السلام المفخخ.. عنوان جديد للصراع في غزة

تحية لغزة الباسلة المنتصرة وللمقاومة الصامدة. بعد توقّف المدافع وغياب الحسم، تُفتَح صفحة جديدة من الصراع: لا انتصار لـ "إسرائيل" ولا هزيمة للمقاومة. نناقش في هذه الحلقة نتائج التفاوض، ومستقبل الإعمار والأسرى، والحاجة الملحّة إلى وحدة وطنية فلسطينية وموقف عربي وشعبي يواصل انتصار الإنسانية ويمنع إفلات الاحتلال من العقاب، وصولاً إلى الهدف الأسمى: تحرير فلسطين.

نص الحلقة

 

حمدين صباحي: تحيّة عربية طيّبة، تحيّة لغزّة الباسِلة المُنتصرة، لشعبها، للمقاومة، تحيّة لضمير العالم. هؤلاء أوقفوا المدافع، توقّفت المجزرة. لا إسرائيل تمكّنت من تحقيق أهدافها، ولا هُجِّر الفلسطينيون، ولا عاد من الرهائن أحد إلا بالتفاوض. صفحة في تاريخ نضالنا ضدّ العدو الصهيوني أُغْلِقَت لتبدأ صفحة جديدة. فلا إسرائيل في طوفان الأقصى انتصرت، ولا المقاومة هُزِمَت، ولا الحرب انتهت. دخلنا فصلاً جديداً من الصراع نحتاج فيه مع المقاومة موقفاً رسمياً وشعبياً عربياً جديراً بهذه اللحظة، أن نواصل انتصار الإنسانيّة لنا، وعدم تمكين المجرم الصهيوني من الإفلات من العِقاب، أن نحقّق وحدة وطنية فلسطينية، صار التأخّر عن إنجازها خيانة للدم الفلسطيني، وسنواصل حتى تحرير فلسطين.

 

فيديو:

مواطِن غزّاوي: الحمد لله، نحن فرحون بنهاية الحرب على خير، والحمد لله ربّ العالمين. نحن عدنا لبلدنا، لغزّة العزّة. 

مواطِن غزّاوي: إن شاء الله بعد كل هذه المخاطر نعود لبيوتنا ونرتاح في أماكننا. 

مواطِن غزّاوي: والله اليوم أحسن من عيد، فرحين. الحمد لله، الله يهدّئ البال. إن شاء الله التي تعود تجد بيوتها موجودة، هذا أهمّ أمر لأن الدمار كبير. البنية التحتية، الناس... الله يكون لهم مُعين. الناس ليست كلها عائدة لأن البيوت مُهدّمة. الله يعين الناس ويُهدّئ البال. ألف سلامة للجميع.

مواطِن غزّاوي: نحن حتى الآن صامدون ولا نخرج من فلسطين. فلسطين حرّة. 

مواطِن غزّاوي: شعورنا فرحين جداً الحمد لله على ثباتنا وإرادتنا القوية أن نبقى في هذه الأرض الطيّبة، ثابتين، مرابطين، إن شاء الله، ولنا الأجر العظيم عند الله عزّ وجلّ.

مواطِن غزّاوي: نحن شعب، للأمانة، شعب جبّار، شعب صامِد، شعب يستحقّ الحياة عن كل الشعوب. كل الشعوب العربية لم يقف أحد معنا، لا عربي ولا دولي ولا أية دولة. للأمانة، نحن شعب يستحقّ دولة فلسطينية عاصمتها القدس.

مواطِن غزّاوي: اليوم الحمد لله ربّ العالمين، هذه الفرحة فرحة عارِمة لجميع الأهالي في الجنوب بعد عودتهم إلى شمال قطاع غزّة. لولا المقاومة ما عاد الأهالي إلى جنوب غزّة. هذا الفضل يعود لله سبحانه وتعالى ثم للمقاومين الأبطال الذين كانوا منذ بداية يوم سبعة أكتوبر حتى اليوم، عشرة عشرة، أيام تُكتب بالتاريخ. هذا الفضل يعود للأهالي ويعود للصابرين وللدول التي كانت معنا: لبنان، اليمن، لن ننساهم، العراق.

مواطِن غزّاوي: صحيح أنا فقدت 25 شخصاً من العائلة، لكن الحمد لله، الله أعطاني القوّة. ونحن صامدون وسنبقى صامدين. رَحَم الله كل شهداء غزّة، والله يشفي كل الجرحى.

مواطِن غزّاوي: نرفع الردم وننصب خيمة بأرضنا على الهوية الفلسطينية. حتى اللاجئين إسمهم بالوطن وليس بالشتات. كلنا عائدين إلى أراضينا وبيوتنا.

مواطِنة غزّاوية: كثير من الناس فَرِحة وأخرى حزينة لأنها فقدت كثيراً من أهلها، لكن مَن يهوّن عليهم أنهم سيعودون إلى مكانهم، حتى لو على خيم وبيوت مُدمّرة، لكن المهمّ أن يعود الفرد إلى مكانه. نحن فرحون جداً، إن شاء الله لا تُعاد الحرب.

 

حمدين صباحي: توقّفت الحرب ولو مؤقّتاً. ها هم أبطال غزّة يعودون إلى منازلهم ولو مُهدّمة. ها هو الشعب بأعظم ما يمكن أن يكون من تعريفٍ للشعب. هؤلاء هم الأبطال الذين صنعوا هذه اللحظة بتضحياتهم، بثباتهم، بصمودهم، بوقوفهم ضدّ الإبادة الجماعية والقصف والعَزْل. أكثر من 700 يوم ولم يرفع الفلسطينيون راية بيضاء. أكثر من 700 يوم يحاول العدو الصهيوني أن يحقّق أهدافه المُعْلَنة في الحرب، فينكسر أمام الكبرياء الفلسطيني، أمام روعة الشهادة والتشبّث بالأرض والاعتقاد في الحقّ والإصرار على أن يواجه ولو أعزل هذه الآلة للإبادة الجماعية.

هذه لحظة للفرح تعود فيها البَسْمة إلى وجوه الفلسطينيين العائدين إلى منازلهم، وتعود البَسْمة لشعبٍ يحتضن أسراه كما شهدنا في مشهد الأمس: المُحرّرون من سجون العدو الصهيوني يعودون بعلامة النصر وبقلب مُمتلئ بالإيمان بفلسطين وبيقينٍ في أنهم يتقدّمون نحو يوم التحرير الناجِز مهما طال المدى إليه.

حرية الأسرى، الاحتفاء الشعبي بهم، العودة إلى البيوت، إلى الأرض، إلى رائحة المنزل التي لا يمكن أن تفارِق الفلسطيني، ولا تكافؤه في مقابلها أيّ بقاع الدنيا مهما كانت. هذه فلسطين تتجلّى كما هي في حقيقتها: رمزاً لكرامة الإنسان، لتمسّكه بقِيَمه، لأصالته، لجماله الخُلقي، وصلابته في الدفاع عن أرضه وعِرضه وحقوقه.

ها هي فلسطين تأخذ المكانة التي تليق بها في كل قارّات الدنيا، وتُرَفْرِف عَلَماً وكوفية رمزاً على كل حقّ، وتحدّياً لكل ظلم، =رمزاً على كل جمال، ووقوفاً ضدّ كل قُبْح.

الآن وقد سكتت المدافع، وعادت البَسْمة إلى وجوه الفلسطينيين، وأُسقط الحجر الذي كان على صدر كل عربي على مدار 700 يوم، من حقّنا أن نحتفي بصنّاع النصر وأصحاب الفضل فيه: الشعب الفلسطيني بصموده، المقاومة التي افتتحت هذا الفصل المجيد في تاريخ الصراع العربي الصهيوني يوم 7 أكتوبر 2023، وظلّت واقفة، ثابتة، مرفوعة الهامة، لا تستسلم ولا تلين ولا تنحني.

700 يوم من القتال والفداء والصمود. لهذه المقاومة العظيمة التحيّة والإجلال، لقادتها العُظماء، للأيقونة السنوار، لهنيّة، للعاروري، للضيف، لكل إسم حفر في قلوبنا وفي ذاكرتنا وفي تاريخنا، وسيبقى مُضيئاً مُلهماً، يغزو السيف نحو تحرير فلسطين.

وللمقاومة في لبنان، لحزب الله، للشهيد الأسمى حسن نصر الله، ولكل الذين قدّموا أنفسهم من قادته فداءً لما آمنوا به، ووعدوا وصدَقوا في الوَعْد في أن يقدّموا أنفسهم فداءً لفلسطين.

للمقاومة في اليمن التي ثبتت وواصلت حتى اللحظة الأخيرة إسنادها الشريف الجادّ لغّزة وفلسطين، ولم تنقطع صواريخها ومُسيّراتها يوماً، وأكرهت كل الجبابرة، بما فيهم أمريكا، على أن ينسحبوا من مواجهتها في البحر، ولا زالت صامِدة في جبال اليمن الأشمّ.

للعراق، لإيران التي دعمت وأعطت وأيّدت وساندت واشتبكت بسلاحها ورجالها وصواريخها مع العدو الصهيوني.

ومن بعد الشعب والمقاومة، للإنسانية، للعالم، لشُرفائه، لأصحاب الضمائر الذين غيّروا وجه المُعادلة بوقوفهم في كل الميادين والعواصم مع الحقّ الفلسطيني، والذين أعادوا اكتشاف الحقيقة ولو بعد 70 عاماً: الظالم القبيح هو هذا الكيان الذي يمارس الإبادة الجماعية ويحتقر القِيَم الإنسانية، ويتوسّع على حساب دم الأطفال.

والقيمة العُظمى لفلسطين، رمزاً لكل ما هو جميل وحقّ وعادل وصُلب وثابت ومُستحقّ، ليس فقط لفرحة وقف إطلاق النار، بل لحقّه في أن يستعيد أرضه المُغْتَصبة، ويُقرّر مصيره بنفسه، ويستردّ وطنه، ويقيم دولته من النهر إلى البحر.

الشعب، وللمقاومة، وللضمير الإنساني التحيّة في هذا اليوم، والفخر والشكر والاحترام، والوَعْد بإكمال الطريق حتى النصر.

 

حمدين صباحي: ما الذي أكره نتنياهو الذي يتغذّى على الحرب ويعتقد أن اشتباكه الدائم هو سبيل بقائه الدائم في السلطة، ما الذي أكرهه على أن يقبل خطّة ترامب؟ الذي يعطينا إجابة دقيقة هو الشهيد الأيقونة يحيى السنوار في كلمةٍ له وهي مُذاعة ومُتَلْفَزة وموجودة على وسائل التواصُل الاجتماعي قبل طوفان الأقصى. قال السنوار العظيم: "لا بدّ من أن نقوم بعمل". كأنه ببصيرته يستكشف ما الذي يمكن أن يحدث من طوفان الأقصى: لا بد من أن نقوم بعمل يمكننا نحن والعالم من إكراه هذا الاحتلال على الاعتراف بحقوقنا المشروعة، الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني في تقرير المصير، أو نجعله في مواجهة العالم، ندفعه دفعاً شديداً ليكون في مواجهة العالم.

هذا بالضّبط ما أنجزه طوفان الأقصى. ما قاله السنوار بلسانه أنجزه طوفان الأقصى والصمود العظيم للشعب والمقاومة والتحوّل العظيم في موقف العالم، جعل إسرائيل بالفعل - طبعاً لم تعترف بأيّ حقّ للشعب الفلسطيني - فوضعت في الخيار الثاني الذي ذكره السنوار واستشرفه قبل استشهاده وقبل الطوفان. باتت إسرائيل في مواجهة العالم.

عندما أصبحت إسرائيل في مواجهة العالم، مُحاصَرة، معزولة، منبوذة، محكوماً عليها من الجنائية الدولية، وعلى قادتها مُدانة بتقارير الأمم المتحدة بأنها ترتكب جرائم إبادة جماعية، عندها دخل ترامب وطرح خطّته إنقاذاً لإسرائيل، وليس من أجل شعب غزّة كما يدّعي، في حفل العلاقات العامة الذي أقامه لتفخيم نفسه بالأمس: جزء منه بالكنيست، وجزء منه في حضور رؤساء العالم في شرم الشيخ.

يعترف ترامب بصحّة ما قاله السنوار في المُتداول. أنه حتى يقنع نتنياهو بالموافقة على خطّته، قال له في مُكالمة ساخِنة بينهما: "أنت لا تستطيع أن تواجه العالم أجمع". وهذا تكرّر في كلماته: إن إسرائيل أصبحت كما تنبّأ السنوار في مواجهة العالم أجمع. وأكّد هذا في كلمته بالأمس بالكنيست عندما قال: "يا بيبي، العالم شاسِع وقوي، لا معنى ولا ضرورة لأن تقف في مواجهته".

هكذا جاءت خطّة ترامب في اللحظة التي رأى أن إسرائيل تدخل في مواجهة مع عالم لا تستطيع أن تواجهه. قدَّم خطّته، واقتنع نتنياهو أو ضغط عليه فقَبِلها نتنياهو.

بقينا أمام خطّة ترامب. وأرادت هذه الخطّة أن تضع المقاومة وحماس على وجه الخصوص في مأزق: أن ترفض فتحمل وِزْر استدامة أن يجري الدم الفلسطيني، أو تقبل. لا بدّ من أن نوجّه تحيّة لفصائل المقاومة ولحماس على قُدرتها أن تخرج من هذا المأزق بذكاء وإدارة بالغة التفوّق، ما أعاد الكرة مرة أخرى إلى الجانب الإسرائيلي. لماذا؟ لأن حماس لم تقل "لا" فتحمل وِزْر الدم، ولم تقل "نعم" فتحمل وِزْر التفريط. قالت: "نوافق"، ولكن وافقت على الجزء المتعلّق بالتبادُل بين الرهائن والأسرى، وأنجزت مزيداً من تحرير الأسرى العُظماء من السجون الصهيونية، وأنجزت حَقْن الدم في غزّة، وأنجزت ما هو أهم: إفشال مشروع التهجير، وهو الغرض الرئيسي من حرب الإبادة التي شنّها نتنياهو.

في هذه اللحظة ينبغي أن نُقيّم: أن نتنياهو فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق الأهداف التي أعلنها بنفسه يوم 8 أكتوبر في بداية حرب الإبادة. سنتان، لم يحقّق شيئاً. توقّفت الحرب، عاد الأسرى، وبدأ الحديث عن باقي الخطّة. وهي خطّة تحدّث عنها طويلاً ترامب بالكنيست. وجلسة الكنيست أمس كانت كما رأيتها أشبه بحفلٍ صاخِب. طبعاً ترامب مُسْرِف في التعبيرات، الإطراء بالذات على نتنياهو وعلى مَن يوافقه. وهو رجل فقير جدّاً لغوياً، ولهذا فهو يُكرّر نفس الألفاظ وربما نفس الأفكار، ومُملّ ومُطيل.

لكن في جوهر ما قاله أمرين: القوّة الأمريكية هي التي أتت بما يُسمّيه السلام. هو يُعيد إنتاج مفهوم أمريكي: السلام بالقوّة، ليس بالعدل. فهذا هو جوهر الخطّة التي قدَّمها ترامب: سلام يُفْرَض بالقوّة. ولهذا خلا حديثه تماماً من حتى إشارة لحلّ الدولتين أو حلّ سياسي أو الحقوق للشعب الفلسطيني.

قلنا: يجوز أمام الكنيست لا يريد أن يتورّط بكلامٍ لا يلائم المقام. لكن في شرم الشيخ، رغم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كان واضحاً في كلمته أنه لكي يكون هناك سلام في هذه المنطقة من العالم، كل الشعوب عليها أن تعيش في حدودٍ آمنة وتتمتّع بحقهّا في تقرير المصير، وأن الشعب الفلسطيني ليس استثناءً من ذلك، وطالب بحلّ الدولتين، تحدّث ترامب بعده فلم يذكر لا =حلّ الدولتين ولا مساراً سياسياً ولا أفقاً للحقوق المشروعة ولا حقّ تقرير المصير.

هو يتحدّث عن حلّ في غزّة كما لو أن غزّة لا تنتمي لفلسطين. والحقيقة أن جزءاً من أهداف خطّة ترامب أن يفصل غزّة عن الضفة، في محاولة لفصل القدس عنهم، وأن يجعل من الشعب الفلسطيني مجموعات مُتناثرة، يُدار التعامل معها بمنطق فرض السلام بالقوّة، خارج وحدتها الوطنية كشعبٍ، ومن  دون التطرّق لجوهر ما يمكن أن يقيم سلاماً وهو الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني.

الحقيقة ما قدّمه ترامب بخطّته لا يختلف عما كان قدّمه سنة 2020 في  ما سمّاه الاتفاق الإبراهيمي. تقريباً عندما قال: "هذه صفقة القرن"، وقبلوها، لم يقدّم جديدًا في خطّته الآن بشأن غزّة. عاماً، ربما صفقة القرن كانت أسوأ في شروطها حتى من مشروع غزّة الراهن.

وضع غزّة على سبيل المثال في صفقة القرن 2020 كان أن تكون منطقة منزوعة السلاح، مُلْحقة بمصر، وتتولّى إدارتها. هذا الكلام غير موجود، ربما لأن مصر رفضت، لأن مصر مؤمِنة بحقّ الشعب الفلسطيني بإقامة دولته.

وبصفقة القرن كان هناك كلام واضح: ممنوع العودة للفلسطينيين الموجودين في الشتات، ويقارِب عددهم 12 مليون حالياً، يُوطّنوا ويحصلوا على تعويضات، لكن لا عودة. هذه المرة لم يضف هذا الشرط المُجْحِف الذي يحاول به أن ينفي حقاً أصيلاً للشعب الفلسطيني مُقرّ من الأمم المتحدة وهو حقّ العودة.

مَن يقولون: لماذا حماس والمقاومة شنّوا هذه الحرب ودفعنا هذا الثمن الغالي حتى نصل لهذا الاتفاق؟ سنة 2020، قبل طوفان الأقصى، كان معروضاً عليك ما هو أسوأ من هذا الاتفاق، الذي هو صفقة القرن. وكانت المسألة تسير لولا وقفة المقاومة، لولا طوفان الأقصى. على الأقل، طوفان الأقصى أوقف التدافُع من الأنظمة العربية للالتحاق بصفقة القرن وما سُمّي بالسلام الإبراهيمي، وعمل تطبيع مجاني مع هذا العدو.

المعروض في اتفاق غزّة الراهن الذي ووفِق عليه وبدأ تنفيذه، أخذت منه المقاومة ما تستطيع تحت ظرف ضرورة قاهرة، بذكاء وبكرامة، ولم تقبل أن تفرِّط في أيّ ثابت من ثوابت الشعب الفلسطيني.

نحن لسنا أمام صفقة عادلة ولا أمام مشروع سلام. نحن أمام مشروع هيمنة بالقوّة. النصوص تقول هذا، وخطابات ترامب بالأمس في الكنيست وفي شرم الشيخ تؤكّد هذا.

عندما تحدّث نتنياهو في الكنيست، ذكر لترامب بأفضال منها: اعترافه بالقدس، ونقل السفارة الأمريكية لها، وضمّ الجولان، وضمّ أيضاً يهودا والسامرة، أي الضفة الغربية =كما يُسمّيها الصهاينة. ولم يُعَقّب. صحيح، معروف أنه غير موافق على الضمّ حتى الآن، ترامب، لكنه لم يُعَقّب.

كنا أمام نفاق وتبادُل لأزهار ميتة باسم السلام، قائم على القوّة وليس على العدل، على حساب الحقوق الأصيلة، لا أقول للشعب الفلسطيني فقط، بل للأمّة العربية كلها. وهذا طبيعي أن يكون من شخصٍ كترامب.

ترامب هذا الذي هو أمريكا، جاء الآن لعَقْد اتفاق سلام، وهو الشريك في حرب الإبادة التي دعمها بالسلاح والمال والحماية السياسية في مجلس الأمن وفي العالم، ويقول لك أنا سأبني غزّة بأموال العرب. وقال في خطابه بالأمس: "أثرياء". يتحدّث عن الأثرياء. الأثرياء وظيفتهم ماذا؟ ليُعمّروا ما خرّبه بسلاحه. وهذا أيضاً مُنتهى الاحتقار والامتهان، أن يُقْدِم مجرم على جريمة، ثم يطالب الضحايا - الأمّة العربية ومنهم الفلسطينيون - أن يدفعوا ثمن تصحيح ما خرّبه وبناء ما دمّره.

لو هناك عدالة حقيقية في العالم، ليس فقط نتحدّث عن حقّ الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وتقرير مصيره، حتى بموضوع غزّة نتحدّث عن أن الذي أباد وأجرم وهدم البيوت والحجر والشجر فضلاً عن البشر، عليه أن يتحمّل تكاليف ما دمّرته يداه، وأن يدفع تعويضاً عادلاً عن حرب التدمير التي خاضها ضدّ =غزّة طوال سنتين.

لكن كل هذا غير موجود. ما هو موجود مفهوم "سلام قوّة" وتبشير بشرق أوسط جديد يُبنى من العقل الإسرائيلي ومن المال العربي على حساب حقوق الأمّة العربية وأولها حقوقنا في فلسطين.

 

خالد القدومي – ممثّل حركة حماس في طهران: من الضروري أن ندرك بأن شعبنا الصامِد البطل الصابر المُحْتَسب الذي وقف إلى جانب المقاومة والذي أصرّ على أن يعيد حقوقه، اليوم يلزمه من الأمّة - في المستوى الرسمي والمستوى الشعبي - موقف يتوازى أو يرتقي إلى هذه التضحيات وإلى هذه القرابين التي قدّمها للدفاع عن المسجد الأقصى، للدفاع عن أمن الأمّة في الخط الأول. هكذا ينظر الشعب الفلسطيني إلى نفسه، لأن الكيان الصهيوني اليوم بات فعلاً العدو المشترك الذي يضرب في كل الأمّة الإسلامية ويهدّد الأمن الجَمْعي.

عندما ذهبنا إلى هذا الاتفاق، ذهبنا بعد محاولات حثيثة جداً مع المجتمع الدولي ومع المنطقة بأنه يفهم بأن العدو الصهيوني هو المُعتدي، وإن الطوفان كان عبارة عن ردّة فعل طبيعية للدفاع عن النفس اتجاه جرائم العدو المُستدامة على مدى 77 سنة.

أنا أرى أن المقاومة قدّمت كل ما هو مطلوب منها من مسؤوليّات. وأنظر شعبنا اليوم مباشرة تحرّك لا إراديّاً في موضوع حفظ الأمن وتسهيل عودة الناس إلى الشمال وإلى بيوتهم، وبدأ وضع الاحتياجات. ووزارة الصحة بدأت تتحدّث عن خطّة مُحْكَمة ومُتكافِلة للإغاثة، فتح المعابر وطريقة إدارتها. كل هذا قدّمته المقاومة وفصائل المقاومة بإجماع وطني على مستوى الوطن.

نحن نريد أن نمضي قُدُماً إلى تنفيذ الاتفاقية بحذافيرها. الآن انسحب الجيش من الخط الأزرق إلى الخط الأصفر. في مرحلةٍ ثانيةٍ يجب أن ينسحب إلى الخط الأحمر. وفي مرحلة ثالثة يستكمل خروجه من غزّة كاملاً. هذا لا يجب أن يكون عليه أيّ نقاش.

قصة نزع السلاح لا يتحدّث أحد فيها ما دام الاحتلال موجوداً. كل الذرائع التي كانت بِيَدِ العدو - وحتى الرئيس الأمريكي الذي رحّبنا بمُقترحه - تمّ سحبها من قِبَل المقاومة. نحن المسؤولية التي علينا قدّمناها. الآن لا بدّ من أن نفهم أن هذه المسؤولية مشتركة. الضامِنون في العالم العربي والإسلامي، إخواننا في الكل الفلسطيني الحمد لله نحن الآن متّحدون على برنامج واضح جداً، على الأقل في المرحلة القادمة.

والرئيس ترامب بضغطه الشديد على هذا المجرم نتنياهو أن يتم تنفيذ الاتفاق بكل مراحله وفي أسرع وقت ممكن.

 

 

هيثم أبو غزلان – قيادي في حركة الجهاد الإسلامي: قبل الدخول بموضوع الاتفاق لا بدّ من التأكيد على أن الكيان الإسرائيلي الذي أراد سَحْق المقاومة وأيضاً إخراج الشعب الفلسطيني بتهجيره من قطاع غزّة، والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط عبر تحالفات وإيجاد حلف جديد يكون هو برئاسته، هذا لم يتحقق. وبالتالي هذا أوصلنا إلى أن الأمريكي والكيان الإسرائيلي لم يستطيعا أن يحقّقا أهدافهما المُعلنة رغم التدمير ورغم الإبادة وكل ذلك.

بكل تأكيد، ما يهمّنا في هذا السياق هو وقف إطلاق النار ووقف الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني. وهذا ما حصل. في المرحلة الأولى كانت هناك مسألة الانسحابات، ومن المُفترض أيضاً موضوع إطلاق سراح الأسرى الصهاينة.

بكل الأحوال، نحن لا نثق لا بنتنياهو ولا بترامب في هذا الجانب. وبالتالي نحن ندرك =جيّداً أن كلمة المقاومة وسلاح المقاومة هو الذي سيُلزِم العدو الإسرائيلي بتنفيذ الاتفاقات.

حركة حماس أعلنت وبشكلٍ موضوعي ومُنفتح على الجهود العربية والدولية أنها مع تسليم حُكم قطاع غزّة إلى لجنة تكنوقراط. وفي هذا تسحب الذريعة من ترامب ومن نتنياهو أن تكون هناك وصاية دولية على القطاع.

نتنياهو لن يكون في المرحلة المقبلة إذا لم يتكيّف مع ما يريده ترامب في هَنْدَسة الواقع السياسي والاقتصادي في قطاع غزّة. الكيان الإسرائيلي ليس في حال أو مرحلة مُريحة له في هذا الجانب. وهذا كله بفعل وجود هذه المقاومة وبفعل التضحيات التي قدّمها الشعب الفلسطيني.

يُضاف إلى ذلك سلسلة من عمليات الإسناد التي كانت موجودة وقام بها من لبنان ومن اليمن ومن العراق ومن الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

باعتقادي أن المرحلة المقبلة ستكون في كِباشٍ سياسي كبيرٍ في هذا الجانب. اليوم التالي سيكون بفعل دماء الشهداء وبفعل بطولات المقاومة التي بكل موضوعية كانت بطولات أسطورية وتكاد تكون مُعجزة في هذا الزمن.

 

حمدين صباحي: انتهى اليوم الحالي ونحن ندخل إلى اليوم التالي. وفي اليوم التالي سيظهر لأيّ مدى يمكن الاتفاق على خطّة ترامب فعلياً، لأن خطّة ترامب فيها تعميم، ولأن الشيطان يكمُن في التفاصيل. فكل تفصيل لتعميم من تعميمات خطة ترامب يمكن أن يُنهي هذه الخطة. ولهذا نحن أمام مرحلة صعبة.

ولكي نفهم "سلام القوّة" حسب الفَهْم الأمريكي الصهيوني، المطلوب ليس فقط نزع السلاح بمعنى الأسلحة، المطلوب إنهاء المقاومة. والحقيقة، عندما كرّر ترامب بكلمته أمس في الكنيست وشرم الشيخ يقول للشرق الأوسط: "انتهى عصر الفوضى"، هو لا يقصد بالفوضى إلا الذين يقاومون من أجل استرداد حقّنا في فلسطين.

فالحديث عن نزع السلاح هو أوسع من مجرّد نزع أسلحة المواجهة العسكرية أو الاشتباك الحربي. الحقيقة، هم يريدون نزع حتى سلاح الوَعي.

لذلك، إذا فكّرتم بما سمّاها ترامب "إن السلطة الفلسطينية عليها أن تنفّذ الإصلاحات المطلوبة"، ما هي الإصلاحات المطلوبة؟ من بينها أنه لا يوجد طفل فلسطيني يدرس في المدرسة أن أرضه هي من النهر للبحر. لا يدرس أحد أن عصابات جُمِعَت من العالم استولت على بيته وطردت جدّه في نكبة 48. ليس مطلوباً حتى أن يدرس آية في القرآن أو في الإنجيل تدعوه للتمسّك بحقّه.

المطلوب نزع الوَعي المقاوِم، المعلومة المقاومة، الحكاية الحقيقية المقاومة، التاريخ الذي يجعلني أقاوِم.

الحديث عن نزع السلاح أوسع من مجرّد أن آخذ الصاروخ والبندقية. هناك كلام وتفاصيل سنشهدها في الفترة المقبلة. لكن أول ما أدعو الأمّة في وعيها أن تنتمي إليه، لأن حقّ الكفاح المُسلّح لشعبٍ مُحتلّ حتى تحرير أرضه هو حقّ مُقرّ في الشرعية الدولية وفي القانون الدولي. فدعونا نتذكّر هذا.

نحن بدأنا في اليوم الثاني، وهو يوم طويل، وسيكون بإذن الله يوماً مجيداً للمقاومة، لكن يحتاج أشياء كثيرة، من بينها الوَعي من قضايا: أولها نزع السلاح، ثانيها طبيعة الحُكم. هم يريدون حُكمًا أجنبياً، وصاية انتداب، مما يُسمّى "مجلس السلام".

نريد أن نذكّر بما قالته المقاومة وندعمه: الذي يحكم فلسطين هم الفلسطينيون. وهذا كانت وصلت حماس للموافقة على الاقتراح المصري لعمل ما سُمّي بلجنة إسناد مجتمعي من مستقلّين محلّ ثقة من الشعب الفلسطيني، وليس بالضرورة حماس تكون شريكة فيها. هي وافقت على هذا مُبَكّراً.

إذاً، المقاومة مستعدّة أن تقبل حُكماً فلسطينياً ليس من بينها - من بين تلك الفصائل - لكن بطريقة موافقة عليها فلسطينياً، بما في ذلك يعني: لا نريد خَوَنة، نريد ناساً مستقلّين، ليس من فصائل المقاومة، يجوز، لكن أيضاً ليسوا عملاء للمُحتلّ والعدو.

الحديث عن حكم فلسطيني عبر لجنة مستقلّة فيه منطق. لكن الحديث عن حُكم أجنبي خالٍ من أيّ منطق. وحتى لو ترامب شكّل مجلسه للسلام ورأسه أو لم يترأّسه، هو لن يعرف أن يحكم غزّة. وكان غيره أشطر، لأن الاحتلال جاء بقَدِه وقديده وجيوشه واحتلّ غزّة، حتى ما اضطرته غزّة أن يكفّر بقُدرته على الحُكم وأن يتركها.

وعلى رأي رابين: "أريد أن أنام وأستيقظ وأرى غزّة في البحر". وانسحب - حتى شارون - انسحاب أحادي. غزّة لن تُحْكَم بغير إرادة فلسطين ومنهم.

مما يُثير الغَيْظ أن ترامب يقترح إسماً كطوني بلير لكي يكون يلعب دور الأول أو الثاني في قيادة هذه السلطة الأجنبية. بلير عرّاب الخراب، بلير الكذوب، بلير الذي أسماه حتى الشعب البريطاني لأنه كان مُلحقاً على الإدارة الأمريكية وافتعل كذبة، بسببها تمّ تدمير واحد من أهمّ وأكبر أقطار الأمّة العربية: العراق بكل تاريخه وحضارته وإمكانياته، بكذبة أن العراق لديه أسلحة نووية.

هذا الكذوب، ذيل الكلب الأمريكي، مطلوب أن يأتي ليُدير غزّة؟ مَن سيقبل شخصاً كبلير يُدير أيّ شيء، ناهيك أن يُدير مدينة صمدت سنتين في مواجهة حرب إبادة، وقبلهم 16 سنة في مواجهة حصار، وقبلهم 70 سنة من النكبة؟

هذه أضغاث أحلام. الردّ عليها بالحقائق الواضحة البسيطة المُرتبطة بقيمة العدالة وحقّ الشعوب في أن تحكم نفسها بنفسها وتقرّر مصيرها.

لكن الحديث عن حُكمٍ أجنبي هو من الفِخاخ المنصوبة في هذا الاتفاق، كفخّ نزع السلاح، أيضاً في فخّ فصل الضفة عن غزّة. كل الكلام عن غزّة... أين الضفة؟

نحتاج أن نتنبه هذه الأيام في حفلات العلاقات العامة التي يوزّع فيها ترامب تعبير "الأروع" و"الأجدع" و"الشجاع" و"اللطيف" وغيرها من حماقاته اللغوية المُكرّرة، كلها عن غزّة. بما يعني أن الضفة مُعرّضة لخطر الضمّ أو تُزاد على الضم.ّ حرف القاف تبقى القدم: إما القضم أو الضمّ.

لأنه كما مخزن البطولة والفدائية وحركات المقاومة بدأت من غزّة، كما صمّام أمان البقاء الفلسطيني والكتلة الأكبر موجودة في الضفة، الضفة مُسْتَهْدَفة الآن.

لا نريد أن يُنصَب فرح زائف لغزّة أو باسم غزّة أو على حساب =غزّة، حتى في ظلّ ما يمكن أن يكون فرحاً مُسْتحقّاً، نجد أنفسنا نواجه مصير الضمّ أو مزيداً من القضْم في الضفة الغربية.

وحدة فلسطين أرضاً وشعباً، كما وحّدتها تاريخاً ومستقبلاً، لا بدّ من أن نحرص عليه، وأن لا يخدعنا اتفاق ترامب عنه.

 

ماهر الطاهر – مسؤول العلاقات الدولية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: هذا الاتفاق جاء نتيجة الصمود الأسطوري لشعبٍ لا يعرف معنى للاستسلام، وجاء نتيجة المأزق العميق والتاريخي والاستراتيجي الذي عاشه الكيان الصهيوني.

عندما يقول الرئيس الأمريكي ترامب لنتنياهو بأنك لا تستطيع أن تحارِب كل العالم، هذا يوضِح حقيقة ما جرى: بأن الكيان الصهيوني تمّ كشف سرديّته المُخادِعة والمُزيّفة، لأنه يمارس حرب إبادة وتطهير عِرقي ضدّ الشعب الفلسطيني، وانكشف في جميع أنحاء العالم.

علينا الحَذَر واليقظة في المرحلة القادمة. وهناك خشية حقيقية من أنه بعد أن يأخذ هذا العدو أسراه وجثامين الصهاينة، هناك خشية حقيقية بأن يواصل العدوان وإن بطريقٍ مختلفة.

لذلك المعركة ما زالت مستمرّة ومُتواصِلة، وعلينا اليقظة والحَذَر في المرحلة القادمة.

وسنواجه في المرحلة القادمة أياماً صعبة في المراحل التالية من الاتفاق. وجوهر ما يريده العدو الصهيوني هو القضاء على فكرة المقاومة. ولكن هذا الأمر مُستحيل طالما هناك احتلال، طالما هناك ظُلم، طالما هناك عدوان.

المقاومة مُستمرّة ومُتواصلة. العدو الصهيوني فشل في تحقيق أهدافه. صحيح أنه دمَّر قطاع غزّة وقتل عشرات الآلاف من أبناء شعبنا، ولكن انتصر الدم على السيف.

شعبنا رغم تضحياته الهائلة سوف يستمر بالصمود، ويستمر في مواجهة العدوان إلى أن نحقّق كامل أهداف الشعب الفلسطيني في العودة والحرية والاستقلال.

 

حمدين صباحي: في اليوم الثاني الذي بدأنا نعيشه في المواجهة - استمرار المواجهة - توقّفت الحرب أو انتهت الحرب، ما أثق به لن تنتهي الحرب ما بين الأمّة العربية والكيان الصهيوني. وكل ما نحن أمامه هو مجرّد هدنة.

هناك هدنة عُمرها 40 سنة إسمها كامب ديفيد مع مصر، وستنتهي. وهناك هدنة بدأت من ثلاثة أيام: اتفاق غزّة، وأيضاً ستنتهي. لا بـ40 سنة ولا أربع سنوات ولا أربع أسابيع، بحسب الأحوال.

لكن في عقيدتي ويقيني، لا إمكانية للسلام الزائِف على حساب الحقوق الفلسطينية. ولذلك لأن الكيان الصهيوني لن يُسلّم أبداً بهذه الحقوق. فالصراع صراع وجود، وليس صراع حدود.

إذًا هذا اليوم التالي الذي بدأناه، محتاجين أن نكون فيه أكفأ في مُجابهة هذا العدو.

المقاومة في سنتين فعلت فعلاً إعجازياً. لا يمكن لعاقل أو مُنْصِف أو مُخلِص أو حصيف أن يسجّل شيئاً ضدّ المقاومة الفلسطينية.

ولو أن هذه المقاومة وجدت نظاماً رسمياً عربياً ليس شريكاً معها، لكن فقط داعماً بالحدّ الأدنى - ليس بالحرب، بالإجراءات السياسية والدبلوماسية وبعض الاقتصادية - لحقّقت أضعاف ما حقّقته.

طوفان الأقصى حقّق وغيّر وأنجز، وأتى لفلسطين بما يعادل الثمن الغالي الذي دفعناه من أرواح شهدائنا. كان ممكن نحن والعالم نُكْرِه إسرائيل على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني. لو أن النظام الرسمي العربي كان لديه الحدّ الأدنى من المسؤولية، من التضامن، ومن روح الحفاظ على أمن أقطاره والأمن القومي، ومن أداء الواجب نحو فلسطين وغزّة العظيمة.

على الأقل، يحاول النظام العربي الآن أن يعوّض ما فاته خلال سنتين، ليأخذ هذا النظام الرسمي العربي الحدّ الأدنى من الموقف الداعم للشعب الفلسطيني ولقواه الحيّة وللمقاومة. هذا واجب لا بد من   أن ننادي به وندفع باتجاهه ونحرص على أن يتحقّق بأيّ قَدْر، لأننا نحن بحاجة إليه.

نحن بحاجة لتضامن رسمي عربي. ونحن في الوقت الذي نقول فيه على حكّام العرب الآن أن يلعبوا دورهم، ليس لكي يبقوا هذا الاتفاق وهم يقولون هذا قائم من دون أن تنقده إسرائيل، لكن حتى أيضاً كل نقاط التنازُع المُبْهَمة وغير المفصّلة في هذا الاتفاق، لا ينبغي للمفاوِض الفلسطيني ومن ورائه الشعب الفلسطيني أن يخوضها منفرداً.

هناك فارق كبير أن يأخذها ووراؤه إجماع عربي وإسلامي.

لكننا أيضاً نحتاج أكثر حضوراً شعبياً عربياً، ليس فقط رسمياً. الشعب العربي أيضاً مقصّر - على الأقل نُخَبِه وقياداته مُقصّرة - إن لم نكن قادرين على اتهام شعبنا - حاشا لله - بالتقصير.

لكن الشعب العربي يعرف أن كان عليه واجب لم يؤدّه طوال سنتين من الحصار المفروض على أهله في غزّة. الحصار رُفِع، والطريق سيصبح مفعولاً. على الأقل، دعونا الآن نخوض معركة أو حملة شعبية للوقوف مع غزّة، لإعمار غزّة.

أنا تذكّرت في تاريخي الشخصي، وأنا طالب في الجامعة، كانت مصر بعد 73 تعيد المهجّرين من مدن القناة الثلاث: السويس والإسماعيلية وبورسعيد، الذين تهجروا بعد نكسة 67، يعودوا. نبني مدن القناة التي تهدّمت أثناء الحرب. في هذه المعركة، أنا وغيري وكثيرون من شباب مصر ذهبنا للإسماعيلية في معسكر القرش. كانت مهمّتنا المساعدة في أعمال التعمير. معسكر شبابي للتعمير.

أليس الأمّة العربية جديرة بأن ترسل شبابها من المغرب حتى دول الخليج للمساهمة في هذا التعمير؟ هل الشباب العربي مستعدّ أن يؤدّي هذا الدور؟ أكيد نعم. نفتح له الأبواب، ننظّم قوافل تعمير غزّة.

قبل ذلك كنا نسعى بقوافل كَسْر الحصار. الحصار سينتهي بعد هذا الاتفاق. فلنفعل قوافل إعمار غزّة للشباب العربي ومن شباب العالم: الشباب العظيم الذي وقف في كل عواصم الدنيا يهتف "الحرية لفلسطين"، نعطيه فرصة الآن أن ينظّم قوافل.

مَن جاؤوا في أسطول الصمود وأسطول الحرية يستطيعون العودة الآن للمساهمة في إعادة إعمار غزّة: بناء غزّة، رفع الأنقاض، تقديم خدمات تحتاجها غزّة بعد صبرها الطويل، ذات طابع طبّي أو اجتماعي أو تعليمي.

لا بد من أن تتحوّل غزّة في هذا اليوم التالي، كما كانت عاصمة لمشاعر كل الحالمين بالحرية في العالم، لتكون عاصمة لحضورهم والمساهمة في بناء غزّة مع شعبها العظيم: قوافل الإعمار.

أخيراً، لا بدّ من أن نتذكّر أن ضمير العالم الذي وقف معنا هو أعظم الملامح التي حقّقها طوفان الأقصى. علينا أن نعضّ بالنواجِذ على التأييد العالمي لنا.

إذا كان ترامب أعدّ هذه الخطّة لفكّ الحصار عن الكيان الصهيوني حتى مواجهته مع العالم - هذا كيان كما قال السنوار – تُفك، لا. لا بدّ من أن يظلّ إصرار العالم على أن إسرائيل مُدانة، عليه أن يلاحقها، يعاملها باعتبارها مُرتكبة جريمة حرب، هي وقادتها، يحاصرها في المحافل الدولية وبالقضاء الدولي.

علينا أن نستثمر أعظم إنجاز وهو الضمير العالمي والرأي العام العالمي لإكمال مُحاصرة إسرائيل، وألا نسمح لها بالإفلات من العِقاب كما فعلت دائماً.

أخيراً، كل هذا الكلام يحتاج أمراً رئيسياً: الوحدة الفلسطينية ضرورة. من الآن وحتى إقامة انتخابات نزيهة يختار فيها =الشعب الفلسطيني مَن يمثّله في الضفة وغزّة والقدس وفي كل الشتات، في كل عاصمة في العالم.

هذا الذي سيُعيد لوحدة الشعب الفلسطيني وحدة التمثيل الفلسطيني التي من دونها نكون نفرّط في ثِمار هذه الصفحة العظيمة المجيدة في تاريخنا: صفحة طوفان الأقصى.

 

حمدين صباحي: لو يذكر الزيتون غارزه لصار الزيت دمعة. يا حكمة الأجداد: لو من لحمنا نعطيك درعاً، أنّا سنقلع بالرموش الشوك والأحزان قلعا، ليظل في زيتون خضرته وحول الأرض درعا.

إنّا نحِب الورد، لكن نحِب القمح أكثر. ونحِب عطر الورد، لكن السنابل منه أطهر. فاحموا سنابلكم من الإعصار بالصدر المُسمّر.

هاتوا السيادة من الصدور، من الصدور فكيف يكسر؟ واقبض على عنق السنابل مثلما عانقت خنجر، الأرض والفلاح والإصرار، قل لي كيف تقهر؟ هذه الأقانيم الثلاثة كيف تقهر؟