الإدارة الأميركية تُعلن الحرب على الجامعات: معركة تدجين الأكاديميا

الرئيس دونالد ترامب أعلنها حرباً شعواء على الجامعات الأميركية. بعد الحرب التجارية، ومفاجآت السياسة الخارجية، والترحيل الجماعي للمهاجرين، وصرف الموظفين الفدراليين، ووقف مساعدات "الوكالة الأميركية للتنمية الخارجية"، تأتي حرب السيطرة على الجامعا عبر التدخل المباشر، وإجراءات عقابية أبرزها تضييق الخناق المالي، وطرد الطلاب الأجانب. كل ذلك باسم مكافحة «العداء للسامية»، هذه التّهمة المجحفة بحق "حملات مقاطعة "إسرائيل"" التي عمّت الجامعات ــ بمشاركة واسعة من الطلاب اليهود ــ احتجاجاً على الإبادة في غزة. هل "الحرية الأكاديمية"، النسبية جداً، في خطر؟ ما مصير الجامعات الأميركية المتأرجحة اليوم، بين رضوخ لإدارة ترامب ومواجهتها؟ هل ستخسر هامش الحرية والتنوع لتصبح ــ مثل الإعلام ـــ أداة لقولبة العقول، وخدمة المنظومة المهيمنة؟ أي جامعة ممكنة في ظل تقييد التفكير، وتراجع البحث، وانفضاض الطلاب الأجانب، وهجرة الطلاب الأميركيين؟ هل تربح الإدارة الأميركية معركة تدجين الأكاديميا؟ وبأي ثمن؟

نص الحلقة

 

بيار أبي صعب: مساء الخير، الرئيس دونالد ترامب أعلنها حرباً شعواء على الجامعات الأميركية، بعد الحرب التجارية ومُفاجآت السياسة الخارجية والترحيل الجًماعي للمُهاجرين وصَرْف الموظّفين الفيدراليين ووقف مُساعدات الوكالة الأميركية للتنمية الخارجية تأتي حرب السيطرة على الجامعات عبر التدخّل المباشر وإجراءاتٍ عقابية أبرزها تضييق الخِناق المالي وطرد الطلاب الأجانب. كل ذلك باسم مُكافحة العداء للسامية، هذه التّهمة المُجْحِفة بحقّ حملات مُقاطعة إسرائيل التي عمّت الجامعات بمُشاركةٍ واسعة من الطلاب اليهود احتجاجاً على الإبادة في غزّة. هل الحرية الأكاديمية النسبية جدّاً في خطر؟ ما مصير الجامعات الأميركية المُتأرْجِحة اليوم بين رضوخٍ لإدارة ترامب ومواجهتها؟ هل ستخسر هامش الحرية والتنوّع لتصبح =مثل الإعلام أداةً لقَوْلَبة العقول وخدمة المنظومة المُهَيْمِنة؟ أيُّ جامعةٍ ممكنة في ظلّ تقييد التفكير وتراجُع البحث وانفضاض الطلاب الأجانب وهجرة الطلاب الأميركيين؟ هل تربح الإدارة الأميركية معركة تدشين الأكاديميا وبأيّ ثمن؟

للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها معنا في الاستوديو الدكتور هشام صفي الدين أستاذ التاريخ والاقتصاد السياسي في جامعة بريتيش كولومبيا في فانكوفر بكندا، في نيويورك الشاعر والأكاديمي العراقي الدكتور سِنان أنطون الأستاذ في جامعة نيويورك، وفي نيويورك أيضاً الصحافي والمُحلّل السياسي المصري الأستاذ محمد السطوحي، أهلاً وسهلاً بكم. دكتور هشام صفي الدين قبل سنة تقريباً كتبتَ في "المستقبل العربي" دراسةً بعنوان "الأكاديميا الغربية بعد الطوفان"، تحدّثتَ عن المكارثية الجديدة بعد سبعة أشهر من عملية طوفان الأقصى أي قبل وصول الجمهوريين إلى الحُكم، قلتَ إن الحرية الأكاديمية نسبية ولها عدّة استثناءات تظهر حينما تتأجّج الصِراعات وأن أحد هذه الاستثناءات هو فلسطين، ضعنا في صوَر هذه الرؤية.

هشام صفي الدين: شكراً على الاستضافة وتحية لك وللضيوف الكرام والمشاهدين. الأكاديمية الغربية وتحديداً في الولايات المتحدة هي جزء لا يتجزّأ من منظومة إنتاج المعرفة والجهاز الأيدولوجي للفكر المُهَيْمن في الولايات المتحدة منذ نشوء هذه الجامعات وخاصةً بعد الحرب العالمية الثانية كون الولايات المتحدة أصبحت قوّة عُظمى في العالم. في تلك =الفترة وفي مرحلة النِزاعات كانت بعض القضايا التي تُعْتَبر قضايا ساخِنة أو يُمْنَع الحديث عنها بشكلٍ كبير مثل حرب فيتنام، حتى أن كلمة المكارثية جاءت من فكرة مُحاربة مَن ينتمي أو قد يتعاطف مع الفكر الشيوعي، هناك حرب الحقوق المدنية للسود، في تلك الفترات تعرَّضت الأكاديمية إلى هزّاتٍ ولكنها تخطّت هذه الأزمات وحافظت على نسبةٍ معيّنةٍ من الاستقلالية بالتفكير، من قُدرة بعض الجماعات على الدخول إلى هذه الجامعات والصعود في سُلّم الأكاديمية والتأثير حتى في إنتاج المعرفة حتى وصلنا إلى مرحلة بعد الاتحاد السوفياتي وصار هناك جناح ليبرالي رغم الوجود القوي للمحافظين في هذه الجامعات، صار هناك جناح ليبرالي تأثّر بهذه الحركات ولا زال يحمل خلفيّات ماركسية وليبرالية بالمعنى الجدّي، أصبح هناك شبه إجماع على أن بعض القضايا =مثل المساواة، عدم التمييز، الحديث عن العبودية، حتى الحديث عن مُعاداة السامية مقبول باستثناء موضوع فلسطين، هذا ما يُسمّى بالإنكليزية تقدُّمي باستثناء فلسطين. السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا أن هذه الاستثنائية التي كانت موجودة عن فلسطين بمعنى أن أيّ ليبرالي حتى لو كان موقفه تقدّمياً في كل القضايا الأخرى، الموضوع الجَنْدَري، موضوع الصِراع الطبقي، موضوع العمّال والمُهاجرين، حين يُذْكَر موضوع فلسطين يصبح الموضوع معقّداً وغير قابل للنقاش أحياناً. السؤال المطروح الآن ماذا فعل طوفان الأقصى؟ هل أدّى إلى الانفراج في هذا الموضوع؟ هل أدّى إلى تحوّلٍ أساسي في نظرة بعض الأكاديميين إلى هذه القضية أم أن ما نراه اليوم من الهجمة المُضادّة سوف تقضي تماماً على الهامِش الذي نشأ في هذه الفترة ما قبل ترامب وما بعده.

بيار أبي صعب: سنتحدَّث عن ذلك خصوصاً بعد هَجْمة ترامب على الجامعات. دكتور سِنان أنطون أنتقل إليك، شاركتَ في الحركة الاحتجاجية في جامعة نيويورك منذ الأيام الأولى لحرب الإبادة على غزّة وواجهتَ شخصياً القَمْع والاعتقال ككثيرٍ من الأساتذة والطلاب، اليوم دخلت المواجهة مع الرئيس ترامب مرحلةً جديدة أكثر صعوبةً وتعقيداً، قبل أن نتطرّق إليها هل يمكنك أن تُحدّثنا قليلاً عن تلك الأشهر البطولية التي كَسَبَت فيها فلسطين إلى حدٍّ بعيد معركة الرأي العام انطلاقاً من الجامعات؟  

سِنان أنطون: أولاً شكراً على الاستضافة وسعيد بوجودي مع الضيوف الكرام، أشكرك على السؤال، لقد كتبتُ عن هذا الموضوع في بعض المقالات، كنتُ أشعر دوماً بالاغتراب كما ذكر الدكتور هشام، المؤسّسات الأكاديمية الجامعية ليست مُنفصلة عن المنظومة الكبرى المُهيْمِنة، وهناك شعور دائم بالاغتراب بالرغم من الاستثناءات ومن الواحات الموجودة، لكن أنا شخصياً لم أشعر بأنني جزء من مجتمع يتضامَن ويجتمع والكلّ يدافع عن الكلّ إلا أثناء المُخيّم الذي أقيم في جامعة نيويورك لأنه كان هناك طلاب وأساتذة من مختلف الاتجاهات والخلفيّات وكان هناك تضامُن رائِع وتضحيات، وأيضاً المُخيّم أصبح جامعة داخل الجامعة، جامعة مثالية مفتوحة، هذا مهمّ أن يطّلع عليه المشاهدون أنه كانت هناك فعاليات ثقافية لدرجة أن بعض الأساتذة كانوا يأخذون صفوفهم ويأتون إلى المُخيّم لأنه أصبح جامعة مثالية تتفوّق على الجامعة التي نعيش فيها ونعمل فيها والتي هي مُرتبطة بالمنظومة الاقتصادية. طبعاً كانت هناك حركات احتجاجية في العقود الماضية على موضوع حقوق العمّال أو على موضوع حقوق السود لكنها باعتراف الكثير من الذين اشتركوا فيها كانت لحظة فارِقة ومهمّة رمزياً، وأعتقد أنه بالرغم من اليأس الموجود حالياً لكنها تأسيس وبناء لحركاتٍ احتجاجيةٍ مستقبلية بالرغم من الهجمة الشَرِسة من قِبَل نظام ترامب. أريد أن أقول نقطة أخيرة، هجمة ترامب هي هجمة شرِسَة واستثنائية لكن يجب أن نتذكّر مثلما ذَكَر الدكتور هشام أن هذا مجرّد تصعيد ربّما لأمورٍ كانت موجودة دائماً، الناس ينسون أنه كان هناك دائماً ترحيل، إيما جولدمان مثلاً رُحِّلت من الولايات المتحدة. 

 

بيار أبي صعب: دكتور سِنان سنعود إلى هذا الموضوع لاحقاً، سننتقل الآن إلى الأستاذ محمد السطوحي، أستاذ محمد من موقعك كمُراقبِ مُتمهّل للحياة السياسية الأميركية ما الذي تغيّر مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض وإعلانه حرباً مفتوحة على الجامعات؟ صار القَمْع منهجياً والحِصار مالياً، من اعتقال وطرد الطلاب الأجانب إلى إلغاء مئات التأشيرات والتلويح بمنع قبولهم مستقبلاً وصولاً إلى تجميد المُساعدات الفيدرالية =لجامعاتٍ بينها كولومبيا بقيمة 400 مليون دولار وهارفرد 2.2 مليار، التهديد بتعليق الإعفاءات الضريبية وتدخّل مباشر يُقوّض مبدأ استقلالية الجامعة، ما نظرتك إلى هذا المشهد الجديد؟

 

محمد السطوحي: التحوّل مهمّ لأنه كثيراً ما يتمّ الخَلْط أن الموقف الأميركي واحد في كل الأحوال وأن الدعم لإسرائيل مُطْلَق أياً كانت الإدارة سواءً كانت جمهورية أو ديمقراطية. ربّما يكون هناك جزء صحيح من هذا المنظور أن هناك دعماً كبيراً لإسرائيل في كل الأحوال =خصوصاً ما يتعلّق منه بالدعم العسكري، لكن الفارِق كبير في الرؤية السياسية للإدارتين، إدارة بايدن كانت تدعم إسرائيل عسكرياً لكن لديها رؤية سياسية مختلفة للشرق الأوسط ولمستقبل المنطقة. إدارة ترامب تأتي بمنظورٍ أقرب لليكود الإسرائيلي وبالتالي ترفض حتى منطلق مشروعيّة الآراء المُخالِفة بمعنى أنه مع إدارة بايدن كانت هناك الاحتجاجات التي رأيناها في الجامعات الامريكية، ربّما كانت هناك اعتقالات ويتمّ الإفراج عنهم بعد ذلك رفضاً للسلوك الذي يقوم به بعض الطلاب، ولكن مع إدارة بايدن كان هناك قبول على الأقل بفكرة أن يكون هناك رأي مختلف في ما يتعلّق بالصِراع في غزّة وبالهجوم الإسرائيلي والمذابح التي يتعرَّض لها الفلسطينيون، حتى كانت هناك مناقشة علنية لهذا الكلام. الوضع الحالي مختلف تماماً أنه مع إدارة ترامب هناك نوع من التجاهُل الكامل لما يحدث للفلسطينيين في غزّة، لم نعد حتى نسمع أية عبارة إدانة لما تقوم به إسرائيل أو القلق بشأن ما يتعرّضون له حتى المدنيين منهم من حِصار وتجويع ومَنْع دخول الأغذية والأدوية، هذا كله صار يمثّل رؤيةً سلبية كاملة، مثلاً صدر تقريران أول من أمس من جامعة هارفارد أحدهما حول مُعاداة السامية والآخر حول مُعاداة المسلمين والعرب داخل الجامعة. التقريران أشارا إلى وجود مشكلة سواء في مُعاداة السامية أو مُعاداة العرب والمسلمين، ما تتحدَّث عنه الإدارة في حملتها ضدّ هارفارد وضدّ بقيّة الجامعات الأميركية هو حول جزء واحد فقط وهو مُعاداة السامية، أعتقد أن هذه هي الإشكالية الأكبر بالنسبة لتناول إدارة ترامب للمشكلة. 

 

بيار أبي صعب: لنشاهد معاً هذا التقرير عن سياسة إدارة ترامب الصارِمة تجاه حركة التضامُن الطالبية الواسعة مع فلسطين في الولايات المتحدة الأميركية. 

 

أستاذ هشام كما قال الأستاذ محمد السطوحي، كان القَمْع لطيفاً وناعِماً وأصبح اليوم موجِعاً وصارِماً، ما تحدّثتَ عنه في دراستك التي هي أساسية لفَهْمِ ما يحدث ولكن ما قبل وصول الجمهوريين إلى الحُكم، كل أشكال القَمْع الأيديولوجي، القانوني، الأمني، المالي بالنسبة إلى المُموّلين من القطاع الخاص صارت لا شيء في مقابل ما قرَّرته الإدارة الأميركية بإعلان الحرب على الجامعات والتضييق عليها بما يسمّى المكارثية الجديدة، إبادة لفئاتٍ ونُخَبٍ وأساتذةٍ وطلاب وعدم قبول تسجليهم، كيف ترى المشهد ما بعد حرب ترامب؟ 

 

هشام صفي الدين: سأترك للدكتور سِنان الكلام بالتفصيل عن الداخل لأنه موجود =في الأكاديمية الأميركية وأنا في الأكاديمية الكندية ولكنني بالطبع أتابع ما يحدث على جنوب الحدود. برأيي وقد أختلف بعض الشيء مع الضيف الكريم الذي تحدّث قبل قليل أن إدارة بايدن لم تكن أقلّ، إن كان هناك مَن تردُّد من قِبَل إدارة بايدن في موضوع التضامن مع فلسطين فهو أتى بسبب القاعدة الشعبية للديمقراطيين التي كانت مع هذه القضية، ولكن لو تابعنا ما قام به ترامب بعد بايدن وردود أفعال رؤساء الجامعات، الإدارات الجامعية برأيي لم تكن أقلّ أو أكثر تشدّداً في هذا الموضوع ولا حتى إدارة بايدن ولكنني سأشرح الفرق، قبل ترامب كان الخلاف مُركّزاً على موضوع القضية الفلسطينية، بعد ترامب إذا تابعنا رسائل ترامب للجامعات هو يريد أن يُمْسِك بإدارة الجامعات على كل الأصعدة، وهو يريد أن يمنع أية حرية أو هامش فكري، وحتى أنه يريد أن يكشف على كل الطلبات والتوظيفات.

 

بيار أبي صعب: حتى توظيف الأساتذة وقبول طلبات الطلاب.

 

هشام صفي الدين: صحيح من منظور منع التعدّدية وصعود المُهاجرين وغير البيض، هو جاء من خلفيّةٍ بيضاء عُنصرية فوقيّة، ضمن هذه السياسة موضوع مُعاداة السامية، عندما تنظر إلى ردود أفعال الجامعة ماذا تقول الجامعة لترامب؟ سأعطي مثالين عن كولومبيا وهارفارد، تقول له كل ما يخصّ موضوع إدارة الجامعة والتحكّم والرقابة الفكرية للجامعة نحن ضدّها ولكن في موضوع مُعاداة السامية نتفهّم ما تقول، فإذاً الفرق برأيي هو جَمْع كل هذه القضايا مع بعضها البعض. الكثيرمن المُخيّمات تمّ قمعها في ظلّ حُكم بايدن وليس ترامب، =بالطبع هناك تشدُّد أكبر ولكن هذا التشدّد يسري على الكل، هو يقوم بطرد العمّال المُهاجرين، لن نعطي رصيداً زائداً لبايدن ولكن هذا لا يعني أن ما يقوم به ترامب جيّد بل هو يؤثّر بشكلٍ أوسع على الإنتاج المَعْرفي ككلٍ، اما في قضية فلسطين فسنرى.

 

بيار أبي صعب: أستاذ سِنان لا أعرف إذا كنتَ قد قرأتَ منشور الرئيس ترامب عن هارفارد، هو الذي يريد فرض رقابة كما تحدّث الدكتور صفي الدين على عمليات القبول والتوظيف والتوجّه السياسي في الجامعة، كتب "لم تعد هارفارد تُعْتَبَر حتى مكاناً لائقاً للتعلّم ويجب عدم إدراجها على أية قائمة لأفضل جامعات العالم، هارفارد مَهْزلة تُعلّم الكراهية والحماقة ويجب ألا تتلقّى بعد الآن تمويلاً فيدرالياً". هذا رئيس جمهورية أقوى دولة في العالم يتحدّث عن إحدى أهمّ الجامعات في بلاده، هذا ثأر قديم للجمهوريين الذين يعتبرون أن الجامعات باتت مصنعاً وملجأً وللفكر التخريبي اليساري. 

 

سِنان أنطون: كلام ترامب هذا يُطْرِب أسماع مؤيّديه من الذين لديهم حقد على المؤسّسات الليبرالية والمؤسّسات النُخْبوية، لكن الموضوع قديم أيضاً، هناك إشكالية دائماً في النظر إلى السياسة الأميركية، طبعاً الإدارات مهمّة لكن هناك تيّارات اجتماعية وسياسية داخل المجتمع الأميركي موجودة دائماً بغضّ النظر عن الإدارة منذ الثمانينات، اليمين المُحافظ موجود لكن في الثمانينات كان هناك صعود جديد في زمن ريغان وكانت هناك محاولات لقمع الجامعات لأنها أصبحت ملاذاً للأفكار اليسارية التقدّمية ولأن هناك تفاعُلاً بين الإنتاج المعرفي وبين الحِراك في المجتمع. حتى بعد حرب أفغانستان والعراق أنا أذكر جيّداً لأننا عقدنا ندوة في هذه الجامعة التي تُدرّس فيها، آنذاك زوجة نائب الرئيس ديك تشيني لين تشيني كانت ترأس منظّمة تهدف إلى ما سمّوه إعادة الوطنية إلى الجامعات الأميركية، فبالنسبة لإدارة بايدن أيضاً هناك عدّة مؤسّسات صهيونية يمينية وهناك موضوع تغيير القانون وتغيير تعريف مُعاداة السامية الذي أثّر على القوانين الجامعية والآن يؤثّر على القانون. وأريد أن أؤكّد على أمرٍ مهمّ جداً أن قمع المُخيّمات في جامعتي كولومبيا ونيويورك تمّ بالتنسيق بين البيت الأبيض وشرطة نيويوك 
وإدارات الجامعات لأن هذا الحِراك كان يشكّل تهديداً جديداً لأن فلسطين هي العنوان الرئيسي، لكن هذا الحِراك يبني على سنين من النضال وأيضاً على موضوع المُطالبة بتفكيك هذه المنظومة الاقتصادية العسكرية، وكان يهدّد بأن يصبح ربّما حركة اجتماعية واسعة تخرج خارج نطاق الجامعات. هذه هي المشكلة دائماً في كل التحليلات، الفرق بين بايدن وترامب، الفاشيّة لم تولَد أمس وهذا أيضاً الفصل الثاني من ترامب. النقطة الأخيرة أن ترامب والكثير ممَّن معه يهدفون إلى تدمير الجامعات بشكلها الحالي، مثلاً إنهاء تدريس التاريخ والإنسانيات والإبقاء على موضوع الأعمال والعلاقات الدولية لأنهم يأتون من منطلق التفوّق العرقِي الأبيض الذي يريد أن يُعيد البلاد إلى ذلك العصر الذي كانوا فيه في القمّة.

 

بيار أبي صعب: أستاذ محمد صدر كما تعرف بيان مشترك لرؤساء الجامعات يرفض التدخّل الحكومي غير المسبوق والتدخّل السياسي الذي يُهدّد التعليم العالي ويُهدّد البحث العِلمي الذي تستفيد منه قطاعات حيوية كالصحّة والتكنولوجيا. هناك اليوم نموذجان من ردود الفعل، كولومبيا التي خضعت لمطالب الحكومة وبدأت بتنفيذها لكنها لم تضمن بعد استعادة المُساعدات، وهارفارد التي رفضت شروط ترامب واعتبرتها اعتداءً على استقلالية الجامعة ومُخالِفةً للتعديل الأول للدستور وللقوانين الفيدرالية ولجأت إلى القضاء ودخل رئيسها آلان غاربر في اختبار قوّة مع الحكومة، إلى أين يمكن أن تذهب هذه المواجهة برأيك؟

 

محمد السطوحي: دعني أولاً أتوقّف عند ما قيل من أن ما ذكرته سابقاً ربّما يُعبّر عن تبرئة لساحة جو بايدن، لم يكن هذا ما قلته ولم يكن هذا هو المعنى المُراد الإشارة إليه، كل ما في الأمر أننا نتجاهل التفاصيل في كثيرٍ من الأحيان بحيث أننا نضع الجميع في نفس الساحة بأن جميعهم متساوون في كل شيء وهذا غير حقيقي ويجب أن نكون مُدركين لهذه الفوارِق لأنها حتى لو كانت تفصيلية فهي مهمّة في قُدرتنا على الفَهْم وبالتالي التعامل مع هذه الخلافات، على سبيل المِثال أنتوني بلينكن وزير الخارجية السابق قرب منزله على بُعد أمتار قليلة، كان هناك معسكر فيه العشرات من الذين يقيمون هناك بشكلٍ دائم يلقون بالدماء على سيارته في طريقه للمنزل أو وهو خارج منه، هكذا كانت الأمور في فترة بايدن.،هذا ليس تبرئةً لساحة بايدن وإدارته ولكن للتأكيد على أن هناك فرقاً وأنه كان هناك نوعٌ ما من الرفض الذي يُعبَّر عنه بشكلٍ صريح في مواجهة الإدارة من دون أن تتّخذ أية إجراءاتٍ حقيقية لأنهم يمثّلون قاعدة لهذه الإدارة. 

 

بيار أبي صعب: واضح، نعود من فضلك إلى السؤال وهو صِراع الجامعات، =نموذج الخضوع أو المواجهة.

 

محمد السطوحي: أتصوّر أن الأمر سيكون باتجاه التصعيد خصوصاً إذا ما نجحت جامعة هارفارد في قضيّتها المرفوعة ضدّ إدارة ترامب، هذا هو المحكّ لأن نجاح هذه القضية وحصولها على حُكم ضدّ الإدارة سوف يشجّع كل الجامعات على اتّخاذ موقف أقوى لمواجهة هذه الإدارة. إذا فشلت هذه القضية فهذا شيء آخر وإنْ كنتُ أرجّح أنها ستنتصر، ولكن إذا فشلت هذه القضية أو مرّ وقتٌ طويل قبل أن تحصل على حُكم فهذا معناه أن الجامعات الأخرى لن تستطيع أن تقف مثل هارفارد لأن هذه الأخيرة لديها وَقْف بقيمة 53 مليار دولار ولديها قُدرة كبيرة على جمع الأموال والتبرّعات، ولديها قُدرة على الاستمرار بالمواجهة لسنةٍ أو أكثر بينما بقيّة الجامعات لا تستطيع ذلك، كولومبيا لا تستطيع ذلك، جامعة جورج واشنطن في واشنطن كان هناك تقرير بالأمس حول المشاكل التي تواجهها وأنها لا تستطيع مواجهة الادارة وأنها ستفعل أي شيءٍ من أجل الحصول على التمويل الفيدرالي، فمن هنا نجد أنهم حتى وإنْ شاركوا في بيانٍ مشترك يندّد بالإدارة إلا أنهم في النهاية يتعاملون بشكلٍ فردي في حال الحصول على التمويل من الحكومة الفيدرالية، وهذا ما يُضْعِف موقفهم في أنهم يريدون الانصياع قَدْر الإمكان حتى يحصلوا على الأموال المُقرّرة لهم. 

 

بيار أبي صعب: أستاذ محمد الطلاب الأجانب هم أول ضحايا حرب ترامب على الجامعات، يكفي أن نذكر السوري محمود خليل، البريطاني الغامبي مامادو تال والتركية رميساء أوزتورك والفلسطيني محسن مهداوي الذي اعتُقل في دائرة الهجرة التي ظنّ أنه يقصدها لتقديم امتحان الحصول على الجنسية. الطلاب الأجانب عددهم مليون ومئة ألف =هذا العام في الولايات المتحدة ويشكّلون أكثر من رُبع طلاب هارفارد مثلاً، هذه شهادة صبا البرغوثي الطالبة في جامعة مشيغان، نستمع معاً ثم نذهب إلى فاصل قصير ونعود.

 

صبا البرغوثي: بالنسبة لانعكاسات سياسات ترامب على الواقع للأسف نجحت كثيراً في خلق الإرهاب بين الطلبة الأجانب وقلّلت من نسبة مشاركتهم في الأحداث الداعِمة لوقف الحرب ضدّ فلسطين ولبنان وسوريا واليمن. الطلبة ==الأجانب معرفتهم الشاملة للواقع القانوني ولمثل هذه السياسات وعدم ثقتهم بالنظام السياسي الأميركي بشكلٍ عام يصعّب الموضوع أكثر لعدم معرفته بالحماية القانونية، إضافةً إلى عدم الثقة بالسياسة الأميركية، أيضاً الطلاب لا يثقون بالجامعات وحتى تلك التي تدّعي بأن لديها مكاتب لدعم الطلبة ومساعدتهم لا تتّخذ الإجراءات الواجبة أو تُبادِر للدفاع عن طلابها وحمايتهم. بخصوص الطلاب الموجودين هنا بغرض الدراسة في أميركا بموجب فيزا قانونية مئة بالمئة تسمُى فيزا طالب، هؤلاء موجودون بشكلٍ قانوني، هو يمارس بحقّهم سياسية قمعية وتهديدية بترحيل الطلاب الحاملين لهذا النوع من الفيزا، بالفعل ألغى ترامب حوالى 4000 تأشيرة للطلاب وهذا أمر غير قانوني بالطبع ولكن هو يحاول أن يفرض هذا الواقع في الحياة الطبيعية، ربّما هو يأمل من خلال تأسيسه لهذه العُنصرية والقمع أن يستمّر مَن بعده بنفس هذه السياسة، إذا استمّرت هذه السياست والتوجّهات فإن آثارها ستكون كارثيّة على وحدة الولايات المتحدة ونظامها الديمقراطي.

 

بيار أبي صعب: أهلاً بكم مجدّداً في برنامج عل محمل الجد، أعيد الترحيب بضيوفنا الليلة الدكتور هشام صفي الدين والدكتور سِنان أنطون والأستاذ محمد السطوحي. وصلنا إلى الجزء الثاني من الحلقة مع فقرة "على محمل النقد،". نستمع الآن إلى مُقاربة الدكتور ميلاد السبعلي الخبير في التفكير النقدي والذكاء الاصطناعي يتحدّث عن تراجُع الثقة بالاستقلالية الأكاديمية وبداية حركة هروب الكفاءات من الجامعات الأميركية.

 

ميلاد السبعلي: الطلاب وخاصةً الدوليين منهم دفعوا ثمناً باهظاً في جامعات مثل UCLA وميشيغان حيث طُرِد عدد من الطلاب الأجانب وسُحِبَت تأشيراتهم فقط لأنه شاركوا بوقفاتٍ سلمية دعماً لغزّة. وفي كولومبيا وييل اقتحمت الشرطة  الحَرَم الجامعي واعتقلت عشرات الطلاب وتمّ فصل البعض منهم من دراستهم. حتى بعض الطلاب الأميركيين وُضِعوا على قوائم سوداء وخسروا فُرّص عمل ومِنحاً دراسية بسبب نشاطهم السياسي السلمي. أما الأساتذة فتعرّضوا أيضاً لحملات تشهير وضغوطٍ من إدارتهم. في جامعة إلينوي أُلغي عقد أحد الأساتذة لأنه كتب مقالة أكاديمية تنتقد الاستعمار الاستيطاني. في ستانفورد أُجْبِر أستاذ على تقديم استقالته بسبب تصريحاته التي تحدّث فيها عن الوضع الإنساني الكارثي في غزّة بفعل الاحتلال، هذه السياسات تركت آثاراً عميقة على الحياة الأكاديمية في أميركا، أولاً تراجعت الثقة بالاستقلالية الأكاديمية الأميركية، وبات الأساتذة يخشون من =التطرّق إلى قضايا سياسية حسّاسة خوفاً من فُقدان وظائفهم أو تشويه سِمعتهم. ثانياً فرضت الجامعات نوعاً من الرقابة الذاتية فبدأت بحذف أو تعديل أية مواد تتناول فلسطين أو الاستعمار أو تنتقد السياسات الأميركية، ثالثاً صار هناك هروب ليس بأعدادٍ كبيرةٍ للكفاءات العلمية والفكرية من الجامعات الأميركية خاصةً من الباحثين العرب والمسلمين وحتى بعض الأساتذة الأميركيين الذين يرفضون التكميم المَنْهجي الذي تفرضه الحكومة الأميركية بقيادة ترامب. كثير منهم هاجروا إلى كندا أو أوروبا أو أميركا اللاتينية حيث هناك مساحات فكرية نوعاً ما أوسع وأرْحَب. هنا نسأل هل ما زالت هناك حرية أكاديمية حقيقية في الغرب؟ الجواب هو نعم من حيث الشكل ولكن لا من حيث الجوهر، القوانين موجودة لحماية حرية التعبير ولكن الواقع مختلف. باختصار ما يحدث في الجامعات الأميركية ليس مُجرَّد سياسة تعليمية بل هو معركة على الوَعي، معركة على الحقيقة، معركة على الفكر الحرّ، والمُقْلق أن هذا اانموذج بدأ يمتدّ إلى الجامعات الأوروبية حيث أيضاً تُفْرض عقوبات شبيهة وإن كانت بصِيَغ أكثر هدوءاً على مَن ينتقد الاحتلال ويدافع عن حقوق الشعوب المُضْطَهَدة.

 

بيار أبي صعب: دكتور هشام هل كما قال دكتور السبعلي إ المعركة الدائرة اليوم بين الجامعات من جهةٍ والإدارة الأميركية من جهةِ أخرى هي معركة على الوَعي والقُدرة على التفكير النقدي؟

 

هشام صفي الدين: أتّفق مع ما قاله ولكن الكلام عن الفرق بين إدارة ترامب وبايدن هو تحديداً ما كنتُ أتحدَّث عنه بمعنى أن الفارِق الأساس، في موضوع فلسطين لا يوجد فارِق جوهري، هناك استثنائية حول فلسطين، أنا لا أتحدّث عن السياسة  بل عن الأكاديميا ولو أنه حتى في السياسة فإن الآثار على غزّة هي نفسها ولكن الفارِق الأساسي اليوم أن ترامب يقوم باستخدام موضوع مُعاداة السامية من أجل فرض نظامٍ جديد يحرم الجامعات من الاستقلالية عن الدولة ويضع في واشنطن القُدرة على التحكّم بشكلٍ مُفصّل بكل ما يتعلّق بالتوظيف ودخول الطلاب وضَبْطهم، ولكن بايدن لم يكن يوافق على ذلك ومع ذلك أدان البيت الأبيض ما قاله رؤساء الجامعات في الكونغرس، لم يدافع عن الجامعات بل أدانهم واستقال رؤساء الجامعات، هناك أساتذة في كندا طُرِدوا من وظائفهم لأنهم تحدّثوا عن 7 أكتوبر، فإذاً ما اقوله أن ترامب يستخدم موضوع مُعاداة السامية، طبعاً هذا يؤثّر سلباً على القضية الفلسطينية ولكن هو جزء من مشروع أكبر له علاقة كما ذكرنا بفكرة الحفاظ على التفوّق العِرقي الأبيض ورجوع عقارب الساعة إلى الوراء في ما يخصّ التحوّل الديموغرافي الذي يحدث في الولايات المتحدة. قد تكون بالمناسبة هذه القضية فرصة ليعي بعض الليبراليين أن الثور الأبيض أُكِلَ حين أُكِلَ الثور الأسود، كنتم تظنّون أنه ليس لكم علاقة بموضوع فلسطين أما الأن فأصبحتم كلكم في مكانٍ واحد وعلينا جميعاً أن نتضامن ضدّ هذا الموضوع. لا شكّ أن هناك معركة وعي كبيرة ولكنها معركة تتعلّق ليس بالوَعي بل بالقُدرة على الوجود في بيئةٍ آمنةٍ، وبحسب عِلمي قامت الإدارة الأميركية باستخدام الذكاء الاصطناعي لمعرفة أيّ احتكاك بين الشرطة أو الأمن أو ال FBI والتلاميذ لخلق هذه اللوائح، هي مُقاربة عمياء وهنا تكمُن الخطورة، هذا أبعد مما حصل قبل ذلك ولكنني لستُ متأكّداً بأن تأثيره سيختلف على موضوع فلسطين.

 

بيار أبي صعب: سِنان أنطون كل المعركة لتدجين الأكاديميا تقوم على هدفٍ مُعْلن ذكره الدكتور هشام والأستاذ محمد هو مكافحة اللا سامية، هل هذا الطاعون له جذوره حقاً في الجامعات الأميركية وإلا فكيف لا تزال تلك الخِدعة تنطلي على الرأي العام وعلى النُخَب؟

سِنان أنطون: بلا شكّ هناك عدّة روافِد لما يحدث الآن، بلا شكّ استخدام سلاح اللا سامية هو سلاح لإسكات كل الأصوات المُطالبة بوقفف حرب الإبادة وبسحب =الاستثمارات، لكن ما يحدث في الولايات المتحدة وحتى في إسرائيل أن الذين يطالبون بمُحاربة اللا سامية الكثير منهم لا ساميون أصلاً وهذه المُفارقة الكبرى، لكن أريد أن أقول نقطة أخرى مهمّة، أنا لا أحبّ التهويل والمُبالغة لكن ما يحدث الآن هو انهيار أو أفول لإمبراطورية وهناك الكثير من الأعراض، قد يأخذ هذا الأفول والانهيار سنيناً طويلة وسيكون مؤلماً للكثيرين. النقطة الأخرى أنني كنتُ أتحدّث مع زميلة من البرازيل وكانت تقول نحن عشنا في زمن الديكتاتورية ونعرف ما هي أعراض الديكتاتوريات، المشكلة لدى الكثير من الأميركيين أنهم بسبب الأسطورة القومية لا يستطيعون أن يتصوّروا أن تكون هناك فاشيّة في الولايات المتحدة أو أن يتحوّل النظام الديمقراطي الليبرالي إلى ديكتاتوري لكن هذا هو ما يحدث الآن. الشيء المهمّ جداً أيضاً هو قِصْر النظر والعماء لدى الليبراليين، في أولى الاجتماعات واللقاءات التي كانت لنا في أولى أيام المُخيّم، هذا ما قلناه لزملائنا الذين لم ينطقوا بكلمةٍ واحدة، قلنا لهم إن القمع سيبدأ بفلسطين ولكنه سينتقل إلى كل الحقول الاخرى لأنها هذه هجمة ضدّ الجامعات، وللأسف مثلاً هناك مؤسّسة مهمّة جداً هي AAUP أو نقابة لاتحاد الأساتذة تدافع عن حقوق الأساتذة ضدّ التمييز وللدفاع عن حرية التفكير. وللأسف في جامعةٍ كبيرة مثل جامعة نيويورك كان الأعضاء فقط عشرة، وللأسف الشديد تطلّب الأمر هذه الهجمة من ترامب لكي يستيقظ هؤلاء الذين ليست لديهم نظرة شمولية وليس لديهم فكر نقدي لما يحدث داخل المجتمع ودائماً يتحرّكون بعد فوات الأوان. أردّد ما قاله مارتن لوثر كينغ "لن ننسى ما قاله الأعداء ولكننا سننسى صمت الأصدقاء".

 

بيار أبي صعب: جيّد أنهم استفاقوا ولو مُتأخّرين. الدكتور نشأت الأقطش  أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت، لنستمع إلى وجهة نظره. 

 

نشأت الأقطش: عند الحديث عن الإجراءات في الولايات المتحدة الأميركية =ضدّ مؤيّدي العرب، مؤيّدي القضية الفلسطينية تبدو الإجراءات وكأنها شيء جديد وهذا غير صحيح. خلال السنوات الماضية منذ 1948 وحتى 2010 كانت هناك سياسة واضحة تحت عنوان مُعاداة السامية، أيّ طالب يتحدّث عن حقوق الفلسطينيين، أيّ أستاذٍ في محاضراته يتعرّض لحقوق الفلسطينيين كان يتعرّض للمُضايقات. باختصار شديد موقف الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية لم يكن في يومٍ من الأيام يختلف كموقفٍ سياسي لقيادات عمّا هو عليه اليوم وهو الموقف الداعِم لإسرائيل كقاعدة مُتقدّمة للدول الاستعمارية في المنطقة، دعم مطلق غير مشروط ومن دون =مُساءلة. كانت الجماهير الغربية خلال السنوات الماضية إما مضّللة أو مرعوبة أاو مخدّرة، وبالتالي كان هناك عدم وعي جماهيري، مَن يحتلّ مَن، مَن يقتل مَن، اليوم بعد المجازر التي ترتُكب بحق الشعب الفلسطيني في غزة كأن هناك غشاوة قد أُزيحت عن عيون الجماهير، وبالتالي تدخّلت القيادات السياسية للضغط وبالتالي على الحكومات في السنوات الخمس القادمة أن تُنتخب بناءً على إرادة الشعب.،وبالتالي هناك وضع سوف يتغيّر في أميركا وأوروبا لصالح الفلسطينيين. 

 

بيار أبي صعب: أستاذ محمد السطوحي أعود إليك، هل سيتغيّر شيء في أميركا وأوروبا لصالح القضية الفلسطينية كما يتوقّع الدكتور الأقطش على الأقلّ ألا تعود مُناصرة الشعب الفلسطيني ضرباً من ضروب الأرهاب؟

 

محمد السطوحي: هناك تغيير يحدث بالفعل ومَن يتابع الدراسات والاستطلاعات في الولايات المتحدة تحديداً يجد مؤشّرات حقيقية على هذا التغيير، أكثر من خمسين في المئة الآن من الشعب الأميركي عموماً صارت نظرتهم سلبية لإسرائيل بعد أحداث غزّة ولكن علينا أن نعود لما حاولتُ أن أوضّحه في البداية أنه يجب أن ندرك ونهتمّ بالتفاصيل، مجرّد إطلاق الأحكام العامة من دون إدراك للأبعاد الخاصة بها والتفاصيل المرتبطة بها في المجتمع الأميركي هذا لا يساعدنا على الفَهْم وبالتالي لا يساعدنا على التأثير. إذا لاحظنا أن 85% من الديمقراطيين موقفهم الآن سلبي من إسرائيل، على الوجه الآخر لدى الجمهوريين والمحافظين عموماً الأرقام تنعكس والأغلبيّة الواضحة موقفها إيجابي من إسرائيل. إذاً إذا ما تحدّثنا عن أميركا بشكلٍ مُطلق وعام من دون أن نفهم الأبعاد الأيديولوجية والسياسية المرتبطة بالقواعد السياسية لكل تيّار، هذا يجعلنا غير قادرين على الرؤية التفصيلية. إسرائيل تدرك ذلك، تفهم ذلك وتتعامل معه ولا تقول مثلنا أميركا فقط هم يعلمون أن هناك تفاصيل ويلعبون عليها ولذلك تجد أن نتنياهو على مدى سنواتٍ طويلة يركّز على علاقته بالجمهوريين، يركّز على التوافق الأيديولوجي والسياسي معهم في ما يتعلّق بالأفكار الليكودية التي يريد تنفيذها لرؤية مستقبل مختلف للشرق الأوسط. فبالتالي أنا أتصوّر أن هناك تغييرات كبيرة ولكن التغيير الأكبر في القواعد الديموقراطية والليبرالية. على العكس هناك تغيير آخر أكثر تشدّداً وأكثر دعماً لإسرائيل في الجانب الجمهوري، وعندما نقول هذا يدعم إسرائيل فهذا لا يكفي، الكل يدعم إسرائيل من ناحية التسليح ولكن هل يدعمون إسرائيل بالمفهوم التوسّعي الاستيطاني، فرض الهيمنة؟ هنا نجد الاختلافات تبدأ تظهر بين التيّارات المختلفة ومن هنا يجب أن نفهم وندرك هذه التبايُنات لكي نستطيع أن نتعامل معها.

 

بيار أبي صعب: شكراً أستاذ محمد السطوحي كنتَ معنا من نيويورك. دكتور سِنان أنطون الحرية الأكاديمية تخضع لشروطٍ سياسية تضعها السلطة الاقتصادية أو السياسية، الطلاب يستطيعون تعطيل الفصل الدراسي أو احتلال قاعة المُحاضرات لكنهم لا يتحكّمون بشروط التوظيف وقبول الانتساب أو حِرمان جامعة من الجامعات من التمويل، سؤالي الأخير لك كيف تنظر إلى مستقبل هذه المواجهة ولو أنك أجبتَ عليه جزئياً قبل قليل؟ 

 

سِنان أنطون: ما أثار إعجابي كثيراً هو شجاعة الطلاب في الأشهر الماضية بالرغم من العقوبات الشديدة التي حرمتهم من الدراسة لسنةٍ كاملة لكنهم يعودون، وبالرغم من كل التضييق دائماً يحاولون أن يبحثوا عن طريقةٍ للتعبير عن غضبهم وللمقاومة، فلا أعتقد ان جذوة هذا كله ستنطفئ لكن هناك إشكالية أخرى في المجتمع الأميركي أن نظام الحزبين، إذا  لم تتحوّل هذه الحركات الاجتماعية السياسية فإنه لا يوجد حزب حقيقي آخر يستوعبها لكي يغيّر السياسات الأميركية. بصراحة استطلاعات الرأي لا تؤثّر، كانت هناك موجات أثناء حركة حياة السود مهمّة وقبلها معارضة الحرب على العراق لكنها دائماً تنطفئ لأنه ليس هناك بنية سياسية تترجم الغضب من هذا النظام السائد إلى حركةٍ سياسية فعلية. ما دام لا يوجد حزب ثالث فلن يكون هناك تغيير حقيقي في الولايات المتحدة، طبعاً لا نستطيع أن نتنبّأ بما يحدث لكن أعود وأقول إن هذه إمبراطورية تتفسّخ ومجتمع يواجه مشاكل اقتصادية كبيرة جداً ويتحوّل إلى ديكتاتورية فاشية، لا أعتقد أن ترامب سيخرج من البيت الأبيض بالمناسبة لأنه ليس شخصاً يمكنه أن يعترف بالخسارة أو يمكن أن يترك هذا المنصب، المجتمع الأميركي مقبل على مرحلة خطيرة جداً.

 

بيار أبي صعب: ننتهي عندك دكتور هشام، تحدّثنا عن هارفارد وذكرتَ أنها شاركت بقمع الطلاب في عهد بايدن، وأعلن رئيس الجامعة عن تفعيل آلية تحسين مكافحة مُعاداة السامية التي ترجمتها هي منع نقد إسرائيل، هذه هي مُعاداة السامية في أميركا، بالنهاية هناك صِراع حاسم، كيف ترى الاتجاه؟ تحدّثنا تحت الهواء عن موسم العودة إلى الجنوب، هل سيربح ترامب معركته بأن يحوّل المنظومة الأكاديمية والفكر النيوليبرالي الذي كتبتَ عنه في دراستك، مهنية وحياد وتكنوقراطية سيعقّم الجامعات الأميركية أم لا؟ وهل الحل بالنسبة لعشرات آلاف ومئات آلاف الطلاب العرب والمسلمين أن يؤسّسوا من جديد قاعدة أكاديمية لهم في بلادهم؟  

 

هشام صفي الدين: دعني أختصر بأن الآليات الأساسية التي تُستخدم من أجل قمع الحراك الداعم لفلسطين المتمثّلة بالتأطير المعرفي أي اللغة والخطاب والمُتمثّلة أيضاً بحرب القانون عبر رفع الدعاوى على الجامعات لإسكاتهم، والأمر الثالث وهو فائض الأمن عبر عسكرة الحَرَم الجامعي، كل هذه الآليات كانت موجودة وتفعّلت في مرحلة بايدن والفارق أن ترامب أتى ليضيف إليها أولاً عصا غليظة وشمل كل القضايا الأخرى المتعلّقة بحرية الإنتاج الفكري والتعدّدية في الجامعات. فإذاً نحن أمام توسُّع وتصعيد لهذه الحملة، كأستاذ للتاريخ لا أحبّ أن أتنبّأ بالمستقبل ولكنني أقول التالي، أولاً برأيي طالما أن الولايات المتحدة هي مركز الإمبراطورية اليوم وهي بالمناسبة مجتمع استيطاني إحلالي، هناك سقف لما يمكن أن يتحقّق في الولايات المتحدة، يجب أن نستمرّ وتستمر هذه التحرّكات ويجب أن يقوم بهذا الواجب كل مَن يعتبر نفسه معنياً بأن يرفض ما يقوم به دونالد ترامب وأن يحمي هذه الأماكن وهذه المساحات للتعبير عن الرأي، لتدريس تاريخ فلسطين، وللدعوة إلى دعم القضية الفلسطينية ولكن يجب أن نعلم أن سقف هذا الموضوع برأيي هو موضوع المُقاطعة مثلاً، هو موضوع فضّ الشراكات مع الجامعات الإسرائيلية. لا أعتقد أن الولايات المتحدة سواءً الحزب الديمقراطي أو الجمهوري سيتوقّف عن كونه الحليف الأساسي لإسرائيل بل إن مصالح استعمارية وهذا هو سقفه، طالما وضعنا هذا السقف تصبح لدينا رؤية معيّنة ونتجّنب خيبات الأمل الكبيرة بسبب ما سيحدث. أنا أوافق على أننا في مرحلة انهيار أو تصدُّع كبير للمنظومة المعرفية الأميركية مثل موضوع التجارة والاقتصاد ولكن لا نعلم كم ستستمر. في الختام نقول إن جَذْر المشكلة في جزءٍ منها أن معظم الطاقات والنُخَب أصلاً هاجرت إلى الولايات المتحدة ولدينا أمثلة حيّة في هذا البرنامج هو بسبب إما الاستعمار والقتل والعنف والاحتلال الذي تسبّبت به الولايات المتحدة، ما اضطر هذه النُخَب إلى الذهاب إلى الولايات المتحدة أو بسبب غياب الهوامش، حرية التعبير والأكاديمية الموجودة، كثير من زملائي بالمناسبة يشعرون بالاستلاب والاغتراب في الغرب ولكن الغرب اليوم أصبح لا يُطاق. هناك تمنٍّ جدّي حول ما قلته عن موسم الهجرة والعودة إلى الجنوب بمعنى حبّذا لو نستطيع أن نفكّر في طريقةٍ ما لنُعيد لمؤسّساتنا وجامعاتنا في هذه المنطقة وفي لبنان مثلاً الجامعات الوطنية نسبةً من المهنية والكفاءة لكي تستقبل هؤلاء النُخب. نحن في معركة وعي في هذه المنطقة، ومن المُفارقات أن بعض الطلاب في الجامعات الأميركية يتحدّثون عن الاستيطان الإحلالي في إسرائيل ولدينا نحن اليوم أجيال جديدة للأسف بسبب الإعلام والمؤسّسات لدينا تطالب بالتطبيع، أتمنّى أن يحدث تحوُّل وأن نفكّر ببناء معاهد ومؤسّسات أو الانخراط في العمل الأكاديمي ولكننا نحتاج إلى هامشٍ ما لكي نعمل في هذا المجال.

 

بيار أبي صعب: هذا عنوان المرحلة المقبلة، أشكرك على حضورك. كلمة الختام للمُناضلة الأميركية والكاتبة وأستاذة الفلسفة أنجيلا ديفيس "إن الحرية الأكاديمية تقوم على حقّ المشاركة في النضالات السياسية داخل الحَرَم الجامعي، أما الأكاديميون الذين لا ينخرطون في النضالات التقدّمية والنقدية فما حاجتهم أصلاً إلى الحرية الأكاديمية".

شكراً لضيوفي: هشام صفي الدين، سِنان أنطون، محمد السطوحي، شكراً على المتابعة وإلى الأسبوع المقبل.