في عهد الاستعمار القديم أو في عهد الاحتلال الحالي، ولكن هذه المقاومة دائماً ما تكون في الدول التي عجزت عن تشكيل مؤسّسات قادرة على حماية الدولة. هنا يأتي دور المقاومة الشعبية التي تُساند المؤسّسات أو تعمل وفق منظورها الوطني في الدفاع عن أراضيها. لبنان يعاني منذ فترةٍ من ظروفٍ استثنائية نتيجة توسّع الحرب في قطاع غزّة، قدّم الكثير من أجل مُساندة ودعم الشعب الفلسطيني ولكن ربما هناك تسويات قد فُرِضَت على الوضع في لبنان لوقف الحرب. هذا تطلّب من المؤسّسات الجديدة أو من المنتخبين الجُدُد نزع سلاح حزب الله كنوعٍٍ من التسوية مع الدول العظمى التي ترعى الاحتلال. أنا أعتقد أن هذا الأمر كان يمكن أن يحدث إذا كانت هناك مصداقية للاحتلال في فكرة الانسحاب من الأراضي اللبنانية وخلق آلية واستراتيجية قادرة على تأمين الحدود الخاصة بلبنان. حتى الآن فشلت إسرائيل في الاختبار وأعلنت بأنها لن توقِف الحرب وأن بإمكانها قصف أيّ مكان في منطقة الشرق الأوسط ترى أنه يُشكّل خطراً عليها في حين أنها هي المُعتدي على كل الأراضي العربية سواء في فلسطين أو في لبنان أو في سوريا، وبالتالي لا يمكن أن نطالب حزب الله الآن بالتخلّي عن منظومته التسليحية على أمل أن تكون هناك تسوية، أميركا نفسها فشلت مرات عديدة بتقديم ضمانات حقيقية لحماية لبنان وجنوب لبنان، شاهدنا أن الاتفاق الذي تمّ لم تلتزم به إسرائيل بشكلٍ كامل، ما زالت مُتمّسكة باحتلال خمس نقاط في لبنان بالإضافة إلى أنها تُجدّد القصف هنا وهناك أحيانا. وبالتالي أعتقد أنه يجب توخّي الحَذَر في المرحلة القادمة خاصةً بعد ما شاهدناه في سوريا وشاهدنا دعم نَشْر الفوضى في المنطقة، ونتنياهو يقولها علناً إننا أمام شرق أوسط جديد. يبدو أن هذا الشرق الأوسط الذي يسعى إليه نتنياهو وأميركا لا يأخذ المصالح العربية بعين الاعتبار ويُعيد تقسيم المنطقة على أسسٍ استعمارية واحتلالية تخدم مصالح أميركا وبريطانيا وإسرائيل، وبالتالي يمكن أن نطلب من أيّ طرف أن ينزع سلاحه في حين أنه ليست لديه ضمانات حقيقية لا من وطنه ولا من القوى العظمى التي ما زالت مُسيطرة على المشهد في منطقة الشرق الأوسط، لكن إذا استطعنا أن نقدّم ضمانات وأن تكون هناك دولة وطنية قوية تحصل على ثقة كل أطياف الشعب اللبناني هنا يمكن أن نقول بأنه يمكن نزع السلاح ولكن حتى الآن نحن بعيدون جدّاً عن هذا الأمر. 

 

بيار أبي صعب: أعود إليك دكتور غريّب، أنت أحد الموقّعين على بيان وطني مهمّ جداً في الذكرى الخامسة والعشرين لعيد المقاومة والتحرير في 25 أيار مايو الماضي، وقد استوحيتُ منه بعض العبارات في مقدّمة الحلقة، كان بعنوان "المقاومة المسلّحة في لبنان ضرورة وطنية وقيمة استراتيجية"، ما رأيك بالموّال المُتكرّر عن أن السلاح لم يأتِ إلا بالبلاء والخراب، وأن هذا السلاح عَجِزَ عن حماية لبنان وفرض الردع، خيار إسناد غزّة كان خطأ استراتيجياً وإلى ما هنالك من محاسبة تأتي اليوم في هذه اللحظة وكأن هذا السلاح بالفعل هو مصدر كل البلاء في لبنان، وإذا تخلّصنا منه سيبدأ الازدهار وتبدأ الجنّة الموعودة.

 

قاسم غريّب: الأستاذة هند لخّصت ولم تترك ما يُقال في هذا الموضوع. اليوم  هناك عمل حثيث وحملة إعلامية هائلة ومُركّزة لقتل روح المقاومة وتثبيت روح الهزيمة والعجز في قلوب وعقول ووجدان أهل هذه البلاد، هذا هو الهدف الحقيقي الآن، هناك مسعى للقول بأن المقاومة لم تحقّق شيئاً على مدى وجودها. 

 

بيار أبي صعب: هل هذا صحيح؟ 

 

قاسم غريّب: بطبيعة الحال كما يقول الشاعر العربي أبو فراس الحمداني الذي قارَع الروم في جيش إبن عمّه سيف الدولة "إن زرتُ خرشنة أسيرة فلكم أحطتُ به مُغيرا". لن يكتب تاريخنا في هذه المنطقة معركة ونتائج معركة، ولن يكتب تاريخ نضالنا ومقاومتنا للإسرائيلي في هذه البلاد نتائج معركة. في هذه المعركة نال منا الإسرائيلي ولكن يجب ألا ننسى نصر أيار، يجب ألا ننسى نتائج حرب تموز، يجب ألا ننسى أنه خلال 17 عاماً  نعمنا بالاطمئنان والأمان ولعبت المقاومة دور الردع، إسرائيل كانت مردوعة. الذي لا يقول بالردع اليوم هو بالأساس لم  يؤمِن بالمقاومة، الذي لا يقول بجدوى مقاومة اليوم، لم يهضم المقاومة في 1982 ولم يهضم المقاومة عندما ثبّتت قواعد نوعاً من الردع في 1996، ولم يهضم المقاومة عندما حرّرت في العام 2000 ولم يعترف بانتصار المقاومة في حرب 2006. لا جدوى من النقاش مع عيّنة لم تعترف للمقاومة يوماً بفضل.

 

بيار أبي صعب: نحن نردّ على منطق أن هذا السلاح خرَّب لبنان، هناك إخفاء للحقيقة أنّ الذي خرَّب لبنان هو العدوان، هو العدو.

 

قاسم غريّب: كما قلنا هناك وضع للعَرَبة أمام الحصان، التركيز اليوم هو على السلاح لا على العدوان الإسرائيلي أو على التغوّل والإجرام والإرهاب الإسرائيلي غير المسبوق ناهيك عن غزّة.

 

بيار أبي صعب: وهذا ما يفصّله البيان الذي وقّعته.

 

قاسم غريّب: أما الحديث عن حرب الإسناد، شخصياً لو عاد بي الأمر إلى الثامن من تشرين الأول 2023  لدخلتُ حرب الإسناد. أنا أرى بأن الواجب الأخلاقي ناهيك عن الواجب المصلحي الوطني لأن الوحش الاسرائيلي الذي التهم الفلسطيني سيصل إلينا لا محالة. نحن كجيران لأهل فلسطين لا يمكن ولا يُعقل أن نتركهم لقمةً سائِغة في فمِ الإسرائيلي، تاريخنا المشترك لن ترسمه سنة ولن يرسمه جيل.

 

بيار أبي صعب: قبل سايكس بيكو كان بلداً واحداً.

 

قاسم غريّب: أنا إبن الجنوب، إبن منطقة محاذية لفلسطين المحتلة. كما يقول الشاعر العربي السموأل وهو من شعراء الجاهلية "تعيّرنا أنا قليلٌ عديدنا، قلتُ لها إن الكِرام قليل وما قلّ مَن كانت بقاياه مثلنا، شبابٌ تسامى للعُلا وكهول وما ضرّنا أنّا قليلٌ وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل". ماذا سيكتب التاريخ عنا لو تركنا الفلسطيني يُلْتَهم من الوحش الإسرائيلي، لا يُعْقَل. 

 

بيار أبي صعب: أستاذ أحمد الديين إلى أيّ مدى يمكن التعاطي الدبلوماسي بين قوسين مع الاحتلال الإسرائيلي والإبادة مستمرة في غزّة والتغوّل يتواصل في الضفة وفي لبنان وسوريا؟

 

أحمد الديين: الإسناد الذي قامت به المقاومة اللبنانية لغزّة كان مُستحقّاً من زاوية تتّصل بلبنان نفسه، لو نجح العدو الصهيوني في الانفراد بغزّة وهزم المقاومة هناك كان سيلتفت مباشرةً إلى لبنان وإلى المقاومة في لبنان وسيوجّه لها الضربة. يكفي جريمة البايجر لتكشف لنا أن هناك تحضيرات كانت جاهزة ومُعدّة وخطّط من أجل استهداف المقاومة، هذا شيء. الشيء الثاني التعاطي الدبلوماسي، طبعاً هنالك مَن يراهن على التعاطي الدبلوماسي ولكن في واقع الحال كل السجّل الإجرامي والتوسّعي والعدواني للكيان الصهيوني يكشف أن التعاطي الدبلوماسي لا يوصِل إلى نتيجة. أمامنا أوسلو ما الذي حدث؟ لم يحدث سوى أن أصبحت هناك سلطة تتعاون مع الصهاينة لقمع الشعب الفلسطيني ولقَمْع المقاومة. أنا أريد أن أضرب ثلاثة أمثلة على أنظمة عربية، مثال طبيعي أن تلجأ إلى المقاومة الشعبية المُسلّحة في مواجهة المُحتل، هكذا يُفترض. عندما تعجز الحكومات عن مواجهة المُحتلّ عليها أن تلجأ إلى شعبها وتسلّحه، على سبيل المثال في العهد المَلَكي حكومة الوفد عام 1951 لجأت إلى الجماهير لإنشاء كتائب التحرير، كتائب المقاومة الشعبية لتنفيذ قرار إلغاء اتفاقية 1936 ولمواجهة القاعدة البريطانية في قناة السويس. في مصر مرة أخرى عام 1956 إبّان العدوان الثلاثي على مصر، عبد الناصر وحكومة ثورة يوليو استعانت بأهالي بورسعيد وبالقوى السياسية التقدّمية التي كانت موجودة في بورسعيد في مواجهة العدوان الثلاثي على تلك المدينة. مثال آخر تونس في عهد بورقيبة في عام 1961، تونس كانت مُستقلّة تونس ولكن كانت هناك قاعدة فرنسية في بنزرت، لجأ الرئيس بورقيبة إلى تعبئة الجماهير التونسية وتسليحها من أجل التصدّي للقاعدة الفرنسية وإجبارها على الانسحاب من بنزرنت. هكذا يُفترض بالحكومات أن تفعل عندما تجد نفسها غير قادرة، عليها ألا تكتفي فقط بالخيار الدبلوماسي خصوصاً حينما تكون هناك استحالة بل عليها أن تلجأ إلى الجماهير والمقاومة.

 

بيار أبي صعب: المقاومة الشعبية بمعنى آخر تُكمّل أهداف الحكومات إذا كانت وطنية وتحرّرية. دكتور عبد المجيد مراري ماذا تعني اليوم من وجهة نظركم الدعوة إلى سَحْب سلاح المقاومة في لبنان؟ هل هذا الهدف يخدم السيادة والاستقرار والسلام؟

 

عبد المجيد مراري: أعتقد أنه يخدم ==المُحتل ويُضفي الشرعية على احتلاله وعلى جرائمه، أعتقد أن المقاومة وسلاح المقاومة هما حقّ مشروع. القرار 106/32 للجمعية العامة للأمم المتحدة يعطي الحقّ للشعوب التي تقع تحت الاحتلال والاستعمار بأن تقاوِم الاحتلال بكل الأشكال ولو كان ذلك بالسلاح أو العمل المُسلّح، حتى أن قانون المؤسّسة الجنائية الدولية يُسْقِط المسؤولية الجنائية عن حركات المقاومة التي ترتكب أعمالاً ترقى إلى جرائم اذا ارتُكِبت في حال دفاع عن الأرض وعن النفس وعن كل شيء يُعدّ ضرورياً للحياة، بمعنى أن سلاح المقاومة هو شيء حيوي مشروع لأننا إذا سرنا في مسار الدول الغربية فهي تُشَرْعِن بمزاجيّتها. فرنسا تعتبر المقاومة الألمانية مقاومة في حين قام الشعب الجزائري ليقاومها اعتبرت ذلك إرهاباً، والآن يعتبرون المقاومة إرهاباً عندما يحلو لهم ويعتبرونها مشروعةً في أوكرانيا وفي لبنان تُعْتَبَر إرهاباً وفي غزّة كذلك ويبنغي علينا أن نصف الأعمال التي تقوم بها المقاومة على أنها إرهابية ولا يحقّ لها الدفاع عن النفس. الوحيد الذي له حقّ في الدفاع الشرعي هو الاحتلال الإسرائيلي، الولايات المتحدة الأميركية حتى الساعة لا زالت مُتمسّكة بهذه السرديّة التي لا قيمة لها قانوناً ولا قيمة لها أخلاقياً، فبالتالي سلاح المقاومة هو سلاح قانوني وإلا فينبغي إعادة النظر وإلغاء البند الأول من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإلغاء قرارات مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة ونظام روما واتفاقية جنيف البروتوكول الأول خاصةً، فبالتالي سلاح المقاومة هو سلاح مشروع ودفاعها مشروع تؤيّده الأخلاق والقوانين والسياسات، فبالتالي إلغاء وسَحْب سلاح المقاومة يُضفي الشرعية على ذلك الاحتلال ولكأنه نوعٌ من التنازُل للأسف الشديد عن سيادة لبنان لأن سلاح المقاومة هو من ضمن هذه السيادة.

 

بيار أبي صعب: أعزائي المشاهدين فاصل قصير نستمع بعده إلى شهادة الكاتب السياسي العراقي طالب الأحمد ونعود.

 

طالب الأحمد: في الحقيقة المقاومة هي =خيار تفرضه ضرورات الواقع، هي ليست مسألة متعلّقة بمزاج سياسي أو بإرادات سياسية بقَدْر ما هي عبارة عن ردّ فعل للشعوب المقهورة، الشعوب التي تتعرّض إلى مؤامرات واحتلال وقمع، وبالتالي فمشروعيّتها هي هذا الدعم الشعبي لها باعتبارها تمثّل حالاً ثورية شعبية تواجه قوى العدوان، قوى القمع، قوى الاحتلال كما نلاحظ الآن في فلسطين وفي مناطق أخرى من العالم، وبالتالي دعم المقاومة أعتبره مسألة متعلّقة أيضاً بإرادة الشعوب وليس بإرادة الأنظمة. كل البطولات والتضحيات التي قدّمتها ولا تزال تقدّمها، حتى الآن لم نجد مواقف رسمية من المجتمع الدولي تؤيّد هذه المقاومة. نعم هنالك التعاطُف مع حالات إنسانية أو مع وضعٍ إنساني وهذا يختلف عن دعم المقاومة. المقاومة تحتاج إلى دعمٍ سياسي، حتى في عالمنا العربي الدعم السياسي لها يكاد يكون مُنْعَدِماً كما أن هناك أنظمة سياسية عربية تماهت أو وقفت بشكلٍ أو بآخر مع قوى العدوان والاحتلال ضدّ هذه المقاومة، وبالتالي هذا تحدٍّ كبير. التضليل الإعلامي أو الهجمة الإعلامية التي تواجهها المقاومة، من المؤسِف أن نجد في عالمنا العربي الكثير من وسائل الإعلام العربية التي كانت تقف ضدّ المقاومة وأحياناً تحاول أن تبدو بأنها حيادية وهذا الموضوع يُفْتَرَض ألا تكون حيادية فيه. صِراع بين الجلاّد وبين الضحية لا ينبغي أن يكون الإعلام حيادياً فيه، المقاومة المُسلّحة واجهت تحدّياً كبيراً من خلال التضليل الإعلامي، من خلال توصيفها بالإرهاب ومن خلال استثارة المشاعر أو المجتمعات العالمية ضدّها. في المُجْمَل ورغم كل هذه التحدّيات المقاومة لا يمكن أن تخضع لقوى الهيمنة.

 

بيار أبي صعب: أهلاً بكم مجدّداً أعزائي المشاهدين في هذه الحلقة من "على محمل الجد"، اسمحوا لي أن أعيد الترحيب بضيوفي: الدكتور قاسم غريّب في الاستوديو، الأستاذ أحمد الديين من الكويت، الدكتور عبد المجيد مراري في باريس. نصل الآن إلى الجزء الثاني من حلقتنا في فقرة "على محمل النقد"، قصدنا الكاتب والصحافة والأكاديمي عمر نشّابة المُتخصّص في العدالة الجنائية وحقوق الإنسان وسألناه عن الفَهْم المُجْتزأ والانتقائي للقرار 1701 لدى بعض السياسيين والإعلاميين في لبنان لتبرير مطلب سَحْب سلاح المقاومة، وعن أبعاد خروقات العدو لاتفاق وقف اطلاق إلنار، لنستمع إلى الدكتور عمر نشّابة. 

 

عمر نشّابة: في العام 1978 حصل الاجتياح الإسرائيلي للجنوب وصدر عن مجلس الأمن قراري 425 و426، وقد أخفقت كل الجهود الدبلوماسية في تحرير الأرض، وبالتالي المقاومة هي ردّة فعل ضدّ الاحتلال، لم تكن هناك مقاومة في البداية، كان أهلنا في الجنوب ينتظرون أن يأتي الجيش وتأتي الجيوش العربية، ككل الأراضي المُحتلّة العربية انتظروا مجيء الجيوش العربية بما فيها الجيش اللبناني لتحرير أرضهم من الاحتلال.

المجتمع الدولي ولبنان رسمياً قام بكل الجهود، رئيس محكمة العدل الدولية هو مواطن لبناني واليوم هو رئيس الوزراء، وهو يعرف أن العدو الإسرائيلي لا يستجيب لقراراتٍ مُلْزِمة قانونياً صادرة عن أعلى محكمة في العالم. من الناحية القانونية لا يوجد اتفاق بمعنى أن يوقّع عليه الطرفان بل إعلان وقف الأعمال العدائية الذي يُفترض أن يُرفَق بالنصّ الأساسي الذي هو القرار 1701 الذي وافق عليه لبنان، لبنان التزم بتطبيق القرار 1701 بكل مُندرجاته ولا يجوز الانتقائية في القانون الدولي بما يتناسب مع أيّ طرف سياسي، هناك تركيز في لبنان على 1559 أو على قرارات مُحدّدة مُرتبطة بسَحْب السلاح. بالتأكيد إذا كان هناك إطار شامل لسلام عادل ودائم لن تعود هناك حاجة إلى سلاح المقاومة. الإعلان ينصّ على أنه يحقّ للبنان الدفاع عن نفسه. الكيان الإسرائيلي يتذرّع بالقيام بالأعمال الحربية في إطار الدفاع عن النفس ولكن هناك قاعدة أساسية أن القوّة المُحتلّة وفقاً للقانون الدولة تفقد حقّها بالدفاع عن النفس، هذا الأمر ينطبق على غزّة  وهم يتذّرعون بالدفاع عن النفس. في المقلب الآخر الدولة اللبنانية لا تستفيد من الصلاحية المُعطاة لها بموجب الإعلان الذي يعطيها الحقّ بالدفاع عن النفس، من حقذ الجيش عند وجود اعتداء من أية جهة أجنبية على الأراضي اللبنانية أن يطلب منها بعد الإنذارات الخروج وإذا لم تخرج فمن حقّه إطلاق النار على القوّة الغازية. 

لقد تقدّمنا بالشكاوى إلى مجلس الأمن الدولي، إعلان وقف إطلاق النار أو وقف الأعمال العدائية ينصّ على أن كل الخروقات يُفترض أن تُبلَّغ بها السلطات التابعة للأمم المتحدة. هناك آلاف الخروقات حتى الآن، أكثر من 3500 خرق، هل يقف المجتمع الدولي مُتفرّجاً؟ عدم تحرّك الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بهذا الاتجاه يعطي شرعيةً أكبر للكفاح المُسلّح بكل الوسائل المُتاحة لمقاومة الجهة التي تغتصب القانون الدولي وتحتلّ أجزاءً من لبنان.

 

بيار أبي صعب: أستاذ عبد المجيد مراري تعقيباً على مُداخلة الدكتور عمر نشّابة هل تخبرنا من وجهة نظر قانونية عن مفهوم المقاومة في مجتمعات تحت الاحتلال؟

 

عبد المجيد مراري: المقاومة هي حقّ شرعي للشعوب التي ترزح تحت الاحتلال أو تقع تحت الاستعمار بموجب قواعد القانون الدولي. نحن نتحدّث عن ميثاق الأمم المتحدة الذي يعطي الشعوب الحقّ في تقرير مصيرها وفق المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والإجتماعية التي تتحدّث عن حقّ الشعوب في تقرير مصيرها، وهذا الحقّ يُعبَّر عنه بكل الأشكال وحتى عبر حمل السلاح واستعماله، نتحدّث عن قرار الجمعية العامة 1977 وقرار مجلس الأمن الذي يعطي الشعوب الحقّ بتقرير مصيرها، والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تعطي للدول التي اعتُدي على أراضيها الحقّ في الدفاع عن نفسها، وبالتالي عندما نتحدّث عن فلسطين أو لبنان فإن لبنان هو دولة ذات سيادة يتمّ الاعتداء على أراضيها، فكيف لا يحقّ له أن يدافع عن نفسه؟ كيف لا يحق له الدفاع عن وحدة أراضيه؟ كيف يمكن قبول ذلك عقلياً وقانونياً؟  حتى الجرائم التي توصَف بأنها جرائم في القانون الدولي تسقط =المسؤولية الجنائية لأنها ارتُكِبَت في حال دفاع عن النفس فبالتالي لا تكون هناك متابعة قضائية وقانونية في ذلك وهذا بموجب المادة 31 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في حال الاحتلال، وبالتالي إسرائيل هي مُحتل لا يمكن لها أن تتذرّع بالدفاع الشرعي لكن المقاومة هي جهة دفاع ومقاومة الاحتلال ولها أن تتذرّع بالدفاع الشرعي وتسقط عنها كل مسؤولية قانونية، ودفاعها وسلاحها هو مشروع قانوناً بموجب الشرعية الدوية.

 

بيار أبي صعب: شكراً. دكتور غريّب رأيتك تدوّن الملاحظات خلال مداخلة الدكتور نشّابة، هناك جملة نسمعها دوماً أن قرار السِلم والحرب بيد الدولة، تفكيك هذه الجُملة التي تنطوي على استحالات، هل جيشنا الوطني اليوم قادر على مواجهة العدو الإسرائيلي؟

 

قاسم غريّب: صحيح، هذه النقطة وردت في البند الثالث من البيان والذي ينصّ على أن قرار الحرب والسلم مرهون بالقُدرة على تفعيله وهو حالياً بيد الإسرائيلي. أثبتت التجربة التاريخية بأن قرار الحرب والسلم ليس بيد أحد في المنطقة سواء في لبنان أو غيره بل هو بيد الإسرائيلي. أحداث الأشهر القليلة الماضية والوحش الإسرائيلي "الداشِر" والخروقات اللا مُتعدّدة لوقف إطلاق النار تثبت بأن قرار الحرب والسلم بيد الإسرائيلي، الاعتداءات على الأراضي السورية، إذاً قرار الحرب والسلم في سوريا وفي فلسطين بيد الإسرائيلي. من الناحية النظرية في الأمور الطبيعية قرار الحرب والسلم هو بيد الدول ولكن هذا في حال وجود دول قادرة تشخّص عدوّها بطريقةٍ صحيحة وتجهّز جيشها وتكون مُستعدّة للدفاع عن شعبها، في هذه الحال نعم قرار الحرب والسلم بيد الدولة. المقاومة في لبنان هي ردّة فعل وبخلاف المنطق المسموم المُمَنْهج المقصود بأن الاعتداءات الإسرائيلية هي نِتاج العمل المقاوم، الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان بدأت قبل ظهور المقاومة بكثير منذ 1948 بمجازر صلحة وحولا وحنين ويارين وعيترون وكل ذلك قبل 1976. لا زلتُ أذكر في قريتي الصغيرة على الحدود الفلسطينية القصف الإسرائيلي المتكرّر قبل الاحتلال عام 1978 وقبل ولادة أية مقاومة وطنية في لبنان. إذاً المقاومة هي ردّة فعل وهي لم تملك يوماً قرار الحرب والسلم، كان لا بدّ منها أساساً لمُقارعة عدوان من قِبَل شعب كُشف ظهره ولا توجد أية دولة تحميه.

بيار أبي صعب: سنعود إلى هذه النقطة بسؤال الختام بعد قليل، أستاذ أحمد الديين جاءت قافلة الصمود التي انطلقت من المغرب العربي وطموحها أن تصل إلى معبر رفح نرى النتيجة الآن، ما رأيك بهذه المبادرات في مواجهة العدوان والإبادة؟ وهل نكتفي اليوم كما دعانا أحد القادة العرب بالمقاومة السلمية؟

 

أحمد الديين: هذه المبادرات هي مبادرات تضامنية كفاحية مهمّة جدّاً لإسناد شعبنا العربي الفلسطيني الصامد في غزّة ولإسناد المقاومة وفضح الكيان الصهيوني وعدوانه. الكفاح السلمي لا ننفيه ولكنه ليس كافياً، عندما تتعرّض الشعوب للاحتلال من المهمّ أن يكون هناك عصيان مدني وتظاهرات وتصدٍّ ولكن الكفاح المُسلّح هو أرقى أشكال الكفاح والمقاومة في وجه عدو غاصِب وتوسّعي واستيطاني وشرِس مثل العدو الصهيوني. ولكن أنا لديّ نقطة تتّصل بالقرار 1701 من جانب لبنان بالأساس ومن جانب المقاومة اللبنانية كذلك نُفّذ ما هو مُستحقّ عليهما في هذا القرار، واليوم المقاومة صارت فوق الليطاني والعدو الصهيوني هو الذي لا ينفّذ هذا القرار، أما موضوع نزع السلاح حتى إذا انطلقنا من القرار 1701 علينا أن نتذكّر أن هذا وارد في البند 8 عندما يتكلّم عن وجود وقف دائم لإطلاق النار وحلّ طويل الأجل. الآن ليس هنالك وقف دائم لإطلاق النار وليس هناك حلّ طويل الأجل. 

 

بيار أبي صعب: أيضاً من ضمن الشروط تطبيق مجموعة قرارات مجلس الأمن 242 الذي ينصّ على الانسحاب من فلسطين نفسها وتحرير الأراضي الفلسطينية المُحتلّة. 

 

أحمد الديين: بالضبط، ولذلك فإن القفز على موضوع تسليم سلاح المقاومة كأحد استحقاقات القرار 1701 هوأكذوبة صهيونية يردّدها للأسف بعض المُتَصَهْينين العرب، ولكن القرار واضح جداً والمقاومة مُلتزمة به ولكن العدو الصهيوني هو الذي يرفضه. 

 

بيار أبي صعب: اتّضحت الفكرة أستاذ أحمد، أشكر حضورك. دكتور عبد المجيد مراري سؤال أخير من موقعك وفَهْمك للصراع، كيف لدولةٍ في بلد مثل لبنان بكل تعقيداته وتناقضاته أن توفّق بين مُتطلّبات التعافي والنهوض وتحرير أرضها المُحتلّة وفرض معادلة ردع مع العدو ونُصرة فلسطين؟

 

عبد المجيد مراري: الدولة لها اعتباراتها وتقديراتها لكن يبقى أن تستحضر مصلحة شعبها، والشعب اللبناني هو المرجع في هذا الأمر، فأعتقد أن الشعب اللبناني بحسب الاستطلاعات يدعم خيار المقاومة على الدولة أن تستجيب لمطالبه، فمصلحة الدولة ليست مع الاحتلال الإسرائيلي وليست مع حلفاء الاحتلال الإسرائيلي بل مصلحتها هي مع شعبها مع الحفاظ على سيادتها. إذا تمّ نزع السلاح هل تضمن الدولة اللبنانية بأن إسرائيل سوف لن تجرؤ مرة أخرى عليها؟ أعتقد أن مشكلة إسرائيل ليست مع المقاومة وإنما مع لبنان، المشكلة هي إرادتها التوسّعية، فبالتالي على السلطات اللبنانية أن تعي هذا الأمر بأن المشكلة هي مع الاحتلال الإسرائيلي وشراهة هذا الاحتلال بأنه لن يقف هنا، اليوم فلسطين وغداً لبنان وبعد غد من البحر إلى البحر، هذا شعار الاحتلال الإسرائيلي، الأردن مهدّد، مصر مهدّدة، الدول التي تقف الآن سدّاً منيعاً للاحتلال الإسرائيلي والتي تُعتبر كحرس حدود لإسرائيل سيأتي الدور عليها، أُكلتُ يوم ما أُكل الثور الأبيض كما يقال. أعتقد أن السلطات اللبنانية ينبغي أن تعي هذا =الأمر وألا تخطئ في أيّ قرارٍ يمكن أن تتّخذه في هذا الاتجاه.

 

بيار أبي صعب: أشكرك جداً أستاذ مراري، دكتور قاسم غريّب فكرة أن لبنان يتعرّض لضغوطٍ دولية هائلة وابتزاز، هناك معادلة يحاولون تثبيتها هي أنه إذا شئتم الإعمار والتعافي فعليكم أن تسلّموا السلاح، إلى أين يذهب هذا "الكِباش"؟ هل يكون على حساب السيادة أو على حساب حرب أهلية أو ضعف أو تمزّق الدولة اللبنانية؟

 

قاسم غريّب: صحيح هو كِباش تاريخي اليوم في لبنان برأيي، الإسرائيلي المُنتشي بإنجازاته خلال الحرب السابقة لن يرضى إلا بالاستسلام الكامل، وللأسف هناك فريق لبناني يضرب بالسيف الإسرائيلي اليوم وينادي بالمطلب الإسرائيلي ويدعو إلى الاستسلام بوجه، وبالمناسبة الاستسلام بوجه الإسرائيلي ليس في مصلحة أحد، الحفاظ على حدٍّ أدنى من السيادة هو مصلحة لكل اللبنانيين بمعزلٍ عن رأيهم بمفهوم المقاومة وبالمقاومة. إذاً الكِباش اليوم يهدف إلى الاستسلام الكامل، الهزيمة لم تعد هدفاً بحدّ ذاتها. المطلوب اليوم  هوالاستسلام وقتل روح المقاومة، المطلوب اليوم تثبيت روحية العجز عند اللبنانيين. في أولى إطلالاته الإعلامية فصل فخامة رئيس الجمهورية بين إعادة الإعمار ونزع السلاح ولكن المتوافق عليه في لبنان الآن هو ألا إعادة للإعمار قبل تسليم السلاح.

 

بيار أبي صعب: ولكن رئيس الجمهورية لم يصرّح بهذا الاتجاه.

 

قاسم غريّب: في أولى إطلالاته الإعلامية كان رئيس الجمهورية حاسماً وفصل بين الأمرين ولكن الأمر تغيّر اليوم بشكلٍ عام. عارٌ على كل سياسي في لبنان يربط بين إعادة الإعمار وسحب السلاح، برأيي أن الوضع لا يحتمل. من الناحية الثانية نحنا قدّمنا بيوتنا وأرزاقنا ودماءنا، أجساد أبنائنا ذابت في الأرض، لن نرضى أن يكون ثمن إعادة الإعمار هو السيادة والكرامة، ومَن يحمل السيف الإسرائيلي يربط ربطاً وثيقاً بين إعادة الإعمار وتسليم السلاح، تسليم السلاح بما هو رمز لكل نفَس مقاوم، السلاح ليس هدفاً بحدّ ذاته، السلاح هو لرفع الرأس بوجه الإسرائيلي.

 

بيار أبي صعب: أشكرك جداً. نختم مع الرئيس نيلسون مانديلا الذي هو رمز من رموز المقاومة في القارّة السمراء وفي العالم "المجد دائماً من نصيب الذين لا يستوحشون طريق الحقّ في قلب الظُلمات والصِعاب، أولئك الذين لا تهن عزائمهم تحت وطأة الافتراءات المُضلّلة والإهانات وحتى الهزائم". شكراً لضيوفي مع حفظ الألقاب: قاسم غريّب، أحمد الديين، عبد المجيد مراري، شكراً على المتابعة وإلى الأسبوع المقبل.