عناصر حزب الله على الحدود
"إسرائيل" النووية التي تتباكى خوفاً من نزهة لمقاتلي حزب الله على الحدود ليست إلا مرآة لضعف إرادتها في مواجهتها وما جدرانها الإسمنتية وجدارها الحديدي إلا أسطورة أخرى من أساطير وكذبات المؤسسة الصهيونية.
احترفت الصهيونية على مدار تاريخها الطاعن في الأضاليل الكذب والعويل وآخر صرخات إعلامها كانت بالأمس القريب إذ ظهر على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة ثلة من مقاتلي حزب الله وهم يتجولون من غير سلاح، في صورة تبدو للوهلة الأولى وكأنها رد متواضع على الزيارة المدججة بالأسلحة لرئيس هيئة أركان جيش الاحتلال على الحدود اللبنانية التي رصدتها كاميرات المقاومة قبل أسبوع.
يأتي ذلك في خضم التفاعلات الصهيونية الداخلية المتسارعة إثر خطة التعديلات القضائية والتي ترى فيها النخبة الأشكنازية انقلاباً على المنظومة القضائية، آخر معاقل تلك النخبة، في تحول آخر من التحولات اليمينية الفاشية التي تكتسح المنظومة السياسية للكيان بشكل متسارع.
يمر الكيان الصهيوني بأزمة تحمل في داخلها إمكانية التحول والتطور إلى ورطة ومأزق وجودي وذلك مرتبط بمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية وللنجاح في تقديم قراءة دقيقة للمشهد الصهيوني على وقع تلك التحولات، يتوجب بداية عزل العامل الخارجي عن العوامل الداخلية الذاتية، لا تجاهلاً لأهميته ولا لوزنه الثقيل في المعادلة الصهيونية، وإنما استجابة واعية للآلية الصهيونية المعهودة بحل وإدارة الأزمات، والمتمثلة باستدعاء أو تصنع أو اختلاق الخطر الخارجي الداهم كأرضية التقاء للفرقاء وكلحظة توحيد لأزمنة الأزمات، وهو ما تعبر عنه المقولة العبرية الدارجة (شيكت يوريم) أي: صمتاً إنهم يطلقون الرصاص.
على الرغم مما تبدى من نجاح باهر للمشروع الصهيوني والذي استطاع بفترة زمنية قياسية ترجمة أفكار الخطة إلى منجزات وأحداث على أرض الواقع تمثلت بإقامة دولة مستعمرة ذات قدرات عسكرية بنيوية ومقدرات اقتصادية جالبة لشتات اليهود ومغرية بالهجرة إليها، إلا أنها وقعت أسيرة للحظة تكوينها الأولى، فالصهيونية لم تكن تطوراً طبيعياً لمسار التاريخ اليهودي، كما يدعي المنظرون، فالمسألة أكبر عملية قطع وتضاد لمجموعة ثقافية مع تاريخها ومكونها الثقافي اللغوي.
فالصهيونية اليوم تحمل في ذاتها تناقضات لا يمكن الجسر بينها كما أثبتت ذلك تجربتها الذاتية عدا عن تجارب الشعوب والثقافات المشابهة، ومن شواهد ذلك اختلاف استقبال المتدينين اليهود للحدث الصهيوني، فالصهيونية أتت بتفسير جديد لليهودية ولمعاني الانتظار والخلاص اليهودي ودعت إلى الفاعلية التاريخية وإلى تحويل رابطة الدين والعقيدة إلى رابطة دم وتراث ضمن مشروع دولة مستعمرة ذات طابع عضوي مغلق معتمد على مقولات اليهودية، اعتماد الجنين على المشيمة، ومنفصلة بالجوهر عن رحمها الديني المتعالي انفصال الجنين عن أمه بذات الوقت.
أي أن الصهيونية كانت طفيلية في علاقتها بالدين وقد بادلها المتدينون ذات التعاطي والعلاقة، فالتقاة (الحريديم) رفضوا الصهيونية فكرة ودولة ليقبلوا بها لاحقاً تحت إكراهات وقائع الحرب العالمية والمحرقة ثم ليعيشوا في كنفها متخلين عن واجبات المواطنة ومستفيدين بشكل مضاعف من كل امتيازاتها الممكنة، أما المتدينون فقد وجدوا في الصهيونية أداة طيعة لتسهيل وتسليع حلم الخلاص نحو إقامة مملكة ثالثة، وفي سبيل ذلك شغلوا كل ما تركه رواد الدولة وطلائع الصهيونية العلمانيون من مساحات ممكنة ،والأزمة التي نعصف في "إسرائيل"اليوم هي أزمة بين المركب الإثني للدولة (الأشكناز) قبالة القاعدة الشرقية من مسوقي اليمين والمركب الديني (بين من يرى في الصهيونية أداة للدين) وبين من يرى في الدين أداة للصهيونية، والمركب العلماني (بين من يريد دولة ديمقراطية ليبرالية، وبين من يرى خطورة واستحالة تحول الديمقراطية اليهودية إلى ديمقراطية لكل مواطني الدول).
وبالتالي يرى المتدينون واليمينيون بشكل عام ضرورة القضاء على قوة ونفوذ المحكمة العليا كمعقل ومركز وقوة النخبة الأشكنازية وكملاذ للأقليات العربية والمسيحية داخل الدولة.
"إسرائيل" التي تستدعي الخوف في كل مرة تقع فيها أسيرة لتناقضاتها وأزماتها البنيوية أوهن من بيت العنكبوت كما قال فعلاً سماحة السيد حسن نصر الله وحدودها ليست جغرافية بل حدوداً ذهنية هشة ومتداخلة؛ فـ "إسرائيل" النووية التي تتباكى خوفاً من نزهة لمقاتلي حزب الله على الحدود ليست إلا مرآة لضعف إرادتها في مواجهتها وما جدرانها الإسمنتية وجدارها الحديدي إلا أسطورة أخرى من أساطير وكذبات المؤسسة الصهيونية.