جزيرة "عبد الوهاب" في لبنان: نظام بيئي ثمين
تتميّز جزيرة "عبد الوهاب" بنظامها البيئي الثمين المليء بالصخور والنباتات البحريّة النادرة كما إنها ملجأ مؤقت للسلاحف البحرية المهدّدة بالانقراض ومحطة استراحة موسمية للطيور المهاجرة.
-
رسامني مع القيّمين على جمعية "تراث طرابلس- لبنان"
عابراً وسط الجزء الشمالي الغربي لكورنيش الميناء في طرابلس، يطالعك جسر مشاةٍ قليل الانحناء، يكتظ بالعابرين ، ليصلوا إلى جزيرة حملت عدة تسميات، منها "جزيرة عبد الوهاب" لتملّك آل عبدالوهاب جزءاً منها، استخدموها مقرّاً لصناعة وترميم السفن حتى فترة متأخرة من القرن الماضي.
كما عُرِفت بـ "جزيرة البقر" لأنها استخدمت من قبل تجار طرابلسيين استوردوا البقر من الخارج، وبنوا عليها مستوعبات ضخمة تؤوي البقر المستورد، وكانت بقايا المستوعبات قائمة حتى سنوات قليلة ماضية.
كذلك حملت هذا الاسم لأن سمكة البقرة البحرية كانت ترتادها، وتتخذ منها مهجعاً، واستراحة، وهي سمكة ضخمة، ومعمّرة، طالما وقعت في شباك الصيادين، فأقاموا الاحتفالات على سحبها من الجزيرة إلى مسامكهم.
-
بقايا أبنية على الجزيرة
في الزمن الصليبي، اتخذ منها بعض الامراء الصليبيين مقرّاً لإقامة طقوسهم الدينية، فبنوا عليها "دير سان توماس" الذي لا تزال بقاياه قائمة على الجزيرة، وعندما أسقط المماليك إمارة الصليبيين في طرابلس، وقعت آخر معركة على هذه الجزيرة، عندما هرب الصليبيون ولجأوا إليها تحضيراً لانتقالهم إلى الخارج، فلحق بهم الفرسان المماليك على جيادهم، عابرين المياه القليلة العمق بين الشاطيء والجزيرة، ودارت معركة حامية سجّلت نهاية الحقبة الصليبية في طرابلس.
مشاريع استثمار سياحي
ظلّت الجزيرة مهملة وانصب الاهتمام الطرابلسي بثروة الجزر المتناثرة في بحرهم على محمية جزر النخل التي تبعد زهاء 5,5 كلم عن الشاطيء، بينما تبعد "عبد الوهاب" ما لا يزيد عن 200 متر، ما سّهل على المعنيين بناء جسر مشاة عليها.
ونظراً لقربها من الشاطىء، واستقلالها التام عن البرّ، وضعت لها مشاريع استثمار سياحي في مراحل مختلفة، لكنّ الظروف منعت استغلالها سياحياً، مما أتاح لعامة الجمهور ارتيادها، والترفه عليها بكزدورة، وفنجان قهوة، وجلسة مطلة على الأفق.
مساحة الجزيرة تتراوح حوالى 500 متر مربع، أرضها، وشاطئها رملي، منبسطة بالتمام، تفصلها عن البحر لجهة الغرب كثبان كثيفة من الرمل الأبيض، وتحرسها سلسلة صخور ضخمة من أمواج البحر، اتخذ منها المواطنون مراكز استرخاء.
-
المروحة وكثبان الرمل
أما مياه البحر الشفافة، النظيفة، فلا يتوقف خشيشها طوال النهار، تدفع بها نسمات هواء لطيفة نحو شاطىء الجزيرة، فترسو عليها وتستقر، وتشكل منظراً جميلاً مستمراً.
جنوبي سلسلة الصخور، أقيمت قاعدة لمروحة هواء استخدمت لجر المياه إلى الجزيرة للاستخدام العام، وليس ما يشير إلى وجود برك لتجفيف الملح.
غزت الرياح المروحة، فكسّرت العديد من أجزائها الحديد، لكنها لا تزال قائمة، تحركها الرياح، ويتّخذ منها المواطنون،، نقطة ملائمة للتصوير.
نظام بيئي ثمين
تتميّز الجزيرة أيضاً بنظامها البيئي الثمين المليء بالصخور والنباتات البحريّة النادرة كما إنها ملجأ مؤقت للسلاحف البحرية المهدّدة بالانقراض ومحطة استراحة موسمية للطيور المهاجرة.
العبور من الشاطىء إلى الجزيرة عبر جسر المشاة متعة بحدّ ذاتها لما يشكّله من ممر فوق المياه والأمواج، تعبر الزوارق تحته، ويمارس بعض هواة الغطس منه مغامرة ممتعة، تحوّل الموقع إلى سياحة، وهوايات متعددة، ولا يبارحها الرواد حتى المساء موعد الإقفال الذي اعتمدته البلدية لها نحو العاشرة ليلاً.
-
إطلالة ليلية من جسر الجزيرة
أقيم الجسر من الباطون المسلّح، وبُنيّ على جانبيه سور (تصوينة) تحمي المارة من السقوط، لكن الاهمال قضى على الحبال التي شكلت سدّاً مانعا من الهبوط، كما لحقت أضرار متنوعة بقواعد الخشب التي حملت الحبال. ولوحظت مؤخراً إعادة تأهيل التصوينة بالحبال.
عند بلوغ النقطة الأعلى من الجسر، تنكشف الجزيرة للعابر مع تصوينة خماسية الشكل لها، مغروسة بأشجار النخيل المتباسقة، تتكسر أشعة الشمس عليها عصراً وتشكّل منظراً من السحر من مزيج الشفق والغروب.
جرى ترميمها، وإعادة تأهيل الجزيرة عام 2015، يومها كان المحامي رشيد درباس، ابن الميناء، وزيراً، فأمّن لها تغطية للترميم والتأهيل.
أمسية لقلب الذاكرة الجماعية
وبهدف تسليط الضوء عليها، لعلّ همّة المعنيين تستفيق لصيانتها، أقامت جمعية "تراث طرابلس- لبنان"، حفلاً على الجزيرة برعاية وحضور مسؤولين في الحكومة، وبلدية الميناء، ووجوه من المدينة.
وكان الهدف الأساسي من تلك الأمسية "هو إعادة موقع هذه الجزيرة الشهيرة إلى قلب الذاكرة الجماعية، ولفت الأنظار إلى وضعها الحالي المتدهور بسبب الإهمال، كما وتسليط الضوء على أهمية إعادة تأهيلها"، بحسب بيان صحافي وزّعته الجمعية، موضحةً أن الأمسية هدفت أيضاً إلى جمع الأموال لترميم "دار فاطمة" وهو منزل تاريخي يقع بجوار سوق الصاغة في قلب أسواق طربلس القديمة.
جمعت الأمسية ما بين الثقافة والموسيقى وفنّ المطبخ اللبناني الطرابلسي والتوعية، إضافةً إلى ذلك، جرت إنارة مؤقتة للجزيرة، وجُهّزت بمكبرات الصوت، وقامت عليها احتفالية ناشطة، مفعمة بالفرح، أكدت أن القليل من الاهتمام يمكن أن يحوّل مساحات الوطن إلى ما هو فاتن، وجميل.
-
الجزيرة عند المغيب
وزير الأشغال العامة فايز رسامني أكد في كلمة له، على أهمية طرابلس والشمال بالنسبة للبنان، مشدداً على أن "هدف الحكومة هو تحقيق الإنماء المتوازن في جميع المناطق اللبنانية، وخصوصًا في منطقة الشمال التي تتمتع بإمكانات وقدرات كبيرة على التطور”.
بدورها، قالت جمانة شهال تدمري، رئيسة جمعية "تراث طرابلس-لبنان"، في كلمة الافتتاح: "إنّ هدفنا هو تنفيذ مشاريع إنمائية مستدامة تضع طرابلس على الخريطة الوطنية، وتسلّط الضوء على قيمتها التاريخية والتراثية، وعلى مقوّماتها السياحية والاقتصادية".