إياد جمال الدين - رجل دين عراقي

نص الحلقة

 

 

محمد زيني:

أهلًا بكم مشاهدينا إلى حلقة جديدة من "فودكاست".

ضيفنا اليوم هو السيّد إياد جمال الدين، رجل دين عراقي ومُفكّر ليبرالي يدعو إلى فصل الدين عن الدولة.

درس العلوم الدينية في الحوزة العلمية في النجف وقُمْ، وكان نائبًا في مجلس النواب العراقي بين عامي 2005 و2010.

دعا مرارًا السيّد جمال الدين إلى قيام دولة مدنية في العراق تفصل الدين عن السياسة.

معروف أيضًا بمواقفه الجريئة وتصريحاته القوية ضدّ بعض الأحزاب والتيّارات الإسلامية.

لديه شعبية بين التيّارات الليبرالية والعلمانية، على العكس من بعض الأحزاب الإسلامية، وذلك بسبب آرائه الصِدامية، كما يصفه مُنتقدوه.

يوجّه السيّد إياد الكثير من الانتقادات للغرب في بعض القضايا، خاصةً في ما يتعلّق بسياساته الخارجية تجاه المنطقة، ويحمّله جزءًا من المسؤولية عن الفوضى في الشرق الأوسط.

مرحبًا بك سيّد إياد جمال الدين في فودكاست الميادين، نورّتنا.

 

إياد جمال الدين:

أهلًا وسهلًا، حيّاك الله.

 

محمد زيني:

سيّد إياد، لو نبدأ من إياد جمال الدين، كيف نشأ؟ أين نشأ؟

في العراق، أظنّ أنك نشأت في مح... ليس أظنّ، عفوًا، نشأت في محافظة النجف، أنا مُتأكّد من هذه المعلومة.

لكن السؤال: كيف أثّرت النجف في نشأة وتكوين شخصية مثل السيّد إياد جمال الدين؟

 

إياد جمال الدين:

==شكرًا لك، السلام عليك وعلى ضيوفك، يعني المشاهدين الكرام.

قبل أن أنسى، أنا ضدّ الليبرالية ولستُ ليبراليًا. نعم، أدعو إلى دولةٍ عِلمانية، ولكن الليبرالية مفهوم آخر، ربما نتعرّض له في سياق هذه الحلقة.

طبعًا وُلِدْت في مدينة النجف الأشرف، ومن أسرةٍ دينيةٍ علمية، يكثُر فيها الفُقهاء والأدباء والشعراء.
وهي مدينة، النجف، مدينة أحبّها. طبعًا، كل إنسان يحبّ مسْقِط رأسه ويحنّ له.

وعندي مقياس لكل مدينة زُرتها في العالم، أقيسها بالنجف: العوالِم التي وصلتها—وليس جميع المدن زرتها—عُمرانيًا أفضل من النجف بكثير، النجف مدينة مُتواضعة عُمرانيًا، ولكن ثقافيًا وأدبيًا وشعريًا وفكريًا وفلسفيًا، الحجم كبير، النجف مدينة صغيرة الحجم، كبيرة المعنى، جدًا.

أنت في كل زاوية من زوايا النجف، تجد فَقيهًا، مُحدّثًا، مُفَسِرًا، فيلسوفًا، شاعرًا، أديبًا، ناقِدًا. مدينة، حتى غير أهل العِلم—يعني بقّال، قصّاب، سائق تكسي، أيًّا كان—تجده أديبًا. مدينة تُنْتَج الشعر وتُنْتَج الأدب، إضافةً إلى مكارِم الأخلاق.

==لا أُبالغ إذا قلت، بل بالتأكيد، يوميًا، على مدار السنة في النجف، يوجد إطعام عام. يعني، أحد من أهالي النجف، اليوم أنا، غدًا فلان، بعد غد فلان... يوميًا هناك عزيمة، أو كما نُسمّيها في النجف: "عزيمة أمْ تعزية"، يُصعد فيها خطيب، يعني كل الناس في بيوتهم يعملون، ليس فقط في موسم مًحرّم وصَفَر وعاشوراء، لا، على مدار السنة، بعض الناس لديهم عادة أن يُقيموا مجلسًا كل أسبوع، بعضهم كل شهر، بعضهم كل سنة، بعضهم كل ستة أشهر. الذي يذهب إلى الحجّ، الذي يأتي من السفر، لا بدّ من أن يُقيم مجلسًا حُسينيًا في بيته، ومن ثم إطعامًا عامًا.

ولذلك، النجف تمتاز بكثرة المجانين—وهم ليسوا من أهل النجف. هذا سابقًا، الآن لا أعرف كيف صارت الأوضاع. سابقًا، كل شخص لديه مشاكل عقلية أو نفسية، لا يُرسله أهله إلى مستشفى المجانين—التي هي واحدة في العراق، من زمن الملكية، معروفة بـ"الشماعية"—لأن السجن أرحم منها. ولذلك لا يستطيعون رعاية هذا إبنهم أو قريبهم المجنون، فيُرسَل إلى النجف.

 

محمد زيني:

لماذا سيّد؟

 

إياد جمال الدين:

يقولون لك: في النجف لا يموت من الجوع، لأن يوميًا هناك إطعام، يوميًا، حتى كان هناك مقهى يُسمّونها "حامضة"، أيام العباسيين. الذين يذهبون إلى عزائم الناس من دون دعوة يُسمّون "اللّمضة"، انقرضت في الحضارة العباسية، ولكن بقاياها كانت موجودة في النجف، الآن أيضًا انقرضت.

هؤلاء كانت لديهم قوائم: اليوم بيت زيني عندهم عزيمة، اليوم بيت فلان عندهم مجلس... يوميًا، يوميًا. ولذلك، لا يموت فقير جوعًا في النجف، ولا مجنون. فأيّ شخص فقير الحال، أو مجنون، يُرسله أهله إلى النجف، ويقولون هناك يعيش، وبالفعل يعيش. وهذه من بركات أمير المؤمنين، سلام الله عليه.

إضافةً إلى صفتين عند النجفيين: الشجاعة والكرم. صفة أخرى، أهل النجف لا ينتمون إلى الأحزاب السياسية عادةً، إما أن يصبح رئيس حزب، أو لا تكون له علاقة. يعني، عنده شخصيّة قيادية، النجفي. إضافةً إلى مجالس الأدب، مجالس الشعر، مجالس الفُقه... يعني حتى لو لم يكن الإنسان طالب عِلم، أينما التفت، يجد مجلسًا، لا تخلو منه الأرض، حقيقة.

 

محمد زيني:

حتى أول ثورة، سيّد، في خان النصّ، في أواخر السبعينات، قام بها أهالي النجف، أليس كذلك؟

 

إياد جمال الدين:

نعم، أنا كنت أيضًا أحد المشاركين فيها. عام 1977، في الشهر الثاني على ما أذكر، شباط 1977. هي تدرّجت، يعني لم تكن مُفاجئة.

أول ما جاء البعثيون إلى السلطة عام 1968، كان يُذاع مقتل الحسين، سلام الله عليه، في الإذاعة العامة، وهذا بدأ من أيام ثورة عبد الكريم قاسم. يعني عندما وصل عبد الكريم قاسم، بدأ يُذاع مقتل الحسين عليه السلام، بصوت الشيخ عبد الزهر الكعبي، رحمه الله، واستمر إلى عام 1968.

ثم بدأ البعثيون، في أول مجيئهم—طبعًا من سنة 1968 إلى سنة 1980—صدّام والبكر. طبعًا البكر رحل قبل الثمانين، وكان صدّام هو القائد الحقيقي، والبكر واجهة فقط، لأن صدّام في ذلك الوقت كان شابًا عُمره ثلاثون أو إحدى وثلاثون سنة، ولا يحمل رتبة عسكرية. البكر كان رجلًا كبير السن، فلذلك جعلوه واجهة، مثل محمد نجيب في مصر: القائد الحقيقي جمال عبد الناصر، ومحمد نجيب واجهة. كذلك في العراق، القائد الحقيقي كان صدّام.

صدّام في ذلك الوقت كان عِلمانيًا، اشتراكيًا، وكان ليس فقط ضدّ الشعائر الحسينية، بل مع إجبار الناس على التجرّد من كل القِيَم الدينية والعشائرية. مثلاً: العراق بلد عشائري. صدر قرار من مجلس قيادة الثورة، أوائل السبعينات، بمنع ذِكر اللقب، فقط الإسم الثلاثي، فقط، وأُلغيت كل الألقاب من سجّلات النفوس.

لماذا؟ لأن عقل صدّام كان يرى أنه لا بدّ من إلغاء المجتمع العراقي كله: العشائر، المؤسّسات الدينية، التجمّعات... كله بعث، بعث، بعث. شعارهم: "موتٌ للرجعية". اختفى "العِقال".  الناس كانوا يلبسون عِقالًا في العراق، نعم. الزيّ العادي، من الجنوب إلى الشمال، يلبسون العِقال.
الأكراد يلبسون "كراوية" أو العمامة. المُعمّمون موجودون. وكان هناك "أفندية"، أي موظّفو الدولة.

صدّام أصدر أمرًا—لا أعلم إنْ كان هذا الكلام يُعجبك أو لا، يعني...

 

محمد زيني:

لا لا، بالعكس، نحن نتعرّف عليك، وعلى أبرز تلك المحطّات المهمّة التي كوّنت شخصية السيّد إياد جمال الدين.

 

إياد جمال الدين:

صدّام، كان السائقون—يعني عندما تذهب إلى بغداد، تركب سيارة مرسيدس من نوع "18 راكباً"، كانت هذه وسيلة النقل العامة— كل السائقين في العراق كانوا يلبسون دِشْداشة وعِقالاً، لأن هذا هو الزيّ الطبيعي. صدّام أصدر أمرًا: ممنوع على أيّ سائق أن يلبس دِشْداشة وعِقالاً. 

أتذكّر كنا نذهب أحيانًا إلى بغداد، وكان السائق مسكينًا، لا يعرف كيف يلبس بنطالًا، يختنق. العراقي، ماذا يفعل؟ يلبس دِشداشة وعِقالاً، لكن عندما يصل إلى "السيطرة"—أي نقطة التفتيش—يُدْخِل الدشداشة داخل البنطال.

 

محمد زيني:

تصير كأنها قميص،

 

إياد جمال الدين:

ويشدّ الحزام فوقها، ويُلقي بالعِقال جانبًا. يعني، عذّب الناس، إلى أن أجبرهم على ارتداء اللباس الأوروبي الغربي: البنطال.

 

محمد زيني:

=طيّب، سيّد، تلك المحطّات أسهمت في تكوين شخصية كالسيّد إياد جمال الدين.

سيّد إياد، ما هو السبب في كونك جريئًا؟ جريء جدّاً في انتقاد بعض الأمور السلبية.

هذا كوَّن لك بالتأكيد الكثير من الأعداء. كيف تعاطيت وتتعاطى مع التهديدات أو الانتقادات؟

وأيضًا، تلك الجُرأة في طروحات السيّد إياد جمال الدين، ما هو الثمن الذي دفعته مقابل ذلك؟

 

إياد جمال الدين:

أتصوّر أنني ربحت. أنا ربحت نفسي. أن الإنسان، لا يكون مُنافِقًا، أن يكون صادِقًا مع نفسه، صادِقًا مع الناس، صادِقًا مع الله سبحانه وتعالى، هذا هو الأهمّ. الصراحة والصدق يجعلانك مُرتاحًا. النِفاق والكذب يجعلان الإنسان جبانًا، مُتردّدًا، ويحسب ألف حساب حتى لا يخسر.

أمير المؤمنين، سلام الله عليه، يقول: "ما ترك لي الحقّ من صديق". أنا لا أستطيع أن أقول "ما ترك لي الحقّ من صديق"، ولكن أشكر الله سبحانه وتعالى أنه رزقني الصدق. أن تكون صادِقًا، حتى لو عاداك الناس، أو بعض الناس، أو بعض القوى السياسية. ولكن، أنا ربحت نفسي، لم أكذب يومًا في حياتي قط.

نعم، لا أقول كل ما أعرف، يعني، أخفي جزءًا من الحقائق التي أعرفها، وهذا حقّي، حقّ كل إنسان ألّا يقول أو يبوح بكل ما يعرف. ولكن، كل ما أقوله فأنا صادق فيه، لا أكذب.

 

محمد زيني:
سيّد، ندخل إلى قضية الليبرالية، لأنك في البداية احتججت، طبعًا، أنت مُعرَّف في الكثير من المواقع على أنك "ليبرالي"، وأنت الآن تنفي هذا الشيء.

هذا جيّد. نريد منك توضيحًا: ما هي مشكلة السيّد إياد جمال الدين؟ أو ما هي ملاحظات السيّد إياد جمال الدين على مبدأ الليبرالية؟

 

إياد جمال الدين:

الليبرالية تختلف عن العِلمانية. الليبرالية، بالمفهوم الحديث الغربي، هي الحرية الشخصية،
وقد اختُزِلَت، وطبعًا، اعتُبِرَت كآلة وأداة ووسيلة لتدمير الأسرة، وتدمير المجتمع، وتمرُّد الأبناء على الآباء، وتمرُّد الزوجة على زوجها. هذا ما نراه الآن في المجتمعات الغربية كلها. هذه هي الليبرالية الغربية التي رفعت رايتها أميركا بديمقراطيّتها وجمهوريّتها، وأنفقت مليارات الدولارات لنشرها.

الليبرالية دين، دينٌ أشدّ خطرًا من الإلحاد، الإلحاد أفضل بكثير، أهون، وأخفّ ضررًا. الليبرالية، أنفقت أميركا مليارات الدولارات لتعميم دين الليبرالية. ترامب ضدّ الليبرالية، وهو الذي أوقف هذه الكارثة على البشرية، كارثة الليبرالية التي تهدف إلى إلغاء كل الأديان، ليس الإسلام فقط.

الليبرالية أداة للدولة العميقة في أميركا لتدمير كل المجتمعات في العالم، وتحويل المجتمعات إلى أفراد: كل فرد هو ربّ، هو ==إله. كل فرد، لا أمّ يحترمها، ولا أب، ولا أسرة، ولا عشيرة، ولا دين.
وأيّ تجمّع بشري يُلغى. يُفكّر بحرية مُطْلَقة: "أنا، وليذهب العالم إلى الجحيم".

 

محمد زيني:

طيّب، سيّد، يبدو أن لديك موقفًا إيجابيًا من الرئيس ترامب. هل هذا الفَهْم دقيق؟

 

إياد جمال الدين:

جِدًّا إيجابي، نعم. يعني، في هذا الجانب، أجمع المسلمون في أميركا، والشيعة قاطِبةً، كلهم انتخبوا ترامب، لسببٍ بسيط: أن كل الناس لديهم أولاد وعوائل وأطفال.

هل تعلم، عزيزي، أن الحكومة الأميركية تُنْفق مليارات الدولارات على تحويل جنس الأطفال؟ طفل في المرحلة الإبتدائية، تسأله المُعلّمة: "هل تُحب أن تكون فتاة أمْ ولدًا؟"، هو ولد، طفل عُمره ست سنوات، إذا قال: "أريد أن أكون فتاة"، المُعلّمة، من دون الاتصال بوليّ أمره، تتواصل مع مديرة المدرسة، ومديرة المدرسة تتصل بالمستشفى، وتُجرى له عمليات ضخّ هرمونات حتى يصبح فتاة.

 

محمد زيني:

فتاة، نعم، من دون عِلم وليّ الأمر؟

 

إياد جمال الدين:

نعم، من دون تدخّل وليّ الأمر. يعني دون الإبتدائية—ثلاث سنوات، أربع سنوات— يُقيّمون =أنشطة، وتقوم إدارة روضة الأطفال، مدفوعة بتمويل حكومي، بإحضار نوعين من الشوّاذ: هناك نوع من الشوّاذ لشخص منحرف فقط لنفسه، يقول: "هذه حريّتي"، هناك نوع آخر يبيع جسده. رجل، من دون أن يغيّر نفسه، يتظاهر بأنه امرأة.

هؤلاء يُؤتى بهم إلى رياض الأطفال، ويُعلّمون الأطفال كيف يبيعون أجسادهم، وكيف يشعر الطفل إذا فُعِل به ذلك. طفل عمره ثلاث سنوات، أربع سنوات! طبعًا، ترامب ضد هذه الأمور. والمسلمون، وكل البشر، وليس فقط المسلمون في أميركا.

 

محمد زيني:

هذه فطرة إنسانية، لكن، سيد، نحن في الشرق الأوسط، مثلاً، نرى ترامب بطريقة مختلفة. على أهمية ما تتحدث به، نحن نراه كمطوّر عقاري، كما يصف نفسه، يريد أن يأخذ قطاع غزة كأرضٍ يستثمرها له، يهجّر أهالي قطاع غزة.

الأطفال الذين يُقتلون في غزة، كما يُقال، وكما هي المعلومات حتى الأميركية، يُقصفون بأسلحة ودعم أميركي، حتى من الحلفاء الأوروبيين. هناك الكثير من المشاكل: ترامب لديه علاقات متوترة مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، فرنسا، وباقي الدول الأوروبية. علاقته بحلف شمال الأطلسي متوترة.

كل هذه العوامل، أليست أيضًا مهمة؟

 

إياد جمال الدين:

نعم، هو يقول: "أميركا أولًا".  أمس قال كلامًا جدًّا دقيقًا، هو فعلاً رجل أعمال، ومن ينجح كرجل أعمال في نيويورك يستطيع أن ينجح في أي مجال آخر، ليس لها علاقة بالسياسة، وخارج الجسم السياسي، وهو الرئيس الوحيد الذي لم ينتفع من منصب الرئاسة، أي عندما كان رئيسًا سابقًا، بين 2016 و2020، كل رئيس أميركي يدخل إلى البيت الأبيض، يدخل بميزانية معه مليون دولار، مليونان، نصف مليون، لكن يخرج معه 70 مليون دولار، مع أنّ راتب الرئيس الأميركي بسيط وفق المقاييس الأميركية، 400 ألف دولار بالسنة، أوباما خرج بـ75 مليون، كلينتون خرج بـ256 مليون تقريبًا، ترامب الوحيد الذي خسر، ترامب جاء بثروته، خاض الانتخابات. 

ترامب عنده أميركا أولاً. أمس قال كلمة دقيقة جدًا، ومريرة، قال "الكل استفاد من أميركا، لكن أصدقاؤنا مصّوا دمنا أكثر من أعدائنا. أعداؤنا لم يضرّونا كثيرًا، الذين يتظاهرون بأنهم أصدقاء أميركا، هم الذين استنزفوا طاقة أميركا".  

 

محمد زيني: 

المقصود الأوروبيون؟

 

إياد جمال الدين: 

الأوروبيون، الكنديون، الإسرائيليون. هو لا يذكر اسم "إسرائيل"، لأن مشكلته ليست مع إسرائيل. إسرائيل، يقول: "هي ضد العرب، فما شأني بالعرب؟ أنا يهمني أميركا".  مشكلته مع "يهود أميركا"، ترامب. وهو يريد أن يستعين بإسرائيل ضد "يهود أميركا". هو يريد أن يتخلّص... يعني هذا فهمي أنا. ولم أقرأه عند أحد، ولم أسمعه من أحد، هذا فهمي الخاص، من قبل أن يترشّح للرئاسة. هذا شخص ضد اليهود.

 

محمد زيني:

آه...

 

إياد جمال الدين:

بلا شك. بالنسبة لي، بلا شك، هو ضد اليهود، لعدة أسباب. ليس هذا تكهّنًا أو تخمينًا أو رجمًا بالغيب.

هذا رجل، أبوه ألماني، رجل عقارات، والده كذلك. وأضرب لك مثلًا: كما أن شيعة لبنان، كلهم في هذا الزمن، في هذه الفترة الزمنية، عشّاق للسيد حسن نصر الله، رحمه الله، ففي تلك الفترة، قبل أن يولد ترامب، كان كل ألماني عاشقًا لهتلر، بلا شك.

 

محمد زيني:

يعني هناك في الجينات.

 

إياد جمال الدين: 

هذا والده بلا شك من جماعة هتلر. بلا شك عندي، أنا، وإن لم أقرأ ذلك في أي مكان، ولا أملك معلومات، ولكن من فراستي وحدسي.

ترامب يريد تحرير أميركا، وقوله "أميركا أولًا" له ما بعده. أمس، أو ربما قبل يومين، أحد أعضاء مجلس النواب قدّم مشروع قانون في الكونغرس الأميركي، وهو أيضًا نائب من جماعة ترامب، حول موضوع ازدواجية الجنسية: أنه لا يحق لأعضاء الكونغرس أن يحملوا جنسية أخرى.

من الذي يملك جنسية أخرى؟ فقط اليهود. يملكون الجنسية الإسرائيلية والجنسية الأميركية.

 

محمد زيني:

هذه الفئة هي المستهدفة؟

 

إياد جمال الدين: 

نعم. وأتوقّع أن هذا القانون سيمرّ، وليس فقط على أعضاء الكونغرس، بل على الوزارات، والدوائر الحكومية، والمخابرات، وغيرها. لا يمكن أن تحافظ على سيادة أميركا وأمن أميركا وأنت مسؤول كبير يحمل جنسيتين. لا تعرف ولاءه لمن: لأميركا، أم لإسرائيل، أم لجهة أخرى؟

فهو الآن يقول لك: "أنا، من منظور أميركي، أقترب من روسيا، لأن أوروبا وحلف الناتو يستفيدون من أميركا، ويستفيدون من الخصومة الأميركية–الروسية، ويُصرّون على استمرارها". بدأوا يلطمون، طبعًا، لأنه ذكي، ترامب ليس غبيًا. هو أيضًا خاف من التقارب الروسي–الإيراني–الصيني.

لم يحدث طوال ألف سنة تقارب بين روسيا والصين، كما حدث الآن، بسبب العقوبات على روسيا. ولم يحدث تقارب روسي–إيراني، طوال ألف سنة، كما حدث في الفترة الأخيرة، بسبب العقوبات على إيران وروسيا.

فترامب، بعبقرية، قال: "أفضل شيء أن أتصالح مع روسيا، وأُبعدها قليلًا عن الصين، وأُبعدها قليلًا عن إيران. لماذا أتحمّل تبعات هؤلاء الكسالى الفاسدين من حلف الناتو ودول الاتحاد الأوروبي؟".

 

محمد زيني:

سيد إياد، كيف تُقيّم الوضع في سوريا؟ وكيف سينعكس أو كيف ربما يؤثر على العراق، إن أثّر؟

 

إياد جمال الدين:

طيب. أول ما بدأ مشروع إعادة بناء "الإمبراطورية العثمانية" كان على يد أوباما، الذي أطلق ما يُسمّى بـ"الربيع العربي"، الربيع العربي هو ربيع "الإخوان المسلمين".

سقط النظام في تونس، وسقط النظام في ليبيا، وسقط الرئيس حسني مبارك، وصمد الرئيس الأسد. صمد خمس عشرة سنة، صمد، وأخيرًا، تمكّنت تركيا من احتلال سوريا.

الآن، سوريا تخضع للاحتلال التركي، بالمعنى الحرفي لكلمة "احتلال". أما هذا "جولاني"، وذاك "مولاني"، فهؤلاء واجهات لا قيمة لهم. فهنالك احتلال تركي، وهنالك احتلال إسرائيلي، وهنالك احتلال أميركي.

الاحتلال الأميركي يعني "البنتاغون"، تحديدًا، يحمي الأكراد، ويريد لهم إقليمًا. وإسرائيل حلفاؤها الدروز، والبقية لتركيا. الخطر الحقيقي ليس على العراق، يعني، نتيجة الاحتلال التركي لسوريا لا يستهدف العراق أولًا. العراق غالبيته العظمى شيعة، وتركيا عندها تجارب طويلة عريضة مريرة. منذ أن كان هناك احتلال عثماني، كل عشر سنوات تحدث ثورة في العراق، ثورة شيعية ضد الاحتلال العثماني.

وإلى الآن، أهل بغداد يتغنّون بحمد حمد آل حمود، شيخ الخزاعل. حمد آل حمود، شيخ عشيرة عربية شيعية، دوّخ الأتراك. فالبغداديون كانوا يتغنون به: "حمد آل حمود، شيخ الخزاعل، أخدودك اللالات لالات"—يعني الفوانيس— "وربعك مشّاع"، لأنه كان شابًّا، هذا حمد آل حمود.

فالخطر الحقيقي من التغيير الذي حدث في سوريا، والاحتلال التركي لسوريا، يتوجّه نحو الأردن، نحو مصر، نحو السعودية. السعودية، في كل بيت، هناك واحد "إخواني" موجود. والآن، السعودية غاصّة بوجهاء "الإخوانجية"، مفكرين، ورجال دين، وكذا... هؤلاء كلهم يُسمّون "سجناء الرأي" في السعودية، كلهم "إخوان مسلمون"، و"خاشقجي"، هذا الذي قُطّع بالمناشير، من "الإخوان المسلمين"، هذا كلهم "إخوان مسلمين".

طلع الملك سلمان، وابنه محمد، وضربا "الإخوان المسلمين" في السعودية ضربات مزلزلة،ولكنهم إلى الآن لم يتمكنوا من القضاء عليهم. ما زالوا جمرًا تحت الرماد.

"الإخوان المسلمون" في السعودية. "الإخوان المسلمون" في الأردن، نصف الشعب تقريبًا. "الإخوان" في مصر كذلك. تركيا لن تُرسل قوات عسكرية تركية لتحتل الأردن. لا، الشعب الأردني نفسه، "الإخواني"، من الأردنيين، سيفعل ذلك.

في السعودية، لن ترى دبابات تركية تأتي لتحتل السعودية، التي هي كلها أرض مترامية الأطراف، صحارى وغيرها. لا، الشعب السعودي "الإخواني" هو مَن سيثور ضدّ الملك. كذلك في مصر، وفي غيرها.

 

محمد زيني:

سيّد، الذي ذكرته، أعتذر على المقاطعة، هذه الدول تحديدًا هي أيضًا مُهدَّدة، كانت من قِبَل الإسرائيلي بشكل صريح، عندما هدّد الأمن القومي لهذه الدول بتهجير أهالي قطاع غزّة وإفراغ قطاع غزّة.

 كان التهديد نحو الأردن: أهالي الضفة الغربية، وأيضًا أن عليها أن تستقبل من أهالي قطاع غزّة. كان التهديد نحو مصر. وأيضًا، تحدّث الإسرائيليون بصورة علنية أن هناك أراضيَ واسعة وشاسعة في السعودية، فعليها أن تُقيم هي دولة للفلسطينيين.

 

إياد جمال الدين:

نعم. بماذا تُهدّد إسرائيل؟ بماذا؟ ما هي الوسيلة التي تهدّد بها إسرائيل مصر؟ ما هي الأداة بيد إسرائيل؟ تهديد بحرب؟
لا تستطيع أن تحارب مصر. كيف تُهدّد إسرائيل الأردن؟ بماذا؟
ما هو السلاح السرّي بيد إسرائيل لكي تبتزّ الدول العربية؟ تبتزّ مصر، وتبتزّ الأردن؟

ما هو السلاح السرّي؟

السلاح السرّي هو "الإخوان المسلمون". تستقبلون الفلسطينيين؟ حسنًا، لا نحرّك الإخوان المسلمين ضدّكم".  لكن إن لم تستقبلوا، "سنحرّكهم".

ولذلك الآن، حين ترى الإعلام الموالي للإخوان المسلمين، يشتمون ملك الأردن: "ملك البندورة"،
ويشتمون عبد الفتاح السيسي: "هذا إبن اليهودية"، "هذا كذا"، بينما هم ساكتون عن إسرائيل، لا يتحدّثون عنها.

هؤلاء هم العصا الإسرائيلية الغليظة: "الإخوان المسلمون"، بل، هم ليسوا عصا إسرائيل، لأن إسرائيل لا تشتريهم بفلس. "الإخوان المسلمون" هم عصا أميركا، عصا أميركا.

كما أن إسرائيل أداة بيد أميركا، وليس العكس، كما يظنّ كثير من الناس. يتصوّرون أن أميركا خاضعة لإسرائيل—لا، ليس هكذا. إسرائيل أداة بيد أميركا، و"الإخوان المسلمون" أيضًا أداة بيد أميركا.

هذه الأنظمة العربية الموجودة، =التي تُوصَف ظلمًا بأنها عميلة، و"عميلة"... قد تكون عميلة للغرب، ولكن ليست عميلة من الدرجة الأولى. العميل من الدرجة الأولى هم "الإخوان المسلمون".

أميركا وإسرائيل تهدّدان مصر، ليس بالعقوبات الاقتصادية، ولا بالحرب، ولا بالاحتلال، ولا بالغزو—لأنهم لا يقدرون على مصر. يهدّدونها بأنهم "سنحرّك شعبك"، الخلايا النائمة من "الإخوان المسلمين"، "ونسقط النظام".

يهدّدون إبن سلمان بماذا؟ بأنهم سيأتون ويحتلّون السعودية؟ السعودية كلها صحارى وأراضٍ مترامية الأطراف، لا—بل: "نُحرّك شعبك"، "الإخواني" من السعوديين.

 

محمد زيني:

كيف يمكن أن تُقيّم التجربة، ما وصلتم إليه في العراق اليوم؟ يعني الآن، عندما تزور بغداد، هناك حملة إعمار مهمّة. هناك قبول شعبي عن أداء هذه الحكومة.  أداء الطبقة السياسية، صحيح، لا يبدو مُقْنِعًا للبعض، لكن للبعض الآخر يبدو مُقْنعًا.

هل هذا ما طمحتَ إليه بعد العام 2003؟

 

إياد جمال الدين:

هناك فرق بين الحلم وبين الواقع.

الواقع يعني: ما كنا نحلم به شيء، والذي تحقّق شيء آخر. لكن المهم: نجحت التجربة.

الآن في العراق ديمقراطية، هناك انتخابات، استقرار، نعم، هناك فساد، لكن الفساد أقل من الفساد الموجود في أميركا. هل تعرف ماذا قال إيلون ماسك اليوم؟ أنا تفاجأت، حقيقةً. يوميًا، في أميركا، يوجد هدر، بسبب الفساد الذي ينخر المؤسّسة الحاكمة، يوميًا: 4 مليارات دولار. يعني سنويًا: ترليون و460 مليار دولار، ترليون، نعم.

إيلون ماسك ضرب مثلًا: قال إن استطلاع رأي أجرته مؤسّسة بحثية أميركية، حول محمية وطنية—هناك غابات وما إلى ذلك، في كولورادو— قال: "أنا أستطيع أن أُجري هذا الاستطلاع عبر الإنترنت بعشرة آلاف دولار. كم أخذت هذه المؤسّسة من الحكومة؟ مليار دولار". فهل هناك فساد؟ نعم. الفساد موجود في أميركا، أقوى دولة في العالم. موجود في كل الدول، بعض الدول أكثر فسادًا، بعضها أقل.

المهم، التجربة في العراق... وأهمّ شيء: تخلّصنا من نظام دكتاتوري دموي. أنا لست ضدّ "الدكتاتورية"، إنما ضدّ دمويّتها. =مشت، يعني... القطار مشى، الحمد لله، مشى. والتهويلات التي تُقال: "أميركا! أميركا!"، ذهبت أميركا وسقط النظام— هذا كله كلام لا قيمة له، لا قيمة له.

هذا النظام العراقي، على ما فيه من أمراض، هو نظام مرغوب به ومطلوب. أميركا تريده، وإيران تريده، وتركيا تريده، والسعودية تريده، والأردن تريده. الكل مستفيد من العراق. حتى العراقي، مستفيد من العراق.

 

محمد زيني:

لنَعُد إلى سوريا. الآن، أي سوري يسمعك، يقول لك: "يا سيّد إياد، بالتالي، أنا كسوري، أيضًا أريد أن أتخلّص من حزب البعث، ومن دمويّة حزب البعث". يعني، أنا هنا أنقل هذا رأيًا موجودًا في سوريا، "كما تخلّصتَ أنت، كعراقي، أريد أن أخوض هذه التجربة، وحقّي أن أنجح أو أفشل، وأجرّب انتخابات مرة واثنتين، وربما أكثر، وأنا مستعدّ لتحمّل كل الأخطاء، فبالتالي، سأصل إلى مستوى أقبل به كسوري، وتبقى سوريا موحّدة.

لماذا يستكثر البعض على سوريا هذا التغيير؟

 

إياد جمال الدين:

=طيّب. أنا أعرف سوريا، أعرفها منذ الستينات، منذ أن كنت طفلًا صغيرًا. كل سنة، كان الوالد، الله يرحمه، يأخذنا ونذهب إلى سوريا. والله، بالعطف، من الستينات، يعني قبل أن يأتي حافظ الأسد.

أتذكّر دمشق، كانت صغيرة. ساحة "المرجة" كانت أبعد نقطة، خارج المدينة. خارج مدينة دمشق، موقع فندق "الفور سيزون" الحالي، هذا كان يُسمّى "معرض دمشق الدولي"، كان يُقام هناك. ما كان هناك شيء. إلى أن صارت حرب عام 1973، الشيخ زايد، الله يرحمه، رئيس دولة الإمارات، تبرّع لسوريا ببناء مطار جديد، بنَوا "أوتوستراد المزّة"، بنوا تلك العمارات في "المزّة"، بعدها. فكنا نذهب كل سنة ونرى التغيّرات التي تحدث.

كانت كم مسجد في دمشق؟ حافظ الأسد وابنه بنوا أكثر من 20 ألف مسجد في دمشق. لم ينافس السوريين في تجارتهم، لا أهل الشام، ولا أهل حلب، ولا غيرهم. لم تجد علويًا واحدًا تاجرًا، أبدًا، ما عدا رامي مخلوف. ورامي مخلوف لم ينافس السوريين الشوام والحلبيين في تجارتهم، وإنما ظهرت شغلة جديدة، اسمها "الاتصالات"، مثل الـ"آيفون"، والهواتف المحمولة. قالوا: "هذه جديدة، لا تتبع لبيت حبنكة، ولا لبيت كذا... هذه نأخذها". فأخذها فقط، لم يكن هناك فساد. 

الوزراء كلهم سنّة. رؤساء الوزراء كلهم سنّة. وكلاء الوزراء سنّة. السفراء سنّة. القناصِل سنّة. كلهم سنّة. 

 

محمد زيني:

يقولون لك: "لكن رئيس الجمهورية غير سنّي". 

 

إياد جمال الدين:

هم، هم السنّة مَن جاؤوا بحافظ الأسد. قبل حافظ، لماذا كانت تحدث الانقلابات باستمرار في سوريا؟

كل الانقلابات التي حدثت قبل حافظ الأسد، كانت بسبب الخلافات المناطقية: إذا جاء رئيس "حَمَوي"، قام عليه أهل "حمص"، إذا جاء "حلبي"، قام عليه أهل الشام. إذا جاء "درعاوي"، قام عليه الجميع. فقالوا: "أفضل شيء، نأتي بشخص علوي. هو يوزّع علينا الحصص". ولذلك، كان حافظ الأسد يوزّع الحصص: يوم رئيس وزراء من الشام، يوم من حلب، يوم من درعا، يوم من حمص، وهكذا.

هذه كانت سياسة حافظ الأسد. العلويون لم ينتفعوا بشيء. لم ينتفعوا بشيء. لا أدري، هل عندك وقت أم لا؟ يعني عندي كثير من الكلام عن سوريا، حقيقةً...

حافظ الأسد وابنه، كانا قامعين للعلويين. وكانا لا يقبلان أن يتحدّث أحد بالقضايا الطائفية. أنا شخصيًا تحدّثتُ مع مسؤول سوري كبير، في بداية الأحداث عام 2011. قلت له: "يجب أن تكون لديكم مخازن سلاح، ودوائر الدولة، وكذا... في الساحل، حتى إذا حدث ما حدث، يكون لديكم مكان آمن". فغضب، غضب شديدًا.

 

محمد زيني:
أوف.

 

إياد جمال الدين:

نعم.

 

محمد زيني: 

يعني أنا تحدّثت إلى مسؤول علوي، ونصحته بأن تكون هناك مخازن للأسلحة في الساحل، حتى تكون مثلًا خزّانًا للسلاح، وخزّانًا بشريًا، وهو رفض؟

 

إياد جمال الدين:

نعم، وكذلك دوائر الدولة: تنقل سجّلات الدولة، شيئًا فشيئًا، إلى اللاذقية وغيرها من مدن الساحل. لأنه إذا حدث ما حدث، =فأنتم عندكم مكان مُحصّن. كل الساحل، والجبال المحيطة به، تحمي العلويين وتحمي الدولة.

 

محمد زيني:

ولماذا رفض؟

 

إياد جمال الدين:

رفض، لأنه يقول: "سوريا واحدة، الأمّة العربية، فلسطين، الجهاد"، هذه الشعارات...

أنا، كان مُنطلقي، الحفاظ على العلويين. أنا أحب العلويين، وأراهم مظلومين. وأرى أنهم لم ينتفعوا شيئًا من زمن الأسدَين، حافظ الأسد رحمه الله، وبشّار الأسد حفظه الله. ما نفعهم بشيء.

هل تعلم؟ كان عند العلويين رجال دين كُثُر، كل قرية فيها رجل دين أو أكثر. أول ما جاء حافظ الأسد إلى الحُكم، جاء هؤلاء مشايخ الطائفة العلوية، رجال الدين، وقالوا له: "نحن لا نملك راتبًا من وزارة الأوقاف، مشايخ السنّة عندهم راتب من الأوقاف، اعمل لنا راتبًا". قال لهم: "هذه وزارة أوقاف للسنّة، أنتم لستم سنّة".  قالوا له: "طيّب، نبقى جياعًا قبل مجيئك للحُكم، وبعد مجيئك للحُكم؟ ما هي منفعتك لنا إذًا؟" قال لهم: "لا أقدر، هذه وزارة أوقاف للسنّة فقط". قالوا له: "طيّب، أنت رئيس دولة الآن، كيف لا تستطيع؟" قال لهم: "أقدر أن أفعل شيئًا واحدًا: تطوّعوا في الجيش، تصبحون عُرفاء، ورُقباء". 

فكان عندهم، في كل قرية، شيخ عُلوي، جعله رقيبًا في الجيش، يرتدي بُسطال الرقيب ثلاثين سنة. أما أن يفعل بهم كما فعل صدّام، لا. صدّام، أول مَن فعل دمجًا للبعثيين في الجيش العراقي،
كان عام 1969. أتى ببعثيين لا يحملون شهادة ثانوية، بعضهم من الإبتدائية أو المتوسّطة، أدخلهم دورة لثلاثة أشهر، وشدّ لهم "موس" على الكتف، وسمّوهم "دورة أبو موس"، ثم منحهم نجمة، وصاروا "رائد"، و"نقيب"، وما شابه.

حافظ الأسد لم يفعل بهم كما فعل صدّام. لم يجعلهم "أبو موس" ولا "ملازم" ولا شيء. ظلّوا "رقيبًا" ثلاثين سنة، يخدمون في الجيش. هذا هو. فما الذي استفاده، العلويون، منه؟

 

محمد زيني:

=من نكد الدهر، أنك تتحدّث وشاهِد على هذه المراحل التاريخية، وأبناء الطائفة العلوية مؤخّرًا قُتِلوا بمجازر، شاهدناها بأفلام، كانت مُروّعة، بعدما حصل التغيير في سوريا.

هل لديك رأي؟ ماذا شعرت، سيّد إياد، عندما شاهدت تلك المقاطع؟

 

إياد جمال الدين:

هذه المجازر ستقوّي العلويين. هؤلاء قَوُوا وكَبُروا وانتشروا، وأنتجوا كبارًا. بدأوا من الجبل. من أعاظم شعراء العربية من العلويين.

"أدونيس" من كبار المُفكّرين—وإن كنت أكره شعره تمامًا، ولا أعتبره شاعرًا، ولكن كمُفكّر، ممتاز. من العلويين. العلويون تعرّضوا لمجازر طوال تاريخهم، ولم ينقرضوا، لم يتراجعوا، لم يتشتّتوا. هذه المجزرة الأخيرة، ستقوّيهم. ستقوّيهم.

العلويون، حبّ علي بن أبي طالب، سلام الله عليه، مُترسّخ في وجدانهم، وعرب أصلاء ونُجباء. هذه المجزرة الأخيرة ليست الأولى. سبقتها مجازر كثيرة. وكلّ خير إن شاء الله، كلّ خير إن شاء الله.

 

محمد زيني:

نتمنّى، طبعًا، الاستقرار لكل شعوب وبلدان هذه المنطقة.

لنذهب إلى الشرق قليلًا، سيّد إياد. نسألك عن شخصية الرئيس بوتين، وعن هذه المعركة الدائرة في أوكرانيا، وأيضًا، مستقبل المنطقة هناك. خصوصًا، ونحن كنا نتحدّث عن شخصية الرئيس ترامب، وهو أكثر انفتاحًا الآن على بوتين.

على أيّة مرحلة نحن سنقبل، في مشهد به ترامب يبتعد عن حلفائه الأوروبيين، ويقترب من الروس؟

 

إياد جمال الدين:

الرئيس بوتين هو رئيس ذكي، طبعًا. وأوكرانيا هي جزء من روسيا. ما كانت في يوم من الأيام دولة، أوكرانيا، بكل تاريخها، هي حقول ومزارع وكذا... تابعة لروسيا.

أميركا لا حلّ لها. المُنقذ الوحيد لأميركا هو ترامب. أميركا على شفا الموت كإمبراطورية—ليس كدولة، بل كإمبراطورية—انتهت. المُنقذ الوحيد، والأمل الوحيد لإنقاذ أميركا كدولة، وليس كإمبراطورية، هو أيضًا ترامب. هو لا يريد إمبراطورية.

ترامب، لا سبيل أمامه إلا التفاهُم مع روسيا، لكي يُفكّك هذا الحلف الروسي–الصيني–الإيراني.
يُبعدهم قليلًا. ولكي يجعل أوروبا تركع تمامًا أمام أميركا، ولكي يأخذ "غرينلاند"، ويأخذ كندا، لا بدّ من أن يُخيفهم. يُخيفهم، يعني: عندما يتقارب مع روسيا.

النصر الأكيد؟ أوكرانيا لا شيء مقابل روسيا، ولا أوروبا أيضًا، مقابل روسيا. هي أميركا التي تدعم أوكرانيا وتدعم أوروبا. وبما أن ترامب يريد أن يسحب يده من أوكرانيا، ومن حلف الأطلسي، فأكيد القوّة الأقوى في أوروبا هي روسيا.

هدف ترامب ليس تحقيق نصر—يعني، أن يدعم روسيا لكي تنتصر على أوكرانيا—لا. هدف ترامب: تفكيك الحلف الروسي–الصيني–الإيراني. لأن هذا الحلف، إذا تشكّل اقتصاديًا، وسياسيًا، وعسكريًا، سيؤثّر على العالم كله.

 

محمد زيني:

أخيرًا، سيّد إياد، نريد منك أن توجّه رسالة، وتقول: لمن ستوجّه هذه الرسالة؟

هل ستختار الأمذة العربية؟ الشعب العراقي؟ شخصًا بعينه؟ وتقول له رسالة معيّنة من السيّد إياد جمال الدين؟

 

إياد جمال الدين:

والله، أنا أطلب من الشيعة في العراق، وفي إيران، يعني، من النظام الإيراني كنظام، ومن الشيعة كشيعة، ومن النظام العراقي، الذي هو تقريبًا شبه شيعي، أن ينفتحوا، أن ينفتحوا على البلاد العربية، تحديدًا، على كل رئيس عربي "مشتوم"، حتى تكون الأمور واضحة: مَن هو الرئيس العربي الذي يُشْتَم يوميًا؟ عبد الفتاح السيسي، الذي يشتمه قطعًا "الإخوان المسلمون". هذا "المشتوم"، انفتحوا عليه، لأن هذا عدو تقليدي لـ"الإخوان المسلمين".

إذا إبن سلمان، يُشْتَم يوميًا، يشتمونه في الإعلام، وفي تويتر، وغير تويتر، مَن الذي يشتمه؟ "الإخوان المسلمون"، إذًا، هذا جيّد. إبن زايد، يوميًا يشتمونه في تويتر وغير تويتر، مَن الذي يشتمه؟ "الإخوان المسلمون"، إذًا، إبن زايد جيّد. الملك عبد الله، ملك الأردن، ملك المغرب.

أي شخص ترى عليه هجومًا إعلاميًا، شَتْمًا، هذا يعني أنه ضدّ "الإخوان المسلمين"، فنحن، الأفضل لنا كشيعة، هو التحالف مع الأنظمة العربية التي تقف بوجه "الإخوان المسلمين".  الخطر الداهِم على الأنظمة العربية، التي يُوصَف بعضها بأنها عميلة، علينا كشيعة، وعلينا كعراقيين كنظام حُكم سياسي جديد، هو "الإخوان المسلمون" وتركيا، وليس أميركا، وليس إسرائيل.

 

محمد زيني:

هل تقول شيئًا لأهالي قطاع غزّة؟

 

إياد جمال الدين:

كان الله في عونهم. وعندنا أصدقاء من أهالي غزّة. وكان الله في عونهم، ورحم الله شهداءهم. ولا نملك لهم إلا الدعاء.

 

محمد زيني:

ونحن أيضًا، بدورنا، نُعايد كل أهالي قطاع غزّة، في هذه الظروف الصعبة.

شكرًا جزيلًا لك، السيّد إياد جمال الدين، رجل الدين والمُفكّر العراقي، كنتَ معنا في هذه الحلقة من فودكاست الميادين.

 

إياد جمال الدين:

حيّاك الله.

 

محمد زيني:

شكرًا لكم، مشاهدينا،

في أمان الله.