الحياد
كلما اشتدت الأزمات، واحتدت المواجهات، وتعالى دوي المدافع، وسالت أنهار الدماء... تنهال الدعوات إلى الحياد. يبدو "الحياد"، الوصفة السحرية التي تنجينا من الأسوأ، وتضمد جراحنا، وتحمي ضعفنا... يبدو هذه التعويذة التي تحفظنا من الويلات، وتبعد طيف الحروب، وتعيد الى العدالة نصابها، وتضمّن الوحدة والسلام والازدهار. لكن، أي حياد؟ أحياد العنق تحت رحمة السكين، حياد الضحية تحت قدمي جلادها، حياد المظلومين تحت نير الاستبداد، والمقموعين في أقبية الطغاة؟ أم حياد القوى العظمى فيما بينها، لتنظيم هيمنتها على العالم، وتحييد شعوبنا عن حقها في تقرير المصير؟ من يملك اليوم ترف الحياد؟ أما زال الحياد ممكنا في عالم يزداد تشظيا وعنفاً واستبدادا واستغلالا، وفي ظل نظام عالمي يجنح للأحادية والتوحش؟ هل الحياد ممكن في زمن الإبادة والتطهير العرقيين؟ أوليس الساكت عن الحق شيطانا أخرس؟