"أحرار الشام" في مهبّ "النصرة" وتركيا وأستانة

من المُستبعد على المدى المتوسّط أن يتحوّل الاقتتال بين "أحرار الشام" و"جبهة النصرة" إلى معركة وجود كما حصل مع "داعش" من قبل، لكن هذا لا يعني أن التعايش بينهما سيكون هادئاً خصوصاً في ظلّ حدّة الاستقطاب الذي يجري على خلفية الصراع حول الموقف من المستجدّات السياسية في ملف الأزمة السورية. وبالرغم من أن "أحرار الشام" تحرّرت نتيجة الانشقاقات عنها من سطوة التيّار القاعدي، إلا أنها ستبقى مضطرة في المرحلة الحالية، التي تشهد تحضيرات لانعقاد مؤتمر جنيف، لقياس مواقفها السياسية بمقياس دقيق للغاية.

حركة أحرار الشام بعد أستانة لن تكون كما هي بعد عزل جبهة النصرة
 ما تزال مفاعيل وتداعيات "حرب الانشقاقات والاندماجات" التي استعرت بين الفصائل المُسلّحة بالتزامن مع انعقاد مؤتمر أستانة الشهر الماضي، مستمرةً. وبالرغم من أن عدم اكتمال المشهد لا يسمح بتحديد طبيعة ما يجري والتكهّن بمآلاته النهائية، غير أن ما حدث حتى الآن يكفي للقول أن "أحرار الشام" التي عرفناها قبل مؤتمر أستانا لن تكون هي نفسها بعده.

والمفارقة أن مؤتمر أستانة الذي كان يستهدف عزل "جبهة النصرة" بشكل خاص، كانت انعكاساته التي طالت "أحرار الشام" أشدّ وطأةً. وقد لا تجد هذه المفارقة تفسيرها إلا في القواسم المشتركة الكثيرة التي طالما جمعت بين هذين التنظيمين سواء فكرياً أو عسكرياً، فأصبح ما يؤثّر على أحدهما يؤثّر تلقائياً على الآخر.

ولن تقتصر التغييرات التي تتعرّض لها "أحرار الشام" على خسارة كوادرها العسكرية والشرعية نتيجة الانشقاق عنها وحسب، بل من المتوقّع أن تمتد إلى كامل بنيتها التنظيمية وحتى إلى بُناها الفكرية والعقائدية وتوجّهاتها السياسية وكذلك إلى طبيعة علاقاتها مع بعض الدول الداعمة وعلى رأسها تركيا.

وقائع من حرب الانشقاقات والاندماجات:

وجدت "أحرار الشام" نفسها بعد مؤتمر أستانا في وضع لا تُحسد عليه، خصوصاً بعد ما تبيّن أن "جبهة النصرة" (فتح الشام) كانت مُستعدّة للتحرّك في مواجهة المؤتمر الذي يستهدفها بسرعة كبيرة ووفق خطة مدروسة مُسبقاً. وبالفعل استطاعت "النصرة" خلال ساعات معدودة أن تخلط الأوراق في الشمال السوري مُثبتة أنها رقم صعب لا يمكن تجاوزه أو الالتفاف عليه بسهولة.

تحرّك النصرة كان من شقين: الأول عسكري تمثّل بمُهاجمة بعض الفصائل المشاركة في مؤتمر أستانا، والثاني تنظيمي تمثّل باستقطاب عدد من الفصائل المسلّحة أهمها "الزنكي" و "أنصار الدين" و"جيش السنّة" لصفّها والاندماج معها تحت مُسمّى "هيئة تحرير الشام" وهو للمفارقة نفس الإسم الذي كانت الفصائل تنوي استخدامه لو نجحت مفاوضات الاتحاد في ما بينها إبّان بدء "عاصفة السوخوي" الروسية أواخر العام 2015.

وعلى الرغم من أن "أحرار الشام" لم تشارك في مؤتمر أستانا ولم توافق على مقرّراته، وبالتالي يُفترض أن تحرّك "النصرة" لم يكن موجهاً ضدّها، إلا أن تفاعُل الأحداث والتطوّرات كانا كفيلين بوضع الحركة في قلب الزلزال.

فجأةً، احتضنت "أحرار الشام" غالبيةَ الفصائل التي هاجمتها "جبهة النصرة" بسبب مشاركتها في مؤتمر أستانا، كما سارعت إلى رفض عرض الاندماج ضمن "هيئة تحرير الشام" رغم أن قائد الحركة أبو عمّار العمر سبق له توقيع وثيقة اندماج مع نفس الفصائل قبل اسابيع عدّة، لكنه سحب توقيعه إثر ضغوط تعرّض لها من التيّار السياسي في الحركة الذي يقوده الأخوان نحاس "لبيب وكنان" الأول رئيس مكتب العلاقات الخارجية والثاني عضو مجلس الشورى وعضو المكتب السياسي.

ويبدو أن قيادة "أحرار الشام" أخطأت في قراءة مدى أهمية وخطورة حدث "مؤتمر أستانا" بالنسبة إلى حليفتها اللدود "جبهة النصرة". وظنّت أنه من المُمكن احتواء تداعياته وفق نفس سياسة الاحتواء التي كانت تتّبعها تجاهها إزاء بعض التطوّرات السياسية في المراحل السابقة. وانطلاقاً من ذلك اكتفت الحركة بإصدار تعميم داخلي يُبرّر عدم مشاركتها في مؤتمر أستانا شارحةً أن من أهم أسبابه هو رفض عزل "جبهة النصرة".

لكن سُرعان ما تبيّن أن هذا التبرير ليس سوى محاولة لضرب عصفورين بحجر واحد، الأول استيعاب "جبهة النصرة" ومنعها من اتّخاذ مواقف حادّة، والثاني الحفاظ على وحدتها الداخلية من خلال مغازلة "جيش الأحرار" الذي كاد ينشقّ عنها بقيادة أبي جابر الشيخ. ولم تكن الحركة مُستعدّة للذهاب أكثر من ذلك، بدليل أنها احتضنت الفصائل التي وافقت على عزل "النصرة" في أستانا، ثم رفضت الاندماج مع الأخيرة لحمايتها من الاستهداف الدولي القادم.

هذا التناقض في مواقف الحركة كان كفيلاً بإسقاط ورقة التين الأخيرة عن صراع الأجنحة المُحتدم داخلها والذي طالما أنكرت قيادة الحركة وجوده. فلم يستطع التيّار القاعديّ في الحركة أن يتماهى مع مواقف قيادته العامة التي بدا جلياً أنها تتلاقى من تحت الطاولة مع الأجندة التركية المتلاقحة في هذه الفترة مع الأجندة الروسية بخصوص بعض القضايا وعلى رأسها فصل "المُعتدلين" عن "المُتطرّفين"، فسارع قادة هذا التيّار إلى الانشقاق عن الحركة والانضمام إلى "هيئة تحرير الشام" وكان من أبرزهم أبو جابر الشيخ وأبو صالح الطحّان، وأبو الفتح الفرغلي، وأبو حمزة المصري، وأبو محمّد الصادق، وهم جميعاً من قادة الصف الأول في الحركة. كما طالت الحركة موجةُ انشقاقٍ واسعة من قِبَل العديد من الألوية والكتائب وأهمها أجزاء واسعة من "لواء التمكين" و"لواء المدرّعات" وعشرات الكتائب الأخرى. وما زالت موجة الانشقاق مستمرة، لذا من المُبكر وضع إحصاءات دقيقة حول أعداد المُنشقّين ومدى ثقلهم العسكري والمعنوي في الحركة، غير أنه من الواضح أن هذه الانشقاقات ستؤدّي إلى تغيير وجه الحركة على نحو كبير.

ومع ذلك من غير المتوقّع أن يخرج التيّار القاعدي بكامله من عباءة "أحرار الشام" والانضمام إلى "تحرير الشام" لسبب بسيط هو أن "جبهة النصرة" لا تريد أن تخسر قدرتها على التأثير في أوساط الحركة، ولا إمكانية معرفة دقائق الأمور عما يجري في كواليسها، لذلك سوف تحافظ على بعض المُقرّبين منها في داخل الحركة. كما أن بعض الشخصيات أو الكتائب القاعدية قد لا تتوافر لها الشروط المناسبة لإعلان انشقاقها، فتؤجّل ذلك إلى وقت لاحق.

في المقابل انضم إلى "أحرار الشام" عدد من الفصائل الكبيرة مثل "جيش المجاهدين" و"تجمّع فاستقم" وقطاعات من "الجبهة الشامية" و"جيش الإسلام" وهي جميعها مشاركة في مؤتمر أستانا، بالإضافة إلى عشرات الكتائب الصغيرة الأخرى. وقد كان من اللافت أن "فيلق الشام" لم ينضم إلى الحركة رغم أن اسمه كان وارداً مثل بقية الفصائل الأخرى في "مبادرة إنقاذ" التي حثّت الفصائل المهدّدة من قِبَل "النصرة" على الانضمام إلى "أحرار الشام".

ويبلغ عداد المُنضمّين إلى الحركة أضعاف عدد الذين انشقوا عنها حتى الآن، ومع ذلك فإن تأثير الانشقاقات سيكون أوسع وأعمق من تأثير الانضمامات.

هذا الفارق في التأثير لن يكون بسبب الثقل المعنوي لبعض المُنشقّين أو لبعض أولئك الذين تخلّوا عن استقلاليتهم وانحازوا إلى "تحرير الشام" مثل عبدالله المحيسني وأبو الحارث المصري، ولا بسبب الثقل العسكري لبعض الألوية والكتائب المُنشقّة، بل لأن بعض الانضمامات إلى "أحرار الشام" هي انضمامات شكلية الهدف منها حماية بعض الفصائل لنفسها، وبالتالي لن يطول الوقت قبل أن تنفصل من جديد.

تجانُس الحركة أم تناقضات جديدة؟

مما لاشك فيه أن انشقاق قسم من التيّار القاعدي بقادته وعناصره عن "أحرار الشام" وانضمامه إلى "هيئة تحرير الشام" سيؤدّي إلى التخفيف من حدّة الصراعات بين الأجنحة التي كانت تثقل كاهل الحركة وتمنعها من اتخاذ قرارات حاسمة إزاء الكثير من القضايا. وبالتالي من المُفترض وفق ذلك أن تصبح "أحرار الشام" أكثر انسجاماً مع نفسها وأن تتمكّن من تحديد مسارها العسكري والسياسي بشكل أكثر وضوحاً بعد أن رجحت كفّة التيّار السياسي فيها على كفّة التيّار القاعدي، على الأقل في المناصب القيادية العُليا.

غير أن موجة الاندماجات الواسعة نسبياً التي قابلت موجة الانشقاقات قد تحرم الحركة من الوصول إلى لحظة الانسجام هذه وتنحدر بها سريعاً إلى حقبة جديدة من التناقضات، خصوصاً أن الحركة لم تكن تخفي اختلافها السياسي والعقائدي مع معظم هذه الفصائل التي انضمت إليها مؤخّراً، وهو ما كان السبب الرئيسي في امتناعها منذ نشأتها وحتى الآن عن رفع علم الانتداب (الثورة) أو الانضواء تحت راية "الجيش الحر"، بل إنها في منعطفات عديدة اصطدمت معهما مباشرة كما اصطدمت مع تنظيم "داعش" بذريعة أن الحركة تحارب الإفراط كما تحارب التفريط.

وحسب اتفاق الاندماج، فإن كل فصيل ينضم إلى "أحرار الشام" سيكون له ممثل في مجلس الشورى، وهو ما قد يؤدّي إلى مأسَسَة التناقضات المتوقّعة وانفجارها على شكل صراع متفجّر عند أول اختبار، لا سيما أن مؤتمر جنيف على الأبواب وثمة ضغوط أممية ودولية لعقده في موعده المحدّد بمن حضر.

وإذا كانت "أحرار الشام" قد اتخذت موقفاً مُلتبساً من مؤتمر أستانا على قاعدة عدم المشاركة مع عدم الاعتراض على من يشارك فيه من الفصائل، فإن طبيعة مؤتمر جنيف بنسخته الرابعة وغلبَة القضايا السياسية عليه، بخلاف أستانا الذي اقتصر على مناقشة وقف الأعمال القتالية، سيضطر الحركة إلى الخروج من حال الالتباس واتخاذ موقف واضح من مجريات المؤتمر ومقرّراته السياسية، وهنا قد تبرز التناقضات مع الفصائل الأخرى في حال فشلت الحركة في جرّها إلى المربّع الذي تقف فيه.

وفي هذا السياق تبرز تساؤلات هامة حول تأثير انضمام "فصائل أستانا" إلى "حركة أحرار الشام"، هل يُعتبر هذا الانضمام بمثابة انسحاب الفصائل من مسار أستانا، أم على العكس ينبغي اعتباره بمثابة موافقة ضمنية من قِبَل "أحرار الشام" على هذا المسار؟.

لم يصدر عن الطرفين أي بيان يوضح تفسيرهما لخطوة الانضمام وانعكاسها على موقفهما من مؤتمر أستانا، فلا "أحرار الشام" أعلنت موافقتها على المُقرّرات التي خرجت عن المؤتمر، ولا الفصائل قالت أن انضمامها إلى حركة لم تشارك في المؤتمر يُعتبر انسحاباً منه.

ومن المُرجّح أن يكون الأمر كما وصفه قيادي كبير في تجمّع "فاستقم" لكاتب هذه السطور، وهو أن الانضمام إلى "أحرار الشام" ليس سوى انضمام شكلي لا يؤثر على الفصائل المشاركة في مؤتمر أستانا. كما أكد القيادي في حديثه أن بعض هذه الفصائل ومنها "فاستقم" أبلغت أنقرة بشكلية الانضمام وطلبت منها إبلاغ موسكو بالأمر استباقاً لأيّ سوء فهم لهذه الخطوة وما يمكن أن ينتج من ذلك من آثار سلبية على مؤتمر أستانا.

علاقة الحركة مع تركيا

من المُتوقّع في ظلّ المُتغيّرات التي تخضع لها "أحرار الشام" أن تفقد استقلاليتها التامة وتصبح تابعة تبعية مُطلقة للداعم التركي. وسابقاً كانت الحركة بمثابة الفصيل المُدلّل لدى أنقرة، واثبت العديد من التطوّرات أن الحركة تتماهي بشكل كلّي مع توجّهات السياسة التركية بدءاً من دعم مشروع المناطق الآمنة مروراً إلى المشاركة في درع الفرات وصولاً إلى مُراعاة الأمن القومي التركي ولو على حساب مصالح الحركة نفسها، وكان ذلك مقابل استحواذ الحركة على النسبة الكبيرة من الدعم والاحتضان من قِبَل تركيا سياسياً وعسكرياً وإعلامياً. غير أن الجديد هو أن الحركة فقدت الصوت الوحيد الذي كان يُطالبها بضرورة المحافظة على بعض الاستقلالية في التعامل مع أنقرة، وهو صوت التيّار القاعدي الذي لم يكن مُرتاحاً لتبعية الحركة للجانب التركي من دون أية ضوابط أو عوامل تحصين.

ومما له دلالته في هذا السياق أنه صدرت مؤخراً دراسة عن أحد مراكز الحركة تحدّثت بشكل مباشر عن وجوب العمل على الحفاظ على استقلاليةٍ ما تجاه أنقرة، لأن الأخيرة باتت تتعاطى مع الأزمة السورية من باب الحفاظ على أمنها القومي فحسب من دون أن تأخذ بالاعتبار مصلحة الفصائل التي تعمل معها. وبما أن المُنشقّين عن الحركة يمثلون غالبية التيّار الرافض للتبعية المُطلقة فهذا يعني أن ما تبقّى من الحركة سيكون بطبيعة الحال أكثر طواعية للأوامر التركية.

وقد تكون عملية التحوّل التي تشهدها "أحرار الشام" إحدى الخطوات التي تُرّحب بها تركيا وربما تُشجّع عليها وذلك من أجل إنشاء "جناح مُعتدل" تابع لها، يمكنها من خلاله خوض غمار أية محادثات سياسية مستقبلية لحل الأزمة السورية.

مناطقية أحرار الشام

حركة أحرار الشام تفشل في تطبيق شعار "ثورة شعب"
طرحت "أحرار الشام" في البداية شعار "مشروع أمّة" لكنها بعد المراجعات التي قامت بها وانتهت إلى ضرورة التخفيف من ملامح "السلفية الجهادية" التي كانت بارزة على صورتها، قرّرت تعديل الشعار إلى "ثورة شعب" وذلك في خطوة عكست ميل الحركة إلى أن تكون حركة سورية ليس لها أية نشاطات خارج الحدود، وجاءت هذه الخطوة كترجمة لـ "ميثاق الشرف الوطني" الذي وقّعه قادة الحركة قبل المقتلة الجماعية التي أودت بهم في المقر صقر برام حمدان في ريف إدلب أواخر العام 2014.

لكن يبدو أن الحركة فشلت أيضاً في تطبيق شعار "ثورة شعب" وهي بطريقها لتصبح مجرّد حركة مناطقية يقتصر تأثيرها ودورها على مساحة جغرافية محدودة. وقد كشفت "حرب الانشقاقات والاندماجات" عن بعض جوانب هذه المناطقية التي بدأت تتحوّل إلى ظاهرة مُلفتة للانتباه في الحركة.  إذ أن أهم الألوية العسكرية في الحركة التي لم يحدث فيها انشقاق هي الألوية "الحموية" الأربعة "لواء المهاجرين" "لواء العاديات" "لواء الإيمان" "لواء الخطّاب" ومن المعلوم أن ألوية حماة هي النواة الصُلبة للحركة والأكثر ولاء لقيادتها، وهي الألوية الوحيدة التي لم ينضم منها أحد سابقاً إلى "جيش الأحرار" بقيادة أبي جابر الشيخ المُتحدّر من ريف حلب.

ومن المُتوقّع أن يزداد نفوذ هذه الألوية الأربعة داخل الحركة بعد الانشقاقات الأخيرة وأن يجري العمل على تحويلها إلى "مركزية عسكرية" تكون القوة الضاربة للحركة ضدّ خصومها، وهو ما سيكون تتويجاً لمرحلة تقزّم "أحرار الشام" من "مشروع أمّة" إلى "تحالف صغير" يسعى إلى حماية وجوده بين إدلب وحماة.

استمرار الصراع مع "جبهة النصرة"

من المُستبعد على المدى المتوسّط أن يتحوّل الاقتتال بين "أحرار الشام" و"جبهة النصرة" إلى معركة وجود كما حصل مع "داعش" من قبل، لكن هذا لا يعني أن التعايش بينهما سيكون هادئاً خصوصاً في ظلّ حدّة الاستقطاب الذي يجري على خلفية الصراع حول الموقف من المستجدّات السياسية في ملف الأزمة السورية.
وبالرغم من أن "أحرار الشام" تحرّرت نتيجة الانشقاقات عنها من سطوة التيّار القاعدي، إلا أنها ستبقى مضطرة في المرحلة الحالية، التي تشهد تحضيرات لانعقاد مؤتمر جنيف، لقياس مواقفها السياسية بمقياس دقيق للغاية. لأن أي شطحة سياسية غير محسوبة من قِبَل الأحرار بدفع من "الأخوين نحاس" قد يؤدّي إلى حدوث هزّات جديدة في بنية الحركة من شأنها أن تزيد من حال التشقّق والتشرذُم فيها وقد تؤدّي إلى انشقاقات جديدة.بالمقابل فإن "جبهة النصرة" التي تُهيمن على "هيئة تحرير الشام" ستواصل محاولاتها الخفيّة والمُعلنَة لشقّ صفوف الحركة ودفع أكبر عدد من عناصرها لمبايعتها والانضمام إلى كيانها الجديد. ولن تتوقّف هذه المحاولات عند حدود الحملات الإعلامية المُضادّة أو زيارات عبدالله المحيسني وغيره من "الشرعيين" إلى مقار الحركة ومخيمات اللجوء بهدف استقطاب المزيد من العناصر لصفوفه، بل من المُتوقّع بالإضافة إلى ذلك أن تُسارع "جبهة النصرة" إلى التخطيط لعمل عسكري كبير نسبياً تكون الغاية منه متعدّدة الأبعاد، فمن جهة إثبات قوة "هيئة تحرير الشام" وعدم خضوعها لمنطق الهُدَن واستعدادها لإفشال أي مسعى سياسي. ومن جهة ثانية إحراج "أحرار الشام" التي لم تعد وفق خارطة السيطرة الجديدة بعد استيلاء "جبهة النصرة" على مساحات شاسعة من ريف حلب الغربي، قادرة على القيام بأي عمل عسكري ضخم ضدّ الجيش السوري بمفردها، وهو ما سيجعل نشاطها العسكري مُقتصراً على القتال تحت راية "درع الفرات" بقيادة تركية. ومن شأن ذلك أن يزيد من التململ في صفوف الحركة ويدفع نحو موجة انشقاقات جديدة.