بزشكيان يعلّق على عقوبات ترامب: لدينا عدّة وسائل لإبطال أهدافه

نص الحلقة

 

راميا الإبراهيم: نقاش من الميادين. مرحبًا بكم مشاهدينا. 

نبدأ من إيران حيث أكّد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أنّ بلاده قوية وغنية بالموارد ويمكنها تجنُّب التحدّيات لإدارة مواردها.

كلام بزشكيان جاء في إطار الردّ على المذكّرة التي وقّعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي تقضي بفرض أقصى العقوبات على إيران.

بدوره قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن الضغوط القُصوى تجربة فاشلة وتجربتها مرة أخرى لن تؤدّي إلا إلى فشل آخر، مُشدّدًا على أنّ المخاوِف الأميركية من تطوير إيران أسلحة نووية ليست مشكلة مُعقّدة، ويمكن حلّها نظرًا إلى مُعارضة طهران لأسلحة الدمار الشامل.

هذا وأعلنت المُتحدّثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهرجاني أن السياسة الخارجية لبلادها تُحرِّكها مبادئ المصلحة والكرامة والحِكمة.

هذا تقرير للزميل أحمد البحراني.

 

تقرير:

سريعًا تفاعلت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في طهران. رفضٌ للأمر التنفيذي الذي وقّعه بإعادة فرض الضغوط القُصوى عليها تخلّلته إشارات لافِتة بشأن إمكانية التوصّل إلى حلولٍ.

(صوتية عباس عراقجي: أعتقد أنّ سياسة الضغط الأقصى تجربة فاشلة وإعادتها ستؤدّي إلى فشلٍ جديدٍ. إذا كانت القضية الرئيسية هي ألا تسعى إيران للحصول على أسلحةٍ نووية، فهذا أمر قابِل للتحقيق، ولا توجد مشكلة. مواقف إيران واضحة حول هذا الأمر، فهي عضو مُلْتَزِم معاهدة حَظْر الانتشار النووي، وهناك فتوى من قائد الثورة والجمهورية الإسلامية حدَّدت موقفنا من الأسلحة النووية، والمسألة بالنسبة إلينا واضحة).

يُضيف رئيس الدبلوماسية الإيرانية أنّ الضمانة بعدم إنتاج أسلحة نووية هي فتوى قائد الجمهورية الإسلامية وعضويّة الأخيرة في معاهدة حظر التسلّح النووي. موقف صريح دعمه رئيس المنظّمة الإيرانية للطاقة الذرّية.

(صوتية محمد إسلامي: ليس لدى إيران برنامج لامتلاك أسلحة نووية ولن يكون لديها، ومنهجنا بهذا الخصوص واضح).

هي رسائل مُتبادَلة غير مباشرة بين طهران وواشنطن، فهل يمكن أن تنتهي بلقاء ترامب مع نظيره الإيراني إنْ تمّ الاتفاق ورُفِعَت العقوبات؟

(صوتية مختار حدّاد رئيس تحرير صحيفة الوفاق: هذا أمر من المُبْكّر أن نتحدّث عنه، حتى لقاء بين وزراء خارجية البلدين أو مسؤولين في مستويات أقلّ، من أن يتمّ الحديث بأنه سيحصل لقاء، أو أميركا مُستعدّة، هذا باعتقادي من جانب أميركا هو مُجرّد دعاية إعلامية).

نائب الرئيس الإيراني محمد رضا عارف أكَّد أن اللقاء بين مسعود بزشكيان ودونالد ترامب ليس في جدول أعمال الجمهورية الإسلامية حاليًا.

وفق كل المُعطيات والتحليلات هنا، فإن اللقاء بين الرئيسين الإيراني والأميركي غير مُمكن في الظروف الراهنة، فالإيرانيون يرفضون أصلاً الحديث عن إجراء حوار مباشر مع واشنطن ما دامت العقوبات مستمرّة عليهم، وما لم تعتمد الإدارة الجديدة في البيت الأبيض نَهْجًا جديدًا.

أحمد البحراني، طهران، الميادين.

 

راميا الإبراهيم: حول هذا الملف معنا من طهران أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة طهران الدكتور حسن أحمديان. مرحبًا بكم دكتور. 

بداية هل جاءت المواقف والإجراءات التي أعلنها دونالد ترامب بشكلٍ مُفاجئ أو غير مُتوقّع بالنسبة لطهران بالنظر ربما للخلفية التي صاحَبت، جو من التفاؤل بشكلٍ أو بآخر لنسخة ترامب الجديدة إن صحّ التعبير بولايته الثانية؟

 

حسن أحمديان: لا يوجد الكثير من الجديد في المطروح أميركيًا. الإيرانيون توقّعوا بعودة ترامب أساسًا استمراره بالضغوط القصوى. الضغوط القصوى لم تتوقّف بالمناسبة في فترته الأولى، عَمِلَ بها الرئيس بايدن، حاور الإيرانيين في عدّة جولات، لكن لم تفضِ إلى إلغاء هذه العقوبات. هو الآن يُعيد الكلام عن هذه العقوبات القصوى، بأنه سيعمل بها، وهو أساسًا معمول بها عمليًا، التأثير ضئيل بالفعل إنْ كان هناك تأثير، التأثير الأبرز الذي ربما سيبحث عنه هو الضغط على الأطراف التي تستورد الطاقة الإيرانية لحملها على عدم استيرادها، وهي أطراف أساسًا تُجابه الولايات المتحدة على رأسها الصين مثلاً، فرضت عليها ضرائب في هذه الفترة الوجيزة لعودة ترامب إلى البيت الأبيض، وهي صارَحت الإيرانيين بأنها لن تقبل بالضغوط الأميركية وستستمر في مُعاملة إيران كما كانت في السابق.

بالتالي لا يوجد الكثير مما يُغيّر الصورة الإيرانية عن ترامب الجديد، هو أنه قياسًا لنهج الرئيس بايدن يركّز على سياسة الضغط وإظهار القوّة وغير ذلك لكي يصل إلى ما يريده.

 

راميا الإبراهيم: لكن دكتور أحمديان، وعذرًا على المُقاطعة، لكنّ شيئًا ما صاحَب عودة ترامب بأنه هذه المرة قد يحمل مسارًا مختلفًا في المنطقة، وحتى بالنسبة لإيران ذلك الذي بشكلٍ أو بآخر دفعنا للسؤال، هل كان هذا ما جاء به ترامب مُفاجئًا أم غير مُتوقّع؟ 

لكن جملة من ردود الفعل في مواقف المسؤولين الإيرانيين سنركّز عليها لفَهْم هل نحن أمام رسائل مُتبادَلة مُبطَّنة أو أجواء كذلك قد تشي بما هو مختلف، لكن أستفيد منك، أن تُفسِّر لنا ما علّقت عليه المُتحدّثة باسم الحكومة الإيرانية حول مواقف وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قالت بأنّ إيران في ثُلاثية تقوم على أساسها العزّة، والحِكمة، والمصلحة، هذه كيف يمكن أن نسقطها مباشرة على هذه الأجواء بعد هذه المواقف أو المسار المُتوقّع؟

 

حسن أحمديان: طبعًا المصلحة هي في أن تُلغى العقوبات، الحِكمة في أنّ إيران لن تتخلّى عن أوراقها من دون مقابل أو تسبق تخلّي الولايات المتحدة عن أوراق الضغط، وهي العقوبات القصوى، العِزّة هي أنّك لا تستطيع أن تبحث عن الضغط على الإيرانيين ليأتوك مُجْبَرِين، ليقبلوا بما تطرحه أمامهم، هذه فحوى هذه الشعارات الرئيسية التي تسيطر وتُطْرَح في كل الحكومات الإيرانية، هي الإطار العام للسياسة الخارجية الإيرانية، لذلك يُخاطبون الرئيس ترامب بأنك تريد المجتمع الدولي، إنْ أراد التأكّد من عدم تسليح البرنامج النووي الإيراني فهناك طُرق لا تغضب، ولا تتوقّع أن يأتيك الإيرانيون مُرْغَمين من دون أن يختاروا ذلك. هذا لن يحدث، هذا كل ما في الأمر، وزير الخارجية أيضًا تحدّث في نفس السياق، أننا يمكننا أن نظهر ذلك البُعد بأن السياسات النووية.

 

راميا الإبراهيم: ما الذي يمكن أن يحمله مختلفًا؟ عندما تحدّثنا عن هذه المبادئ الثلاثة التي شرحتها مشكورًا في سياسة طهران في القضايا الدولية، وهي ثابِتة، وبين عنوان المصلحة، ما الذي يحمله مختلفًا، وبدا لافتًا، وربما نبحث في ما بين السطور في ما قاله وزير الخارجية الإيرانية، أنّ إيران لا تسعى للحصول على أسلحة نووية، هذا أمر إذاً قابِل للتحقُّق ولا توجد أية مشكلة.

ما الجديد الآن في الطرح أو الرسالة غير المباشرة أو مضمونها التي ترسلها طهران إلى ترامب؟

 

حسن أحمديان: إيران تريد للرئيس ترامب وهو تحدّث في منحيين، المنحى الأول أنه مُرْغَم وغير راغِب، أعاد فرض هذه العقوبات وكما قلت هي ليست جديدة، لكن أيضًا حتى الآن في خطابه إنْ قسناه في المرحلة الأولى لرئاسته، خطابه ودّي جدًا تجاه إيران، تحدَّث أنّ هذه دولة عظيمة يمكن أن نتعاطى معها بطريقةٍ مختلفةٍ، يمكن أن نصل إلى تفاهمات، وزير الخارجية يقول له طيّب هذا جيّد لكن عليك أيضًا أن تُدرك بأننا لن نأتيك مُرْغَمين، عليك أن تحترم هذا البُعد من العزّة في السياسة الخارجية الإيرانية، وهي المُرتبطة بالثقافة الاستراتيجية الإيرانية، ولا يمكن أن يتخلّى عنها الإيرانيون بسهولة. 

بالتالي هو يرسل هذه الرسالة بأنه طريقة تعاطيك معنا لن تُفضي إلى نتيجة، إنْ كان ذلك مطمحك عليك أن تُغيِّر هذه اللهجة، عليك أن تُغيِّر هذه الطريقة، يبدو كما في الكثير من التحليلات في إيران أنّ الرئيس ترامب يبحث بالفعل عن صفقةٍ مع إيران، وهو أمر مختلف عن باقي الرؤساء لأنه رئيس مختلف عن باقي الرؤساء في الولايات المتحدة.

 

راميا الإبراهيم: ولكن دكتور أحمديان، ترامب قال إنه فكَّرت كثيرًا قبل أن أوقّع هذا القرار تحت عنوان الضغوط القصوى وما إلى ذلك وفي نوعٍ من الأجواء تشي بأنه ربما يكون هناك مسار مختلف، لكن ما الذي قد تقدّمه طهران، ما الذي عناه وزير الخارجية الإيراني عندما قال هذا قابِل للتحقّق، أنّ إيران لم تمتلك سلاحًا نوويًا، بأيّ إطار، ما الذي قد تبرزه؟

 

حسن أحمديان: هو الإطار السابق، لا يوجد جديد، لاحظي أنّ النقطتين المهمّتين، رَفْع العقوبات، إبداء الشفافية في الملف النووي، والحدّ من التخصيب العالي، النسبة، هذا الاتفاق النووي أساسًا فحواه هو ما يجري الحديث عنه، الرئيس ترامب أيضًا يتحدَّث بذات السياق، هو الذي خرق الاتفاق لكن يبدو أنه وصل إلى قناعة بأنه لا يمكن أن يحصل على أكثر من ذلك، يريد أن يقول بأنه حصل على أفضل مما حصل عليه أوباما وبايدن ويمكنه أن يتأكّد من أنّ إيران لن تتسلّح نوويًا، لكن في نهاية المطاف هو مُقايضة بين شفافية إيران في ملفها النووي وتأكيد المجتمع الدولي ليس فقط الولايات المتحدة من عدم تسليح البرنامج النووي، مُقايضة ذلك برفع العقوبات، هذا كل ما في الأمر، الرئيس ترامب أيضًا في حديثه قبل أسبوع تحدّث عن أنه يريد لإيران أن تزدهر وما إلى ذلك لكن لا يريدها أن تتسلّح نووياً، أي أنه عاد للخانة الأولى حيث اختلفت الدولتان، خرج من الاتفاق ليفرض الكثير من التنازُلات على إيران لكن الآن يبدو أنه عاد للأنا الأولى التي تقول بأنك يمكن أن تتأكّد من عدم تسلّح إيران نوويًا ومُقايضة ذلك برفع العقوبات وهذا أمر ممكن.

 

راميا الإبراهيم: وأشارت أيضًا للقاء الرئيس الإيراني، سأتحدّث عنها، لكن سنعرض لما قاله الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي أكّد أنه لا يمكن فرض عقوبات بسهولةٍ على إيران نظرًا إلى حُسن إدارة مواردها وعلاقاتها الدولية التاريخية والواسعة.

 

صوتية مسعود بزشكيان: يتعيّن علينا إدارة مواردنا والعمل بشكلٍ صحيح والتفاعُل مع جيراننا. هل يُعقل أن تفرض عقوبات بسهولةٍ على بلد لديه نحو 15 بلدًا جارًا قديمًا بعلاقات تاريخية؟ لقد تصوّروا أن كل ما نقوم به يعتمد على النفط ويريدون وقف ذلك.

 

راميا الإبراهيم: كيف يمكن أن تبني إيران هذه الثقة بهذا الشكل ولا سيما أن هناك تحوّلات على المستوى الإقليمي، تقدّم فيها طهران بأنها على مستوى المنطقة تراجع مستوى قوّتها وحضورها وتأثيرها بالنظر للتطوّرات بين غزّة، لبنان، وبالأساس سوريا؟

 

حسن أحمديان: هذه سرديّة تقديري أنها تُطْرَح إسرائيليًا ويُروَّج لها على أن إيران ضعيفة لكي لا تتمكّن إيران من أن تصل إلى تفاهُمات مع المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة، يقول للولايات المتحدة أن إيران ضعيفة لماذا تتفاهمون معها، علينا أن نقضي على هذا الخطر الإيراني، تقديري أن هذا لن ينطلي على الكثيرين، وشاهدنا ذلك بعد لقاء ترامب نتنياهو عندما تحدّث عن إيران، إيران دولة قوية، في مؤتمره الصحافي مباشرة بعد لقائه نتنياهو الرئيس ترامب يتحدّث عن قوّة إيران بدل ضعفها، وأنه يريد التفاهُم مع إيران، وأنّ الفرصة سانِحة. بالتالي الكلام عن ضعف إيران لا أعتقد أنه في سياق ما تريد الدولتان التفاهُم عليه، ما تطرحه إيران ينبع من واقع أنّ إيران التي فُرِضَت عليها العقوبات القصوى فجأة، وبالفعل جرى الضغط عليها اقتصاديًا بشكلٍ هائلٍ، اليوم مستعدّة بشكلٍ أكبر لمواجهة الضغوط القصوى ربما التي تزداد في المرحلة المقبلة. الإيرانيون كانوا يتوقّعون هكذا منحى في المستقبل، لذلك هم زادوا من عملهم في الجوار وفي الشرق كما يسمّونها والأولويّتان اللتان ركَّز عليهما الرئيس الراحل رئيسي والرئيس الحالي بزشكيان، العمل مع آسيا والعمل مع الجوار، تقديري أنّ إيران اليوم استعدادها أكبر بكثير للوقوف أمام العقوبات، طبعًا هذا ليس الأولويّة وليس ما ترجّحه إيران، الترجيح هو أن تُلغى العقوبات لكن إن لم تُلْغَ فهي أكثر استعدادًا من ذي قبل لإدارة الأزمات الاقتصادية التي قد تحدث مستقبلاً.

 

راميا الإبراهيم: وما أشار إليه الرئيس الإيراني، حُسن إدارة مواردها، هل هذا يأتي توازيًا بما أعلنه وزير النفط الإيراني بأنه سيجري توقيع أضخم عَقْد في تاريخ عقود نفط البلاد قريبًا كما وصفه، وأن هذا المضمون سيجري إعلانه بعد التوقيع، وأن الرئيس مسعود بزشكيان أكّد خلال اجتماع الحكومة الإيرانية، إدارة مواردها، هذا ما يؤسّس لقُدرة على المواجهة.

هل هذا الإعلان يأتي في ما أشار إليه الرئيس الإيراني وخصوصًا حول العَقْد الأضخم؟

 

حسن أحمديان: قَطْعًا هذا جزء من النقاش، ليس فقط هذا العَقْد، الاتفاق مع روسيا، الاتفاق الاستراتيجي مع روسيا، الاتفاق الاستراتيجي مع الصين، قبل ذلك الذي زاد من علاقة إيران التجارية بشكلٍ غير مسبوق مع الصين، هذه أمور حدثت في السنوات الأخيرة، الثلاث أو أربع سنوات الماضية، ثم اتّضح أنّ إدارة الحمائم كما توصف، إدارة بايدن تريد أن تقتطف الكثير من إيران، لأنها تظنّ أنّ إيران مُجْبَرة اقتصاديًا، لذلك توجّهت إيران باتجاهات بتوسيع مقدِرتها على الالتفاف على العقوبات وبناء علاقات أوثق مع الأطراف التي لا تقترب مع الولايات المتحدة في إدارة علاقتها مع إيران، وهذا العَقْد أيضًا يدخل في ذات السياق.

 

راميا الإبراهيم: وهناك توقيت لافِت له، لأنه في الوقت الذي يقول ترامب بأنه من ضمن هذه العقوبات الأقصى أو الضغوط القصوى، أن نصل إلى صفر تصدير نفط، أن يكون الإعلان بأنه العَقْد الأضخم، هذا أيضًا فيه تبادُل رسائل وإشارات ودلالات.

لكن دكتور، هل تغيّرت أيّ من ثوابت إيران، موضوع اللقاء المباشر مع الأميركيين، المفاوضات المباشرة، فصل الملفات من عدمه، إمكانية أن يكون هناك لقاء بين الرئيسين والعقوبات الأميركية ما زالت مفروضة؟

هل تغيّر أيّ من هذه النقاط التي لطالما حرصت إيران على ذِكرها؟

 

حسن أحمديان: لا، طبعًا لا يوجد أيّ تغيير هام يُذْكَر، التغيير الذي قد يأتي هو أن يجري الاتفاق على ما اتّفق عليه سابقًا ونَكَثَه الرئيس ترامب بعده، أي مُقايضة العقوبات بالشفافية في إيران، بعد ذلك قد تحدث لقاءات وغير ذلك، مساعِد الرئيس الإيراني اليوم تحدّث عن أن لقاء قضية ليست كبيرة، المهمّ هو الاتفاق على ما يمكن الاتفاق عليه ثم يجري الحديث عن أمورٍ أخرى، وأكّد أنّ هذه ليست أولوية، الثوابت بأنه إعادة الولايات المتحدة للخانة الأولى التي ذكرت، التركيز على النووي، فصل الملفات، التركيز على أنّ قضايا الإقليم ليست قضايا إيرانية وليست قضايا أميركية، قضايا أناس آخرين وقضايا دول أخرى لإيران علاقات وطيدة مع بعضهم، وهي بعيدة عن بعضهم الآخر، لا إيران وصيّة على المنطقة ولا الولايات المتحدة لديها الصلاحية أن تتحدّث عن المنطقة، بالتالي إنْ أردنا الاتفاق فهو اتفاق حول قضايا بين إيران والولايات المتحدة والمجتمع الدولي بشكلٍ عام، لا عن المنطقة، أي فصل الملفات وقضية ما زالت إيران تُركّز عليها والولايات المتحدة تقبلها، حتى الآن لا يوجد كلام ضدّ هذا الفصل.

 

راميا الإبراهيم: شكرًا جزيلاً لك دكتور حسن أحمديان أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة طهران ضيفنا كنت معنا من العاصمة الإيرانية.

 

 

المحور الثاني

 

راميا الإبراهيم: من الملف النووي الإيراني إلى الأزمات المُرتبطة بالقوى الكردية في سوريا حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بعد لقائه رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، أنه جرى بحث الخطوات التي يتعيّن اتّخاذها ضدّ المسلّحين الكرد في شمال شرق سوريا، وهل يغيب الموقف الواضح للإدارة الأميركية الجديدة. 

حول هذا الموضوع يُعلنها أردوغان صراحة بأنه اتّفق مع الشرع على قراراتٍ مهمّة من شأنها تغيير مستقبل المنطقة في ترقّب كبير لنداء تاريخي للزعيم المؤسّس لحزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان والمحكوم عليه بالسجن المؤبّد في جزيرة إمرالي، نداء قد يطلقه في الخامس عشر من شباط فبراير الجاري ليرسم ملامِح مرحلة جديدة على صعيد مستقبل المطالب الكردية.

هذا تقرير للزميل عمر كايد.

 

تقرير:

لعلّ ملف قوات سوريا الديمقراطية هو من أعقد الملفات التي تواجِه الحُكم الجديد في دمشق، فلا دولة موحّدة ولا جيش وطني جامِعًا من دون حلّ هذه المسألة المركّبة والمُتداخلة محليًا وإقليميًا ودوليًا.

صحيح أنّ الجانبين قد توصّلا إلى توافق في عدد من القضايا الهامّة ولا سيما انسحاب قوات حزب العمال الكردستاني والتخلّي عن فكرة الانفصال، لكن حجم الملف وتشابُكاته يحتاج مزيدًا من الوقت والنقاش والمُباحثات وهو ما لفت إليه رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع خلال لقائه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان.

الموقف الأميركي غير الواضح هو إحدى العقبات الأساسية التي تحول من دون الدفع باتجاه تسوية والتوصّل إلى تفاهمات فواشنطن على ما يبدو ترغب في إدارة التناقُضات والنِزاعات وليس حلّها وهذا ما ترفضه أنقرة.

خلاف رئيسي آخر يتعلّق بشكل الاندماج في الجيش السوري الجديد. ففي حين يُصرّ الشرع على حلّ قوات سوريا الديمقراطية وتشكيلها في قطاعات ووحدات الجيش السوري في المحافظات، طرح قائد قسد مظلوم عبدي الانضمام كفرقةٍ في مناطقهم ضمن الجيش.

إلى جانب ذلك تحضر قضايا أخرى لها علاقة بحقوق الكرد كالتجنيس واللغة وإقرار أعيادهم ومناسباتهم والمحافظة على خصوصيّتهم الثقافية والعِرقية والحضارية.

صحيح أنّ المفاوضات ما زالت مُتعثّرة وتشهد بعض المناطق شرقي الفرات اشتباكات محدودة لكن من المُبَكّر الحديث عن فشلها بالرغم من استمرار القصف التركي والمواجهات، فأنقرة تسعى من خلال هذا التصعيد العسكري للضغط على الإدارة الأميركية وقسد للموافقة على شروطها.

 

راميا الإبراهيم: حول هذا الموضوع معنا من بوخوم في ألمانيا الباحِث في المركز الكردي للدراسات السيّد طارق حمو. مرحبًا بك.

ربما البحث الأساسي عندما قد يكون فعلاً لحظة تاريخية في تركيا، أن نرى عبد الله أوجلان في البرلمان التركي يُلقي كلمة ويفتح ربما مسارًا لطيّ صفحة طويلة في واحدة من أعقد القضايا في تركيا من حزب العمال الكردستاني كنقطةٍ أساسية وحلّ هذه القضية التي تعتبرها تركيا مُهدِّدة لأمنها كما توصّفها.

هل هناك أية كواليس لديكم سيّد حمو، أنّ هذه اللحظة اقتربت؟

 

طارق حمو: مساء الخير لك ولضيوفكم، وبحسب ما أعِلن رسميًا من كتلة حزب المساواة والديمقراطية للشعوب التي يصفون هذا الحزب بأنه الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، قال بأن السيّد أوجلان سوف يُلقي خطابًا في 15 شباط حول القضية الكردية وحول الوضع في تركيا وآلية وكيفيّة القضية الكردية، محتوى هذا الخطاب لم يُكْشَف عنه، لكن الثابت والتصريح الرسمي أنّ هناك خطابًا سيلقيه السيّد عبد الله أوجلان في 15 شباط، أين سيُلقى هذا الخطاب؟ كيف سيُلقى؟ هل هو مصوَّر؟ هل هو في البرلمان التركي؟ هذا لم يكشف عنه. نحن ننتظر طبعًا 15 شباط لنعرف مضمون هذا الخطاب الذي هو سيكون دعوة للسلام وللحلّ الديمقراطي، دعوة للدولة التركية بأن تعترف، بأن تعترف بالقومية الكردية، بالشعب الكردي، وتُنهي أكثر من مئة عام من سياسات الصَهْر القومي والرِهان على الحسم العسكري والحلول الأمنية.

إذاً نترقّب هذا الخطاب الذي سوف يؤثّر على جميع الكرد خارج تركيا أيضًا.

 

راميا الإبراهيم: وهذا سنبحثه لكننا قد نكون فعلاً أمام ما وصِف بنداء تاريخي، المطروح كمبادرة، دولت بهتشلي، كانت المبادرة أن يفكّ العزل مقابل إعلان حلّ حزب العمال الكردستاني، إلقاء السلاح، وما قاله بهتشلي، إنهاء ملف التهديد الإرهابي كما وصفه والانخراط في المجال السياسي، في العمل في تركيا.

هل هناك ما يؤشّر إلى أنّ هذا الطرح آو هذه المُبادرة التي وصفها أردوغان بأنها فرصة تاريخية بالفعل سلكت ودارت عجلتها؟

 

طارق حمو: كلام السيّد بهتشلي هو للاستهلاك الإعلامي لدى جمهوره، هو الذي بدأ هذه المبادرة عندما سلّم على كتلة حزب الشعوب، حزب المساواة والديمقراطية للشعوب في البرلمان التركي، وهي طبعًا ثالث أكبر كتلة، الكتلة هذه أكبر من كتلة السيّد بهتشلي نفسه وسلّم عليهم وتحدّث عن الأخوّة التاريخية وعن ضرورة حلّ القضية الكردية، واستخدم بعض الألفاظ من سبيل الإرهاب وإنهاء الإرهاب والتخلّي عن السلاح لمُخاطبة جمهوره، الذي هو طبعًا جمهور مُتطرّف، لنعلم هذا التفصيل، لكن السيّد أوجلان من خلال مباحثات طويلة مع الدولة التركية ومع كل الأحزاب التركية سواء كانت في الحكومة أو المعارضة، سوف يطرح خطوطًا لحلّ القضية الكردية من ضمنها الاعتراف الدستوري بالكرد وتضمين الحقوق الكردية داخل الدولة التركية، وهو ما إذا حدث سيُغيّر وجه تركيا وسيُغيّر من سياساتها العدوانية التي لا تقبل الكرد والتي تؤدّي إلى أزمات في داخل تركيا نفسها وفي الخارج. علينا أن ننتظر هذا الخطاب وفي حال موافقة الدولة التركية على إنهاء هذه السياسة والاعتراف الدستوري بالكرد وإشراك الكرد بشكلٍ جيّد وضمان الحقوق والتوقّف عن حملات الإنكار والصَهْر القومي لا شكّ بأن خطوات أخرى مثل وقف الكفاح المسلّح وما إلى ذلك سيُعلن عنه.

 

راميا الإبراهيم: وهذا يُفترض بدءًا، من خلال ما سمح من لقاء لنائبين من حزب المساواة والديمقراطية والشعوب بلقاء الزعيم عبد الله أوجلان، وبالتالي فُهِمَ أنّ الأمور سالكة.

إلى أي حدّ تساهم التطوّرات في الإقليم لإنجاح ربما هذه المبادرة؟

 

طارق حمو: التطوّرات في الإقليم كانت كبيرة في العام الماضي، في السنتين السابقتين، الأشهر الماضية، فتركيا قرأت هذه التطوّرات، عرفت بأن سياسة القمع والرهان على الحسم العسكري والحرب لم تُجدِ نفعًا مع الكتلة الكردية في داخل تركيا، ورغم الاعتقالات الكثيرة والمُلاحقة فإن حزب المساواة والديمقراطية للشعوب يتعزَّز ويتصدَّر المشهد وهو في الانتخابات الأخيرة سيطر على بلدياتٍ كبرى على كامل مساحة إقليم كردستان في تركيا وهي 16 ولاية تقريبًا، مساحة سوريا، إذا رجّحوا الحل السياسي لأن العمليات العسكرية الكبيرة في جبال قنديل لم تؤتِ أُكُلها وتطوّر حزب العمال الكردستاني لجهة المقاومة.

 

راميا الإبراهيم: إذا سألت السؤال بشكلٍ مُعاكس سيّد طارق حمو، هل يمكن لأية تدخّلات خارجية أن تُعطّل هذا المسار أم أنه نضجت الأمور بالنسبة للطرفين لترسيخ مسار عميق يُفضي إلى هذه النتيجة التي تتفضّل بها؟

هل هناك مقدرة لليد الخارجية أن تعطّل هذا المسار وإنْ كنّا لا نعرف كل تفاصيله؟

 

طارق حمو: أنا أعتقد من الجانب الكردي لا يوجد أي تأثير خارجي على الجانب الكردي، وعلى السيّد أوجلان، وعلى حزب العمال الكردستاني والكرد، لأنه منذ سنوات طويلة يدعون إلى إنهاء هذه السياسة وإلى حلٍّ ديمقراطي سِلمي في داخل البرلمان التركي، اعتراف دستوري بالكرد وحلّ القضية الكردية، لكن من جانب الدولة التركية ربما يساهم بعض الضغط من بعض الجهات التي لا تريد حلّ القضية الكردية والتي تراهِن على الصِراع الكردي التركي في أن تبقى تركيا مُتخلّفة ومُتأخّرة، ربما يؤثّر ذلك على الساسة وعلى مُتّخذي القرار هناك.

 

راميا الإبراهيم: والبعض يقول إنه أيضًا بالنسبة للتقسيمات للكرد في المنطقة، هناك تأثير كبير بالفعل إذا ما اتّخذ هذا القرار، حلّ حزب العمال الكردستاني، وبالتالي راية من الرايات التي تقدّم بأنها تسعى لإقامة دولة كردية على ما يقدّم حلّ الحزب وإلقاء السلاح سيؤثّر بطبيعة الحال على مكوّنات أخرى لديها نفس الرؤية في الإقليم.

بين إيران، والعراق، وسوريا، قسد تحت الضوء مباشرة لا سيما مع التطوّرات الحالية، ولذلك تركيا ربما تُلقي بثقلها بشكل كبير في هذه المرحلة لأنه ستكون هناك نتيجة كبيرة داخل تركيا ونتيجة مهمّة بنفس القَدِر في سوريا إذا ما حصلت هذه النتيجة وتحديدًا بخصوص قسد؟

 

طارق حمو: الكرد يفكّرون أيضًا بهذا الشكل ولكن بطريقةٍ معكوسة، الكرد يراهنون على أنّ حلّ القضية الكردية داخل تركيا، وأن الاعتراف الرسمي بالكرد والتخلّي عن السلاح والحَسْم العسكري بجانب الآلة العسكرية التركية سوف يدفع إلى أن تتّخذ تركيا موقفًا مَرِنًا من جميع الكرد خارج تركيا، وسوف يدفع تركيا إلى اختيار الطُرُق السلمية وطُرُق الحوار والتفاوض والتوقّف عن الضغط على دمشق وبغداد وطهران من جهة حلّ القضية الكردية، فالكرد مُتفائلون أيضًا بأن هذا الحوار ربما يُغيّر تركيا ويُغيّر العقلية التركية وهذه السياسة الإنكارية الطويلة ضدّ الشعب الكردي.

 

راميا الإبراهيم: لكن في موضوع قسد، أية تأثيرات، وهل يؤخّذ بالحسبان بالقرار الآن بالنسبة لحزب العمال الكردستاني والقوى الكردية في تركيا مدى التأثيرات أو استيعابها على قسد، قبل بعض الوقت محطّة MSNBC الأميركية نقلت عن مصادر وصفتها بالموثوقة من البنتاغون بأن الولايات المتحدة الأميركية فعلاً لديها اتجاه وقرار بسحب قوّاتها من سوريا، وبالتالي هذه عوامِل إذا ما اتّخذ القرار كما تشير في تركيا وسحبت الولايات المتحدة الأميركية قوّاتها قسد ستبقى لوحدها.

هل هناك تفكير في هذا الجانب بالنسبة لكرد تركيا حول قسد والتأثيرات؟

 

طارق حمو: طبعًا من شروط الحوار مع تركيا وحلّ القضية الكردية هو أن تتخلّى تركيا عن عدائها لبقيّة الكرد خارج تركيا، إذا حصل هناك اتفاق سلام داخل تركيا بين الكرد والدولة التركية، فإن تركيا ستوقِف من ضغوطها على الحكومة السورية في تحريكها لما يسمّى بفصائل الجيش الوطني التي تتبع لها، وهذا سيُريح قسد وسيمنحها المزيد من مساحة المُراوغة والحوار مع دمشق، هذا أيضًا موضوع مهمّ لكن أن تحصل تركيا على اعتراف من الكرد بالتخلّي عن السلاح وبالتخلّي عن الكفاح المسلّح وتتمسّك بعقليّتها الإنكارية وتضطهد الكرد وتُرسِل إليهم ميليشيات تابعة لها في سوريا لتقتلهم وتحتلّ أراضيهم، هذا لن يحصل طبعًا.

أحد شروط الاتفاق بين السيّد عبد الله أوجلان والدولة التركية سيكون أيضًا أن تكفّ تركيا عن مُلاحقة ومُعاداة الكرد خارج الحدود التركية.

 

راميا الإبراهيم: لكن هل مدّ اليد بين حزب العمال الكردستاني إلى الدولة في تركيا وقسد بالنسبة لدمشق بنظام الحُكم الموجود في المرحلة الانتقالية، هل هناك من رابطٍ، لا سيما بعد زيارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع لتركيا ولقائه الرئيس أردوغان وبالتالي إلقاء السلاح هنا أو الانخراط في الدولة في سوريا كذلك الأمر في تركيا؟

 

طارق حمو: نعم، الرابِط هو بنود السلام، بنود الاتفاق مع الدولة التركية، فيها بند من وجهة نظري يتعلّق بالكرد في سوريا، وهذا البند يقوم على أن تكفّ تركيا عن دعم المسلّحين، عن التدخّل لدى دمشق في اضطهاد الكرد، في مُحاصرة الكرد بمنع أيّ توافق سياسي بين دمشق والإدارة الذاتية بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، أن تلعب دورًا إيجابيًا، فلا أعتقد بأن القضية الكردية ستحلّ في تركيا، على أن تبقى تركيا هي نفسها، هي نفسها تركيا القديمة التي لا تقبل بوجودٍ كردي في الأرجنتين بل تراهن على المسيرات وعلى القصف العسكري والقصف الجوّي والتفجير والتفخيخ وتجنيد العملاء لقتل السياسيين والقياديين الكرد، هذا لن يحصل، إما سلام كامل ومعلوم النقاط والمعالِم، أو الإبقاء على الحال الحالية.

 

راميا الإبراهيم: وبكل الأحوال هذا الملف بالفعل إذا ما سلك باتجاه ما تتفضّل بطرحه، نحن نتحدّث عن تحوّلات كبيرة ومهمّة وتاريخية ليس فقط في تركيا، أشكرك جزيل الشكر سيّد طارق حمو الباحث في المركز الكردي للدراسات، ضيفنا من بوخوم في ألمانيا.

 

 

المحور الثالث

 

راميا الإبراهيم: في ملفنا الثالث ننتقل إلى تونس حيث أصدر القضاء حُكما بالسجن على 41 مُتّهمًا في قضية التخابُر المعروفة إعلاميًا بقضية إنستالينغو ومن بينهم رئيس حركة النهضة راشد الغنّوشي ورئيس الاستخبارات التونسية السابق لزهر لونقو ورئيس الحكومة الأسبق هشام المشيشي. المتّهمون رأوا أنّ هذه الأحكام سياسية في حين أن شركة إنستالينغو أصدرت بيانًا تشير فيه إلى أنّ المُحاكمة غير عادلة نظرًا إلى غياب الأدلّة.

تفاصيل أكثر في تقرير الزميلة سميحة البوغانمي.

 

التقرير:

أحكام قضائية ثقيلة في قضية التخابُر المعروفة إعلاميًا بقضية إنستالينغو حيث حُكِمَ على زعيم حركة النهضة راشد الغنّوشي بـ22 سنة وعلى رئيس الحكومة الأسبق هشام المشيشي بـ35 سنة، وعلى عددٍ آخر من السياسيين والمسؤولين السابقين في الدولة وعدد من الصحافيين والناشطين على وسائل التواصُل الاجتماعي، أحكام قوبِلَت بانتقادات كثيرة إذ اعتبرتها حركة النهضة مُحاكمة سياسية ظالمة.

(صوتية محمد اليوسفي – صحافي: هذه القضية عمَّقت أكثر فأكثر أزمة الثقة في الجسم القضائي، لأن هناك تشكيكًا سياسيًا في مدى استقلاليّة القضاء في العلاقة بالأحكام التي تمّ إصدارها في هذه القضية، وأيضًا هناك إشكال حقيقي يتعلّق بمُحاكمة ثلاثة صحافيين وصحافيات في هذه القضية، وهذه الأحكام هي تمسّ بحرية الصحافة).

أحكام وإنْ أثارت كثيرًا من الجَدَل واعتبرها البعض قاسية جدًا، فإن ثمة مَن يرى فيها تحقيقًا للعدالة وتأكيدًا لاستقلاليّة القضاء خصوصًا وأنها تأتي ضمن ملف يقول مراقبون إنه يُهدّد أمن الدولة.

(صوتية باسل ترجمان – محلّل سياسي: هي قضية تجسُس بامتياز لأطرافٍ كانت تسعى للتآمُر على الدولة التونسية، وهذا ليس خافيًا، وباعتقادي أنّ القضاء اليوم كان قضاء عادلاً، كان قضاء واجه هذه المنصّات التي كانت تسعى لضرب الأمن القومي).

وتعود أحداث قضية إنستالينغو إلى تشرين الأول أكتوبر من عام 2021 حينما أوقِف عدد من موظّفيها بتِهَم بينها ارتكاب أمر جسيم ضدّ رئيس الدولة التونسية والتآمُر على أمن الدولة الداخلي والقيام بأعمال الجوسَسَة.

بعد قرابة ثلاث سنوات القضاء التونسي يُسدل الستارة على قضية إنستالينغو بأحكامٍ أثارت وما زالت تثير كثيرًا من الجَدَل خصوصًا أنّ هذه القضية ليست الوحيدة أمام القضاء مع الحديث عن ملفات لا تقلّ أهمية.

سميحة البوغانمي، تونس، الميادين.

 

راميا الإبراهيم: لنقاش هذا الملف معنا من تونس الكاتب الصحافي السيّد زياد الهاني. مرحبًا بكم سيّد الهاني. 

بين القانوني القضائي والبصمة السياسية، ما الذي تقوله حول هذه القضية وما صدر من أحكامٍ وصِفَت، وبالفعل هي سنوات حُكم عالية حتى بالنسبة للصحافيين وللسياسيين؟

 

زياد الهاني: في الواقع هذه مهزلة أخرى تُضاف إلى سلسلة المهازِل القضائية والتي يُسْتَخَدم بها القضاء كأداةٍ لتركيز وتكريس أسس دولة الاستبداد. 

حتى لا يكون حديثي إنشائيًا، سأتناول الوقائع من خلال الوثائق وأساسًا مُرتكزًا على قرار خَتْم البحث الذي قام به السيّد حاكِم التحقيق والذي توصّل إلى مجموعة من الاستخلاصات التي على أساسها بُنِيَت هذه المحاكمة، سآخذ مِثالاً بسيطًا حتى يكون واضحًا للجميع، ولا تكون فيه تعقيدات، هو مِثال الصحافية شذا الحاج مبارك.

 

راميا الإبراهيم: خمس سنوات حُكِمَ عليها في هذه القضية؟

 

زياد الهاني: حُكِمَ عليها بخمس سنوات سجنًا، شذا الحاج مبارك صحافية شابّة هي رئيسة تحرير في هذه المؤسّسة الإعلامية، مهمّتها هي أنها تتلقّى الأخبار والمقالات التي يكتبها الصحافيون العامَلون بالوكالة، تقوم بإصلاحها وتهذيبها ثم تحيلها إلى مدير التحرير، وهو الذي ينتقي منها ما هو صالح للنشر وما هو ليس صالحًا تمامًا، كما أنه هو الذي يُحدّد المواضيع التي على الصحافيين أن يبحثوا فيها، وأن يكتبوا فيها. كلّ صحافيي المؤسّسة الذين تمّ استجوابهم أكّدوا من دون استثناء بأن رئيسة التحرير شذا الحاج مبارك كانت دائمًا تؤكّد عليهم وتلحّ بأن يتحرّوا صدق الأخبار التي يأتون بها وألا ينزلقوا إلى أيّ شكلٍ من أشكال انتهاك أخلاقيات المهنة الصحافية وميثاق شرفها وأن ينأوا بأنفسهم عما هو مُتَدَاول في مواقع عدّة من شَتْم وسَلْب واستهداف للشخصيات العامة.

السيّد حاكِم التحقيق في قرار بحثه، وأرجو إن كان ممكنًا أن نطّلع على الصفحة 165 و215 من هذا القرار الذي تحدّث فيه عن شذا، يقول حاكِم التحقيق، وحيث علاوة على إن كان المظلوم فيهم أولا زينب 2 ياسمين ثلاثة حمدي 4 أشرف خمسة شذا الحاج مبارك، وعلاوة على أنّ الأبحاث المُجراة في القضية والتي كانت مُعمّقة لم تفرز أيّ دليل مادي ضدّهم على اقترافهم للأفعال المنسوبة، فإنما وجّه إليهم الاتّهام وثبت ارتكاب الأفعال هو علاقتهم المهنية بشركة إنستالينغو وبقيّة الشركة العاملة في علاقة بها، والحال أولاً أنّ تلك العلاقة علاقة شُغلية بالأساس، وهم يأتمرون كذلك بتعليمات رئيسهم في العمل، وثانيًا أنّ عملهم في ظاهره لم يكن يوحي بأية مخالفة للقانون، وثالثًا أنّ وظيفة كل واحد منهم كانت مُحدَّدة، وبالتالي فإنه لم يكن باستطاعة كل واحد منهم أن يطّلع، إلى آخره، ليخلص في النهاية إلى أنّ الأبحاث المُعمّقة تجعل الرُكن المعنوي مُنْعَدِمًا تمامًا في حقّ شذا وزملائها، واحتاج لذلك حفظ إجراءات التتبّع في حقّهم لعدم كفاية الحجّة والدليل بأنه أصدر بطاقة بإطلاق سراحها.

 

راميا الإبراهيم: هل هذا مرتبط بشذا الحاج مبارك أو صحافيين آخرين لأننا نتحدّث عن مروحةٍ واسعةٍ كذلك من السياسيين وأسماء كبيرة وكانت في الدولة وضمنهم راشد الغنّوشي وابنته سمية وابنه معاذ وزوج ابنته وكان وزير خارجية ويتمّ الحديث عن أنّ هناك نوعًا من التخابُر والعمالة وتبييض الأموال وارتكاب أمر موحِش ضدَ رئيس الدولة.

هل الأمر فقط بالنسبة للصحافيين، ماذا عن عنوان القضية وهذه الأسماء؟

 

زياد الهاني: أنا عرفت شذا كحالٍ مثلما هو في المفاهيم الفيزيائية، الحال المخالفة التي تنقض الحال العامة، وبالتالي تبيّن عدم صحّة الحال العامة لأن ما حصل مع شذا حصل مع غيرها، شذا، حاكِم التحقيق أطلق سراحها بعد أن تبيّنت له براءتها لكن النيابة العمومية رفضت ذلك القرار، استأنفته لدى دائرة الاتّهام لإلغاء قرار حاكِم التحقيق والمحكمة اليوم تحكم عليها بخمس سنوات سجنًا في ملف فارِغ، ونفس حاكِم التحقيق هو الذي برّأها منه، هذا حصل مع قادة أمنيين كبار في الدولة، أتحدّث عن الناطق الرسمي السابق باسم وزارة الداخلية العميد محمد علي العروي، وعن محافظ شرطة أعلى في وزارة الداخلية، كذلك السيّد توفيق السبعي وحتى لزهر لونقو من جهاز المُخابرات الذين كانت لهم خلافات معلومة مع وزير الداخلية الأسبق توفيق شرف الدين والذي تتوجّه إليه مباشرة كل أصابع الاتّهام في فَبْرَكة الملفات لضرب وإقصاء مُعارضي الرئيس قيس سعيّد والذي استغلّ هو بدوره لضرب وإقصاء مَن كان يختلف معهم داخل وزارته.

للأسف اليوم هذا الملف مُفَبْرك، الأحكام مُفَبْرَكة، اليوم لا نتحدّث عن قضاء عادل في تونس، هناك قُضاة عادلون، وذلك تجلّى في نصّ أعتبره تاريخيًا صدر يوم أمس فقط عن محكمة التعقيب في تونس، لفائدة الإعلامية صونيا الدهماني وبيّن عدم جواز مُلاحقة الصحفيين استنادًا إلى المرسوم 54 الذي خطّه رئيس الجمهورية بيده لكتم كلّ نَفَس حرّ، وأنه بالنسبة للإعلام هناك قانون خاص يُطبّق هو المرسوم 115، لكن كذلك رأينا أنّ هناك قُضاة آخرين، وخاصة على مستوى النيابة العمومية، الذين جعلوا نفسهم أدوات للقمع، للظلم وللتسلّط إرضاء لشهوة الحاكِم.

 

راميا الإبراهيم: ما الذي تتخوّف منه سيّد زياد الهاني لأن هناك قضايا مُماثلة، وأنا كنت استمعت لباسل ترجمان المُحلّل السياسي وكانت له أيضًا مُداخلة في التقرير الذي أعدّته الزميلة سميحة البوغانمي، تحدّث حتى عن قضية شذا الحاج مبارك وقال يُفترض أن يُنْظَر في أمرها لكن القانون لا يحمي المُغفّلين، أنا أنقل حرفًا عنه وبالتالي هي تعرف أنّ هذه الجهة هناك علامات استفهام حولها واتّهم شخصيات ممّن أدينوا بأنهم ساهموا بضرب الاقتصاد التونسي، وبالتالي ما نالهم من أحكام هي عادلة بحقّهم، تحدّث عن ضرب واحدة من مقوّمات الاقتصاد التونسي الخاصة بالنسيج وحتى بالبلاستيك وغيرها، أنّ هذه الشخصيات عندما اضطلعت بالحُكم، كانت في هذا الموقع الذي أضرّ بالاقتصاد التونسي.

كيف تُعلّق على هذه النقطة، وما الذي تتخوَّف منه في المسار المقبل؟ بدقيقتين لطفًا.

 

زياد الهاني: الفرق بيني وبين غيري هو فرق بسيط. أنا لا أتحدّث إلا من منطلق الوثائق الرسمية، لا أنطق عن هوى، ولا أتحدّث لخدمة أجندة سلطة مُعيّنة أو حزب معيّن أو غيره، لأن الحقيقة هي رسالتي، والحقيقة هي التي تهمّني، وعندما أتحدّث عن قضية، أنا ذكرت لكم المستند إلى قرار حاكِم التحقيق، وأرجو أن تتوافر لكم الفرصة حتى في مناسبة أخرى لاستعراض هذه الوثيقة التي حدّثتكم عنها. اليوم في تونس نحن في حال إلغاء كامل للحقوق والحريات، اليوم هناك سردية وحيدة يسعون لأن تسود في البلاد هي سردية الرئيس قيس سعيّد، وأذكر بأن الرئيس قيس سعيّد انقلب على دستور البلاد الديمقراطي يوم 25 تموز 2021، وأذكر بأن الرئيس قيس سعيّد ألغى كل المؤسّسات الشرعية للدولة ليُقيم مؤسّساته الخاصة، وأذكر أنه حتى في المؤسّسات التي أقامها بنفسه مثل البرلمان الانتقالي فإنه كان يتدخّل ليقرّر أي القوانين تمرّ وأيّ القوانين لا تمرّ، إلى درجة أنّ قانون مُناهضة التطبيع مثلاً، عندما أصرّ عليه بعض النواب وبدأوا في مناقشته، يتدخّل الرئيس قيس سعيّد عن طريق رئيس البرلمان مباشرة ليهدّدهم بإحالتهم إلى المحاكمة بتهمة تهديد أمن تونس الخارجي، لأنه بالنسبة له هذا القانون قانون مُناهضة التطبيع سيضرّ بمصالح تونس، ولأول مرة في ذلك البرلمان التونسي، وأعتقد أنه في كل برلمانات العالم بعد المصادقة على مجموعة من فصول قانون معيّن يتوقّف النقاش ويتوقّف تناول هذا المشروع، لماذا، لأن رئيس الدولة قرّر ذلك.

 

راميا الإبراهيم: ليس معنا أي أحد يمكن أن يعبّر عن وجهة الطرف الآخر، الوقت انتهى، سنحتفظ بهذه النقطة وستكون محلّ متابعة، والإشارة التي تفضّلت بطرحها أيضًا. 

أشكرك جزيل الشكر الكاتب الصحافي التونسي السيّد زياد الهاني على المشاركة معنا في نقاش، كنت معنا من العاصمة تونس.

نقاش لهذه الليلة انتهى. ملفات عديدة ستكون على طاولته غدًا.