نمر - نمير - أنمار - نمير

إعجاباً بالنَمِر الحيوان المفترس وقوة بطشه وتيمّناً للمولود أن يكون شجاعاً قوياً سمّت العرب الرجل نَمِراً.

إذا زُرتُ نُعماً لم يَزلْ ذو قَرابَةٍ
لها كلّما لاقَيتها يَتَنَمّرُ
عَزيزٌ علَيهِ أن ألِمَّ بِبَيتِها
يُسِرُّ لِيَ الشّحناءَ والبُغضُ مُظهِرُ

هذان البيتان من قصيدة لعُمَر بن أبي ربيعة (644 - 712)، الشاعر القُرَشي الذي أعطى القصيدة الغزلية سِمات مميّزة فأدخل فيها القصّ والحوار وتليين الأوزان واختيار أرقّها وأصلحها للغناء. والقصيدة التي أخذنا منها البيتين أعلاه تُعرف بمطلعها: 

أمِن آلِ نُعمٍ أنتَ غادٍ فَمُبكِرُ
غداةَ غدٍ أم رائحٌ فَمُهجِّرُ

وفيها يروي مغامرته بالذهاب إلى ديار حبيبته نُعْم حيث يتربّص به قريبٌ لها غيور عليها يكنّ له البغضاء ويتَنمّر له كلّما دنا من بيتها لملاقاتها.

والتنَمُّر هو إظهار العداوة والتوعُّد والتهدُّد. يقال: تنَمّرَ، يتنمّر، تنَمُّراً، إذا أظهر تهدُّداً، وأصله من شراسة الخُلق، وبه سُمّيَ النَّمِرُ السبعُ المعروف، كما يقول ابن دُرَيد في كتاب "الاشتقاق".

ويذهب ابن فارس في "مُعجَم مقاييس اللغة" إلى أن النَّمِر سُمّيَ بذلك لاختلاط السواد بالبياض في لونه. ومنه قولهم: نَمِرَ فُلان، يَنمَر، نَمَراً ونُمْرة، فهو نَمِرٌ، إذا غضب وساء خُلقه كالنَّمِر الغاضب. ونَمِرَ الشيء، إذا كان على شبه النَّمِر فيه بقعة بيضاء وبقعة سوداء أو على أي لون آخر كان. ومنه النَّمِرة من السحاب وهي التي فيها سواد وبياض، ما يعني أنها تعد بالمطر. ومن أمثالهم: "أرِنيها نَمِرَةً أُرِكْها مَطَرة".

وإعجاباً بالنَمِر الحيوان المفترس وقوة بطشه وتيمّناً للمولود أن يكون شجاعاً قوياً سمّت العرب الرجل نَمِراً كما سمّته أسداً وذئباً لترهيب الأعداء كما جرت العادة.

والنمر حيوان مفترس من الفصيلة السنَّورية وجِد قديماً في العديد من الأماكن في شبه الجزيرة العربية ولم يبق منه سوى عدد قليل في جيوب معزولة في جبال عُمان واليمن والحجاز.

ومن أقدم الإشارات إلى النمر في الشعر العربي ما قاله امرؤ القيس الكندي (501 - 540) من أن مساكن من يحبّهم رؤوس الجبال حيث يعدو على ماشيتهم النمر:

أحَبُّ إلينا مِن أناسٍ بِقُنّةٍ
يروحُ على آثارِ شائهمُ النّمْرُ

وكان الشعراء الصعاليك الذين نبذتهم قبائلهم فلاذوا بالفيافي والقِفار يستأنسون بوحوشها. من هؤلاء الشَّنْفَرى (ت 525) الذي يقول إنه استبدل بأهله: الذئب القويّ "سِيد عملّس" والنمر الأملس "أرقَط زُهلول" والضبع الضخمة "عَرفاء جَيأل":

ولي دونَكم أهلونَ سِيدٌ عَمَلَّسٌ
وأرقَطُ زُهلولٌ وعَرفاءُ جَيألُ
همُ الأهلُ لا مُستَودَعُ السِّرِّ ذائعٌ
لدَيهم ولا الجاني بِما جَرَّ يُخذَلُ

ومن أمثالهم: "لبِسَ له جِلدَ النَّمِر"، أي كشف عن عداوته وتهدّده.

ونَمِر اسم علم مذكر قديم، مؤنّثه نَمِرَة. والشائع حديثاً في النطق بهذا الاسم كسر النون وتسكين الميم فيقال: نِمْر 
ونِمْرَة.

ومن أعلام الشعراء المُخضرَمين النَّمِر بن تَولَب (التَولَب ولد الأتان من الحمار الوحشي). كان من ذوي النعمة والوجاهة في قومه. عاش عمراً طويلاً في الجاهلية وأدرك الإسلام وأسلم. شبّه نفسه وقد هَرِم ببقية السيف الذي كان يضرب به في شبابه فيقطع كل ما يقع عليه فيحفر الناس حوله لانتزاعه من الأرض، وهذا من المبالغة والغلوّ أو كما يقول ابن قُتَيبة "من الإفراط والكذب" حيث يقول: 

أبقى الحوادِثُ والأيامُ من نَمِرٍ
أسبادَ سَيفٍ قديمٍ إثرُهُ بادِ
تظلُّ تَحفِرُ عنهُ إن ضربتَ بهِ
بَعدَ الذراعينِ والساقينِ والهادي 

وسمّت العرب: أنماراً، ونُمَيراً، ونَمْراً، ونُمارة. وأنمار جمع نَمِر. واسم قبيلة من خُزاعة. ونُمَير تصغير نَمِر. واسم قبيلة ينتمي إليها الراعي النُّمَيري واسمه عُبَيد بن حُصَين (ت 708) وهو شاعر من الفحول كان من جِلّة قومه من أهل بادية البصرة. دخل في الحرب الكلامية التي كانت تدور رحاها في عهد بني أميّة بين الفرزدَق وجرير وفضّل الأول على الثاني، فثارت ثائرة جرير وهجاه وقبيلته بقصيدة سُمّيت بالدامغة ومما جاء فيها:

أعدَّ اللهُ للشعراءِ منّي
صَواعِقَ يخضعونَ لها الرِقابا
فلا صلّى الإلهُ على نُمَيرٍ
ولا سُقَيت قُبورُهمُ السحابا
ولو وُزِنَت حُلومُ بني نُمَيرٍ
على الميزانِ ما وَزَنت ذُبابا
فَغُضَّ الطرفَ إنّكَ مِن نُمَيرٍ
فلا كَعباً بلغتَ ولا كِلابا

كل ما تقدم من أسماء مشتق من جذر لغوي هو النون والميم والراء وهو أصلان: الأول النَّمْر وهو اختلاط البياض بالسواد. ومنه النَّمِر. والثاني النَّمير وهو الماء العذب النقي المريء في الجسد. ويُستعار فيقال: حسَبٌ نَمير، أي زاكٍ. ومنه اسم العلم نَمير. 

وفي الختام هذه الأبيات للشاعر العراقي عبد الغفّار بن عبد الواحد (1804 - 1873) الملقّب بالأخرس لحُبسة كانت في لسانه:

يُذادُ عنِ الماءِ النميرِ ابنُ حُرّةٍ
ولِلنذلِ فيها مَوردٌ وشرابُ
وتعلو على أعلى الرجالِ أراذِلٌ
وتسطو على لَيثِ العرينِ كِلابُ
فلا خيرَ في هذي الحياةِ فإنها
عِقابٌ و ما لا تشتهيهِ عِقابُ