المقاومة في فلسطين: الحلم أصدق من الواقع

تدفع "الجهاد" وأبناؤها ثمن الوفاء وضريبة الحلم قتلاً واغتيالاً وحرباً من قوة امتلكت من أسباب التتبع والمراقبة والأذى والقتل، أكثرها وأعنفها.

  • استشهاد الشيخ خضر عدنان.. هل يقود إلى مرحلة جذرية في الوعي والمقاومة؟
    المقاومة في فلسطين: الحلم أصدق من الواقع

قال درويش مرة: "والحلم أصدق دائماً لا فرق بين الحلم والوطن المغطى بشظية: والحلم أكثر واقعية".

في عالم تسيل فيه القيم والأفكار والأزمنة والأمكنة، ويكاد من فرط ميوعته أن يفقد قوامه، واتجاهاته، وفي سياق فلسطيني مستعمر، يكاد تحالف الاستعمار والصهيونية أن يمحو شعباً كاملاً، أو أن يمحو وعي هذا الشعب، وهويته القومية الحضارية. ووسط اضطراب وضبابية، وتشويش في رؤية الذات والآخر، تكاد الأمة تتنازل عن واجبها تجاه ذاتها، أو الشعور بنفسها كأمة، والتحرك المؤسس على ذلك الوعي، وفي تجربة نضال فلسطينية مريرة، تبرز ظاهرة "الجهاد الإسلامي"، وسط ضجيج القذائف واحتدام نيرانها، وسيل الدم النازف من الجرح الممتد على صدر فلسطين، تظهر قلة من المقاتلين يخرجون من بطن الأرض لما اشتدت عليهم قيودها، ويعودون إلى فلسطين كحلم سريع صادق ليصحو الناس من غفلة أسئلة عجزهم الكبرى: ما العمل؟ وكيف؟ وما المخرج؟ يصدق الحلم جميل العموري وإخوانه الشهداء، فيشهرون أسلحتهم في وجه دعوات الانتظار الطويل، ويصدق الواقع الحلم، فتنبت في كل مدينة كتيبة، تحمل الحلم في وجوه شهدائها المعلقة أسماؤهم على قائمة المطاردة، وأولئك المعلقة صورهم على الجدران.

ويصدق حلمهم أكثر من واقع التنسيق الأمني بين القتيل والقاتل، وأصدق من صفقات التبادل التجاري، وحفلات الغناء، وأصدق حتى من دعوات مقاومة الاحتلال بالرقص بالكوفية، أو قذف جنوده بأقذع الشتائم.

ويصدق الحلم خضر عدنان فيعلن الإضراب عن الطعام رفضاً للاحتلال بصورته كأداة مصادرة للعمر والحياة، بلائحة اتهام أو من دونها على السواء، ويُقتل بالجوع والتجاهل، ويكاد الحلم يفلت من جفون الحالمين حتى تصحو غزة من جديد لتعلن أن العين بالعين، وأن الجسد واحد، وإن باعد بين أطرافه خمود الواقع، أو قيوده.

تدفع "الجهاد" وأبناؤها ثمن الوفاء وضريبة الحلم قتلاً واغتيالاً وحرباً من قوة امتلكت من أسباب التتبع والمراقبة والأذى والقتل، أكثرها وأعنفها، ولتصدق جراحات الضحايا أكثر من نار القنبلة، فالمقاومة تكون أولاً فكرة هشة وضعيفة، متمردة على كل ممتلكات الواقع المختل والمثخن بالعنف والقوة وأسباب البقاء، والشهيد حينما يرتحل يكون مصداق فكرة المقاومة ونبي دعوتها وكتابها المبين، لذلك نرى المستعمر يموت بالقتل أبداً، بينما يحيا مقاوموه الثائرون لحظة قتلهم.

 يحيون بحياة نهجهم المروي بصدق الانتماء ووضوح المآل، ويحيون كنموذج ورمز ودعوة للامتثال.

 ليست سهلة مهمة حركات المقاومة في هذا الزمان، وليس سهلاً فعل الانتماء إلى مقولاتها والالتزام بنهجها، ولكن أبناءها هم الوحيدون القادرون على إنقاذ الإنسانية من سطوة الاستعمار المتحالف مع عبودية المال، والمصدر لنا كأنماط سلوك وقيم حياة وخطاب علمي مبين.

ليس حلماً هشاً حلم الشهداء، بل الواقع حينها يكون حلماً مزعجاً، وبدمائهم تصبح أحلام الحرية واقعاً متحققاً، ولو بعد حين.