فرح وربيع - عام على الإستشهاد

نص الحلقة

<p>&nbsp;</p> <p>لرحلة الحياة دروبٌ عديدة، نختار طريقاً ونمضي فيه خطوةً خطوة وقطرةً قطرة، ننطق الكلمة ونُطلِق الرصاصة ونذرُف الدمعة ونزرع الفرح فيُزهِر الربيع، لا صدفة بالأسماء ولا تناقُض بالقدر، الفرح والربيع هما زرْع هذه الطريق وهما ما سيُحْدِث حصاداً حتمياً لهذه الأرض.</p> <p>&nbsp;</p> <p>ميرفت عبد الحسين: فرح كانت من الأوائل وكانت تُعفى من تقديم الامتحانات.</p> <p>هشام عمر: منذ صِغَرها كانت تتنازل وتبتعد عن الخلافات، حتى في العمل لا ترفض طلباً.&nbsp;</p> <p>ميرفت عبد الحسين: توافق على أي شيء، فرح كانت كل شيء في المنزل، كانت تخاف عليّ، لم أكن أرفض لها طلباً لا أعلم لماذا، كنت أسمّيها "أمّ عَجْقة" لأنها كانت تنبض بالحياة، كانت تشكرني دوماً، لسانها الدافئ كان يمنعني من أن أرفض لها طلباً. عند وصولنا إلى القرية كان الأطفال يصرخون جاءت فرح فتتركنا وتذهب إليهم، حين أذهب حالياً إلى القرية أرى حزنهم، كانت تشتري لهم الهدايا. كانت تستأنس بالجلوس مع خالي المُسنّ، كان يغنّي لها العتابا فتفرح. هناك "مجموعة" على الهاتف كانت قد سمَّـتها "العائلة السعيدة بوجود فرح".</p> <p>&nbsp;</p> <p>هبة محمود: كيف تعرَّفتِ إلى ربيع؟</p> <p>منال جعفر: كنت أسمع إسمه كثيراً، كان خفيف الظلّ وكنتُ أحبّ رؤيته، ذات يومٍ قال لي محمد ما رأيكِ بربيع؟ اجتمعنا مراتٍ عديدة وتعرّفنا إلى بعضنا البعض، عشنا قصة حب لمدّة سنة ومن ثم ارتبطنا وتزوَّجنا وأنجبنا أبناء، كانت أجمل أيام حياتي، حلم، ربيع كان حلماً. &nbsp;&nbsp;</p> <p>هبة محمود: ماذا كانت أحلام ربيع؟</p> <p>منال جعفر: كان يرغب ببناء عائلة، لقد تحقّق حلمه في الدنيا وحقّق حلمه بالشهادة.&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>هشام عمر: فرح كانت مُستشارة المنزل وصاحِبة الأفكار، كنا فرحين جداً بظهورها على الشاشة، لم يكتمل الحلم، الجرح لا يؤلِم إلا صاحبه.&nbsp;</p> <p>ميرفت عبد الحسين: فرح كانت تقوم بأعمالٍ خيرية لم نكن على درايةٍ بها وعَلِمنا بها بعد استشهادها، كان حلمها أن تفتتح ماركة باسمها وحالياً تعمل شقيقتها فريال على تحقيق هذا الحلم. كان لديها الكثير من الطموحات والأحلام الكبيرة ولكن عُمرها كان قصيراً.&nbsp;</p> <p>هشام عمر: حين تقدَّمت بطلب التوظيف في قناة الميادين كانت سعيدة جداً لأنها كانت تحلم بأن تصبح إعلامية وجاءت الموافقة عليها فوراً، قالت لي إن هناك أكثر من مئة شخص تقدَّموا للوظيفة وتمّ قبولي أنا، أتذكَّر دوماً كيف يسَّر الله لها الأمر، ذهبتْ إلى المكان الذي اختاره الله لها، لقد يسَّر الله لها كل شيء، حتى حينما ذهبت إلى الجنوب وعادت، هي كانت تريد ذلك.&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>منال جعفر: لقد وضَّب حقيبته وذهب إلى الجنوب، لم يكن يخاف خاصةً خلال هذا النوع من التغطيات، كان يذهب باندفاع، كان يعرف طبيعة عمله وكان يُصوِّر فٍي مناطق تشهد صِراعاتٍ، كان يتنافس لإثبات نفسه في هذا المكان، ربيع كان يعشق العمل.&nbsp;</p> <p>هبة محمود: أتذكَّر ربيع هذا الشخص الهادئ والخجول كان يخفي شخصيةً مختلفة تماماً، كان مِقْداماً وشجاعاً.</p> <p>منال جعفر: هو إنسانٌ هادئ وصادق.&nbsp;</p> <p>هبة محمود: لقد بدأتما رحلتكما سوياً خلال تغطية الموصل حيث كان هناك، بداية المسار كانت واضحة لديه باتّخاذ القرارات الجريئة. &nbsp;</p> <p>منال جعفر: هل طلبتِ منه يوماً عدم الذهاب؟&nbsp;</p> <p>هبة محمود: صادف ذات مرةٍ يوم ميلاد إبنتي ماريا، ألحَّيتُ عليه بعدم الذهاب ولكنه رفض وقال لي حتى لو استشهدتُ عليكِ أن تكوني قوية، كانت هذه المرة الأولى التي ودَّعته فيها ورافقته إلى مدخل المبنى، شعرتُ بانقباضةٍ في صدري ولكن قلتُ في نفسي إن شاء الله لا يحدث شيئ، حدّثني قلبي بذلك ولكن لم أستطع أن أوقِف ربيع.&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>هبة محمود: هل حقّاً يشعر الإنسان بأنه سيموت؟&nbsp;</p> <p>هشام عمر: لقد شعرتُ، قد لا تصدّقوني، حدَّثتُ نفسي هل قد أسمع خبر استشهادها؟ ثم أقول كلا لن يستهدفوا الصحافيين، رحلتْ كالخيال ولم تلتفت.</p> <p>هبة محمود: هل كانت تلك المرة الأخيرة التي رأيتموها فيها؟&nbsp;</p> <p>هشام عمر: نعم، قلتُ لها حين تسقط القذيفة انبطحي أرضاً، كانت مُتلهِّفة جداً للذهاب إلى الجنوب، مكثت هناك 18 يوماً وعادت ثم قرَّرت العودة. نحن حزينون لفِراقها، هي شهيدة، الشهادة تجري في دمائنا. &nbsp;</p> <p>هبة محمود: كيف تواصلتم مع فرح في ذلك اليوم؟&nbsp;</p> <p>ميرفت عبد الحسين: أخبرتني في ذلك اليوم بأنه عليَّ أن أكون قوية، قلتُ لها ما هذا الهُراء؟ قالت لي إنه مهما حدث لي عليكِ أن تكوني قوية، لا تشمّتي بي الأعداء، لو كنتُ في حضنك سوف أموت وإن كنتُ أمشي على الطريق قد تصدمني سيارة وأموت، هذا قَدَر الله، شعرتُ بانقباضةٍ في صدري، في ذلك اليوم كنتُ أضع في رقبتي السلسة التي أهدتني إيّاها فرح، انفرطت السلسلة حين كنتُ أتحدّث إليها فقالت لي لا تحزني اختاري ما شئتِ من السلاسِل، فقلتُ لها إنني أحبّ هذه السِلْسِلة لأنها منكِ، وما يهمّني الآن هو أن تكوني حَذِرة، قالت لي ما يريده الله سيكون. &nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>منال جعفر: عند الساعة الحادية عشرة أرسلت لي فرح صورةً لربيع وهو يبتسم وقالت لي لم أرضَ عليه بعد لأنه لم يرافقها في التغطية الأولى، فقلتُ لي انتبهي عليه، لم تصل الرسالة إليها، لم ألتفت إلى الأمر وكنتُ مشغولةً بوجود أمّي وأختي، اتّصل بي الأستاذ غسان قال لي أين أنتِ نحن آتون إليكِ، كان صوته مخنوقاً، قلتُ له هل حَدَث خْطْبٌ لربيع وفرح؟ قال لي لقد تمّ استهدافهما وفرح قد اسْتُشْهِدَت، كنتُ أعلم أنهما على مسافة صفرٍ من بعضهما البعض، فقلتُ له وربيع أيضاً. &nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>هشام عمر: عندما سمعتُ بخبر الاستهداف شعرتُ برعشةٍ في بدني، انطلقتُ بسيارتي وأنا أبكي، لم أعرف كيف وصلتُ إلى البيت، هذا ما خفَّف عني حتى لحظة تواجدي بين الناس.&nbsp;</p> <p>هبة محمود: كيف أُبلغتم بالأمر؟&nbsp;</p> <p>ميرفت عبد الحسين: كنتُ بمُفردي في المنزل، أخبرني الأستاذ غسان.</p> <p>هشام عمر: اتّصلت بي زوجتي وأخبرتني، حاولتُ التخفيف عنها، لم أعد أفكّر بنفسي، حين وصلتُ إلى البيت كان الناس مجتمعين.&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>منال جعفر: أرى ربيع في كل مكان، أراه ينام هنا، أراه حين تمرض إبنتي ماريا، أسمعه يقول لي ألقِ نظرةً على الأولاد، أستذكر كل تفاصيله.</p> <p>&nbsp;</p> <p>هشام عمر: اللحظة الأصعب كانت حين أنزلتها إلى القبر، كانت تقول لي "تقبرني" وأنا مَن قبرتها، صعب جدّاً، حين رأيتها في المستشفى انهارت أختها بالبكاء فلم أتمكّن حتى من تقبيلها. لقد منحني الله القوة لتخطّي المرحلة الأولى، بعد يومين انهرتُ، في البداية تظنّين بأنها كِذبة ومن ثم تكتشفين الحقيقة، لقد رحلتْ.</p> <p>هبة محمود: نحن أصدقاء وزملاء فرح كنا نستمدّ القوّة منك، كانت مُفارقة غريبة جداً، من أين أتيتَ بهذه القوّة؟&nbsp;</p> <p>هشام عمر: منها، منحتني العزَّة والكرامة والثقة. في مهرجان الميادين كان لديّ الكثير من الكلام ولكن قطعتُ حديثي حينما شعرتُ بالضعف، لم أكن أشأ أن أبكي وصمَّمتُ على ذلك.&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>هبة محمود: نحن الآن في مجلس تأبين شهداء الميادين، وكما اجتمع فريق الميادين لنقل الحقيقة تجتمع اليوم فرقٌ من كل أنحاء العالم لتكريم الضحايا إعلامياً، حقوقياً ووطنياً وقبل كل شيء إنسانياً ليبقى صوت الحقيقة عالياً، صادِحاً وصادِقاً.</p> <p>&nbsp;</p> <p>ميرفت عبد الحسين: ماذا أرادوا من هذه الطفلة؟ فقط لأنها نطقت كلمة الحق وناصَرت المظلوم، لقد دفعت فرح ثمن كلمة الحق، لقد ذهبت إلى الجنوب من أجل قضية، كانت هذه السنة الأولى التي ترفض فيها فرح وضع شجرة الميلاد في المنزل لأن أطفال غزّة يموتون، ذهابها إلى الجنوب كان من أجل إظهار شراسة العدو وإجرامه بحقّ الأبرياء، كانت تريد إظهار الحقيقة.&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>ليلى خالد: ليس صدفةً أن تحمل الكاميرا إسم الميادين، ربيع كان يحمل فكر الميادين، أن يصوِّر الحقيقة وقد صوَّرها، الميادين مُزَّينة بالورود التي تستحقّها، الورد الأبيض لأنكم ورود بيضاء، الميادين ستبقى صوت الحقيقة ولم تَحِد عن خطها ولا بوصلتها، البوصلة هي تحرير فلسطين، صوت الميادين مع المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وسوريا واليمن، هي دائماً صوت المُناضلين. الحقيقة وإنْ كانت مرَّة علينا أن نتمسَّك بها، لن نقبل بأن يُخيفنا أحد، الكلمة تُخيف إسرائيل وكل أعدائنا من المُطبِّعين والمُتخاذِلين والمُنحازِين للعدو، الكلمة الحقيقة كالرصاصة، الحقيقة هي رصاصة في حيِّز التنفيذ. أستشهد من أجل قضية، من أجل أرض، نستشهد ونحن سُعداء لأننا سنذهب إلى المكان الأجمل، المكان الخاص بالشُهداء حيث يحتفلون هناك سوياً ويسمعوننا ويعرفون بأننا نسير في نفس الطريق.&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>منال جعفر: أنا على يقين بأن ربيع هو في مكانٍ أفضل، مات في سبيل وطنه وترك لي إرثاً. ترك لي ولدين وسيكون فخراً لهما، منحنا الفخر والعزَّة التي سترافقني وأبنائي طيلة الحياة.&nbsp;</p> <p>هبة محمود: هل تخافين على مستقبلهما؟</p> <p>منال جعفر: جداً ولكن الله لم يتركني. ماريا ذات السنتين ونصف السنة تقول أين أبي، هو في السماء، رامي يشتاق لوالده كثيراً وينظر إلى السماء ليراه، ينظر إلى قوس قُزح ويسألني هل أبي هو مَن رسمه لي أجيبه بنعم، يفرح جدّاً بأن أباه يلوِّن السماء. حين ينظر إلى صورة شهيد يقول لي هذا مثل أبي، بات يعرف أن أباه الشهيد البطل الذي استشهد لأنه كان يدافع عن الحقيقة في وجه العدو الإسرائيلي.</p> <p>&nbsp;</p> <p>ميرفت عبد الحسين: ننتظر أن ينتفض العالم ليس من أجل فرح فقط بل من أجل كل الصحافيين، يجب أن نُقاضي إسرائيل لأنها قتلت أبناءنا، هم قُتِلوا ظلماً، لم يحملوا البندقية، هناك فرح وربيع وعصام في لبنان وغزّة وكل العالم.</p> <p>هشام عمر: إسرائيل لا تكترث لأحد ولا تفهم إلا لغة القوّة، هي عدوّة الأرض حتى يوم الدين. لقد شرّفتنا وزادتنا عزّة وكِبَراً، لنا الشرف بنيل تلك الشهادة. &nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>هبة محمود: ألا تمرّ عليك لحظات من التعب بأن الطريق طويل؟&nbsp;</p> <p>ليلى خالد: أعرف بالأساس أن الطريق طويل، نحن لسنا الضربة القاضية لإسرائيل، ولذلك هم لا يستطيعون تحمُّل الكلمة، فرح كنتِ تنقلين مشاهِد القصف ولم تخفي، لم يستطيعوا سماع ذلك فتمّ استهدافهم ولكنهم أحياء، الكل جاؤوا لتهنئتكِ بهذه الشهادة، ماذا أقول لربيع، أبناؤك سيعرفون قيمة أباهم، ولمنال أهنّأها بهذه الشهادة لأنك كنت دائماً خلف الكاميرا التي لا تتوانى عن نقل الحقيقة كما هي، أنتم مَن تمنحوننا الحياة. حسين أنت إبن الجنوب، جنوب فلسطين وجنوب لبنان قاتلا سوياً، مَن يمسك الحقيقة ويلتقط الصورة هو مَن يفوز في النهاية، وأنتم فزتم بالشهادة.&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>هشام عمر: ما نتمنّاه بعد استشهاد فرح من خلال قناة الميادين أن تبقى هذه المحطة نورها ساطعٌ &nbsp;وأن يحافظوا على روحيّة العائلة الواحدة، نتمنّى الاستمرارية والثبات والكلمة الحاضِرة من خلال المحطة التي سنتابعها دوماً، نحن نرى فرح من خلالكم.&nbsp;</p> <p>ميرفت عبد الحسين: حمى الله جميع الشبان والإعلاميين والمُصوّرين، هذا الجندي المجهول خَلْف الكاميرا.&nbsp;</p> <p>منال جعفر: ربيع مَنَح الفخر والعزّة لأبنائه، رحل في سبيل قضية عادلة ومُحِقّة. &nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>&nbsp; &nbsp; &nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>&nbsp; &nbsp;&nbsp;</p> <p>&nbsp; &nbsp;</p>