وزارة الثقافة السورية.. إقصاء ومعايير غير منطقية؟

المتابع لاشتغالات وزارة الثقافة السورية يلحظ تخبطاً واضحاً. ما المشكلة؟ وكيف يقيّم مثقفون سوريون أداء الوزارة؟

المتابع لاشتغالات وزارة الثقافة السورية، يلحظ أن ثمة تخبطاً واضحاً، وأن واقعها منذ شهور طويلة وحتى الآن يعاني من كثير من الخلل. المؤشرات كثيرة على ذلك، منها استقالة كادر "المعهد العالي للفنون المسرحية" كاملاً من دون أي تحرك لتدارك مسببات ذلك، وتحويل مرجعية "سينما الكندي" إلى وزارة الأوقاف بعد تحويلها إلى مركز ثقافي لم يستقبل أية فعالية معتبرة، وأيضاً توقف الأمسيات الموسيقية في "دار الأوبرا" إلا في ما ندر، وغير ذلك مما أفقدها مكانتها التي ينبغي أن تتبوأها كراعية للثقافة وللإنسان المثقف على اختلاف تسمياته وتصنيفاته، وفي شتى أنواع الفنون. 

حتى أن التغييرات المأمولة في استراتيجيتها وأساليب تفكير القائمين عليها كانت على النقيض، ما جعل المثقفين من دون سند حكومي أو أي رعاية مادية كانت أم معنوية. 

في هذا التحقيق كان القاسم المشترك الأكبر لآراء المشاركين فيه هو سوء الإدارة وعدم اليقين تجاه وظيفة الثقافة الأساسية في بناء الإنسان.

  • عجاج سليم
    عجاج سليم

عميد كلية الفنون المسرحية والإخراج السينمائي في "الجامعة العربية الدولية"، الدكتور عجاج سليم، قال في تصريح خاص بــ "الميادين الثقافية" إنه: "بعد الحروب سواءً في أوروبا أو أميركا أو اليابان كان الاهتمام يصب مباشرةً بموضوع التعافي، على صعيد إعادة إعمار البناء والإنسان معاً، والثقافة تلعب الدور الكبير في بناء الإنسان".

وأوضح أنه "بعد عدة أشهر من هذه المرحلة الحساسة في بلدنا سوريا، فإن ما شهدناه من وزارة الثقافة على أرض الواقع لا يشفي الغليل، ولا يصب في ما انتظرناه بعد تجاوز ما تمت تسميته بالدولة الأمنية. إذ لم نشهد أي فعالية ثقافية تشير إلى أننا دخلنا في مرحلة جديدة، ولا شعرنا بأن تلك الوزارة معنية أساساً بإعادة إعمار الإنسان السوري، وحتى الآن لم نشهد أي نتائج إيجابية، وإن كان هناك عدة معارض تشكيلية أو بعض العروض المسرحية أو بعض الحفلات الموسيقية، فهذا لا يعني شيئاً، خاصةً أن من تابع نشاطات وزارة الثقافة السنة الماضية سيكتشف بسهولة أنها لم تكن سنة ثقافة نهائياً وهناك الكثير من الأدلة". 

شلل كامل

  • سليم: المشكلة الأساسية ضمن وزارة الثقافة السورية هي إدارية
    سليم: المشكلة الأساسية ضمن وزارة الثقافة السورية هي إدارية

يُفنّد سليم بعض ملامح النشاط الثقافي في سوريا، ويشير إلى أن المسرح القومي يعيش في حالة شلل كامل منذ سنة وحتى الآن، ورغم أنه كان مشلول قبل ذلك، لكن كان هناك بعض الحركة والحياة فيه، بسبب بعض العروض التي قام بها من لا يستطيعون التخلي عن المسرح، رغم معرفتهم بالأجور الزهيدة جداً، وشاركوا في مهرجانات مسرحية عربية ونال بعضهم جوائز على عروضهم. 

أما منذ سنة وإلى اليوم فهناك توقف مسرحي تام على مستوى سوريا كاملةً، ولمن سيقول إن ثمة بعض العروض التي أقيمت وجابت محافظات عدة، "أرد عليهم بأن الموضوع بقي كما في السابق عبارة عن وساطات، ومن يعرف فلاناً يستطيع أن يؤمن موافقة على عرضه، أما بخلاف ذلك فسيبقى عرضه حبيس الأدراج، أي أن الوضع لم يتغير عما كان عليه، فما زالت "الشربكات" البيروقراطية القديمة ذاتها، وما زلنا نسمع بأنه ينبغي تقديم النصوص إلى لجان قراءة ورقابات لا نعرف ماهيتها، وكأن الوزارة تتناسى بأن أكسجين الثقافة وفضاءها هو الحرية". 

ويضيف العميد السابق للمعهد العالي للفنون المسرحية، بأن "حال المعهد الآن مثله مثل مؤسسة السينما، بينما نجت (دار الأوبرا السورية) لوجود ميساك باغبودريان على رأس إدارتها بخبرته الواسعة". 

ويوضح سليم: "المعهد منذ سنوات طويلة يعاني من الكثير من المشاكل منها هروب الكادر التدريسي المحترف، وتذبذب موضوع المنهاج وعدم وجود صيغة أكاديمية صحيحة له تضبط المعهد، لذلك كل أستاذ يشتغل على هواه، وأيضاً عدم وجود خطة درسية واضحة، إلى جانب الأجور السيئة للمدرسين، ولذلك حصلت الاستقالة الجماعية لأساتذة المعهد". 

إقصاء الكوادر الفعّالة

  • قبل أشهر تم تحويل
    قبل أشهر تم تحويل "سينما الكندي" من سينما إلى مركز ثقافي وأُلحقت بوزارة الأوقاف

يعترف المخرج السوري بأن المشكلة الأساسية ضمن الوزارة هي إدارية. إذ تم إقصاء الكثير من الكوادر النظيفة، البعيدة عن الفساد، والتي لم تترك البلد لإيمانها فيه ولوطنيتها، وكانت فعالة في مناصبها، ويقول: "التخلي عنها خطأ استراتيجي، وهناك أعداد كبيرة من العاملين في المجال الثقافي من كتاب وأدباء وفنانين ومسرحيين..عمل وزارة الثقافة يعتمد عليهم بالدرجة الأولى، هؤلاء تم وضعهم على الهامش، وإن تم الاستعانة ببعض الأشخاص فهي استعانة خجولة". 

ويضيف سليم: "لن أقول إن ذلك ممنهج أو أن ثمة قرار بذلك، لكن الملاحظ أنه تم التركيز على الذين كانوا خارج سوريا بغض النظر عن كفاءتهم، وكأن كل من بقي في الداخل هو عميل سابق للنظام. بمعنى أن هذه المشكلة الأساسية لوزارة الثقافة هي الاستغناء عن كوادر وطنية موجودة داخل سوريا ولها أسماءها وخبرتها، حتى قسم كبير منهم يتم الاستعانة به في كل أنحاء الوطن العربي".

ويؤكد سليم بأن "الأوضاع على مستوى وزارة الثقافة بحاجة لإعادة نظر بدءاً من أنظمتها الداخلية لتوزيع الوظائف وآلية العمل فيها، وما يحصل الآن هو تكرار الأخطاء السابقة لكن بصيغة هواة لعدم وجود خبرة إدارية، وسمعنا أنه سيكون هناك مراجع دينية، أو شيخ في وزارة الثقافة وهذا مشكلة مع عدم تأكدي من ذلك، فرجل الدين مكانه المسجد أو الكنيسة وليس وزارة الثقافة تحديداً. بحاجة لمساحة كبيرة من الحرية، ومن دونها لن يتم أي إنجاز". 

معايير غير منطقية

  • وقفة احتجاجية أمام
    وقفة احتجاجية أمام "سينما الكندي" في دمشق

من جهته، يقول المخرج السينمائي ومدير فعالية "بيت السينما"، فراس محمد، في تصريح خاص بــ "الميادين الثقافية": "لا يمكنني التحدث عن كافة الفنون التي تديرها الدولة، أو التي ورثت إدارتها عن النظام السابق بما فيها من ترهل وبيروقراطية وعقلية قديمة. لكن أستطيع الحديث عما نتلقاه من نتائج في ما يتعلق بالسينما كوني مخرج سينمائي، ومع الضرورة التي تحتم إعادة تشكيل الإدارة السينمائية وفق معايير، لا أعتقد أنها تحتاج للكثير من التداول لمعرفتها. فقد بدت معايير الوزارة مختلفة تماماً عن المأمول والمنطقي، بالرغم من أن التفاؤل بالبداية كان سيد الموقف، لكن الخسارات المتتالية التي تعاني منها السينما بالشكل العام، أبرزت ضعفاً حقيقياً في الإدارة أولاً، وفي فهم طبيعة السينما كفن، وشكلها كصناعة حديثة كما الدول المحيطة بنا".

ويضيف المخرج الفائز بجائزة ضمن "أيام قرطاج السينمائية"، أن ذلك "ترافق مع غياب تام للتمويل، وهو عنصر لا يمكن إغفاله عند الحديث عن السينما، وأرجّح غيابه لغياب أي اهتمام رسمي بهذا الفن، بالتوازي مع ابتعاد جمهور السلطة الحالية عن السينما واعتبارها آخر أولوياتهم كشارع له متطلباته، وهذا ما بدى واضحاً من أزمة "سينما الكندي" التي تم تغيير صفتها التنظيمية من سينما إلى مركز ثقافي وأُلحقت بوزارة الأوقاف".

أكبر فراغ سينمائي

  • فراس محمد
    فراس محمد

وبالتالي، وفق محمد، "نحن ربما أمام أكبر فراغ سينمائي تعيشه سوريا منذ ستينيات القرن الماضي، فلا قطاع عام منتج ولا قطاع خاص مستثمر، وبالتالي على السينمائي، الذي عليه دوماً أن يبحث عمن يعطيه مليون دولار، كما يقول أورسون ويلز، أن يبدأ بالتفكير بمصادر تمويل من خارج البلد، أو التمويل الذاتي، وقد يبدو غريباً القول، إن المخرج السوري لم يعتد هذا النوع من البحث عن تمويل، وقد تبدو الفرصة سانحة له كي يمارس هذا الفعل أسوة بالمخرج المصري والتونسي، بخلاف أن أولئك يملكون في بلدانهم صناديق بعضها غير حكومي لدعم السينما، وذلك أعتقد أنه في حال تم اللجوء في سوريا لهذا النمط من التمويل – إن حدث – فنحن مقبلون على أحد أمرين: إما التوقف التام للسينما لقلة خبرة المخرج السوري بتحديثات آليات التمويل الجديدة، وغياب تام للسوق الداخلي كان آخرها خسارة ثلث صالات العرض العاملة في دمشق تحت أنظار إدارة المؤسسة التي عوضت هذه الخسارة بوعود غير واقعية. أما الخيار الثاني فهو سينما جديدة لا نعرف ملامحها بعد، وهذا أمر إيجابي".

 

اخترنا لك