مع الدكتور إلياس جرادة
اعتُقل عام 1986 في معتقل الخيام، ويعرّف عن نفسه بأنه "نائب برتبة فلاح". النائب في البرلمان اللبناني الدكتور الياس جرادي في حديث عفوي ومميز عنه وعن مواقفه الوطنية الثابتة.
نص الحلقة
محمد جرادي:
أهلاً بكم، مشاهدينا الكرام، في هذه الحلقة الجديدة من "فودكاست الميادين".
ضيفنا لهذه الحلقة هو الدكتور إلياس فارس جرادة، نائب في البرلمان اللبناني عن دائرة الجنوب الثالثة، من مواليد بلدة إبل السقي. هو طبيب مختصّ بجراحة قرنية العين وأستاذ جامعي، تخرّج في جامعة هارفرد الأميركية عام 2003. اعتُقل عام 1986 مدّة ثمانية أشهر في مُعتقل الخيام.
أهلاً بك، سعادة النائب الدكتور إلياس جرادة. حضرتك، سعادة النائب، "برتبة فلاّح".
إلياس جرادة:
برتبة فلاّح".
محمد جرادي:
هذا يعني شرفًا لكل جنوبي من جنوب لبنان، باعتبار الارتباط بالأرض، بمعالمها وملامحها الإنسانية، التي شكّلت أواصر العلاقة بينك وبين فئات من الناخبين الجنوبيين في الدائرة الثالثة، والتي عبّرتَ فيها ومعهم عن كثير من الهواجِس والأفكار التي تجول في خاطر الجنوبيين داخل الندوة البرلمانية. أهلاً بك.
إلياس جرادة:
أهلاً بكم.
محمد جرادي:
لعلّك، حضرتك، من خلال خرقك للوائح الانتخابية في انتخابات 2022، وهذا التوصيف الذي لازمك، بأنّ إلياس جرادة "خرق اللوائح الانتخابية في الجنوب"،
اليوم إلياس جرادة، بما يشكّله من رمزيّة وحيثيّة في الدائرة الانتخابية التي تُمثّل حضرتك فيها أقضية مرجعيون، وحاصبيا، ويصل الحاصل الانتخابي إلى النبطية أيضًا… هل تعتبر نفسك خرقت هذه اللوائح؟ أم أن وجودك كنائبٍ عن هذه الدائرة هو وجود طبيعي يُعبّر عن ديموغرافيا الشعب هناك؟
إلياس جرادة:
السؤال جميل جدًا، نُضيء عليه… نعم، كان هناك خَرْق، وأنا أعتقد أن هذا الخَرْق يجب أن يكون خرقًا "مُستحبًّا" عند كل الأفرقاء.
هو ليس أنا شخصيًا، حين خضنا الانتخابات لم نكن نخوض انتخابات ضدّ فريق مُعيّن، على الأقل من وجهة نظرنا نحن. إذا عدت إلى حملتنا الانتخابية، بشكل واضح، كنا نقول: "خلّيك مطرحك، بس فكّر صحّ، تفيدنا أكثر"، يعني كنا نريد أن نُجري نوعًا من إعادة صياغة وعي مجتمعي مُعيّن، ليس مُرتبطًا بفريق سياسي، ولا بموقف سياسي أو عقائدي، مع أن هذه أمور مهمّة، ولكن ما كنا نريده هو التغيير، والتغيير المجتمعي، نحن نراه مُرتبطًا أكثر بالذهنية وبالثقافة، ويجب أن تستمر في المجتمع وتُنْتِج نفسها وتُجدّد نفسها.
حتى كل الأحزاب لم تكن تملك بعد تلك الديناميكية لتجديد نفسها، لا من زعمائها، ولا من ممارساتها، ولا من خطاباتها. يعني، كنا نقول لهم: "جدّدوا أنفسكم، جدّدوا أنفسكم، أعطوا المجال للفكر الجديد، للشباب الجدد، للجيل الجديد، دعوه ينطلق". لا يمكن أن نظل نعيش في القرن الحادي والعشرين بعقل سياسي لا يزال في خطابه، في منهجه، في تحالفاته، ينتمي إلى زمن العصبيات القبلية، إذا شئت أن أقول "داعشية"، إلغائية، علماً أن قراءتنا كانت أن الجيل الجديد هو جيل متفلّت، وهذه مسألة جيدة جدًا. تفلّت، لا بمعنى التفلت من الالتزامات المبدئية والوطنية، بل أنه يبحث عن شيء جديد، ونحن نلمس هذا الأمر كل يوم في مجتمعاتنا اللبنانية. الجيل الجديد يريد شيئًا جديدًا. فإنْ قلتَ إننا "خرقنا"، نعم، لقد أضأنا للجيل الجديد، وأعتقد أن هذا حصل لدى كل الأفرقاء. لم يكن موجّهًا إلى جمهور مُعيّن، بل أعتقد أنه أثّر في كل الأفرقاء، وصاروا يرون أننا بالفعل بحاجةٍ إلى دمٍ جديدٍ، مع التزامنا بمبادئنا وقضايانا الوطنية وكل شيء. ولكننا بحاجةٍ إلى ديناميكية جديدة، دم جديد، طريقة تفكير جديدة.
وربما الآن، صارت الحاجة إلى ذلك أكثر فأكثر. نحن أصبحنا في واقع آخر. كنا نتحدّث "تحت الهواء"، ونقول إننا بحاجة إلى قراءات جديدة، إلى أدوات جديدة، إلى أهداف جديدة لنحافظ على ما لدينا. هناك أشياء كثيرة تغيّرت. وأعتقد ــ دعنا نتحدّث عن شيء إسمه "17 تشرين" ــ نحن أتينا بعد "17 تشرين"، يعني نحن، "17 تشرين" كان لها تأثير كبير جدًا، على الأقل ما أراه أنا، رغم كل ما قيل عن شوائب ونقائص وسقطات وهفوات… قد يكون كل هذا صحيحًا أو خاطئًا، أو بعضه صحيح وبعضه خاطئ، ولكن ما يعنيني أنا، إلياس جرادة، مما أنتجته "17 تشرين"، هو أنها أنتجت ثلاثة عوامل، في قراءتي، ما زلنا نعمل عليها ونحن ملتزمون بها:
أولًا: حجم الامتعاض عند اللبنانيين. هي أغلبيّة مُمْتَعِضة من الحُكم القائم، ومن الظلم الذي حصل، ظلمٌ طالَ مجمل اللبنانيين، سواء عبر سرقة أموال المودعين ــ وهي جريمة إنسانية ضدّ الإنسانية في نظرنا ــ أو عبر انفجار المرفأ وغيره. كل هذه الأمور وُجِّهت ضدّ اللبنانيين، وأنتجت نقمة عند كل اللبنانيين، ولم تكن موجّهة من فريق ضدّ فريق. هذا أول عامل: حجم الاعتراض.
العامل الثاني، وهو مهمّ جدًا، هو ما أظهرته "17 تشرين" من قابلية لدى الشعب اللبناني للتفلّت من طائفيّته، ومن الأحزاب الطائفية، والانتقال نحو الوطنية. 17 تشرين أظهرت هذا في مكان معيّن، وبشكل مُتزايد، والأجمل فيها هو انخراط الشباب والفتيات في الحال الاعتراضية. وهذه نقطة مهمّة جدًا. لأننا كنا، في العمل السياسي التقليدي في لبنان، نشهد تغييبًا لفكر الشباب والشابات. لا ينتمون إلى أية حركة تغييرية. همّهم الوحيد كان جواز سفر، وفيزا، والعمل خارج لبنان، كان هذا كل همّهم. فجأةً، ظهرت في 2019، ولا تزال مستمرة حتى الآن، فئة كبيرة من الشباب والفتيات انخرطت في هذا التغيير.
ورأينا هذا أكثر في المعركة الأخيرة التي دافعوا فيها عن لبنان. كانوا فئة شبابية كبيرة، وهم الفئة المُعلِّمة، وهذا يعني أن فئة الشباب موجودة، ويجب أن نعطيها فرصة… ومن كل الأفرقاء.
=نعود إلى فكرة "الخَرْق". نعم، إذا كان هناك خَرْق، فنحن سمّيناه تغييريًا.
أحدث هذه الديناميكية: "نريد وجوهًا جديدة، نريد فكرًا جديدًا"، وهذا أمر طبيعي. نعم، كان هناك خَرْق، وكان خَرْقًا جيدًا جدًا، وخَرْقًا صحيًا لكل الأفرقاء. ومن ناحيتنا، لم نكن موجّهين ضدّ أي فريق.
محمد جرادي:
لكن، سعادة النائب، لأنّ في بقية حضورك داخل الندوة البرلمانية، هناك فريق يعتبرك سيفًا لحزب الله وحركة أمل وفكر المقاومة، أو للبيئة الشيعية في مواجهة أقطاب ما كان يُسمّى "14 آذار"، وفريق يعتبرك صوتًا معارضًا للحضور "القواتي-الكتائبي"، أو للنزعة اليمنية المسيحية في الجنوب.
وفريق يعتبرك كتلة تغييريّة. وفريق يعتبرك أنك متفلّت من التغييريين.
يعني، شكّلت بمواقفك المتراكمة أسئلة وعلامات استفهام، حتى من داخل الحزب الشيوعي، ومن الحضور النيابي للكتل التغييرية، أو للحضور الديموغرافي الذي يُفترض أن يُعبّر عنه سياسيًا الثنائي الشيعي في الجنوب اللبناني.
أين تتموضع؟
إلياس جرادة:
هذا جميل جدًا، ويمكن أن يكون الجواب في السؤال نفسه. أنا، برأيي، في الواقع السياسي في لبنان، حين تكون تُهاجَم وتُنتَقَد من الجميع، أعتقد أنك في المكان الصحيح. لأنني، كما وصفت قبل قليل، الواقع السياسي التقليدي في لبنان، واقعٌ غير جيّد، "داعشي" و"إلغائي" ويستمر على هذا النحو.
حين تأتي أنت لتفكّر من مبدأ، ويكون أصلًا شعارك "خلّيك مطرحك وفكّر صح"، يعني أنك تريد أن تبني على الصحّ والغلط. وعندما قلنا إننا نريد أن نكون جسر عبور بين كل الأفرقاء، لنبني لبنان يضم الجميع… جدّي المرحوم، كان فلاحًا، وكان يقول: "بخير، وخير أبو". قلت لك إنني طبيب رُقيت إلى رتبة فلاح. أقول "بخير وخير أبو" لأننا حتى في قبولنا للجميع، نريد أن نضعهم ضمن مفهوم الفلاح، على السكّة الصحيحة، لننطلق ونبني وطنًا، ثم نفسح المجال للجيل الجديد كي ينطلق ويُنجز التغيير المنشود.
يعني، في كل هذا الواقع اللبناني، المشهد السياسي إذا لم تكن معي فأنت ضدّي، وإذا لم تتّفق معي صرت ضدّي، والتوصيفات جاهزة دائمًا. لا يزالون غير مستعدّين لتقبّل أي شيء يسمّونه "Out of the box"، أي خارج النمطية الموجودة. يعني، إذا لم تكن مسلمًا، فأنت مسيحي، وإذا لم تكن مسيحيًا، فأنت "عونِي"، وإذا لم تكن "عونيًّا"، فأنت "قوّاتي"، وإذا كنت "قوّاتي"، فأنت كذا... وإذا كنت شيعيًّا، لا يا عزيزي، لا لا لا، هناك أشياء كثيرة خارج هذه التصنيفات. وللأسف، لم يسمحوا لها بأن تأخذ مداها. يعني، إن أردت تسميتها بالمفهوم التقليدي، فالطبقة السياسية التقليدية كانت تمنع أي شيء خارج الأبيض والأسود. كانت تحافظ على جسمها السياسي، وعلى "الموزاييك" السياسي التابع لها، وتمنع دخول أيّ جسم غريب.
وأنا أكرّر أن "17 تشرين" أخافت، في مكان معيّن. قلت لك إنها أخافت، لأنهم رأوا أن الشعب اللبناني بغالبيّته مُعترض، وأن لديه قابلية للانسلاخ من هذا النمط الطائفي التقليدي والزبائني في السياسة اللبنانية. وفئة الشباب والشابات، لمسناها أكثر فأكثر، وأكّدتها لنا التجربة خلال ثلاث سنوات، بأنهم يبحثون عن شيء آخر، مختلف، يُشبههم أكثر. فحين تريد أن تنطلق إلى فضاء آخر، مختلف، وتخلق للجيل الجديد فكرًا آخر، لا شك أن الجميع سيصطدم بك. إما لأنهم لا يفهمونك، ونحن لدينا نمطية: مَن لا نفهمه يصبح عدوّنا، لا نحاول اكتشافه، بل نعتبره عدوًّا مباشرة. أو لأن مصلحتهم تقتضي ذلك، ربما يكونون قد فهموك تمامًا، لكنهم يرون أنك تشكّل خطرًا عليهم. لأن مفهومنا للسياسة شيء، وما يُمارَس على هذا الشأن شيء آخر.
يعني، بكل بساطة، نحن دخلنا الهمّ السياسي من باب المسؤولية فقط. يمكن أن تعتبرها مثل "خدمة العَلَم"، أو نوع من التزام تجاه أولادي، أن أبني لهم وطنًا يُشبههم، وأبناءهم. أنا عدت إلى لبنان.
محمد جرادي:
عام 2010.
إلياس جرادة:
أنا جئت إلى لبنان نهائيًا عام 2016، بعد أن كنت أجيء تدريجيًا منذ 2010 حتى 2016. وفي عام 2016 جئت بعائلتي نهائيًا، وقلت إنني جئت لأبقى هنا. وكانت تجربتي، بكل هذه السنوات، رغم كل الصعوبات: في "17 تشرين"، في جائحة كورونا، في الانهيار الاقتصادي… حتى أولادي كانوا يسألونني: "مع كل هذه الصعوبات، دعنا نعود"، وكان جوابي لهم: "اذهبوا حيث تريدون، أنتم أحرار، وأنا سأدعمكم أينما كنتم، لكن والدكم باقٍ هنا". كان قراري: والدكم باقٍ هنا، في هذا الوطن. إن صعد هذا الوطن، فسأصعد معه، وإن هبط، سأهبط معه. جئت لأبقى، لم أعُد لأغادر.
فمن أتى ملتزمًا بهذا الوطن، وأتى بهذه المسؤولية، ورأى أن لا بدّ من إحداث خرق في هذا المشهد السياسي، وهو مشهد له انعكاسات اجتماعية واقتصادية كارثية، دخلنا إلى هذا المشهد، والتزمنا به سياسيًا. لم نأتِ من باب المصلحة، بل بالعكس، من ناحية المصلحة الشخصية، هذا الأمر يكلّفني أكثر مما تتصوّر. فرؤيتنا للسياسة هي أننا جئنا لنعطي، لنتغيّر.
الآخر، الذي يراك في المشهد السياسي في لبنان، لديه تعريف مختلف للسياسة: السياسة عنده "Position"، أي موقع، وحِرفة، يمارسها ويعيش منها وتُشكّل مصلحته. فلذلك، أي شخص يأتي من خارج هذا التصنيف، يسمّونه "Out of the box"، يصبح خطرًا عليهم، فيهاجمونه. إما لأنك "غريب"، والغريب في ثقافتنا نحن نرفضه مباشرة، لدينا كثير من النمطيات الثقافية التي تجعلنا نرفض كل شيء جديد. هذا للأسف. أو، هم فهموك تمامًا، لكنهم يرونك خطرًا لأنك قد تُفلت وتُنتج جيلًا ثانيًا، جيلًا جديدًا، وأبعادًا جديدة في السياسة اللبنانية. وهذا خطر عليهم، لذلك يعتبرون أن عليهم أن يحاربوك. فهم حاربوني، إما عن جهل، أو عن سابق إصرار وتصميم.
محمد جرادي:
والموج الجارف من الأصوات التي آمنت بإلياس جرادة في الانتخابات النيابية عام 2022، والتي شكّلت لك المدّ، كان للحزب الشيوعي، من باب الأمانة، وللسيّد الأمين العام للحزب، حنا غريب، اليد الطولى في هذه التسخينة، في حضورك بهذه الدائرة الانتخابية.
اليوم، هل تعتبر أن كل ما قدّمته خلال هذه السنوات الثلاث، عبّر فعلًا عن هذا النسيج، عن هذا المزاج الشعبي؟ لأن التجربة المقبلة ستكون أقسى، وفيها تحدّيات أكبر، على مستوى المواجهة مع العدو الإسرائيلي، كانتخابات مفصلية، في 2022 كان مفصلها داخليًا، قائمة من روح الثورة، اليوم هناك عدو، والمشهد سينطلق من جنوب لبنان.
إلياس جرادة:
حتمًا، أولًا، إذا عدنا إلى انتخابات 2022، لإعطاء الأحقيّة، شكرًا لكل الناخبين والناخبات الذين سمّوا صوت الاعتراض. هو صوت ــ كما قلت لك ــ التذمّر من المنظومة، والبحث عن التغيير، =ولا شكّ أن الجميع جاهد وأعطى وتحمّل مسؤوليته. تحيّة للجميع، تحيّة لمَن انتخبنا، ومن انتخب ضدّنا، ولكل مَن مارس اللعبة الديمقراطية. كانت لعبة ديمقراطية، رغم كل ما قيل. وقلتها وقتها: كانت لعبة ديمقراطية. لم يكن هنالك ــ كما حاول البعض تصويره ــ اضطهاد أو شيء من هذا القبيل. نعم، حصلت بعض ما يمكن تسميته "ألاعيب انتخابية"، لكنها ضمن المنطق الانتخابي الذي يُمارَس في فرنسا، وفي أميركا، وفي غيرها. ظلّت ضمن المعقول والديمقراطي.
أما الحزب الشيوعي، فقد كان له دور أساسي جدًا، ليس فقط بناخبيه، بل أعتقد أن له الدور الأساسي في توحيد المعارضة، وفي إنتاج لائحة واحدة. كان هو المحور في هذا المجال، وكانت هذه أول خطوة لإحداث الخرق، وكانت أول خطوة في نجاح إيصال صوت التغيير في الجنوب. وهذه وقائع، ليست "مع" أو "ضدّ"، لكن للتاريخ يجب أن تُقال: نعم، لعب الحزب دورًا كبيرًا جدًا.
ولا تنسَ أيضًا أن النسيج اليساري في لبنان، ثقله الأساسي هو في الجنوب، حتى مَن لم يلتزم يسارًا، وبات في مواقع أخرى، لا يزال النفس اليساري موجودًا لديه، في الجنوب. فهذا الخزّان، أيضًا، لعب دورًا مهمًا في الانتخابات. وهنا لا أقصد حصرًا، بالعكس، إن نظرت إلى الناخبين، ستجد أنهم من كل الطوائف: الطائفة الشيعية الكريمة، الطائفة المسيحية الكريمة، الدروز، السنّة... كلهم. وأعود بك إلى ما قلته في البداية: كانت هناك حركة اعتراض مجتمعية كبيرة جدًا، عند كل اللبنانيين، وكان يجب أن تُنتِج أكثر، ولو أُحسن تنظيمها.
جنوبًا، نجحت المعارضة في توحيد اللوائح، وهذه مسألة شديدة الأهمية. أما نحن، فبيئتنا، من حيث المبدأ والواقع والتاريخ، هي بيئة يسارية. ونحن أتينا من هذا النسيج، ومن لا يحمل شيئًا من هذا الوجدان الجنوبي، لا يمكن أن يكون من هذه البيئة.
الآن، خلال تجربتنا النيابية، خلال ثلاث سنوات، ربما خضنا كثيرًا من الأمور من دون تعليمات. كانت حوارات، لكن هذا هو المنطق نفسه. أنا أحببت، منذ البداية، أن أقول إننا مع الإنسان، في كل مكان. والهمّ الإنساني، حين يبقى هو الأولوية، فإنك تكون مُلتزمًا إنسانيًا، مُلتزمًا أخلاقيًا، وتعمل من أجل هذا الإنسان، من دون أي حدود: لا طائفية، ولا جغرافية. فلا بدّ من أن تلتقي كثيرًا مع فكرٍ يحمله غيرك، وتجد نفسك تتّخذ نفس المواقف، من دون إملاءات أو تنسيق مسبق. وأعتقد أننا تلاقينا، في كثير من المطارح، مع أفرقاء كثر، يحملون هذا الهمّ الإنساني.
محمد جرادي:
لكن، مع الكتلة التغييرية، كنت متمايزًا جدًا عن أعضائها أو كوادرها، وبالتالي، وُجّه إليك اتّهام بأنك خُنت الواقع التغييري الذي فرضته الثورة، وعدتَ إلى الجذر الطائفي أو المناطقي، على حساب العناوين التغييرية التي جاءت بها هذه الفئة.
إلياس جرادة:
سؤال مهم جدًا. وأعتقد، لكي ألتزم بما أنا مُلتزمٌ به، أنني كنت من أكثر المُلتزمين بمفهوم التغيير، ولم أغيّره. دخلنا بنفس الفكر، وحملناه كما هو. التزامًا، كنا في الواقع الاقتصادي… إذا شئنا أن نذكر المحطات الرئيسية في العمل النيابي، التي يُقال إننا "تميّزنا عن التغييريين" فيها، أقول: بالعكس، التغييريون هم مَن تميّزوا بالابتعاد عن الالتزامات التي دخلنا بها.
مثلًا: في قضية سرقة أموال المودعين، لم يبقَ في الميدان سوى القليل ممَن التزموا بإعادة الحقوق لأصحابها. عملنا كثيرًا من المشاريع، وما زلنا نعمل عليها، من أجل استعادتها، وكيف نعيدها، ومن خلال النهوض بالواقع الاقتصادي. لأننا نعتبر هذا الأمر مسألة وجودية، إما أن نكون أو لا نكون. أيّ مسّ بأموال المودعين، هو مسّ بوجود لبنان، بنظرنا. وما زلنا نعتبره كذلك. بينما الآخرون، غيّروا.
رغم أن شعارنا الأساسي في الانتخابات كان ــ جميعنا ــ الواقع الاقتصادي وأموال المودعين، إلا أنهم لم يلتزموا، ونحن بقينا ملتزمين. وكانت هناك قضية انفجار المرفأ، نحن بقينا ملتزمين بها أكثر وأكثر. تقول إننا رجعنا إلى التّقوقع الطائفي؟ بالعكس، نحن الوحيدون الذين لم نكن طائفيين. نحن الوحيدون الذين لم ننجرّ إلى هذا التقوقع، وقد ظهرت كثيرًا، مثلًا، في موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية: أزعور، مع حفظ الألقاب، فرنجية، وحدث اصطفاف عمودي قاتل، كاد أن يؤدّي إلى حرب أهلية في لبنان، لو حصلت نتائج غير محسوبة.
الحمد لله، كانت هناك فئة من النواب ــ كنا ستة أو سبعة نواب ــ لم ننجرف إلى هذا الاصطفاف. نحن لم ننجرّ إلى الاصطفاف الطائفي. فكيف نكون طائفيين؟ الاصطفاف الذي حصل هو اصطفاف سياسي تقليدي، ونحن "17 تشرين"، خارج هذا التقليد، فكيف نذهب إلى هذا الاصطفاف التقليدي، الذي كان جمهور "17 تشرين" في مناطقنا ضدّه أصلًا؟ فإذا خُوِّنا، من يكون غير؟ من يكون الذي غيّر؟ نحن بقينا ملتزمين، وذهبنا إلى رِحاب آخر، سياسي واجتماعي.
وأكثر، حين وصلنا إلى قضايا كثيرة، مثل قضية النزوح السوري، وأهمية الحفاظ على لبنان، كنا الأكثر وضوحًا. ثم، حين دخلنا في حرب مفتوحة مع العدو الإسرائيلي، لم تكن حربًا ضدّ لبنان فقط. كانت حربًا ضدّ الإنسانية. هي ليست فقط حربًا ضدّ لبنان. أنا حتى الآن أعتبر أنها إحدى المراحل في هذه الحرب الكبرى في تاريخ الإنسانية، ما بين مفهوم الشر ومفهوم الخير. فكيف يمكن أن تكون تغييريًا، وإنسانيًا، ومؤمنًا بـ10452 كيلومترًا مربعًا، ولا تعتبر أن هذا الاعتداء هو اعتداء على الإنسانية أولًا، واعتداء على وطنك، وعلى أبناء وطنك؟
حتى مع تمايزنا السياسي، عندما يحدث هذا الاعتداء، فهو اعتداء على الوطن، وعلى الإنسانية.
فخرجنا من زواريب السياسة، يا جماعة. إذا كنا نريد أن نستخدم السياسة لنبيد أو نقصي، فلا... أنا برأيي، لم تكن هناك محاولة إقصاء، بل محاولة إفناء لفريق لبناني معيّن.
محمد جرادي:
هل تجد نفسك حليفًا معه في الندوة الانتخابية المقبلة؟
إلياس جرادة:
السؤال مهم جدًا، ويُطرَح دائمًا. نحن، أولًا، ما زلنا على نفس النهج، بنفس المسؤولية. وهذه المسؤولية تعني: إذا كانت المسؤولية تقتضي أن نكون في الانتخابات، سنكون في الانتخابات. وإذا كانت المسؤولية تقتضي ألّا نكون، فلن نكون. نحن ملتزمون وطنيًا، ونتجاوز ما هو "لنا"، يعني، حتى وطنيًا، إذا رأينا أن عدم وجودنا في الانتخابات هو أفضل، فلن نكون. نحن إلى هذه الدرجة ملتزمين.
لكن، إذا قرّرنا أن نكون، فنحن لا نزال على نفس النهج، بنفس الالتزامات، بنفس الهموم، ولا شيء تغيّر. وطبعًا، ما زلنا ندعو الفريق الآخر إلى أن يلاقينا، إلى أن نحمل هذه الهموم سويًا، خاصة في ظلّ الواقع الجديد المستمر، والمستجد.
إذا توصّلنا، وأقولها بكل صراحة، وأتمنّى ذلك… إذا صارت هناك قواسم مشتركة، ويجب أن نعمل على قواسم مشتركة… نحن ناقشنا مع الشباب، وقلتُ أفكاري بصراحة: إذا أردنا أن نخوض الانتخابات، فمرحلة الوصول إلى الندوة البرلمانية و"تحقيق منصب" هي مقاربة مشروعة، نعم، لكن في الوقت الحاضر، هي مقاربة ناقصة جدًا.
أعتقد أن الهمّ الانتخابي القادم، وهذه دعوة لكل الأفرقاء، وخاصة جنوبًا، هو دعوة إلى إعادة إنتاج واقع جديد: تحالفات جديدة، همّ جديد، يأخذنا إلى فضاء مختلف، إلى أهداف أخرى، إلى أدوات أخرى، نبني بها الوطن ونحافظ عليه. المخاطر الآن كبيرة جدًا. أعتقد أننا، في البداية، كنا نلتزم بقضايا معيّنة، وخضنا الانتخابات على أساسها: الفساد، بناء الدولة... لكن الآن، هناك واقع مستجدّ، إقليمي ودولي، يهدّد لبنان وجوديًا. علينا جميعًا أن نُدرك هذا الواقع.
أتمنّى، على صعيد لبنان كله، أن يكون هناك وعي لهذا الواقع، وأن تُخاض الانتخابات النيابية، ليس فقط من أجل الوصول إلى البرلمان، وهو هدف مشروع طبعًا، بل من أجل إعادة خلق واقع سياسي جديد، شعاره: الحفاظ على لبنان. هذا الهمّ الوجودي الآن، وأكثر من ذلك الآن، الحفاظ على الهوية اللبنانية هو الأساس. شعارنا يجب أن يكون: 10452 كيلومترًا مربعًا، ومداخل هذه الهوية، مؤسّسات الدولة.
محمد جرادي:
هنا نقطة الارتكاز التي، تقريبًا، من نصف ساعة من عمر الحلقة، أحاول أن أبحث من خلالها في تفاصيل شخصيّتك، ما بين 2024 و2025، ما يمكن أن نستقيه من تفاصيل، قد تكون مخبّأة في اللاوعي، لحظة الاعتقال في عام 1986، حين كان عمرك 17 سنة، خريّج ثانوية عامة.
اليوم، حضرتك، في مفهومك للعمل السياسي، ولمفهوم دولة المؤسّسات في لبنان، يتجاوز العمل العسكري فقط في مقاربة الاحتلال، وحفظ السيادة، والدفاع عن السيادة الوطنية، بل يشمل مجمل ملامح الدولة: دولة المقاومة.
هل هذه هي الدولة التي تبحث عنها؟
إلياس جرادة:
هي التي نبحث عنها، نعم. وانتبه، في كل المراحل، كان هذا شعارنا: دولة المقاومة.
محمد جرادي:
ما هي ملامح هذه الدولة؟
إلياس جرادة:
أولًا، التجربة التي عشناها في السنوات الثلاث الماضية، والتاريخ الذي للأسف لم أكن أصدّقه، وظهر أنه حقيقة، جعلاني أصل إلى قناعة أن لا، لم نعد في إطار "نظرية المؤامرة"، بل هناك مؤامرة حقيقية.
في مراحل معيّنة، ربما كنت أقول "لا"، هذه مُبالغة… لكن الآن، لا. من لم يكن يصدّقها، فليصدّقها اليوم. ومن لم يكن يصدّق أن هناك عدوًّا يطمح إلى إزالتنا من الوجود، كما يسعى الآن إلى إزالة الإنسانية من غزّة، ومن فلسطين، ومن مناطق أخرى في الإقليم، بكل وحشية، وبكل مُجاهَرة، وللأسف، بتصفيق دولي كبير، وحتى ربما محلي… فليصدّقها الآن. ويجب أن يُدرك هذه الحقيقة: نعم، نحن في حربٍ وجودية.
الشيء الذي كنا نبحث عنه هو "دولة المقاومة"، أي المؤسّسات المقاوِمة. هي التي تحمي، هي التي تبني الإنسان. العمل المقاوم ليس فقط عملاً عسكريًا. العمل العسكري مهم جدًا، لا شكّ، ولكن لا يمكنك أن تذهب في عمل مقاوِم، من دون وجود مؤسّسات، ومن دون بناء إنسان يؤمن بهذا الوطن، وحين يُستشهد أو يُضحّي، يعرف أنه يضحّي لأجل وطن سيحمي عائلته، سيحمي وجوده، سيخلّد ذِكراه على الأقل في هذا الصراع.
للأسف، إذا أردنا أن نتعلّم من الماضي، كنا نواجه عدوًا كبيرًا، وكانت هناك مواجهة محقّة. لكن، هذه المواجهة رغم أنها محقّة، كانت تُخاض من دون بناء مؤسّسات، وكانت مليئة بالإخفاقات.
محمد جرادي:
حضرتك، في أكثر من تصريح، وجّهت النصيحة للدولة اللبنانية: لا تتركوا أهل الجنوب وحدهم. قلتَ: لا تكرّروا أخطاء الماضي. وقلتَ إن خطاب "ما بيشبهو" خطر على مسيحيي الجنوب.
إلياس جرادة:
بالضبط. أولًا، حين نقول إننا ضدّ المقاومة، أو ضدّ العمل المقاوِم… طيّب، كل أسباب العمل المقاوِم كانت موجودة لدى ابن الجنوب، ليحمي نفسه. كان هناك عدوّ يقتله، ويأخذ أرضه، منذ عقود. يعني، الآن، نحن نُصوّب على المقاومة، على فصيل معيّن، ونقول "حزب الله"، لكن المقاومة موجودة قبل، وأسبابها موجودة قبل. ومن تخلّى، ومَن شرعن الجنوب ليصبح مشاعًا سياسيًا وعسكريًا، هي الدولة اللبنانية. فماذا كان مطلوبًا من ابن الجنوب؟
رأينا، عندما انتهت الهدنة، كيف ــ حديثًا ــ كيف جسّد ابن الجنوب هذا المعنى. راح وضحّى، واقتحم الحواجز الترابية، كما سمّيتها، وفتح الطرقات للجيش اللبناني كي يدخل. مَن لم يرَ تلك العودة، ومَن لم يفهم تلك المشهدية، كما ينبغي، لا يفهم تعطّش ابن الجنوب للمؤسّسات. يقول لها: "تفضلي يا مؤسّسات، استلمي، خذي، احميني، ونحن خلفك. نحن نريد أن نكون المؤسّسات".
الآن، نداؤنا، نعم، كما قلتُ، نحن أولياء الدم، نحن أولياء القضية، نحن الآن، نحن المؤسّسات، نحن مَن سنبني هذه الدولة، ويجب أن يكون هذا شعارنا جميعًا، وخاصة أبناء الجنوب. أبناء الجنوب، ليس فقط شعارهم هذا، بل هذا هو عملهم، وقد آن الأوان لتجسيده، وإظهاره، وتجذيره، في بناء الهوية =اللبنانية، وفي المواجهة القائمة الآن، من أجل الحفاظ على هذه الهوية، من خلال المؤسّسات.
كما دعموا بالدم، وبأجسادهم، دخول الجيش اللبناني إلى المناطق التي كان مُحرّمًا عليه الدخول إليها بعد انتهاء الهدنة، الآن، على كل الشعب اللبناني، وخاصة ابن الجنوب، أن يقول: هذه الدولة لي. هذه المؤسّسات لي. أنا أبنيها، وأنا أحميها، مع كل اللبنانيين، من أجل الحفاظ على لبنانيتنا.
هذه رسالة لكل اللبنانيين أن يعوها، وألّا يتركوا الجنوب وحده. أما الخطاب الذي يقول "ما بيشبهو"، فهو خطاب قاتل. طبعًا، هو حرّ أن يقول ما يشاء، لكن، أنا كابن الجنوب، وعذرًا على التعبير، كممثّل لمسيحيي الجنوب، في موقعي هذا، إذا قال لي أحدهم "أنتم لا تُشبهوننا"، فماذا سيفعل بنا؟
يعني، ماذا يخطّط لنا؟
أنا خوفي الحقيقي، قلتها في مكان ما: خوفي أن يقوموا بتصديقه. يعني، مَن قال لهم "أنتم لا تُشبهوننا"، خوفي أن يصدّقوه، ويأتوا إلينا، ويقولوا: "يا أحبّتنا، أنتم تقولون إننا لا نشبهكم، وصدّقناكم". فتفضّلوا، من الناقورة، إلى رميش، إلى مرجعيون، إلى إبل السقي، إلى راشيا، إلى صغبين، إلى زحلة، إلى البقاع… وتقولوا لنا: "أنتم لا تُشبهوننا"، فارحلوا!
أكيد خطاب قاتل، ليس فقط بالسياسة… بالسياسة قد أكون "مع" أو "ضدّ".
محمد جرادي:
نحن نتحدّث عن واقع.
إلياس جرادة:
واقع ديموغرافي، أنا كما قلت لك منذ قليل، عناوين المرحلة القادمة هي، الهوية القادمة، 10452، نحن ندخل الآن هذا الصراع، وأعتقد بدأت تتظّهر ملامحه، بين الكانتون وبين 10452، نحن ليس فقط في السياسة ولا في التاريخ ولا في النضال ولا في الأحقيّة، أتحدّث مصلحة شخصية، أنا ابن الجنوب يا أخي، مزارع، فلاح، في الجنوب، وأنا، وكل مَن انتخبني… إلى أين ستأخذوننا، إذا دخلتم في مشاريع التقسيم؟
محمد جرادي:
هكذا، حتى تُعمّد روحك من طُهر كعبها...
لمَن تتوجّه بهذه العبارة؟
إلياس جرادة:
حتماً، حتماً، لكل أمّ شهيد، لكل شهيد، أنا أعتبر أن كل شهيد سقط، وكل جريح سقط، وكل مَن ناضل في هذه المرحلة التي مررنا بها، قد تجاوز موقعه العقائدي والسياسي. أنا أعتقد أنّها كانت إحدى مراحل الصراع الإنساني، ما بين الخير والشر، الصراع الذي شهدته الإنسانية، والذي بنتْه البشرية منذ آلاف السنين. وأعتقد أنّ بوابة السماء، كانت الخيام. ليس فقط في الواقع الوجداني والعسكري، بل لأنني أعتقد أنّ هذا التاريخ الإنساني، في مراحله كلها، كان فيه تدخّلات غير بشرية. وهذه يمكن أن تفهمها دينيًا، أو عبر الرسل، أو حتى فلسفيًا، لكن، أعتقد أنه، في الواقع التاريخي، هناك شواهد كثيرة على وجود "تدخّلات غير إنسانية" ــ أسميها "البُعد الآخر" أو "النبوي"، أو حتى "البُعد الفيزيائي" الآخر ــ الموجود معنا. كيفما أردت أن تفهمها، لكن، نعم، كانت هناك تدخّلات لتلك القوى، في هذا المسار.
وأعتقد أنّه في هذا الصراع التاريخي، الصمود الذي أبداه الشباب، والتضحيات التي قُدّمت، كان فيها تدخّلٌ غير إنساني، دعمهم على الصمود، ودعمهم على المواجهة. وقد حصلت عملية إحباط لكلّ ما كان مُخطّطًا للبنان: كانوا يُخطّطون لإفناء شعب كبير من لبنان، لاحتلال جزء كبير من أراضيه، لخلق فوضى، ولخلق حمّام دم في لبنان…
وأعتقد أنّ هناك عوامل كثيرة لعبت دورًا لإجهاض هذا المخطّط، منها:
· الحَرَج الدولي،
· تضامن الشعب اللبناني، بكل طوائفه، أثناء الحرب،
· لكن، بشكلٍ أساسي، صمود الشباب في مواقعهم، وتضحياتهم.
أنا قلتها: أنا مُدين لهم، ومُدين لدماء شهدائهم، بالحفاظ على لبنان. شئنا أم أبينا، نعم.
الواقع السياسي لم يكن على قدر هذه التضحيات، لكن الشباب كانوا يدافعون عن لبنان، باعتراف الجميع. كل الأفرقاء تخلّوا عنهم، وهم كانوا يدافعون عن وطنهم، وعن وجودهم. فكلّ التحايا لهم. ولكلّ أمّ شهيد… نعم، "تُعمّدت روحي من طهر كعبِك".
محمد جرادي:
ما الذي يجمع إلياس جرادة، في عمر الـ17 سنة، خريّج ثانوية عامة، بالكاد، ومعتقَل في معتقل الخيام عام 1986، وما بين أبناء الـ17 والـ19 سنة في عام 2024، الذين كانوا يدافعون عن تراب الجنوب، عن السيادة اللبنانية في وجه العدو الإسرائيلي، ولا يزال بعضهم تحت الرّدم؟
إلياس جرادة:
=أريد أن أقول لك: عندما تُحدّد موقفك، مع الإنسان، في كل مكان… أعود إلى العبارة التي أعجبتني كثيرًا: "عندما يبقى موقفك إنسانيًا"، وأعتقد أن هذا الصراع التاريخي، أراه أنا صراعًا إنسانيًا، قبل أن يأخذ طابعًا عقائديًا أو سياسيًا مُتغيّرًا.
محمد جرادي:
أو حتى جيوسياسيًا.
إلياس جرادة:
بل أراه الصراع بين وجه السياسة المُشرق، أي وجه الإنسانية، في مواجهة الوجه المُتوحّش الذي يحاول هدم هذه الإنسانية، التي بنتها البشرية عبر آلاف السنين، عبر التضحيات، وعبر الأنبياء، وعبر الفلاسفة. نحن مع الوجه الذي نراه إنسانيًا، ولسنا مع الوجه "الحيواني"، حتى، في عقيدتنا، عندما نقول إن الربّ يسوع نزل، ضحّى بنفسه من أجل البشر… يعني، رفع الإنسان من مفهومه الحيواني الأرضي، إلى المفهوم الرفيع، المفهوم الذي فيه فكر، وفيه محبّة. والمحبّة، نحن معها. نحن نقاتل مع هذا الفكر.
فعندما يكون مفهومنا هذا، كلّ مَن يأخذ موقفًا في هذا الصراع، نراه في موقعنا، ونحن معه. ومنذ أن كنّا في عمر الـ17، وإلى اليوم، وحتى الأجيال القادمة، نحن في هذا الموقع من الصراع، من تشي غيفارا إلى نيلسون مانديلا، إلى غاندي… تضامَنّا مع كلّ الفلاسفة الذين صنعوا التاريخ. نعم، موقعنا هنا. لا نبحث عن مواقع تُسجَّل لنا في السجل الشخصي، بالعكس، أن يكون موقعك مؤثرًا في حركة هذا التاريخ، وأن يبقى موقعك صحيحًا في هذه الحركة، هو أهم بكثير من أيّ موقع أو مكسب سياسي أو مادي قد تسعى إليه.
محمد جرادي:
لكن، لماذا إلى هذه الدرجة، سعادة النائب، نكتشف في مواقفك هذا التجرّد من أية مصلحة دنيوية، مع أن مسارك المهني كطبيب عيون، خرّيج جامعة هارفرد في الولايات المتحدة، كنتَ تعمل في أميركا، وفي بعض الدول العربية، قبل أن تستقرّ في لبنان. مواقفك اليوم في السياسة، تُعاكس بشكل 180 درجة السياسات الأميركية تجاه أفكارك التي تعبّر عنها، وكذلك، مواقفك من بعض خيوط السياسة الفرنسية. بل إنك كنتَ من بين 11 نائبًا وجّهوا رسالة إلى الحكومة الفرنسية، مطالبين بالإفراج الفوري عن المناضل المعتقل في السجون الفرنسية منذ عام 1984، جورج عبدالله.
ألا تخشى من أن صوتك التغييري، هذا "اللبوس" الذي يُفترض أن ترتديه كنائب تغييري، قد يُشكّل عامل استفزاز للخارج؟ وبالتالي، يتم التعاطي معك بحساب آخر؟
إلياس جرادة:
قلتُ لك: نحن نأتي من منطلق ما تُملِيه علينا مواقفُنا، انسجامًا مع نضالنا، ومع التزامنا الإنساني. من يرى في مواقفنا تعارُضًا مع مصالحه، أو يجدها مُحرِجة له، هذا شأنه. نحن لم نتّخذ أيّ موقف، بناءً على حسابات: مَن سيرضى؟ ومَن سيغضب؟ مَن سيربح؟ ومَن سيخسر؟
الربح والخسارة، نحمد الله، هي مفاهيم تأتي لاحقًا. بكل الأحوال، الربح والخسارة تأخذ معنًى آخر مع الزمن. برأيي، الربح الحقيقي هو مدى انسجامك مع نفسك. أن تعيش حياتك وفق مبادئك، هذا هو الربح. لا أن تقضي حياتك كمن قضى عمره مع شريك لم يكن يفترض أن يكون معه، ثم يندم طوال حياته ويقول: "يا ليتني كنتُ مع الشخص الصح".
=كذلك، الموقف الإنساني والعقيدة… الحياة، في النهاية، ليست إلا "وقفة عزّ"، فقط، لها وقعها الحقيقي. بالنسبة لي، إن لم تكن منسجمًا مع ما تراه إنسانيًا، فلماذا تعيش أصلًا؟ هل تعيش فقط لتأكل، وتشرب، وتسهر؟ حسنًا، ستأكل وتشرب وتسهر أول يوم، ثاني يوم، ثالث يوم… ثم ماذا؟ "What's next؟" كما يُقال… لا شيء. تصبح الطبيعة الحيوانية هي المسيطرة: أكل، شرب، نوم، سهر، ولذّات الحياة… جميلة، نعم، جميعنا نحب لذّات الحياة. لكن، ليست هي ما يحدّد مسارك.
المسار الحقيقي هو: ماذا فعلت في التاريخ؟ مسارك الإنساني، في نظري، هو الأرقى، والأسمى، من أيّ مسار مادي. لذلك، في هذا المسار الإنساني، أعتقد أن مَن يربح، هو الإنسان الحقيقي. الذي يربح هو "مدى ما استطعتَ أن تترك من بصمة"، وهذه البصمة يجب أن تبقى منسجمة مع نفسك.
كل مواقفنا التي اتّخذناها، ونُواصل اتخاذها، وسنأخذها مستقبلًا، هي مبنيّة على هذا الأساس: انسجامًا مع مواقفنا، مع نضالنا، مع إنسانيّتنا. من يُعجبه ذلك، فليكن، ومَن لا يُعجبه… ماذا سيفعل بنا؟ بماذا سيُحاصرنا؟ نعم، نحن تعلّمنا في الغرب، وذهبنا إلى الغرب، ونحن فخورون بذلك. بل نسعى حتى إلى التغيير في الغرب: تغيير في ذهنية الغرب، والتأثير على شعوب الغرب، كي يفهموا أن هناك إنسانية، أولًا. وكان لنا تواصل سياسي كبير مع الناس في الغرب، خاصة الأوروبيين. قلنا لهم: "انتبهوا، ما يجري في غزّة، هو التأثير الأكبر عليكم، وهو دمار للإنسانية الأوروبية، إذا التزمتم الصمت". وقلنا لهم، في أكثر من موقع: هذه القِيَم التي ندافع عنها، جاءت بشكل أساسي من خلال حربين عالميتين متتاليتين، كان مصدرهما أوروبا، وأودت بما أودت إليه من خسائر بشرية.
فنشأت، بشكل كبير، نتيجة ذلك، مفاهيم مثل: سلّم القِيَم، مفاهيم العدالة، الأمم المتحدة، شرعة حقوق الإنسان… كلها لحماية الإنسان، ولحماية أوروبا من "هتلر آخر"، ومن حروب أخرى. وقلنا لهم: "صمتكم على ما يجري في غزّة، هو مقدّمة لتخلّي العالم عن كل هذه المفاهيم، وأنتم أول مَن سيدفع الثمن". لا أتشفّى بهم، قلت لهم انتبهوا لما تفعلونه. صمتكم سيؤدّي إلى الدمار، وها نحن نرى ما يحصل… والآتي أعظم.
نحن لا نشمت، بل نحذّر. مواقفنا هذه، أخذناها انسجامًا مع إنسانيّتنا. ومَن يتخلّى عن إنسانيّته، ويرى أن مواقفنا تهدّده، فليرَ ما سيفعل هو.
محمد جرادي:
وأنت، كفلاح، وتعتزّ بالارتباط بالأرض، كما تعلّمت من والدك المرحوم فارس جرادة، العسكري الذي تربّيت معه، وتنقّلت معه تحت الاحتلال، من إبل السقي إلى جبّ جنين في البقاع… تربّيت عنده، في المدرسة الرسمية، ثم في الجامعة اللبنانية الوطنية…
تمرّ الأيام، وتدور، وتعود لتزرع الأرض، وتكون القرى الأمامية ملاذك الآمن، في الزراعة. حضرتك تملك عددًا من الأراضي، وتزرعها، وتُعبّر عن شغفك بالأرض.
لكن السؤال: من بين كل الأراضي اللبنانية التي خلقها الله، ما الذي أخذك إلى "المَيْرة"، وإلى الخطوط الأمامية؟ ونحن، في السياسة، نسمع دائمًا عن فكرة "تعزيز صمود الجنوبيين في أرضهم"، لكن، لماذا لم تُحْسن حماية نفسك قليلًا؟ ابتعدتَ عن الخطر الإسرائيلي مثلًا؟
إلياس جرادة:
لا يمكنك، أنت تبحث عن نفسك، وعن انتمائك، وعن رائحة الأرض التي تربّيتَ عليها، وعن الوفاء للأرض، وعن الوفاء للوالد، ولجدّي، ولبيت جدّي، وعن كلّ ما شربناه من قِيَم… لأن هذه القِيَم، هي التي تُصبح شخصيتك. هي هذه التي تُصبح أنت.
أنا أريد أن أعود إلى الأرض التي يجب أن أكون فيها. مع احترامي لكلّ أرض، ولكلّ نقطة عرق على هذه الكرة الأرضية، وفي كل لبنان… لكن، أرضي، وجنوبي، له قداسته، وله رمزيّته، وله انتمائي. يعني، لدرجة أنني أملك بيتًا في بيروت، وبيتًا فوق، في الجبل… لكن، عندما يتصل بي أولادي، ويقولون: "نحن Dad، we’re home" يعني: نحن في البيت… أسألهم: أين؟ يقولون: بيروت.
أردّ: بيروت ليست Home، بل هو الجبل، هو بيت الضيعة، بيت الانتماء.
بيت بيروت هو بيت عادي، هو فقط ملجأ. لكن، بيت الانتماء، هو بيت الضيعة. هو فوق، هو شخصيّتك. مثل ما تقول فيروز: "وحجار حفّك وجوّك جعمر"، هذه العبارة مؤثّرة جدًا… أنا أراها حقيقية. أنا أرى في الحجارة، فوق، جَدّي، أشعر بهم، أعيش معهم، أحيانًا آكل معهم، وأشعر أنهم حولي، وأشعر أنهم موجودون. لا، لا يمكن أن أكون إلا هناك، وانتمائي هناك.
محمد جرادي:
مَن شكّل النواة الأولى لشخصيّتك، ملامح إلياس جرادة الأولى، من النشأة؟ هل كان أخوك عمّار، بجمّول، وهو أحد ثلاثة رفاق من "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" الذين نفّذوا عملية "بوستروس" ضدّ الإسرائيليين في اجتياح عام 1982، أم شقيقتك منى، التي كان لها تأثير كبير في شخصيّتك، والتي تذكرها دائمًا، وربطًا بذكرك المتكرّر للوالد، كأحد المرتكزات…
هل ارتكزتَ عليهم؟ أم أنك، أنت، مَن أضفى الصبغة العصرية على كل ما تربّيت عليه؟
إلياس جرادة:
سؤال جميل جدًا. إذا أردتُ أن أجيب علميًا، وعن نفسي، وأحلّل شخصيّتي، أستطيع أن أقول إنني جزء من كلّ هذا.
أنا جزء من هذه المنظومة العائلية، التي عاشت، برأيي، "الإنسانية"، بكل مفاهيمها. لا شكّ أنني استمدّيتُ من والدي المرحوم الكثير، ومن مفاهيمه… هو لم يكن يعلّمنا نظريًا، بل كانت تصرّفاته، هي سلوكياته. سلوكياته هي التي شكّلتنا: انتماؤه، وطنيته، شفافيته، محبّته للآخر، التزامه، مناقبيته… لا يوجد شيء اسمه "طائفية" عندنا، لم تكن موجودة.
عندنا يوجد "دين"، يوجد "تديّن"، يوجد "روحانيات"، بقدر ما تشاء… لكن لا يوجد شيء اسمه "مفهوم طائفي"، هذا مُلغى تمامًا. حتى كان الوالد، رحمه الله، إذا سمعني أقول: "نحن كمسيحيين..."، يردّ مباشرة: "لماذا تقول أنت مسيحي؟ أنت لبناني"، بهذا المعنى. أنت تذهب إلى الكنيسة، نعم، لكنك لا تقول: "أنا مسيحي"، تقول: "أنا لبناني". كان استخدام الكلمة مرفوضًا عنده. من مناقبيته، من عصمته، من تضحيته، من حبه للآخر، من التزامه، من شفافيته...
طبعًا، هذا كان مؤثرًا جدًا في تربيتنا. نحن تربّينا في عائلة كبيرة، تعتمد على نفسها. ربّينا أنفسنا على أن نعتمد على أنفسنا منذ الصِغَر. إذا أردتَ أن تتعلّم، فعليك أن تعمل. في الصيفية، كنّا نذهب للزراعة، نعمل "زريعة"، نشتغل... بهذه المسؤولية.
ثم جاء الواقع السياسي، والحرب اللبنانية، وكنا جزءًا منها، والاحتلال الإسرائيلي، والذي أثّر فينا كثيرًا. كنت صغيرًا، لكن، بشكل أو بآخر، أصبحتَ جزءًا من هذا الصراع. لأن أخي، عمّار جرادة، كان مقاومًا، فكنتُ، أعي أو لا أعي، أكتشف لاحقًا أن جزءًا كبيرًا من المعاناة، والضغوطات، التي كنت أتعرض لها، وأنا صغير، كانت بسبب أنه أخي هو عمّار جرادة.
محمد جرادي:
من المفارقات، التي عرفتها بالصدفة، أنه أصبح لاحقًا إمام جامع في طريق الجديدة.
إلياس جرادة:
نعم، هذه التحوّلات، هذا هو الواقع. يعني، أنت ابن هذه البيئة، هذا محيطك، هذه شخصيّتك، هذه عاطفتك، هذا حبّك للأرض. شقيقتي منى، وكل أخواتي، ليس فقط منى... لكن، منى بالتحديد، لعبت دورًا محوريًا.
محمد جرادي:
هي من أعادتك بالقوّة إلى لبنان وقت الانتخابات.
إلياس جرادة:
صحيح، هي التي فرضت عليّ القرار. قالت لي بالحرف: "يا إما تدخل، أو لستَ ابن فارس جرادة!" يعني، ضربتني على الوتر الحسّاس. كانت تعرف تمامًا ماذا تعني، أن تجرّدني من كل شيء. وكانت تتكلّم بصدق، وبجديّة. كانت تبكي، وتشخر بالبكاء، ولم تكن تحاول استدرار عاطفتي، بل كانت تأخذ موقفًا جادًا: "إلياس، إذا لم تدخل إلى الانتخابات، فإن موقفك يُسمّى تخاذلًا،
ويُسمّى جبنًا. أنت لستَ إلياس جرادة، وإذا لم تدخل، فأنت لستَ ابن فارس جرادة"، كانت كأنها تجرّدني من كل شيء.
منى... نعم، كانت تجرّدني من كل شيء. فهل لديّ اعتبارات أخرى؟ أنا ابن كلّ هذا، بصراحة. لأكون دقيقًا، نعم، أنا ابن التجربة العصرية، ابن العِلم، ابن الأكاديميا، السفر، الاختلاط بكل مطارح العالم، المشاركة، المحاضرات، البحث… لكنني أيضًا مزيج. كان عندي، وأعتقد يحقّ لي أن أقولها،
وأتمنّى أن أكون على صواب… كان عندي همّ دائم أن أحافظ =على شخصيّتي، على "أنا"، على إلياس جرادة، وأن أُطوّرها. لكن، كان همّي أن أحافظ على "أنا"، أنني لا أفقد نفسي.
كنتُ أُدرك، طوال الوقت، ما أتعرّض له من تحوّلات، وكانت لديّ القدرة على التقاطها بإيجابية، وأن أُطوّر نفسي من خلالها. أنا أشعر، كلّ يوم، أن عليّ أن أكون أفضل من البارحة، وغدًا، أفضل من اليوم. عندي هذا الهمّ: أن أُطوّر نفسي، في كل شيء. حتى لو بمعلومة صغيرة، حتى لو بتجربة بسيطة… المهم أن تضيف شيئًا جديدًا إليّ.
لكن، في الوقت نفسه، كان عندي همّ، أن تكون "منطلقاتي" هي إلياس جرادة، ذلك الصبي الصغير، الجالس على ضفة النهر، يضع "جراية" في الماء، ليصطاد السمك، ويكون قد خرج من الحقل متعبًا، وذهب مع رفاقه ليصطادوا بعض السمك، ويجلسوا سويًا. بقيت هذه الصورة، هي الأساس. وبقيت العصامية التي تعلّمتها من والدي، هي الأساس.
محمد جرادي:
في ختام هذه الحلقة، ستتوجّه حضرتك إلى الكاميرا، لنختم مع موقف، قد نبني عليه من انتخابات 2022، إلى ما سيكون في المقبل من الأيام.
في 2022، اعتُبِر إلياس جرادة "مسمارًا في نعش اجتماع نواب التغيير.
إلياس جرادة:
"نعش"؟ لا. إلياس جرادة هو إلياس جرادة. لن يكون، ولا ما نقوم به في السياسة، ولا ما سنقوم به في السياسة، هو ليس "ردّة فعل" ضدّ أحد. ولن يكون ردّة فعل ضدّ أحد. بل، سيكون موقفًا واعيًا، في خدمة وطننا ومجتمعنا. وسوف نسعى إلى تأليف "مروحة" كبيرة، على مستوى لبنان،
شعارها: الحفاظ على الهوية اللبنانية، في ظل كل هذه التغيّرات، وعلى وجود لبنان، 10452 كيلومترًا مربعًا، وجمع كل اللبنانيين تحت مؤسّسات الدولة، وأن يكون نضالنا من خلال هذه المؤسّسات، من أجل الحفاظ على وطننا، وعلى هويّتنا: الـ10452 كيلومترًا مربعًا… معنويًا، وكرامة، وسيادة، وشهادة، وكل شيء.
محمد جرادي:
شكرًا جزيلاً، سعادة النائب إلياس جرادة. سررت بلقائك. أولاد العم، ضمن الطيف اللبناني،
تعرّفنا كثيرًا إلى ملامح من شخصيتك. ربما الحياة السياسية، والحياة المهنية، أخذتك من الناس قليلًا، لكن مفيد جدًا أن نكتشف هذه الملامح، لكي نفهم المواقف التي تُطلقها، كأحد الأصوات التغييرية اليوم. ما مردّها؟ لنردّ إلى الأصل. لنردّ إلى أصل: "دولة المقاومة"، الحافظة للهوية اللبنانية.
إلياس جرادة:
نعم، ولكن… أيضًا، مفهوم التغيير، أعطوه، أو حاولوا أن يأخذوه، إلى مطارح أخرى. كأن التغيير يعني أنك ضدّ فريق معيّن. حين تقول "تغيير"، يفترضون أنك ضد المقاومة، أو ضدّ الدفاع عن لبنان، لكي تُصبح "تغييريًا". لا، أعتقد أن التغيير الحقيقي، ليس نحن مَن أسقط عليه هذه الانحرافات. الذي أسقط هذه الانحرافات على التغيير، هو المخطئ.
محمد جرادي:
شكرًا جزيلاً لك.
إلياس جرادة:
شكرًا الأكبر لكم.
محمد جرادي:
السادة المشاهدين، شكرًا لطيب المتابعة.
هذه الحلقة من بودكاست "الميادين" انتهت.
إلى اللقاء.