وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي

وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقتشي يؤكد للميادين أنّ بلاده ستتخذ الرد المناسب على الخطوة الأوروبية في وكالة الطاقة الذرية محذراً من أنّ الضغوط لن تؤدي إلى النتيجة المناسبة. وحذّر عراقتشي من أنّ "الضغوط لن تؤدي إلى النتيجة الملائمة، ولن تثني إيران عن قرارها التعاون الإيجابي مع الوكالة"، مضيفاً أن "لدينا إرادة حقيقية للتعاون مع الوكالة وحل المشكلات العالقة، لكن التحرك الأوروبي يتعارض مع هذا التوجه".

نص الحلقة

 

 

مايا رزق: وصلنا إلى عاصمة الجمهورية الإسلامية طهران للقاء وزير الخارجية الدكتور عباس عراقتشي.

بين يديّ الرجل ملفّات ساخِنة لا بل مُلتهبة، كيف لا والمنطقة تشهد تصعيدًا غير مسبوق، أكان ذلك في غزّة، أو لبنان، أو سوريا، والعراق، حتى أنّ إيران نفسها هي الآن في مُواجهة مباشرة مع إسرائيل.

تحدَّثنا مع الدكتور عراقتشي عن دعم إيران لمحور المقاومة، سألناه كيف يرى نهاية لكلّ هذا التصعيد في المنطقة، وأيضًا حدَّثَنا عن رؤية بلاده للرئاسة، رئاسة دونالد ترامب المُرْتَقَبة في الولايات المتحدة الأميركية.

الملف النووي لم يكن غائبًا أبدًا عن النِقاش، خصوصًا ما يحصل الآن من نقاشاتٍ في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

كلّ هذا ناقشناه في حوارٍ خاص مع وزير الخارجية الإيراني الدكتور عباس عراقتشي.

 

(فاصل)

 

مايا رزق: من العاصمة الإيرانية طهران أهلاً ومرحبًا بكم مشاهدينا الكرام.

وزير الخارجية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيّد عباس عراقتشي شكرا لك على فُرصة اللقاء، وأهلاً ومرحبا بك على شاشة الميادين.

 

عباس عراقتشي: أنا بدوري أرحّب بكم وأشكركم على اختيار هذا اللقاء في هذا الوقت.

 

مايا رزق: شكرًا لك. دكتور عراقتشي، نرى زحمة دبلوماسية لافِتة في إيران هذه الأيام. هناك ضيوف من سوريا، من قطر، من روسيا. ما الذي يجري؟

 

عباس عراقتشي: على أية حال، المنطقة تعيش ظروفًا خاصة واعتداءات الكيان الصهيوني ما زالت مستمرّة، واحتمال توسُّع الصِراع وانتقاله إلى كل دول المنطقة هو قائم. لذلك، هناك حاجة مُلحِّة للتشاور بين دول المنطقة التي تعيش قلقًا مُشتركًا من اتّساع دائرة الحرب والصراع في المنطقة. وخلال الشهرين الماضيين، قمنا بمُشاوراتٍ مُكثَّفة جدًا مع الدول المعنيّة في المنطقة، فكانت لديّ زيارات مُتعدِّدة وجولة مكوكية في عواصم المنطقة. وكذلك كانت هناك زياراتٌ مُهمّة لمسؤولي الجمهورية الإسلامية إلى بعض دول المنطقة. وكذلك استضفنا عددًا من المسؤولين من بلدان المنطقة، ويوم أمس استقبل رئيس الجمهورية إثنين من وزراء الخارجية، وزير الخارجية السوري ووزير الخارجية القطري، إضافة إلى الوفد السوري. وأعتقد أنّ هذا يُدلِّل على عُمق القلق الذي تعيشه بلدان المنطقة، وكذلك المجتمع الدولي إزاء استمرار الجرائم الصهيونية في المنطقة، وتجاه السياسات العدوانية للكيان الصهيوني، والنزعة الإجرامية لهذا الكيان في المنطقة. لذلك تسعى بلدان المنطقة لاحتواء هذه السياسة الإجرامية.

 

مايا رزق: دكتور عراقتشي، كما ذكرت، نعيش الآن في حُقبةٍ من اللهيب، غير مسبوقة لا في غزّة ولا في لبنان ولا حتى في إيران. كيف توصّفون هذه الحُقبة بالتحديد، وأيّ دور للدبلوماسية وسط كلّ هذه الحروب؟

 

عباس عراقتشي: أنا أتّفق معك على هذا الوصف، لكنني أعتقد أنّ هناك تهديدًا جادّاً من قِبَل الكيان الصهيوني، فخلال الأشهر الثلاثة عشر الماضية من استمرار الحرب في غزّة، وكذلك منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان، فإنّ هذا الكيان لم يتوانَ عن ارتكاب أية جريمة وانتهاك القوانين كافة، وانتهاك القوانين والمُعاهدات الدولية كافة، والقواعد والأسُس الإنسانية. وللأسف، قد حصل على صكٍّ أبيض وضوءٍ أخضر من الدول الغربية، وخاصة من الولايات المتحدة الأميركية، لكي يرتكب ما يشاء من جرائم. لذلك، من الطبيعي أنْ تشعر بلدان المنطقة بالقلق من احتمال تكرار الجرائم والفظائع التي تحصل في غزّة وفي مناطق أخرى من المنطقة، وهذا ما جعل بلدان المنطقة تشعر بالخطر وبالطبع هناك فرصة مُهمّة أمام بلدان المنطقة للتشاور وتوحيد المواقف والتحدُّث بصوتٍ واحد، وقد لاحظنا بعد أن نفَّذت الجمهورية الإسلامية الإيرانية هجوم الوَعد الصادق2، رأينا كيف أن مواقف دول المنطقة بدأت تتضامَن، وأنا أعتقد أنّ بلدان المنطقة أصبحت أكثر وعيًا وفُطْنة من السابق في مواجهة الجرائم الصهيونية.

 

مايا رزق: هل أنتم هنا في إيران تشعرون بالقلق عِلمًا بأنكم كما ذكرت في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وعِلمًا بأنّ حتى اللحظة إذا ما نظرنا، يبدو أنّ هذه المواجهة مُنْضَبطة ضمن أُطُر مُعيّنة، هل تخرج عن هذه الأُطُر؟

 

عباس عراقتشي: بالطبع، نحن خلال الأشهر الماضية نراقِب التطوّرات في المنطقة بدقّة وحِنْكة غير مُتناهية، وخلال هذه الفترة سعى الكيان الصهيوني إلى تحريك واستدراج إيران وجرّها إلى الحرب في المنطقة، ومن ثم جرّ الأطراف الآخرين إلى هذه الحرب لكي يتمكَّن من توسيع هذه الحرب، ولكننا تعاملنا بذكاءٍ حتى لا نقع بفخّ الكيان الصهيوني، ولكننا نرجع إلى اعتداءات وجرائم الكيان الصهيوني، وفي المرة الأخيرة كان هذا الكيان هو مَن قام بمُهاجمة إيران، ولذلك هو يستحقّ الردّ، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ستقوم بتنفيذ هذا الردّ كخطوة قانونية وفقًا للقوانين الدولية، وهذا الهجوم سيتمّ بكل تأكيد.

 

مايا رزق: الوَعد الصادِق 3 آتٍ لا محالة؟

 

عباس عراقتشي: الردّ على اعتداء الكيان الصهيوني أمر محتوم وقَطْعي، ولكن تحت أية ظروف وفي أيّ توقيت وبأيّ شكل، هذا كله يرتبط بالظروف المناسبة التي يجب أن تتوافر لتنفيذ هذا الردّ، وبالطبع سنتعامل بذكاءٍ فنحن لن نتأخّر ولن نستعجل، وعملية الوَعد الصادق 3 سوف تتمّ كما وعدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

 

مايا رزق: دكتور عراقتشي، تتحدَّثون عن التعامُل بذكاءٍ وبحكمةٍ مع ما يحصل من تصعيدٍ في المنطقة وخصوصًا مع ما يحصل مع إيران بالتحديد، ولكن هناك أفكار توصَف بالجنونية، مثلاً ليندسي غراهام السيناتور الأميركي الجمهوري يدعو إسرائيل إلى ضرب مُنشآتكم النووية.

 

عباس عراقتشي: أعتقد بأنّ مثل هذه الادّعاءات غير واقعية، والكل يُدرك مدى فعاليّة أنظمة الدفاع الجوية الإيرانية، واستهداف المُنشآت النووية الإيرانية سيكون خطأ كبيرًا، وكما أعلنّا، فإنّ موقفنا ثابت وواضح، ففي اللحظة التي يهاجم فيها الكيان الصهيوني مُنشآتنا النووية، سنردّ عليه بالمثل، ولا أعتقد أن هذا الكيان قد يلجأ إلى مثل هذه الخطوة الجنونية بمُهاجمة مُنشآتنا النووية لأنه يعرف جيّدًا كيف سيكون ردّنا.

 

مايا رزق: لماذا برأيك إسرائيل تعتدي عليكم؟

 

عباس عراقتشي: إسرائيل تعلم جيّدًا أنّ التهديد الرئيسي لوجودها في المنطقة هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمقاومة في المنطقة هي عكس ما يتصوّره هذا الكيان فهي ليست مُجرّد هيكل تنظيمي ومؤسَّسات نضالية وقيادات وأفراد، بل إن المقاومة هي فكر ومدرسة فكرية ولديها قواعد اجتماعية عريضة تتبنّى أفكارًا مُناهِضة للهيمنة والتسلّط، وتناضِل من أجل نَشْر العدالة، والكيان الصهيوني يعتقد أنه يستطيع القضاء على فكر المقاومة من خلال استهداف قادة ومسؤولي المقاومة ورموزها في المنطقة، وبالطبع فإنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية لها دور كبير في إيجاد وتعزيز هذا الفكر المقاوِم، ولذلك فإنّ الكيان الصهيوني يعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية العدو الرئيسي له في المنطقة، ولكن عليهم أن يُدركوا جيّدًا وجود قاعدة ومدرسة فكرية في المنطقة تُناهِض نزعتهم الإجرامية.

 

مايا رزق: بما أنك تحدَّثت عن المقاومة وهذا المحور، زرتم بيروت تحت القصف، كانت زيارة لافِتة فعلاً، اعتبروكم هنا في إيران واعتبروا هذه الزيارة زيارة بطل إلى الميدان، ولكن برغم ذلك، هناك مَن يقول في لبنان، وبعض الإعلام العربي، بأنكم تخلّيتم عن المقاومة في بيروت.

 

عباس عراقتشي: زيارتي إلى بيروت جرت في وقتٍ حسّاس جدًا، وكانت مباشرة بعد استشهاد السيّد هاشم صفي الدين، وكان الهدف الأساسي منها إعلان وقوفنا ودعمنا الكامل للمقاومة، وكما كنا في السابق إلى جانبها، وأننا لن ندعها وحيدة في هذه الظروف، وسندعمها بكل الوسائل المُمكنة.

 

مايا رزق: ولكن كيف تفسِّرون هذا الشعور في بيروت لدى البعض أن إيران تخلّت عن المقاومة؟

 

عباس عراقتشي: كيف نترك المقاومة؟ فنحن دعمناها من البداية وسنظلّ ندعمها، واعتداءات الكيان الصهيوني وهجومه على لبنان نابعان من الطبيعة العدوانية والتوسعية له، وبعض الأخطاء الأمنية أدّى إلى حدوث أضرار لحقت بحزب الله، لكنّ الحقيقة هي أنه صحيح أنّ حزب الله فَقَدَ قائده الفذّ لكنه لن ينتهي بفُقدان قادته أو تدمير الضاحية الجنوبية لبيروت، فهذه الجرائم لن تجعل الحزب يستسلم، بل كما رأينا أن حزب الله يُعيد بناء نفسه، وهو اليوم يُعدّ أكثر إصرارًا على المقاومة، وأصدقاؤنا في الحزب يعلمون جيّدًا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقفت وستقف دومًا إلى جانبه بكلّ إمكاناتها، وأعتقد بأنّ الحديث عن أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية تركت حزب الله وحيدًا إنما يأتي في إطار الحرب النفسية التي يشنّها الإعلام الغربي المُغُرِض.

 

مايا رزق: هل تعتقدون أن المحور اليوم، محور المقاومة، يخوض ربما امتحانه الأصعب، وكيف تقيِّمون أداء المقاومة في لبنان الآن، وأداءكم أنتم كرأسٍ لهذا المحور أو كداعمٍ أول لهذا المحور

 

عباس عراقتشي: اعتقادي هو أن المقاومة في لبنان كيان مُستقلّ يحظى بقاعدةٍ شعبيةٍ عريضةٍ، ونحن فقط جهة داعِمة ومُسانِدة، وبلد يؤمن بالمقاومة وبنضال الشعوب، ويدعم فكرها وفلسفتها لنَيْلِ حريّتها. وهناك حقيقة يجب على الجميع أن يُدركها، وهي حقيقة سياسية أيضًا، أنّ حزب الله لديه حضور فاعِل في الساحات السياسية والاجتماعية والثقافية في لبنان، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها، ونحن على ثقةٍ بأنّ حزب الله سيُعاود نشاطه وحياته السياسية والاجتماعية كما في السابق، ويستعيد قوَّته وطاقته. ونحن على يقينٍ بأنه سوف يحظى بمكانٍ أرفع وأسمى ممّا كان عليه في السابق في لبنان وفي المنطقة.

 

مايا رزق: دكتور عراقتشي، هوكستين المبعوث الأميركي إلى المنطقة زار بيروت، ومن ثمّ تل أبيب في الأراضي المحتلّة، الأجواء مزيج بين الإيجابية والحَذَر. هل نحن في رُبع الساعة الأخيرة برأيك؟

 

عباس عراقتشي: الولايات المتحدة الأميركية تُجري تحرّكات وتمارِس نشاطات في المنطقة بهدف التوصّل إلى وقفٍ لإطلاق النار، وقد زار ممثّلها لبنان حامِلاً معه مُبادرة لوقف إطلاق النار، وتلقّى الردّ من قِبَل حزب الله وحركة أمل بعد مفاوضات أجراها مع دولة الرئيس نبيه بري، وكانت مفاوضات جادَّة وأساسية، وجرى تسليم ردّ لبنان إلى الجانب الأميركي. أميركا تسلَّمت هذه المُلاحظات بانتظار إعلان هل ستُقْبَل أم لا.

 

مايا رزق: هل اطّلعتم على هذه الملاحظات؟

 

عباس عراقتشي: نحن على تواصُل مستمر مع الأخوة في لبنان ومع دولة الرئيس نبيه بري، لكن المفاوضات تُجريها الحكومة اللبنانية ودولة الرئيس نبيه بري، ونحن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية سندعم أيّ قرار تتّخذه الحكومة اللبنانية، وأيّ قرار يتّخذه الأخوة في لبنان ونؤيّده، لكن هم مَن يُقرّر وفقًا لمصالحهم الوطنية، ونحن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية نأمل أن يجري التوصّل إلى وقفٍ لإطلاق النار ووقف الجرائم الصهيونية، وعلى أية حال سندعم أيّ قرار تتّخذه الحكومة اللبنانية وأصدقاؤنا في حزب الله.

 

مايا رزق: إذاً هل أنت مُتفائِل بأن يتمّ وقف إطلاق النار في وقتٍ قريب؟ أتمنّى أن تكون الإجابة بعُجالة لو سمحت.

 

عباس عراقتشي: نحن سوف نقدِّم ما بوسعنا من دعمٍ، وصحيح أنّه ليس لدينا ثقة بالكيان الصهيوني لكننا لن يكون لدينا أيّ مانع أمام التوصّل إلى أيّ اتفاق لوقف إطلاق النار في غزّة وفي لبنان، وسندعم أيّ قرار يُتَّخَذ.

 

مايا رزق: نشعر وكأنّ موضوع وقف إطلاق النار في لبنان بات قريبًا ربما، ولكن ماذا عن غزّة بالتحديد، هل تقومون بأية جهود في هذا الإطار؟

 

عباس عراقتشي: الجهود لوقف إطلاق النار في غزّة أيضًا تُبْذَل بصورةٍ مُكثّفةٍ وواسعة، لكنّها لم تصل حتى الآن إلى نتيجةٍ، وأعتقد بأنّ الكيان الصهيوني ليس جادّاٍ في التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزّة، لأن وقف إطلاق النار هذا بينه وبين حركة حماس يعني بالتحديد فشلاً ذريعًا وهزيمة فاضِحة للحكومة الصهيونية التي تحتلّ غزّة، وقتلت أكثر من 50 ألف شخص، وخلَّفت مئات الآلاف من الجرحى، من دون أن تتمكّن قوّاتها من تحقيق أيّ من أهدافها. فحركة حماس ما زالت قائمة وتواجه القوات الصهيونية المحتلّة، لذلك إذا جرى وقف لإطلاق النار في غزّة فذلك سيعني هزيمة كبيرة للحكومة الصهيونية التي تُعَرْقل كل الجهود والمُبادرات في هذا الصَدَد، وعلى المجتمع الدولي والدول الغربية التي ترفع شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان أن تمارِس مزيدًا من الضغط على هذا الكيان الإجرامي لإنهاء الإبادة الجماعية التي يرتكبها هذا الكيان بحقّ أهالي غزّة، ولقد رأينا كيف أنّ الدول العشر الأعضاء في مجلس الأمن الدولي صوَّتت لمصلحة قرار لوقف إطلاق النار في غزّة، وعارضته الولايات المتحدة الأميركية، وهنا نأمل أن تُثْمِر الجهود والضغوط الدولية إجبار الكيان الصهيوني على وقف إطلاق النار ووقف الجرائم في غزّة.

 

مايا رزق: ناقشتم موضوع وقف إطلاق النار في غزّة مع نظيركم القطري الذي زار طهران؟

 

عباس عراقتشي: من الطبيعي أنّ موضوع وقف إطلاق النار في غزّة كان في مُقدّمة المواضيع التي ناقشناها مع معالي وزير الخارجية القطري وناقشنا أيضًا الجهود المبذولة لمنع توسيع دائرة الحرب في المنطقة ووقف الجرائم الصهيونية. هذه كانت المواضيع الأساسية التي ناقشناها مع الضيف القطري، وهي أيضًا مواضيع نناقشها باستمرارٍ مع أصدقائنا في المنطقة.

 

مايا رزق: دكتور عراقتشي، قيل الكثير في الآونة الأخيرة عن وجود حركة حماس وقادة حركة حماس في قطر وهذا المكتب هناك، هناك الكثير من الأقوال بأن هذا المكتب سيتمّ إغلاقه، بأنّ قادة حماس المُخوّلين التفاوض هم ليسوا موجودين الآن في قطر. هل تحدَّث معكم أحد من هؤلاء القادة في حماس ربما حول هذا الموضوع بالتحديد؟

 

عباس عراقتشي: بخصوص هذا الموضوع بالتحديد، نحن على تواصُل مستمرّ مع أصدقائنا في حركة حماس ومع القيادة السياسية في الحركة، وقد تحدَّثنا أمس في هذا الموضوع مع معالي وزير الخارجية القطري، حيث أكَّد لنا عدم وجود أية نيات لدى القيادة القطرية لإغلاق مكاتب حركة حماس في الدوحة، وأنّ ما يُطْرَح في هذا الخصوص هو مجرَّد شائعات لا تستند إلى أية حقيقة، وأنا أعتقد بأن الحديث عن إغلاق مكاتب حركة حماس في الدوحة هو بهدف مُمارسة الضغط على القيادة السياسية للحركة، وكذلك على الحكومة القطرية التي تبذل جهودًا حثيثة لوقف إطلاق النار في غزّة.

 

مايا رزق: أية نهاية ترونها دكتور عراقتشي لهذا الصِراع؟

 

عباس عراقتشي: لا يساورني أيّ شكّ في أنّ نهاية هذا الصراع هو نصر المقاومة، وإنّ قَتْل النساء والأطفال وتدمير المنازل والقرى والمدن ليس نصرًا، وأنا أعتقد أنّ النصر النهائي هو لتجلّي وترسيخ فكر المقاومة في المنطقة، وبأنّ هذا الفكر سينتشر بقوّة بين شعوبها، وأعتقد بأنه لن يكون ممكنًا مُقارنة حزب الله في المستقبل بما كان عليه في الماضي، وأنا لا أشكّ في أنّ الدماء الذكيّة لسماحة السيّد حسن نصر الله سوف تُثْمِر انتشار فكر المقاومة ومدرستها بين شباب المنطقة، وفي أنّ النصر لن يتحقّق بقَتْل الأبرياء وتدمير المدن، وأنا على ثقةٍ بأنّ المقاومة ستخرج مُنتصرة، وأنتم تتذكَّرون أنه قبل حرب غزّة كان هناك توجُّه لدى بعض دول المنطقة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، لكن اليوم أصبح هذا الكيان منبوذًا، ودول المنطقة جميعها باتت تعترف بطبيعته الإجرامية وبخطأ التطبيع معه، وباتت تؤيّد توجّهات الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأفكارها، وأنا أكرِّر أنني على يقينٍ بأنّ النصر سيكون حليف المقاومة في المنطقة.

 

مايا رزق: بالحديث عن دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة، كان لافِتًا موقف السعودية. هناك زيارات مُتبادلة في الآونة الأخيرة بينكم وبين المملكة العربية السعودية، حتى كان هناك اتصال بين وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس بزشكيان، تمّ الحديث عن نقطة تحوّل هي عبارة في الدبلوماسية دكتور عراقتشي، وأنت تعلم، عبارة ضخمة جدًا وكبيرة جدًا. على أيّ مستوى هي نقطة التحوّل هذه التي تمّ الحديث عنها؟

 

عباس عراقتشي: علاقتنا مع المملكة العربية السعودية هي اليوم في وضعيّة جيّدة جدًا، وبعدما أعدنا العلاقات مع المملكة فإن هذه العلاقات استندت إلى أُسُس الثقة المُتبادَلة والتعاون المشترك، وفي الأحداث الأخيرة التي شهِدتها المنطقة، كانت لنا لقاءات وزيارات مُكثّفة، وتحدّثنا مرات عديدة إلى وليّ العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان، وكذلك كانت لي اتصالات ولقاءات عديدة مع معالي وزير الخارجية السعودية، كما أنّ رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية أجرى اتصالاً مع وليّ العهد السعودي، وأنا زرت المملكة العربية السعودية وأجريت لقاءات ودية ومهمّة مع المسؤولين فيها في ما يتعلّق بتطوّرات المنطقة، ولدينا مواقف مُتقارِبة ووجهات نظر مُتطابِقة تجاه التطوّرات التي تشهدها المنطقة، ونحن نعتقد أنّ علاقتنا تسير في المسار الصحيح، وأن المملكة العربية السعودية باعتبارها بلدًا كبيرًا وأساسيًا في المنطقة، تستطيع إلى جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تقود المنطقة نحو الاستقرار والثبات.

 

مايا رزق: متى سنراها مُتَرْجَمة على الأرض بينكما كعلاقاتٍ ثُنائية، وأيضًا ربما انعكاساتها على المنطقة، وهل ترى أن وصول دونالد ترامب إلى سُدَّة الرئاسة يُشكّل ربما عَقَبَة أمام هذه الودّية وهذا التقارُب؟

 

عباس عراقتشي: علاقتنا مع المملكة العربية السعودية بصورةٍ ثُنائية تسير نحو التقدّم، وكذلك لدينا علاقات مُتقدّمة مع بقيّة دول مجلس التعاون الخليجي، حتى إن علاقتنا أصبحت جيّدة مع مملكة البحرين، وقد قام وزير الخارجية البحريني بزيارة إيران وقرَّرنا استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وكذلك هي الحال مع بقيّة دول المنطقة، منطقة غرب آسيا، فعلاقاتنا الجيّدة مع المملكة العربية السعودية تركت آثارًا إيجابية على تطوّر علاقاتنا مع بقيّة الدول العربية، وبالطبع هذا الأمر يُعزّز أواصِر الثقة والوحدة بيننا وبينهم، كما أنني أعتقد أنه من السابق لأوانه أن نتحدَّث عن سياسات الإدارة الأميركية الجديدة واحتمالات تأثيرها في العلاقات بين دول المنطقة. علينا أن ننتظر ونرى طبيعة القرارات التي ستتّخذها الإدارة الجديدة.

 

مايا رزق: لكن من الواضح أنّ إدارة ترامب المقبلة هي من الصقور اليمينيين الترامبيين بامتياز، إذا ما صحّ التعبير. هل ترون أنّ ذلك ربما سيُشكّل عَقَبة أمام أيّة جهود تواصُل مع الجانب الأميركي؟

 

عباس عراقتشي: كما قلت، من الأفضل ألا نحكم مُسبقًا على قرارات الإدارة الأميركية الجديدة، ولا على مواقفها، وعلينا أن ننتظر المستقبل وكيف ستتعامَل هذه الإدارة الجديدة مع أزمات المنطقة والعالم.

 

مايا رزق: هل تصلكم إشارات من واشنطن؟

 

عباس عراقتشي: نحن نتواصل مع الإدارة الأميركية الراهِنة في حال الضرورة عن طريق القناة الرسمية، وهي السفارة السويسرية في طهران، ونحن نستخدم هذه القناة لإزالة سوء الفَهْم وللتواصُل في الظروف الخاصة، وفي الوقت الحالي ليس لدينا أيّة قناة اتصال مع الإدارة الأميركية الجديدة، وعند تسلّمها مهمّاتها سوف تكون السفارة السويسرية في طهران هي قناة التواصُل الرسمية بيننا وبينها.

 

مايا رزق: هل أنتم مُخوّلون من قِبَل القيادة العليا هنا في إيران، للبدء بمفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية في ما يخصّ الملف النووي؟

 

عباس عراقتشي: موضوع الملف النووي الإيراني مُحاط بتعقيداتٍ كبيرة قياسًا بالسابق، فالعلاقة بيننا وبين مجموعة بلدان الخمسة زائدًا واحدًا لم تعد قائمة كما في السابق، في ما يخصّ هذا الموضوع، ولا أعتقد بأنّ هناك فرصة للجلوس معًا حول طاولة المفاوضات، لأنّ كثيرًا من الوقائع قد تغيَّر.

 

مايا رزق: لن نرى ديو، هذا الثنائي عراقتشي روبيو، روبيو سيكون وزير الخارجية الأميركي المُرْتَقب في إدارة ترامب، كما جرى في وقت ظريف وكيري؟

 

عباس عراقتشي: أنا في الواقع الحالي لا أرى أيّة أرضية لمثل هذا اللقاء، وذلك يعتمد على المستقبل وعلى طبيعة المواقف التي ستتَّخذها الإدارة الأميركية الجديدة، وإذا عاودت سياسة الضغوط القصوى والسياسات العدائية ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فمواقفنا واضحة إزاء ذلك، فنحن نعدّ هذه السياسات سياساتٍ فاشلة.

 

مايا رزق: معالي الوزير، يقولون لي بأنّ الوقت انتهى. هل يمكن أن أستأذنك بخمس دقائق إضافية في هذا اللقاء؟ شكرًا جزيلاً لك.

في ما يخصّ الملف النووي والعلاقات مع أوروبا بالتحديد، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي زار مُنشأتي فوردو وأيضًا نطنز. كيف كانت هذه الزيارة؟ هل تقولون بأنها زيارة فنية أم سياسية؟

 

عباس عراقتشي: زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت في الحقيقة زيارة سياسية، وهي سياسية من وجهة نظرنا، لأن أساس الدعوة للسيّد غروسي كان بهدف فتح صفحة جديدة من التعاون بين إيران والوكالة، وقد حاولنا إيجاد أرضيّة تفاهُم مُشتركة للتعاون بيننا لحلّ المشاكل العالِقة وإيجاد حلول لها عن طريق الحوار البنّاء وعن طريق المفاوضات الفنيّة، وأنا أعتقد أن السيّد غروسي كان مُتفائلاً أيضًا، وقد رحَّب بهذا التوجّه ووعد باتّخاذ خطوات إيجابية في هذا السياق داخل الوكالة الدولية. وقد أبلغنا السيّد غروسي بأننا على استعدادٍ تام للتعاون معه في إطار معاهدة حَظْر الانتشار النووي وأنظمة بناء الثقة، وقد وعدنا السيّد غروسي بأنّه سوف يبذل جهوده من أجل حلّ المشاكل العالِقة بين الطرفين في إطار التوجّه البنّاء الجديد، ولكن الدول الأوروبية فرنسا وبريطانيا وألمانيا لم تنتظر حتى لغاية عودة السيّد غروسي من زيارته لطهران، وقبل الاستماع إلى تقريره، قاموا بتقديم مسودّة قرار سياسي إلى اجتماع مجلس حُكّام الوكالة ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهذا بالطبع يتعارض مع مسيرة المُفاوضات التي أجريناها مع السيّد غروسي. نحن لدينا إرادة حقيقية للتعاون مع الوكالة وحلّ المشاكل العالِقة، ولكن الإجراء الأوروبي يتعارض مع هذا التوجّه.

 

مايا رزق: كيف تُفسِّرون هذه الخطوة الأوروبية التي كما قلت إنها استبقت أصلاً تقرير غروسي والآن هناك اجتماع لمجلس حُكّام الوكالة الدولية للطاقة الذريّة؟

 

عباس عراقتشي: كما قلت، فإنّ هذا الإجراء هو قرار أوروبي، وهو بالطبع قرار سياسيّ وليس فنيًا، ونحن سبق أن حذَّرنا الدول الأوروبية من أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية سوف تردّ على مثل هذه القرارات السياسية بشكلٍ مناسب في حال صدور قرار ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في مجلس حُكّام الوكالة الدولية للطاقة الذريّة، وبالطبع هم يدركون جيّدًا أنّ مثل هذه الضغوط لن تؤدّي إلى النتيجة المناسبة، ولن تُثني إيران عن قرارها بالتعاون الإيجابي مع الوكالة الدولية للطاقة الذريّة، وفي رأينا فإنّ الطريق السليم لحل الإشكالات العالقة هو اللجوء إلى المفاوضات البنّاءة بين الطرفين، وأعتقد أن الخطوة الأوروبية سوف تأخذ بالأمور إلى مزيدٍ من التعقيد، وكما قلت، فإنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية سوف تتّخذ الردّ المناسب على هذه الخطوة غير الفنية، وهذا بالطبع سوف يُدخلنا في مسار مُعقّد، فالقرارات والضغوط لن تؤدّي إلى النتيجة المطلوبة، وقد جرّبوا ذلك من قبل.

 

مايا رزق: شكرًا لك معالي وزير الخارجية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيّد عباس عراقتشي على فرصة اللقاء. أشكرك جزيل الشكر.

مشاهدينا الكرام، إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام هذا اللقاء مع الدكتور عراقتشي. ابقوا دائمًا مع الميادين للمزيد. إلى اللقاء.