يشدّد على "القيم التقليدية" ويعادي التعدّدية والمهاجرين: كيف سيرسم "مشروع 2025" مستقبل الولايات المتحدة؟

مشروع محافظ يسعى لاستعادة "القيم الأصيلة"، ويطال التعليم والعمل والهجرة في الولايات المتحدة. وإذا تبنّاه ترامب، فإنّ البلاد قد تشهد موجة من الاضطرابات غير المسبوقة، والتي تهدّد مستقبل "الديمقراطية الأميركية". ما هو "مشروع 2025"؟

في ظل تحولات سياسية واجتماعية ومؤسساتية متوقَّعة في الولايات المتحدة، مع تسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب مقاليد الحكم في كانون الثاني/يناير المقبل، يبدو أن هناك مشروعاً يسير بخطى متقدمة، قد يعيد، في حال تبناه ترامب، إعادة تشكيل النظام الفيدرالي الأميركي من جذوره.

إنه "مشروع 2025"، الذي تقوده مؤسسة "هيريتج" وأكثر من 100 مؤسسة محافظة في الولايات المتحدة، ويتخطى كونه مجرد وثيقة سياسية، ويُعَدّ خطة تهدف إلى تعزيز سلطة الرئيس وتقييد دور المؤسسات المستقلة، والتي لطالما عُدّت حصناً لما يعرف بــ "الديمقراطية الأميركية".

ويرى مؤيدو المشروع أنه سيكون فرصة في استعادة "القيم التقليدية" ومعالجة ما يرونه "انحرافاً عن مسار البلاد". ويجد فيه رجال أعمال كبار، مثل داعمي شركات الطاقة، متنفساً من القيود التنظيمية التي يعدّونها عبئاً على الاقتصاد. 

ويقول كيفين روبرتس، رئيس مؤسسة "هيريتج"، واصفاً المشروع بأنه "إعادة بناء لأميركا القوية التي نعرفها".

لكن، في الجانب الآخر، يثير المشروع مخاوف واسعة لدى منظمات حقوقية وناشطين، يخشون تقييد الحريات وتقليص الحقوق المكتسبة عبر عقود. من بين هذه المنظمات " الاتحاد الأميركي للحريات المدنية" (ACLU)، التي ترى في الخطط المطروحة في "مشروع 2025" تهديداً للأسس الديمقراطية، وخصوصاً فيما يتعلق بحقوق الأقليات والمهاجرين. في حين يعبّر قادة الجاليات المهاجرة في تكساس مثلاً عن قلقهم من أن يؤدي تشديد القيود المطروحة في المشروع إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية.

"مشروع 2025" ليس مجرد رؤية سياسية. إنه معركة حقيقية بشأن مستقبل "الديمقراطية الأميركية"، بين من يرى فيه إصلاحاً ضرورياً، ومن يخشاه كنقطة بداية لنظام مركزي مقلق. فما هو هذا المشروع؟

مؤسسة "هيريتج".. الحجر الأساس 

لفهم جذور "مشروع 2025"، علينا العود إلى سبعينيات القرن الماضي، بحيث ظهرت مؤسسة "هيريتج" كمنصة فكرية محافظة وسط موجة التحولات الاجتماعية والسياسية التي عصفت بالولايات المتحدة. 

حينها، كان المحافظون يشعرون بأن الكفة تميل لمصلحة الليبرالية، مع توسع الدور الحكومي، وهو ما أثار خشيتهم من فقدان القيم التقليدية التي يَعُدّونها أساساً للهوية الأميركية.

هكذا أنشأت مجموعة من المحافظين المؤثرين هذه المؤسسة كحركة "مقاومة فكرية"، تسعى لتقديم أبحاث وتوصيات ترسخ فلسفة سياسية تدعو إلى حكومة صغيرة وتقليل التدخل في الاقتصاد. 

وأصدرت المؤسسة، في بداية عملها، ورقة سياسية تروج فكرة، مفادها أن خفض الإنفاق الحكومي سيعيد إلى الأميركيين "الحلم الأميركي"، وهو شعار استُخدم لاحقاً بكثافة خلال حملات سياسية.

مع صعود رونالد ريغان إلى السلطة في ثمانينيات القرن العشرين، بدأت مؤسسة "هيريتج" في تثبيت قدميها لاعباً رئيساً في دوائر صنع القرار. سياسات مثل خفض الضرائب وتقليل الإنفاق الاجتماعي، التي نفذتها إدارة ريغان، استندت بشكل مباشر إلى توصيات المؤسسة. على سبيل المثال، كان "دليل إدارة ريغان" الذي أعدته المؤسسة، بمنزلة خريطة طريق لسياسات الرئيس الجديد، وشمل توجيهات مفصلة بشأن كيفية تقليص برامج الرفاهية الاجتماعية.

مع مرور الوقت، لم يعد الدور الذي تؤديه "هيريتج" يقتصر على تقديم الأفكار، إذ استفادت من تمويل ضخم قدمه رجال أعمال وشركات كبرى، مثل الأخوين كوخ، المعروفين بتمويل المبادرات المحافظة. هذا الدعم المالي لم يكن مجرد تبرعات، بل كان استثماراً استراتيجياً يهدف إلى صياغة سياسات تعود بالفائدة على المانحين، مثل تخفيف القيود البيئية التي تعوّق شركات الطاقة.

لاحقاً تحولت "هيريتج" إلى ما يشبه "حكومة ظل"، فلم تعد تكتفي بصياغة الأبحاث، بل باتت تقدم خططاً جاهزة للتنفيذ إلى صنّاع القرار من الجمهوريين. وهذا النموذج يجعلها متميزة عن مراكز الأبحاث التقليدية، ويمنحها تأثيراً مباشراً في السياسة الأميركية.

اليوم، مع "مشروع 2025"، تأخذ مؤسسة "هيريتج" طموحها إلى مستوى جديد. فالمشروع ليس مجرد اقتراح لتعديل بعض السياسات، بل رؤية شاملة لإعادة هيكلة الدولة الأميركية، بحيث تعكس الأجندة المحافظة بالكامل، وإعادة تشكيل قواعد اللعبة السياسية من جذورها.

ومن جملة ما ينطوي عليه المشروع من أفكار دعوته إلى تقليص استقلالية الهيئات التنظيمية، مثل وكالة حماية البيئة، وإعادة سلطة اتخاذ القرارات إلى البيت الأبيض. وبحسب تصريح كيفين روبرتس، رئيس المؤسسة، فإن "هذا التركيز على السلطة التنفيذية ليس انحرافاً، بل ضرورة لإعادة النظام والاستقرار."

الأيديولوجيا والطموح الخفي للمشروع

"مشروع 2025" ليس مجرد خطة لإصلاح السياسات، بل مشروع يعكس طموحاً إلى إعادة صياغة النظام الأميركي برمته، مع تركيز غير مسبوق على تعزيز السلطة التنفيذية. في طليعة هذا التوجه يقف رئيس مؤسسة "هيريتج"، الذي يرى في المشروع ضرورة لحماية "القيم الأصيلة" التي يَعُدّها جوهر الهوية الأميركية. أما روس فوا، مدير السياسات الجمهوري، فيقدم رؤية مشابهة، مشيراً إلى أن المشروع يمثل "خطوة لاستعادة القوة الوطنية المهددة".

ولا يتميز المشروع في أهدافه فحسب، بل أيضاً في بنيته التحتية، التي استغرقت عقوداً من البناء. لقد استطاعت مؤسسة "هيريتج"، بفضل نفوذها الفكري وشبكاتها المالية القوية، تشكيل تحالفات مع شركات كبرى ترى في مشروعها فرصة لتخفيف القيود التنظيمية. على سبيل المثال، حظيت المؤسسة بدعم قطاع الطاقة لمشروعها لأنه يعد بتقليص اللوائح التي تقيّد عمليات استخراج الوقود الأحفوري، وهو ما يعني أرباحاً أكبر للشركات الكبرى، مثل "إكسون موبيل".

إلى جانب هذا الدعم، تعتمد "هيريتج" على شبكة تمويل متطورة تشمل منظمات محافظة وممولين أثرياء. هذا التمويل لا يقتصر على توفير الموارد، بل يسمح بإطلاق حملات إعلامية مكثفة وورش تدريبية لإعداد موظفين حكوميين مهيئين لتنفيذ سياسات المشروع فور توليهم المناصب. هذا النهج يمنح المشروع زخماً مستداماً يجعله أكثر من مجرد خطة، بل يصبح نظاماً جاهزاً للعمل بمجرد تولي ترامب الإدارة المقبلة.

بالإضافة إلى ذلك، تعمل "هيريتج" على توسيع نفوذها عبر شبكة من المؤسسات البحثية التي تقدم دعمها الفكري للمشروع، فتقوم بنشر تقارير ومقالات تعزز أهمية القيم المحافظة، الأمر الذي يمنح المشروع غطاءً أيديولوجياً يجعله يبدو كحركة شعبية مدعومة، وليس مجرد مبادرة سياسية، الأمر الذي يمنح "مشروع 2025" زخماً كبيراً يحوله من مجرد رؤية سياسية إلى آلة استراتيجية متعددة الأوجه، تهدف إلى إعادة تشكيل النظام الأميركي.

بين "استعادة القيم" وخطر "تأكّل الديمقراطية".. هل تتواجه الولايات الليبرالية والمحافظة؟

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، بات "مشروع 2025" محط جدل واسع في الأوساط السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة، بعد إطلاقه بالتعاون مع خبراء ومستشارين جمهوريين لإدخال تغييرات جذرية في هيكل الحكومة الفيدرالية. 

وبرزت سريعاً المخاوف من أن خطط المشروع لتشديد قوانين الهجرة قد تؤدي إلى تفكيك العائلات المهاجرة وزيادة التوترات الاجتماعية. في نيويورك، مثلاً، نظم ناشطون حقوقيون تظاهرات للتحذير من التأثيرات المحتملة في المجتمعات المهاجرة، بحيث رأوا أن "مشروع 2025" يستهدف الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع. 

أما في كاليفورنيا، فعبّر مدافعون عن حرية الصحافة عن قلقهم من أن المشروع قد يُضعف استقلالية الهيئات الرقابية، ويؤدي إلى فرض قيود على وسائل الإعلام المستقلة. 

ووصفت منظمة "الاتحاد الأميركي للحريات المدنية" المشروع بأنه "تهديد للحريات الأساسية"، معلنة نيتها رفع دعاوى قضائية ضد بعض بنوده، التي تَعُدّها "غير دستورية".

انسحب هذا الاعتراض على منصات التواصل الاجتماعي، بحيث تزايدت الدعوات إلى رفض المشروع، وأطلق ناشطون حملات واسعة لتسليط الضوء على مخاطره، والدعوة إلى رفضه.

في مقابل هذه المعارضة، يدافع أنصار "مشروع 2025" عنه كونه خطوة ضرورية لـــ "إصلاح النظام الأميركي" واستعادة "القيم الأصيلة" التي يرون أنها مهدَّدة بسبب توسع البيروقراطية الفيدرالية. 

وتتجلى هذه "القيم الأصيلة" في إعادة فكرة الأسرة إلى مركز الحياة الأميركية، بحيث يركز المشروع على الهياكل التقليدية للأسرة، ويدعو إلى سياسات تدعم الزواج والأسرة كوحدات أساسية في المجتمع. ويقترح المحافظة على "تعريف الزواج والأسرة، والمستند إلى الكتاب المقدس والمدعوم بالعلوم الاجتماعية". كما يشدد على الحريات الدستورية، ويسعى لحماية حقوق مثل حرية التعبير الديني، وحق حمل السلاح.

ويرى المؤيدون للمشروع أيضاً أن التركيز على تقليص دور الحكومة الفيدرالية وتعزيز السلطة التنفيذية سيمنح الإدارة المقبلة قدرة أكبر على التعامل مع قضايا كبرى، مثل أزمة الهجرة وتحديات الأمن القومي.

وبينما يجادل المعارضون في أن المشروع يقود نحو نموذج استبدادي يهدد الديمقراطية، يرى المؤيدون أنه ضرورة لإعادة الاستقرار في ظل تحديات معقدة. 

ومع احتدام النقاش بشأن "مشروع 2025"، برزت ولايات مثل كاليفورنيا ونيويورك كخط دفاع أول ضد ما تعدّه تهديداً جوهرياً للقيم المدنية والتنوع الثقافي الذي شكّل ملامح الولايات المتحدة لعقود. ففي ولاية كاليفورنيا، المعروفة بسياستها البيئية التقدمية ودعمها الدائم لحقوق المهاجرين والمساواة الاجتماعية، ترى القيادة المحلية في المشروع محاولة لتقويض هذه المبادئ الأساسية. تاريخياً، لم تتردد الولاية في تحدي السياسات الفيدرالية المحافظة، من خلال سن قوانين بيئية متقدمة تحمي الطبيعة المحلية بغض النظر عن قرارات البيت الأبيض، إلى تقديم الدعم القانوني للمهاجرين حتى في مواجهة معارضة واشنطن.

أما نيويورك، بتراثها الطويل في الدفاع عن الحريات المدنية، فتبدو مستعدة لاتخاذ خطوات مماثلة. المدينة التي واجهت مراراً توجهات حكومية تقييدية، لديها تاريخ من إصدار قوانين محلية تعكس التزامها الثابت بحقوق الأفراد. لكن مع "مشروع 2025"، فمن المتوقع أن تضاعف نيويورك من مقاومتها، وخصوصاً إذا تعلق الأمر بتقييد الهجرة أو إعادة تشكيل المناهج التعليمية بما يتماشى مع القيم المحافظة.

ولا تقتصر هذه المعارضة على قاعات حكومات الولايات. فقد شهدت شوارع سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس ونيويورك، احتجاجات شعبية مرشحة للتصاعد. مشهد الاحتجاجات يجمع حقوقيين، ومدافعين عن البيئة، ومجتمعات مهاجرة قلقة من التأثيرات المباشرة للمشروع على حياتها اليومية. هؤلاء يرون في المشروع تهديداً لمستقبلهم. إذ قد تُصبح الحقوق المكتسبة عُرضة للتراجع تحت غطاء "إصلاحات" سياسية.

على النقيض، تجد ولايات محافظة، مثل تكساس وفلوريدا، في المشروع فرصة تاريخية لإعادة تعريف "الهوية الأميركية". في تكساس، حاكم الولاية غريغ أبوت تبنّى خطاباً يدعم السياسات المتشددة للهجرة، وعدّ المشروع "إعادة ضبط ضرورية لضمان أمن البلاد". أما في فلوريدا، فجسّد الحاكم رون ديسانتيس التوجهات المحافظة من خلال قوانين تحظر مناقشة الهوية الجنسية في المدارس، مما جعله نموذجاً يحتذى به في دوائر اليمين السياسي.

معركة التعليم والهجرة والاقتصاد 

يحمل "مشروع 2025" طموحاً إلى إعادة هيكلة النظام الأميركي، وهو ما جعله مثار جدل حول تأثيراته المحتملة على التعليم، والهجرة، والاقتصاد. ففي النظام التعليمي، يروج المؤيدون لإدخال تعديلات جذرية على المناهج الدراسية لتتناسب مع قيمهم المحافظة. بالنسبة لهم، هذه التعديلات ليست قيداً بل خطوة لاستعادة التركيز على القيم الأساسية، كالأسرة والدين، وإبعاد الطلاب عن "الأجندات الأيديولوجية". أحد المؤيدين للمشروع من دوائر صنع السياسات التعليمية وصف التعديلات بأنها "إصلاح ضروري يعيد التعليم إلى هدفه الأساسي: بناء أجيال متماسكة أخلاقياً وثقافياً".

في الجانب الآخر، يعرب معارضون عن مخاوفهم من أن هذه التعديلات قد تؤدي إلى تقييد حرية التفكير الأكاديمي واستبعاد قضايا التنوع والعدالة الاجتماعية من المناهج، مما يحول المدارس إلى منصات للتلقين الفكري. وعبّر مدرسون في ولايات ليبرالية مثل كاليفورنيا عن قلقهم من أن السياسات الجديدة ستعيق قدرتهم على تدريس مواد متنوعة فكرياً تعكس واقع المجتمع الأميركي.

في مدينة مينيابوليس، عبّرت رئيسة قسم المناهج بجامعة مينيسوتا، مارثا بيغلو، عن قلقها من أن إلغاء وزارة التعليم، كما يقترح "مشروع 2025"، سيترك الطلاب الأكثر ضعفاً في مواجهة مستقبل غامض. 

وتقول بيغلو إن "التمويل الفيدرالي يشكل جزءاً صغيراً من ميزانية التعليم، لكنه مخصص لدعم البرامج التي تخدم الأطفال الأكثر ضعفاً. إذا أُزيل هذا الدعم، ستكون الولايات مضطرة لتحديد أولوياتها، ما قد يترك الفئات المهمشة بلا حماية".

أما غريس راسل، وهي طالبة في السنة الجامعية الثانية، وتطمح إلى أن تكون معلمة شاملة، فشعرت بالإحباط بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات. تقول إن "وزارة التعليم تقوم بالكثير، مثل ضمان المساواة في الوصول إلى التعليم. تخيل ما سيحدث إذا تركت الأمور للولايات فقط؟ التمييز سيزداد، وستصبح الفجوة التعليمية أوسع".

من جانبه، يرى فرانك باس، وهو طالب في السنة الخامسة ومتخصص في التعليم، أن خفض تمويل المدارس العامة سيؤثر بشكل مباشر على المعلمين والطلاب، ويقول إن "النظام التعليمي سيصبح أقل كفاءة، وسيواجه المعلمون صعوبة في تقديم تعليم جيد. هذا سيضر بالأجيال القادمة".

ومن بين أبرز التغييرات المثيرة للقلق في "مشروع 2025" نقل برامج تعليمية مخصصة للسكان الأصليين إلى مكتب الشؤون الهندية، وإلغاء تمويل برامج Title I التي تقدم دعماً أساسياً إلى المدارس ذات الدخل المنخفض. 

هذه الخطوات، كما أشارت مارثا بيغلو، تهدد بخلق فجوة تعليمية أعمق، حيث ستضطر الولايات إلى تحمل عبء تمويل هذه الفئات الضعيفة من دون دعم فيدرالي، وهو ما يترك الأطفال الأكثر ضعفاً عرضة للتجاهل في الأنظمة المحلية.

أما في ملف الهجرة، فيرى المؤيدون أن المشروع يقدم حلولاً حاسمة للتحديات التي تواجهها البلاد، مثل ضبط الحدود وتقليل الهجرة غير الشرعية. بالنسبة لهم، فإن تشديد قوانين الهجرة هو أداة لضمان استقرار المجتمعات المحلية وحماية فرص العمل للمواطنين. كما أن تعزيز الرقابة الحدودية، بحسب تصريحات بعض السياسيين المحافظين، "ليس فقط عن الأمن، بل عن العدالة للعمال الأميركيين".

على النقيض من هذا الرأي، تحذر منظمات حقوقية من أن السياسات المقترحة قد تؤدي إلى تفكيك العائلات وزيادة التوترات الاجتماعية، وخصوصاً في المجتمعات المهاجرة. كما يشير قادة هذه المجتمعات إلى تأثيرات هذه السياسات في قطاعات تعتمد بشكل كبير على العمالة المهاجرة، مثل الزراعة والبناء.

كما يمنح "مشروع 2025" سلطات واسعة لوكالة الهجرة والجمارك (ICE) لاستهداف  المهاجرين واعتقالهم وترحيلهم، وهو ما قد يسمح لعملاء الهجرة بدخول المنازل الخاصة والمدارس وأماكن العمل وحتى دور العبادة.

اقتصادياً، يدافع المؤيدون عن المشروع كونه حافزاً للتنمية. تقليل الضرائب على الشركات وتخفيف القيود التنظيمية، كما يرون، سيجذب الاستثمارات ويخلق فرص عمل جديدة. ويقول أحد قادة الأعمال الداعمين للمشروع: "هذه ليست فقط إصلاحات ضرورية، بل استراتيجية لتحقيق نمو مستدام".

لكن المعارضين يرون في هذا النهج خطراً على التوازن الاقتصادي، ذلك بأن تقليل الضرائب على الأثرياء قد يزيد من التفاوت الطبقي، بينما يضع إلغاء برامج الرعاية الاجتماعية الأسر ذات الدخل المحدود في مواجهة أزمات جديدة. 

وتحذر منظمات اجتماعية من أن مثل هذه السياسات قد تهدد استقرار ملايين الأميركيين الذين يعتمدون على هذه البرامج.

النزاع القضائي و"صراع القيم"

مع تصاعد الجدل حول "مشروع 2025"، أصبح القضاء ساحة المواجهة الأساسية بين مؤيديه ومعارضيه. منظمات حقوق الإنسان، بدعم من بعض الولايات ذات التوجهات الليبرالية، شرعت في تقديم دعاوى قضائية لوقف تنفيذ البنود التي تراها مقيدة للحقوق المدنية أو منتهكة للمبادئ الدستورية. بالنسبة إلى هذه الأطراف، فإن التوجه نحو تعزيز السلطة التنفيذية وتقليص دور المؤسسات المستقلة يمثل تهديداً مباشراً للقيم الديمقراطية التي تقوم عليها الولايات المتحدة.

في الجانب الآخر، يدافع مؤيدو المشروع عن شرعيته، مؤكدين أن هذه الدعاوى القضائية تعكس مقاومة ممنهجة للإصلاحات الضرورية. في رأيهم، فإن تقليص البيروقراطية وتعزيز سلطة الحكومة التنفيذية خطوة لإعادة ضبط النظام السياسي الذي يروْن أنه يعاني من الجمود والفشل في مواجهة التحديات الوطنية الكبرى. 

ويصف المدافعون عن المشروع بأنه "إطار عمل يستعيد للأميركيين الثقة في حكومتهم من خلال تعزيز الفاعلية والحسم".

هذا النزاع القانوني يعكس مواجهة أعمق بين رؤيتين متباينتين للولايات المتحدة: الأولى ترى أن الحفاظ على الحقوق المدنية وحماية المؤسسات المستقلة هو صمام الأمان لــ "النظام الديمقراطي"، بينما ترى الثانية أن البلاد بحاجة إلى إعادة تركيز السلطة لإعادة "فرض النظام" و"القيم التقليدية".

القضاء الأميركي، الذي يجد نفسه في قلب هذا الصراع، يواجه مهمة حساسة: الفصل بين ما يُعَدّ ضمن صلاحيات الحكومة الفيدرالية وما يمكن أن يُفسر على أنه تجاوز لحقوق الأفراد الأساسية. هذا القرار سيحدد ليس فقط مصير "مشروع 2025"، بل أيضاً الاتجاه المستقبلي للسياسة الأميركية في عصر تتزايد فيه التوترات بين الحريات الفردية ومتطلبات السلطة المركزية.

في النهاية، يبقى مستقبل الولايات المتحدة في ظل "مشروع 2025" معلقاً على خط رفيع بين الانقسام والاستقرار، في الوقت الذي تتعمق فيه النقاشات حول الحاجة إلى توازن دقيق بين السلطة والأمان، وبين الحفاظ على "القيم الديمقراطية" واحترام التنوع المجتمعي.