الدكتورة رباب عبد الهادي

نص الحلقة

 

 

 

أحمد شلدان:
أهلاً بكم مُشاهدينا إلى حلقة جديدة من فودكاست، وضيفتنا اليوم هي الدكتورة رباب إبراهيم عبد الهادي، المؤسِّسة والباحِثة الأولى في البرنامج الأكاديمي لدراسات الجاليات العربية والمُسلمة في المهجر، في جامعة سان فرانسيسكو، والباحثة الرئيسية في مشروع "تدريس فلسطين".

عملت في ثماني مؤسّسات للتعليم العالي، إضافةً إلى جامعة ييل، ودرّست في كلية "هانتر"، والجامعة الأميركية في القاهرة، والعديد من المؤسّسات التعليمية المرموقة حول العالم.

ألّفت أكثر من 80 مقالةً وبحثًا وفصلًا، ونُشِرت أعمالها الأكاديمية باللغات: العربية، الفارسية، الإنكليزية، إضافةً إلى الفرنسية، والإسبانية، والإيطالية، والألمانية.

تعرّضت للمُضايقات، وأُلغِيَت لها محاضرات في عدّة جامعات بسبب دعمها لفلسطين، واتُّهِمت باستخدام أموال الجامعات لأغراضٍ "إرهابيةٍ"، بسبب تنظيم وفود طلابية إلى فلسطين، وخضعت لتحقيقاتٍ استمرّت أشهرًا طويلة.

كما اتُّهِمت بـ"مُعاداة السامية"، بسبب قيادتها لحملات =المُقاطعة، ودعمها حقّ الشعبين الفلسطيني واللبناني، وحقّ جميع الشعوب في الحرية.

نُجدِّد الترحيب بكِ، دكتورة رباب، وأنتِ معنا في هذه الحلقة من البودكاست. وقبل أن نبدأ بالنقاش والحوار، نلاحظ -وأنتِ تجلسين الآن- أنكِ ترتدين الثوب الفلسطيني، والكوفية عن يمينك، وعن يسارك. هذا الأمر يطرح سؤالًا كبيرًا ومهمّاً جدًا: دكتورة رباب، ماذا تعني فلسطين بالنسبة لكِ أولًا؟ ولماذا كنتِ مُستعدّة لتحمُّل كل هذه الأكلاف الكبيرة في سبيل هذه القضية؟

 

رباب عبد الهادي:

أولًا، أنا فلسطينية، وُلِدْتُ ونشأتُ في نابلس، وهي وطني وبلدي. أنا جزء لا يتجزّأ من الشعب الفلسطيني، ومن الشعب العربي، ومن الأمّة الإسلامية، ومن شعوب العالم الثالث المقهورة، المُضْطَهَدة، المُسْتَعْمَرة، والتي تطالب بحريّتها، والتي لم تكفّ يومًا عن المُطالبة بذلك، والدفاع عن حقوقها.

القضية الثانية، أنّ فلسطين أصبحت، هي طول عُمرها، ولكن أصبحت الآن أكثر من أيّ وقتٍ آخر، هي بوصلة العدالة في جميع أنحاء العالم، وليس فقط للشعب الفلسطيني، وللشعب اللبناني، وللشعوب العربية، ولشعوب المنطقة، هي بالنسبة للعالم، فلسطين بوصلة العدالة، =مَن لا يُدافع عن فلسطين، لا يؤمِن بفلسطين، لا يؤمِن بالعدالة في جميع أنحاء العالم. نحن نقول العدالة شموليّتها، والعدالة لا تتجزَّأ. فعلاً هي العدالة لا تتجزَّأ.

القضية الثالثة أنني أكاديمية، بمعنى أنني، كما يُقال، مُثقّفة، أستاذة، ومُعلّمة. أنا اخترت هذه المهنة لأتعلّم أكثر، وأُعلِّم أكثر. أتعلّم مع الناس، وأُعلِّم الناس. وهذه مهنتي. هذا هو القرار الذي اتّخذته لنفسي. وبناء عليه، أُدرِّس، وأفهم، وأعرف. تعلّمت من خلال دراستي وتدريسي أن هذه هي الحقائق القائمة. فكيف لي أن أتعلّم هذه الحقائق، ولا أقدِّمها للآخرين؟ كيف لا أنقل هذه الحقائق والثوابِت؟ كيف أقبل بالخطأ الموجود في المناهِج التي =تُدرَّس في الجامعات الأميركية، وهي مناهِج صهيونية أساسًا، وتُثقِّف الدوائر الأميركية، الحكومية والرسمية وغير الرسمية، بطابعٍ صهيوني.

من واجبي أن أكون جزءًا من هذه القضايا، وإذا لم أقم بها أكون كاذِبة على نفسي. وأستغرب ممَّن يعمل فقط لأجل قضايا شخصية أنانيّة، وليس لأجل قضايا لها علاقة بالدور الذي أخذته على عاتقي، والمُهمّة الأكاديمية التي التزمت بها.

وبالتالي، لا يكفي أن أصف نفسي بأنني فلسطينية، ربما أقول إنني عالِمة أو باحِثة، لكن لا أدَّعي الفلسطينية؛ لأن الفلسطينية تعني نضالًا، وتعني قضية تحرُّر.

 

أحمد شلدان:

يعني، دكتورة رباب، ألا ترين أن ما تقومين به الآن، وما تقدّمينه لأجل هذه القضية، هو أيضًا نوع وشكل من أشكال النضال، وبالتالي تستحقّين أن تكوني فلسطينية وبجَدَارة؟ 

 

رباب عبد الهادي:
ما تحدَّثتَ عنه أنت  هو قضية القضايا، التي نحن من المُفترض أن نُساهم فيها.

نعم، من المهمّ أن نُناضِل في الحقل الأكاديمي، والحقل الثقافي، وفي الحقل العام. واحدة من المسائل التي أعمل عليها، والتي أقول دائمًا: بالنسبة للبرنامج الذي لدينا، وهو البرنامج الأكاديمي لدراسات الجاليات العربية والمسلمة في المهجر، هذا البرنامج يُعرِّف نفسه بأنه يركِّز على إنتاج المعرفة من أجل العدالة.

ولمعلوماتك، هذا البرنامج مُقَرّ رسميًا في الجامعة، وليس فقط في جامعة سان فرانسيسكو. نحن في جامعة سان فرانسيسكو جزء لا يتجزَّأ من جامعة كاليفورنيا العامة، التي تتألّف من 23 حَرَمًا جامعيًا في كل أنحاء ولاية كاليفورنيا. وهي جامعة عامة، وهي أكبر منظومة تعليمية في كل الولايات المتحدة الأميركية.

هذه الجامعة تُعلِّم أكثر من 400 ألف طالب وطالبة، وبالتالي، من المهمّ جدًا حين أقول إن هذا المنهج مُثْبَت ومُعْتَمَد ومُشرَّع في هذه القضية، أن نفهم أن الطلاب في كل هذه الجامعات وكليّاتها يستطيعون أخذ هذه المناهج.

حين قدَّمنا المنهج وتمّت الموافقة عليه، كانت هذه قضية مهمّة جدًا، وكانت بالنسبة للصهاينة قضية إشكالية جدًا.

الجامعة كانت قد استقطبتني حين كنت مديرة الدراسات العربية في جامعة ميشيغان في ديربورن، وهي من أكبر مراكز العرب الأميركيين. استقطبوني لأقوم ببناء هذا البرنامج، وفعلاً بدأت كما طُلِب مني، ببناء البرنامج.

الصهاينة واجهوا مشكلة كبيرة، لأنهم يعتبرون أنه من الخطير جدًا أن تكون هناك برامج أكاديمية رسمية تكون فيها =الدراسات مُستمرة ودائمة، وليست مجرّد مُقرَّر هنا أو هناك، بل أن تصبح نظامية. فمنذ اللحظة الأولى، بدأوا بمُحاربتنا.

مثلًا، في سنة الحرب على غزّة عام 2008–2009، قام الطلاب بتنظيم تظاهرات وما شابَه، وكانت هناك احتجاجات طلابية. فقام الطلاب الصهاينة، بالتعاون مع الطلاب اليمينيين العُنصريين، بتنظيم تظاهرات داخل الجامعة. وأول مُلْصَق من المُلصقات التي وضعوها قالوا فيه: "ادعموا الشعب الفلسطيني"، ولكن وضعوا صوَرًا للمقاتلين الفلسطينيين كأنهم عُنصريون أميركيون، مثل جماعة "كو كلوكس كلان"، الذين كانوا ==يحرقون الكنائس السوداء في الجنوب، ويعلّقون الشبّان السود على الأشجار ويشنقونهم. هؤلاء معروفون بعُنصريّتهم الشديدة وبعُنفهم، وحاولوا أن يُظهروا الفلسطينيين على هذا الشكل، حتى يدخل هذا التصوّر في ذِهن الأميركي. كانوا يستعملون هذه الدعايات وغيرها دائمًا.

وبعد فترة، الطلاب الفلسطينيون عندنا كانوا يريدون إقامة احتفال في الذكرى الأولى للجِداريّة الفلسطينية التي تكرِّم الدكتور إدوارد سعيد، الذي كان قد تُوفى قبل ثلاث سنوات من تلك الفترة. دَعَوا عُمر البرغوثي، وهو أحد مؤسّسي حركة المُقاطعة، وكان من المُقرّر أن يتحدّث عن الحركة وقضية حقوق الإنسان، خاصة بعد ما جرى في غزّة. فالجالية الصهيونية، باسم "الجالية اليهودية"، احتجّت أمام رئيس الجامعة، وطالبت بإلغاء النشاط. لكن رئيس الجامعة لم يُلغِ النشاط، بل ادّعى أنه يدعم "حرية الكلام" و"حقّ التعبير عن النفس". لكنه في الواقع ألغى منصبين أكاديميين كان من المفترض أن يُعيّنا ضمن عقدي، وكان من شروط قبولي بالوظيفة أن يكون هناك على الأقل أستاذان إضافيان معي لبناء البرنامج، لأنني لا أستطيع بناء برنامج وحدي. فألغوا ذلك، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن، أنا الأستاذة الوحيدة في هذا البرنامج. 

الصهاينة، ومعهم رئيس الجامعة الذي تواطأ معهم، ظنّوا أن البرنامج لن يُبنى أبدًا، وأنهم نجحوا في وقفه. لكنني رفضت ذلك، واستعنت فعلًا بأساتذة من الموجودين في المنطقة في كاليفورنيا، وقدَّمنا البرنامج لمُناقشته في المجلس الأكاديمي للجامعة حتى يتمّ إقراره. بعد أن قرَّرنا المُقرَّرات وكل شيء، أطلقوا علينا حملة جديدة، وقالوا إننا نطالب بـ"قَتْل اليهود"، وزعموا أن هذا البرنامج يُحرِّض على ذلك.

 

أحمد شلدان:

=في هذه النقطة دكتورة، قمنا ببحثٍ بسيطٍ على الإنترنت عن إسم الدكتورة رباب عبد الهادي، ووجدنا أن إسمك مرتبط دائمًا بتهمة "مُعاداة السامية" أو "مُعاداة اليهود".
قبل أن ندخل في المواقف التي تعرَّضتِ لها، ومعنى أن تكوني "مُعادية للسامية"، نودّ أن تعطينا نبذة بسيطة، تعريفًا بسيطًا: ماذا تعني "السامية" أساسًا؟ قبل الحديث عن "مُعاداة السامية"، ما المقصود بالسامية؟ وأنتِ باحِثة ومُفكِّرة ومُتَعَمِّقة في هذا الموضوع، فمن الجيّد للمشاهِد العربي وغير العربي، أن يعلم مَن هم "الساميون"، وما هي "السامية" أصلًا.

 

رباب عبد الهادي:

طبعًا، السامية تعني الناس الذين تحدّثوا باللغات السامية، وهي تعود للعصور القديمة جدًا: الكنعانية، الآشورية، العبرية، وكل هذه اللغات. العربية أيضًا من اللغات السامية. هذا التعبير استُخْدِم بشكل أكبر في الدراسات الاستشراقية، التي بدأت في مرحلة ما قبل العصور الوسطى. لكن زاد الاهتمام بهذه الدراسات عندما بدأت الحملات الصليبية على بلادنا، خصوصًا على القدس، وكان لذلك علاقة كبيرة بتأثير الكنيسة الكاثوليكية، تحديدًا في روما. =وأحبّ أن أؤكّد أن من المهم جدًا لشعبنا أن يفهم هذا السياق، لأنه هناك فجوة كبيرة في الوعي في ما يتعلّق بدور الكنيسة الكاثوليكية، التي كان البابا فيها يتصرَّف كأنه دكتاتور زمانه. هناك فرق كبير بين مسيحيّة بلادنا – التي فيها تسامُح، ونتذكَّر أن مفتاح كنيسة القيامة في القدس تحمله عائلة فلسطينية – وبين المسيحية التي مثّلتها الكنيسة الكاثوليكية في روما.

الصليبيون، أولًا، كانوا مُرتبطين بهذه الكنيسة الكاثوليكية، وثانيًا، كانوا يتقاتلون في ما بينهم على الأراضي في أوروبا. لذلك، كانت الحروب الصليبية أيضًا جزءًا من تقسيم النفوذ الاستعماري في أوروبا. في ذلك الوقت، بدأت تظهر الدراسات الأكاديمية التي =تتحدَّث عن "الساميين"، ثم تطوّرت إلى الحديث عن "مُعاداة الساميين".

 

أحمد شلدان:
أفهم منكِ، دكتورة، قبل أن تُكملي هذه الفكرة، وعُذرًا على المُقاطعة، أنتِ قلتِ بأنّ الساميين هم الذين كانوا يتحدَّثون اللغات القديمة، وذكرتِ العبرية والعربية وغيرهما.

هل هذا يعني بأنّ العرب أساسًا ساميون؟

 

رباب عبد الهادي:

نعم، بالتأكيد. اللغة السامية لا تعني عِرقًا.

 

أحمد شلدان:

هذا ينفي بأنّ عِرقًا مُعيّنًا، أو مَن يُدين بدينٍ مُعيّن ، يُطْلَق عليه السامية.

 

رباب عبد الهادي:

في تلك الفترة، كانت على اللغة، وإذا تشعّبنا في الأمور أكثر، ونتحدّث بقضية الصهيونية، ومُعاداة السامية، والعداء لليهود، وكل هذه الأمور، تتعقَّد المواضيع أكثر، لأن الأمور تصبح أكثر تشعُّبًا.

فمثلًا، العداء لليهود ازداد مع =صعود النازيّة، لكن كثيرًا من اليهود لم يكونوا يتحدَّثون العِبرية أصلًا. في أوروبا الشرقية، مثلًا، كان كثير من اليهود يتحدَّثون "يديش"، وهي لغة يهود أوروبا الشرقية، وليست العِبرية. وفي الأندلس، اليهود هناك كانوا يتحدَّثون "لَدينو"، وهي لغة يهود الأندلس. أما اليهود العرب، فكانوا يتحدَّثون العربية. لم تكن العِبرية هي لغة حياتهم اليومية.

العِبرية كانت لغة دينية فقط، لغة العهد القديم. وعندما أسَّسوا الكيان الصهيوني، أعادوا إحياء اللغة العِبرية، وأساسًا حين تنظر إلى اللغة العِبرية الآن، تجد الكثير من المُفْرَدات والتعابير الأوروبية فيها.

 

أحمد شلدان: 

وأيضًا من العربية.

 

رباب عبد الهادي:

من العربية مئة في المئة. كثيرٌ من الكلمات في العِبرية مأخوذة من العربية بشكلٍ مباشر، لا سيما أن الجَذْر اللغوي الثُلاثي مشترك. لكن هناك كلمات لا تفهمها لأنها مُسْتَوْرَدة من اللغات الأوروبية، خصوصًا في المسائل العلمية.

مثلًا، نحن عندنا "عِلم الاجتماع"، أما في العِبرية فلا يوجد تعبير أصيل لذلك، فيقولون "سوسيولوجيا"، وهي مأخوذة من اللغات الغربية.

العبرية لم تتطوَّر كلغةِ حياةٍ طبيعية، لأنها كانت حِكْرًا على الاستخدام الديني، والآن أعيد إحياؤها بشكلٍ مُصْطَنع.

 

أحمد شلدان:

إذًا، لماذا أصبح اليوم تعبير "مُعاداة السامية" يعني فقط مُعاداة اليهود؟

 

رباب عبد الهادي:

هذا أيضًا الحديث به مُتَشَعِّب جدًا، لكن باختصار: "مُعاداة السامية"، العرب في أوروبا لم يكونوا كِثْرة عدَدِّية في القرون الماضية، لأنهم كانوا أساسًا موجودين جنوب البحر المتوسّط، أو في شبه الجزيرة الإيبيرية، مثل الأندلس، أو في مناطق مثل فرنسا وإيطاليا واليونان وتركيا.

لكن بعد سقوط الأندلس، وصعود الدولة الإسبانية العُنصرية المُتشدِّدة، بدأ محو منهجي للتاريخ العربي والإسلامي في جنوب أوروبا، أو شمال المتوسّط. بدأت عملية "نِسيان مُنظَّم" لكل ما له علاقة بالحضارة العربية، في الرينيسانس (عصر النهضة) الأوروبية، كأن هذه الحضارة لم يكن لها تأثير. تمّت عملية إنكار مقصودة لكل التأثيرات العربية على أوروبا. ربما أيضًا لها علاقة بقضية مَسْح كل ما له علاقة بالعرب، لكن في تلك الفترة، بدأت فكرة "السامية" تنفصل عن العرب، وتُرْبَط تدريجيًا باليهود فقط.

ثم، مع تصاعُد استهداف اليهود في أوروبا الشرقية، وخصوصًا في أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية، أصبح يُنْظَر إليهم كأقلّيات يجب تحميلها المسؤولية. واليهود، كغيرهم من الأقلّيات، كان يُفْرَض عليهم القيام بوظائف لم يكن الإقطاعيون يريدون مُمارستها، مثل إدارة المال والتجارة. لكن عندما تغيَّر النظام الاقتصادي، وأصبحت المِهَن المالية مركزية، صار لهم نفوذ، وبدأت مُعاداتهم تأخذ شكلًا أشدّ.

وبدأت تُعتْبَر هذه الأقلّية "الطابور الخامس"، وظهرت العُنصرية المنظّمة ضدّهم، ومن المهمّ أيضًا، دائمًا نحن نتحدَّث فقط عن مُعاداة السامية، ومهمّ جدًا السؤال الذي طرحته، حول مَن هم الساميون، فهناك لا سامية أخرى موجودة، هناك العُنصرية ضدّ العرب، العُنصرية ضدّ المسلمين، ما نُسمّيها الإسلاموفوبيا، كانت موجودة في الوقت نفسه في الخطاب الأوروبي، العُنصرية الموجودة في خطاب الأنظمة الملكية مثل فرديناندو وإيزابيلا، ملوك إسبانيا، الذين هزموا الدولة الأندلسية، العربية المسلمة، الخطاب العُنصري الذي تبنّوه، الكل يعرف مثلاً في التاريخ، أي شخص يقول لك عذّبوا اليهود كثيرًا في الأندلس، صحيح هذا الكلام، عذّبوا اليهود وقدَّموهم للمحاكم، وفرضوا عليهم أن يُغيّروا دينهم، ولكن أيضًا هذا الكلام يسري على المسلمين، ولكن الناس غالبًا لا يعرفون القصّة كاملة.

 

أحمد شلدان:

مَن يكتب التاريخ عادةً هم الأقوياء أو المُنْتَصِرون.

 

رباب عبد الهادي:

ولكن لماذا نعرف نحن مثلاً الأقوياء، وليس اليهود الذين كانوا في تلك الفترة. ولكن الآن يُعاد إحياء التاريخ اليهودي، لكن لا يُعاد إحياء تاريخ المسلمين والعرب.

 

أحمد شلدان:

دكتورة، عندما يُقال اليوم إن رباب عبد الهادي "مُعادية للسامية"، كيف ينعكس هذا الأمر عليك؟ ما هي تَبِعاته عليك؟

 

رباب عبد الهادي:

هم يقولون ذلك، لأننا، كما تعلم... لننتقل عشرة قرون إلى الأمام، فنصل إلى اللحظة التي أصبحت فيها عبارة "مُعاداة السامية" تعني كراهية اليهود فقط.

هذا التعريف رَسَخَ بعد محرقة النازية، وحَرْق اليهود في معسكرات الاعتقال، وهي مأساة كبيرة جدًا، ونحن أيضًا نعتبرها مأساة كبرى.

لكن ما نختلف فيه مع الحركة الصهيونية، هو أن الحركة تقول: "لا نريد أن تتكرّر"، ونحن نقول أيضًا: "لا نريد أن تتكرّر"، ولكن ليس لليهود فقط. نحن نقول: يجب ألا تتكرّر مع أيّ شعب.

ليست استثنائية. لا يجوز أن يُحْتَكَر مفهوم الإبادة الجماعية لليهود فقط. يجب أن تُرْفَض الإبادة الجماعية بحقّ أيّ أحد.

=الآن، هم يعتبرون أن أيّ شخص يتحدّث ضدّ الحركة الصهيونية، وضدّ المشروع الاستعماري الاستيطاني الإحلالي والعُنصري في فلسطين، يكون مُعاديًا للسامية. لأنهم يعتقدون أن هذا المشروع الاستعماري الاستيطاني العُنصري الصهيوني في فلسطين، هو المشروع الذي سيُنْقِذ اليهود.

لكن مشكلتهم أنني لست الوحيدة التي تقول هذا الكلام. هناك مجموعة كبيرة جدًا من الفلاسفة والمُفكّرين اليهود، والتيّارات السياسية اليهودية، التي نشأت من أجل مقاومة العداء لليهود، بدءًا من كارل ماركس نفسه، إلى مُفكّرين كبار، إلى حركاتٍ سياسيةٍ مثل "البوند"، والفوضويين، وغيرهم الكثير.

هؤلاء قالوا بوضوحٍ إن فكرة "الدولة اليهودية" ليست حلّاً، بل هي نوع من الغيتو، لا تختلف عن ما كان موجودًا في أوروبا. هذا لا يُجدي.

الحلّ هو أن يناضل الجميع معًا ضدّ جميع أشكال العُنصرية، وضدّ كل أشكال الكراهية، حتى نخلق مجتمعًا آخر، مجتمعًا يسوده التسامُح، ويعيش فيه الناس معًا.

 

أحمد شلدان:

واضح أن هذا المجتمع الذي تتحدَّثين عنه، دكتورة، لا يزال بعيد المَنال بعض الشيء.

دكتورة رباب، أنتِ تعرَّضتِ إلى أشكالٍ مختلفةٍ من المُضايقات، وإلى نوعٍ من التعامُل بالتهديد وربما الخطر.

الآن نعرض لكِ هذه الصورة، التي يبدو أنها رسالة وصلتكِ بالتهديد، =دكتورة رباب. ما قصّة هذه الرسالة؟ كيف وصلتكِ؟

 

رباب عبد الهادي:

الرسالة كانت من بين الرسائل التي وصلتنا في المكتب. واحدة من الفتيات التي تعمل معي – يأتينا الكثير من الطلاب للتدريب ويساعدونني في الأبحاث – ذهبت إلى مكتب البريد التابع لنا في الكلية، ووجدت رسالة باسمي.

فتحت الرسالة، وكانت طويلة، ومليئة بالشتائم من أوّلها إلى آخرها، تتضمّن ألفاظًا بذيئة جدًا، وعبارات مُهينة ومُحْتَقِرة لنا، ثم تقول في نهايتها: "أنا مُتقاعِد، كنت مُحقّقًا في شرطة نيويورك".

 

أحمد شلدان:

هو يُعرِّف عن نفسه دكتورة؟

 

رباب عبد الهادي:

هو لم يذكر إسمه، لكنه عرَّف عن نفسه بأنه مُفتّش مُتقاعِد من شرطة نيويورك. ويتابع قائلًا: "أنا لا أدعو للعُنف، لأنني أعلم أن ذلك غير قانوني، ولكن احذري حين تعبرين الشارع، واحذري إنْ كنتِ في مكانٍ وحدثت مُشاجَرة مع أحد، فلا أحد يعلم ما قد يحدث". وهذا كان طبعًا تهديدًا مباشرًا.

 

أحمد شلدان:

هل تقدّمتِ بشكوى، دكتورة؟

 

رباب عبد الهادي:

نعم، فورًا. عندما رأينا الرسالة، اتّصلت بمُحاميتي، وتواصلنا مع المؤسّسات القانونية. وقبلها، قبل أسبوعين أو ثلاثة، كانت النائبة إلهان عُمر قد تلقّت رسالة مُشابهة. وطبعًا، تمّ تحويل رسالتها فورًا إلى التحقيق.

فنحن أيضًا وضعنا الرسالة في ظرفٍ بلاستيكي، حتى تبقى البصمات محفوظة، وتحدّثنا مع إحدى الجهات الفيدرالية، أنا لا أتحدّث مع الـFBI، فتواصلنا مع السلطة المُختصّة بالبريد، لأن لها صلاحيات مُشابهة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI).

 

أحمد شلدان:

عفوًا، لماذا لا تتحدّثين مباشرة مع الـ FBI؟

 

رباب عبد الهادي:

لأنهم طوال اليوم يطرقون أبواب الناس ويعتقلونهم، ويزجّون بهم في السجون، من السود، واللاتينيين، وأبناء الشعوب الأصلية. يركَّبون لهم ملفّات، ويقومون باعتقالات، واغتيالات. تاريخهم غير مُشرِّف إطلاقًا. فأنا لا أريد أن أتعامل معهم، وكأننا نتعامل مع "الشاباك" أو مع "الموساد" في فلسطين.

نحن نطالب بعدالةٍ لا تتجزَّأ. فأنا لست مُسْتعدّة للتعامُل مع جهةٍ مثل هذه. لكن المؤسّسات المدنية لحقوق الإنسان قالت إنه لا بدّ من تقديم شكوى، فسألنا: مَن الأفضل؟ فكان الجواب: سلطة البريد، لأنها تملك نفس الصلاحيات، لكنها لا تقوم بكل تلك الانتهاكات.

وبالفعل، قدّمنا لهم الرسالة، وقلنا لهم أن يُحقّقوا فيها. فقالوا إن شرطة الجامعة يجب أن تبدأ التحقيق أولًا. أنا لم أقدّمها لشرطة الجامعة، لأننا واجهنا تجارب سيّئة معهم. لدينا ما لا يقلّ عن 11 شكوى موثَّقة. مثلًا، كان عندي طالب نازي في الصف، وضع 250 منشورًا على فيسبوك. قدّمنا شكاوى، وطلابي قدّموا شكاوى، حتى الطلاب اليهود الأصليون، ومع ذلك الجامعة لم تتّخذ أي إجراء. وحصلت معي مُضايقات عدّة، لكن الجامعة لم تتَّخذ أيّ إجراء. 

 

أحمد شلدان:

سنعرض دكتورة الآن هذه المشاهِد أيضًا، وهي على ما يبدو بوسترات وُضِعَت في أماكن مختلفة، تحمل صوَر الدكتورة رباب، وبعضها صوَر ومنشورات تحريضية في أماكن مختلفة من الجامعة على ما يبدو.

دكتورة، عندما رأيت هذه البوسترات، واستهداف شخصك =مباشرة، كيف شعرت؟ هل شعرت بالخوف أو التردّد؟

 

رباب عبد الهادي:

طبعًا شعرت بالخوف. أولًا، صُدِمْت. تعلم كيف شعرت؟ كأنني تلقّيت صدمة. لماذا؟ ما هذا؟ اكتشفنا أن شابًا من طلابنا، ليس فلسطينيًا حتى، طالب من جزر المحيط الهادئ، مُناضل مع الطلاب الفلسطينيين وطلاب آخرين، رأى البوستر وبدأ بتمزيقه. طبعًا طلابي تحدَّثوا معه، وقلت لهم: دعوه، دعوهم يصوّرونه أولًا. فصوَّروا كثيرًا، وبعد ذلك اكتشفنا أنهم وضعوها في عشر جامعات أخرى، مع زملاء لي. كانت حملة كبيرة من ديفيد هورويتز، وهو شخص معروف بعدائه للإسلام، وهناك تقارير باحثين عنه، ومؤسّسات مدنية.

القضية: ماذا فعلت الجامعة؟ أولًا، أنا تأثّرت كثيرًا، ثم الطلاب تأثّروا أيضًا، لأنهم وضعوا أسماءهم، وسمّونا "جو هيترز". 

 

أحمد شلدان:

لم يكن التهديد موجَّهًا للدكتورة رباب فقط، بل أيضًا لطلابك؟ 

 

رباب عبد الهادي:

وضعوا أسماء الطلاب، بالأسماء، وهم يتعاملون مع مؤسّسة إسمها "كناري ميشن"، وهي تضع أسماء الناس وعناوينهم. قبلها بفترة، لا أذكر كم شهر، وضعوا أسماء الطالبات وعناوينهن. بهذا الشكل، يصبح أصحاب هذه العناوين مُعرّضين للقتل والخطر.

 

أحمد شلدان:

هل حصل لأحد من الذين وُضِعَت أسماؤهم وعناوينهم أن تعرَّض للخطر؟

 

رباب عبد الهادي:

نعم، إحدى الفتيات تواصلوا معها بالهاتف وهدَّدوها بأمورٍ كثيرةٍ، وتحدَّثوا معها في مكان عملها، وطالبوا بطردها من العمل. 

=على فكرة، البوسترات وُضِعَت أربع مرات في جامعتنا، ونحن قدّمنا شكاوى حتى لشرطة الجامعة. وادَّعت الإدارة أنهم سيحقّقون، لكنهم لم يفعلوا شيئًا. قالوا إنهم أزالوا كل البوسترات، ثم اكتشفت بوسترات لا تزال مُعلّقة. في الحقيقة، الطلاب هم مَن أزالوها، الجامعة لم تفعل شيئًا.

حتى عندما ظهرت بوسترات أكثر، وأصبحت عُنصرية، قالوا: "نحن سنُبقي هذه البوسترات لأننا عندما كانت ضدّ رباب عبد الهادي لم نتدخّل، فيجب أن نحافظ على حرية التعبير".

 

أحمد شلدان: 

حتى لو كانت حرية التعبير هذه تهديدًا بالقتل. 

 

رباب عبد الهادي:

تمامًا. هذا تحريض على العُنف. السؤال: لماذا تتركون مثل هذه الأمور تحدُث؟ نحن داخل حَرَم جامعي، مكان مُخصَّص للتعليم، علينا أن نعلّم الناس ليكون هناك تسامُح وتفاهُم بين الشعوب، وأن يعرف الناس بعضهم بعضًا. نحن نريد من الناس أن يفهموا، لأن الجو محقون ضدّ العرب والمسلمين والفلسطينيين. من هنا، أسَّسنا البرنامج الأكاديمي، ليكون دائرة تعليمية تشرح ما يحصل. إنْ لم يفهموا، يبقون في الجهل، والجهل يؤدّي إلى العُنصرية والعُنف.

 

أحمد شلدان:

من الواضح أن الأمر لا يتوقّف عند البوسترات والصوَر، دكتورة رباب. سنستمع الآن، مشاهدينا، إلى تسجيلين صوتيين على ما يبدو يحتويان على رسالةٍ مباشرةٍ للدكتورة رباب. 

 

(تسجيل صوتي)

 

أحمد شلدان:

دكتورة، التسجيلان الصوتيان يبدو أنهما يحتويان على رسالةٍ مباشرةٍ موجّهة لك. 

ما قصّة هذين التسجيلين؟ كيف وصلاكِ؟ وما كان ردّ فِعلك؟

 

رباب عبد الهادي:

كان لدينا في المكتب جهاز تسجيل، لكنه لا يعمل. طلبنا مرارًا من القسم التكنولوجي في الجامعة أن يصلحوه. وبعد أن أصلحوه، أردنا أن نسمع إن كانت هناك تسجيلات، ربما أشخاص دعونا لنشاطات، أو يطلبون شيئًا. فوجدنا هذين التسجيلين. أحدهما يقول: "اليهود سيعيشون والمسلمون سيموتون". كرّرها أكثر من مرة. لعلّنا لم نسمع بوضوح، لكنه قال: "المسلمون سيموتون". وهي نفس العبارة التي قالها الشخص الذي قتل الطفل وديع فيومي، عندما طعنه 28 مرة وقال: "Muslims will die". الشخص في التسجيل يقول العبارة نفسها، وتركها لي على جهاز الرسائل.

أما التسجيل الثاني، فيقول فيه إن "اليهود هم السكان الأصليون، ورباب عبد الهادي دخيلة"، أو كما قال: "مُتدَخّلة، دخيلة على هذه البلاد". أعتقد أن السبب وراء ذلك يعود إلى أن عميدة الجامعة الأكاديمية أطلقت سلسلة عن الأعياد الدينية، ولم تذكر عيد الفطر أو رمضان، بينما أدرجت أعيادًا يهودية صغيرة، وذكرت عيد استقلال إسرائيل، وقالت إنه عيد لليهود. عندما رأيت ذلك، صُدِمْت، وكتبت لها عدّة مرات، ثم كتبت رسالة لزملائي في الكلية، وقلت إن هذا الكلام غير مقبول، إنه عُنصري. ومن المُعيب أنه بعد كل هذه السنوات من التدريس، يبدو أن الجامعة لم تتعلّم. وهي العميدة نفسها تُدرِّس دراسات "القرون الوسطى"، كان من المُفترض أن تكون على دراية بما يُعلّمه الإسلام في تلك الفترة. لم تفعل شيئًا. 

نظّمنا تظاهرات، وذهبنا إلى المجلس الأكاديمي في الجامعة، وطالبنا بتغيير الوضع، وأنه من غير المقبول تجاهُل عيد الفطر أو رمضان، وهما مناسبتان مهمّتان جدًا. بعد ذلك، قاموا بتعديل الأمر، لكنها غضبت كثيرًا. ويبدو أن البعض أيضًا اعترض وقال: "ما يُسمّى بأعياد المسلمين"، وربما كانت هذه التسجيلات ردًا على هذا الموقف.

القضية الثانية، أن رئيس الجامعة أصدر بيانًا قال فيه: "نرحّب بالصهاينة في الجامعة". أنا شعرت أن هذا أمر غير معقول. 

 

أحمد شلدان:

بالصهاينة أم باليهود؟ ما المُصطلح الذي استخدمه؟

 

رباب عبد الهادي:

نعم، قال "صهاينة". لا توجد لدينا مشكلة مع اليهود إطلاقًا. نحن دائمًا نتعامل مع اليهود في فلسطين. لم تكن هناك مشكلة أبدًا. المشكلة مع الصهيونية.

 

أحمد شلدان:

هو يقول نرحِّب بالصهاينة.

 

رباب عبد الهادي:

نُرحِّب بالصهاينة في الجامعة. عندما قرأت التصريح، لم أصدِّق للوهلة الأولى، ثم تأكّدت، فكتبت أيضًا رسالة لزملائي في الكلية، وقلت إن هذا إهانة، ليست فقط للعرب والفلسطينيين والمسلمين في الجامعة، بل أيضًا لزملائنا اليهود الذين يرفضون أن تتحدَّث إسرائيل باسمهم، ويرفضون الصهيونية، ويرفضون كل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل.

هؤلاء اليهود ليسوا عُنصريين، بل هم حلفاؤنا في تحرير فلسطين، وفي الوصول إلى مجتمع مُتسامِح يعيش فيه الجميع بحرية واحترام. لذلك غضبوا كثيرًا، وردّ الصهاينة كذلك. هناك طلاب يهود شكّلوا منظّمة اسمها "يهود ضدّ الصهيونية"، ودراسات المرأة أصدرت بيانًا ضدّ رئيس الجامعة، وكذلك منظّمة "صوت السلام اليهودي"، والطلاب الفلسطينيون كتبوا رسائل، والجميع أصبح ضدّ رئيس الجامعة. وكتب الطلاب على الأرض بالطباشير: "الصهيونية مرفوضة في هذه الجامعة"، واعتبروا أنني ضدّ السامية لأنني أرفض الصهيونية.

 

أحمد شلدان:

هذه الاتّهامات، دكتورة، هل أثّرت على مسارك الأكاديمي؟ على مسارك في التدريس؟

 

رباب عبد الهادي:

طبعًا. كلما وقعت حملة من هذا النوع، أفكر: هل أتكلّم أم لا؟ المشكلة أنه إنْ لم أتحدّث، فكأنني أُقرّ بما يُقال، وإذا تحدّثت، فإن الردّ يأخذ وقتًا طويلًا مني، وهو وقت ليس جزءًا من البرنامج الأكاديمي ولا من عملي. عملي أن أدرِّس ثلاث مساقات، وأعمل بنسبة 100%: 60% تدريس، 20% بحث، و20% خدمة للجامعة، أي المشاركة في المؤتمرات والأنشطة والتعقيب على الأوراق إلى آخره.

أما إدارة البرنامج، فلا أتقاضى عليها أيّ تعويض، لأن الجامعة ترفض منحي أيّ مقابل، ولا حتى تُجْبرني على تدريس ثلاث مساقات. لا مشكلة لديهم أن أدرّس ثلاث مساقات كل فصل. هذا نوع من العِقاب لأن الجامعة لا تريد للبرنامج أن يستمر.

 

أحمد شلدان:

كم مساقًا تُدرِّسين في البرنامج، دكتورة رباب؟

 

رباب عبد الهادي:

ثلاث. أُدرّس ثلاث مساقات كل فصل. مديرو البرامج الآخرون يُدرِّسون مساقًا واحدًا، وأحيانًا لا يُدرِّسون. أما أنا فأُضطر لتدريس ثلاث مساقات مختلفة، لا يمكنني تكرار نفس المساق، لأنه لا يوجد غيري. ولو كرَّرت المساقات، لما تمكّن الطلاب من التخرُّج بتخصّص البرنامج، أي أن البرنامج سيموت.

 

أحمد شلدان:

واضح، دكتورة. ما شاء الله، نشاطك مُتنوّع في الجامعة. ومن ضمن النشاطات، أنتِ تتصدّرين موضوع المُقاطعة داخل الجامعة. بعض الناس يظنّ أن المُقاطعة تعني فقط التوقّف عن شراء الطعام أو الشراب من شركات تدعم الاحتلال الإسرائيلي، لكن يبدو أن مفهوم المُقاطعة أوسع. داخل الحَرَم الجامعي، ماذا كان بالنسبة للدكتورة رباب عبد الهادي مفهوم المُقاطعة؟ وكيف عزَّزته وشاركت فيه؟

 

رباب عبد الهادي:

في الحقيقة، المُقاطعة لا تقتصر على الجامعة التي أُدرِّس فيها فقط، بل أنا مُنْخرطة في المُقاطعة على مستوى الولايات المتحدّة كلها. أنا من بين الأشخاص الذين بادروا إلى تشكيل الحملة الأميركية للمُقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل. وهذه نقطة خلاف كبيرة بيني وبين الصهاينة، إذ يُكرِّرون دائمًا أنني من بين مؤسّسي مجموعة "USACBI"، أي الحملة الأميركية لمُقاطعة إسرائيل أكاديميًا. ولهذا لديهم مشكلة معي.

نحن نطالب بمُقاطعة جميع المؤسّسات الأكاديمية الإسرائيلية المُرتبطة بالدولة. هذه المؤسّسات تمنح جوائز للطلاب الذين يشاركون في الجيش الذي يقتل شعبنا في غزّة، وتدعم الجامعات التي يجلس فيها الطلاب إلى جانب بنادقهم. هم يدعمون المؤسّسات التي تفصل الطلاب العرب عندما يُنظّمون أنشطة في الجامعات الإسرائيلية. ويدعمون الجامعات التي تُجري أبحاثًا لتطوير وسائل التجسّس، وأساليب التنصّت، وأساليب التحقيق والاعتقال والتعذيب النفسي. الجامعات الإسرائيلية جزء لا يتجزّأ من الدولة الصهيونية. وهي أصلًا مبنية على أراضٍ فلسطينية مسلوبة. مثلًا، جامعة تل أبيب مبنية على أرض قرية "الشيخ مؤنس".

نحن إذًا نقاطع أولًا الجامعات الأكاديمية، ونقاطع كل مؤسّسة أكاديمية صهيونية ترتبط بالدولة الصهيونية. ونقاطع أيضًا المشاريع الثقافية مثل فرقة "باتشيڤا" للرقص وغيرها، التي ترتبط مباشرة بهذه المنظومة.

 

أحمد شلدان:

==دكتورة، تقولين "نحن"، مَن أنتم بالضبط؟ 

 

رباب عبد الهادي:

الحملة الأميركية لمُقاطعة إسرائيل أكاديميًا.

 

أحمد شلدان:

مَن هم أعضاء هذه الحملة؟

 

رباب عبد الهادي:
هي حملة تضمّ أساتذة ومُثقّفين من خلفيّات متنوّعة. فيها فلسطينيون، وأفارِقة أميركيون، وسكان البلاد الأصليون، ولاتينيون، وآسيويون، ونقابيون، ويهود مُعادون للصهيونية، ونساء ورجال من كل الأشكال والتوجّهات. هي مؤسّسة بالأساس من الأوساط الأكاديمية والثقافية، من المُثقّفين والأكاديميين.

وفيها أيضًا مَن يعملون في النقابات. مثلًا، أنا اليوم أشارك في قيادة "المحور العربي المسلم الفلسطيني" في نقابتنا الأكاديمية، وهي النقابة التابعة لجامعتنا، التي كما قلت لك هي أكبر جامعة في ولاية كاليفورنيا، وفي الولايات المتحدة عمومًا. وقد أصدرنا قرارًا بأن تُصْرَف كل أموال الضرائب على التعليم، لا على الاحتلال والحروب.

نحن في هذا المحور قدّمنا اقتراحًا للنقابة في مؤتمرها بالفصل الماضي، وأقرّت النقابة بالكامل هذا الموقف. ونحن نطالب بسحب استثمارات الجامعات من كل الشركات التي تُنْتِج الصناعات الحربية، أو تدعم الاحتلال الإسرائيلي، أو حتى تبيع مُنتجات مثل الحمّص أو الكولا التي ترتبط بأيّ شكل من الأشكال بإسرائيل أو بالصناعات العسكرية أو بما يضرّ الإنسان.

أنا أيضًا أعمل مع الحركات البيئية، ومع حركات المرأة، ومع حركات الطلاب. والحركة تنتشر =بسرعةٍ كبيرةٍ جدًا. ولهذا، ورغم كل الهجوم الذي أتعرّض له، فهم في الحقيقة يواجهون مشكلة حقيقية، لأن حركة التضامُن مع الشعب الفلسطيني تتّسع بشكلٍ هائل، مثل النار التي تنتشر.

 

أحمد شلدان:

في هذه النقطة، دكتورة، حِراك الجامعات الذي انتشر في الجامعات الأميركية، من المؤكَّد أن لكم دورًا فيه بشكل أو بآخر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تراجع هذا الحِراك؟ لم يعد كما كان في بداياته؟

 

رباب عبد الهادي:

أنا لا أقول إنه تراجع، بل إن صورته العلنية في الشارع هي التي خفَّت قليلًا. لا تنس أن للجامعات موسمًا مُحدّدًا. يبدأ الفصل الدراسي في شهر سبتمبر/ أيلول حتى ديسمبر/ كانون الأول، ثم تأتي عطلة الشتاء، التي يسمّونها كذلك بدلًا من تسميتها عطلة الميلاد تجنّبًا للدلالة الدينية. ثم يبدأ فصل الربيع في أواخر يناير/ كانون الثاني، وتأتي بعدها عطلة الربيع، وهي أساسًا عطلة عيد الفصح. ولا توجد عطلة لرمضان أو الإفطار، ولا يُسْمَح بأيام إجازة تلقائية، بل يتعيَّن على الطالب طَلْب إذن مُسْبَق إذا أراد أن يأخذ يومين أو ثلاثة.

بعد ذلك، نصل إلى نهاية مايو/ أيار، وتبدأ حفلات التخرُّج عادة في أواخر مايو أو أوائل يونيو/ حزيران، وهنا تُغلق الحركة الطلابية في الجامعة تقريبًا. ولذلك، رأينا أن كل المُخيّمات التي نظّمها الطلاب كانت في هذا الإطار الزمني. والكثيرون لم يلاحظوا أن الطلاب أطلقوا عليها إسم "مُخيّمات"، في إشارة إلى المُخيّمات الفلسطينية ومُخيّمات اللجوء.

 

أحمد شلدان:

دكتورة، الفكرة باتت واضحة. نودّ منكِ مُداخلة أخيرة، بالنظر مباشرة إلى الكاميرا، وتوجيه رسالة في دقيقة، توجّهين رسالة إلى شخصٍ ما، أو إلى جهةٍ ما، إلى مَن تريدين، تختارين مَن تُخاطبينه، وتُعبّرين له بجملةٍ قصيرةٍ عمّا تريدين قوله. مَن يخطر في بالك؟ كائنًا مَن كان، تفضّلي ووجّهي له هذه الرسالة.

 

رباب عبد الهادي:

رسالتي إلى شعبنا الفلسطيني العظيم، وشعبنا اللبناني العظيم، وشعوبنا العربية، ولليمن، وللصامِدين في الوطن: نحبكم، نحبكم، نحبكم. ونبذل كل ما في وسعنا، حتى يكون جزءًا بسيطًا جدًا من التضحيات التي تقدّمونها. وسنكون دائمًا، دائمًا، دائمًا معكم، ونتضامن معكم، ونقف إلى جانبكم، حتى تستمرّوا في هذه التضحيات العظيمة التي تبذلونها. لأننا جزء لا يتجزّأ منكم، لأننا سننتصر، وسننتصر معًا، بإذن الله. ونشكركم على كل تضحياتكم.

 

أحمد شلدان:

إن شاء الله تكون هذه الرسالة قد وصلت إلى كل الشعوب العربية، والشعوب الحرّة، وتحديدًا إلى الشعب الفلسطيني، في عموم فلسطين، وفي قطاع غزّة خصوصًا. 

جزيل الشكر لكِ على هذه المشاركة خلال هذه الساعة من حلقة الفودكاست. الأستاذة الدكتورة رباب عبد الهادي، كنتِ معنا طوال الحلقة، شكرًا جزيلًا لكِ....

 

رباب عبد الهادي:

شكرًا لك.

 

أحمد شلدان:

مشاهدينا الكرام، إلى هنا تنتهي هذه الحلقة من الفودكاست. في أمان الله، وإلى اللقاء.