مكانة الأمهات لا تُقهر.. لماذا يحظى عيد الأب باهتمام أقل؟
عند قراءة هذه الجملة سيتذكر بعضنا أن اليوم هو عيد الأب، بينما يلتفت معظمنا، مسبقاً، إلى عيد الأم. لماذا يحظى عيد الأب باهتمام أقل؟ وما علاقة ذلك بالسوق الاستهلاكية؟
في الأحد الثالث من شهر حزيران/يونيو من كل عام، يحتفل كثير من دول العالم كالولايات المتحدة، وكندا، وبريطانيا، والأرجنتين، وكندا، وفرنسا، واليونان، والهند بعيد الأب، بينما يحتفل به في دول الشرق الأوسط يوم 21 حزيران/يونيو. لكن المشترك بين العيدين، أنه لا يحظى إلا باهتمام ضئيل مقارنة بعيد الأم، سواء في الشرق الأوسط أو على مستوى العالم.
والمفارقة أن الآباء يَدينون بعيد الأب لامرأة، هي سونورا سمارت دود، التي أسست عيد الأب في الولايات المتحدة. ولدت دود عام 1882. وعندما كان عمرها 16 عاماً فقط، توفيت والدتها وهي تضع شقيقها الخامس. بعد ذلك، أمضى والد دود، المحارب القديم في الحرب الأهلية ويليام جاكسون سمارت، أعوامه الأخيرة في تربية أطفاله بمفرده.
وبسبب جهوده، كانت دود تبجّل والدها|. وبعد وفاته، وعند سماعها بجهود آنا جارفيس لجعل اختراعها - عيد الأم - عطلة وطنية في أوائل القرن العشرين، شعرت دود بأنه يجب أن يكون هناك أيضاً عطلة وطنية لتكريم الآباء .
وبينما نجحت جارفيس في إقناع الرئيس ويلسون بإعلان عيد الأم عطلة وطنية في عام 1914، فإن جهود دود لحمل الولايات المتحدة على الاعتراف بيوم الأب عطلةً وطنية، ستستغرق حياتها بأكملها تقريباً. ولن يحدث ذلك إلا عندما بلغت دود التسعين من عمرها، بحيث وقع الرئيس ريتشارد نيكسون عام 1972 على إعلان يجعل عيد الأب عطلة وطنية، قبل أن تتوفى دود بعدها بــ 6 أعوام عن عمر يناهز 96 عاماً.
ما الذي يُرضي الأب حقاً؟
الاهتمام بصورة أقل بعيد الأب مقارنة بعيد الأم ظاهرة عالمية لها عدة أسباب. لعل أحدها يتعلق بالجانب الاستهلاكي، إذ يوضح آدم فيرير، الخبير في علم نفس المستهلك، أن عيد الأب لم يحظَ بدعم تسويقي كافٍ مثل الأعياد الأخرى. ويرجع ذلك جزئياً إلى ديناميكيات النوع الاجتماعي.
فالرجال عادة لا يستجيبون للهدايا الرمزية بالطريقة نفسها التي تستجيب بها النساء. الهدايا التقليدية للأمهات تكون رمزية وعاطفية مثل الزهور، في حين تكون هدايا الآباء وظيفية كالأدوات الكهربائية. الهدايا الرمزية تحقق هوامش ربح أعلى، الأمر الذي يجعلها أكثر جاذبية للتسويق.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المجتمع يميل إلى تقدير الأمهات أكثر، لأنهن غالباً ما يتحملن مسؤوليات أكبر في رعاية الأسرة، على رغم أنهن قد يعملن في وظائف لها الجدية نفسها. تاريخياً، كان يُعتقد أن الأمهات لم يتلقين التقدير الكافي، لذا خُصص يوم للاحتفاء بهن. بينما عيد الأب كان يُعَدّ نوعاً ما مزحة، يُعطى فيه التقدير للآباء الذين كانوا يوفرون المال، لكن لم يشاركوا دائماً في الأدوار الأبوية.
مع مرور الوقت، بدأت الأدوار التقليدية في العائلة تتغير، فأصبح الرجال يأخذون مسؤولياتهم الأبوية بجدية أكبر، وبدأنا نلاحظ تقسيماً أكثر توازناً للأعمال المنزلية ورعاية الأطفال بين الجنسين. ونتيجة لذلك، أصبح عيد الأب يكتسب أهمية أكبر، ويستحق الرجال الاحتفال بدورهم كآباء.
أي نوع من الآباء أنت؟
بينما يُحتفل بعيد الأم بصورة مبهجة مليئة بالزهور والمجوهرات ووجبات الإفطار في السرير، فإن الاحتفال بعيد الأب قد يبدو أحياناً أشبه بجائزة تكريمية.
ويعكس عيد الأب ثقافة المجتمع، ويشير إلى مدى تقديرنا لدور الأب في العائلة. بالنسبة إلى كثيرين من الرجال، فإن هذا العيد يشكل مرآة تظهر لهم كيف يُنظر إليهم في المجتمع، سواء كان ذلك بحكم قيمتهم كآباء، أو تأكيداً لذلك.
جوشوا ديفيد ستاين، محرر في موقع Fatherly.com وأب لطفلين، يناقش التناقضات الثقافية بشأن دور الأب في المجتمع. ويشير إلى دراسة من كلية بوسطن، التي قسمت الآباء إلى 3 فئات، هي: الآباء التقليديون الذين يتولون دور المعيل المالي ويفوضون المهمّات المنزلية لزوجاتهم، وغالباً ما يكونون راضين عن هذا التوزيع.
ثم هناك الآباء المتضاربون، الذين يرغبون في إمضاء وقت أطول مع أطفالهم، لكنهم لا يساهمون بقدر كافٍ في المهمّات المنزلية، الأمر الذي يخلق لديهم صراعاً داخلياً بين العمل والأسرة.
وأخيراً الآباء المساواتيون، وهؤلاء يسعون لتحقيق مساواة حقيقية في تربية الأطفال وتقسيم الأعباء المنزلية، ويتعاونون مع زوجاتهم في جميع جوانب الحياة الأسرية.
يؤمن ستاين بضرورة دعم الآباء المتضاربين، عبر طرائق عملية، مثل سياسات إجازة أبوّة سخية وجداول عمل مرنة، من أجل تمكينهم من أن يكونوا حاضرين أكثر في حياة أطفالهم، وليس فقط في المناسبات الخاصة، مثل عيد الأب.
وكذلك، يلاحظ ستاين أن الهدايا التي تُسوق للآباء، غالباً ما تكون نمطية ومتعددة، مثل شوايات الشواء أو نوادي الغولف أو السترات الجلدية. بالنسبة إلى ستاين، فإن الاحتفال الحقيقي بعيد الأب هو إمضاء وقت ممتع مع أبنائه من دون الحاجة إلى الهدايا المادية.
ويرى ستاين أن الرجال قد لا يعطون الأولوية للعطلات وفق الطريقة نفسها التي تفعلها النساء، على الرغم من عدم وجود أبحاث مؤكدة لدعم ذلك. ثقافياً، يظل التركيز الأكبر على الأمهات في العلاقات العائلية، لكن دراسة أُجريت عام 2010 أظهرت أن للآباء دوراً كبيراً في تعزيز الصحة النفسية والنمو النفسي للأطفال.
مكانة الأمهات التي لا تُقهر
لارس بيرنر، عالم نفس المستهلك في جامعة جنوب كاليفورنيا، يوضح لماذا يعتقد الكثيرون أن الأمهات يستحققن هدايا أكبر أو أفضل في المناسبات، مثل عيد الأم.
ويقول إنه "غالباً ما يُنظر إلى الأمهات على أنهن أكثر مساهَمةً في الحياة المنزلية. الناس يدركون التضحيات الكبيرة التي تقدمها الأمهات، ولهذا السبب يحتفظون بمكانة خاصة لهن في قلوبهم. هناك اعتقاد شائع، مفاده أن الأمهات يقدمن الكثير إلى عائلاتهن، الأمر الذي يجعل الناس يشعرون بالحاجة إلى تقديرهن بصورة أكبر".
ويشير بيرنر إلى أن الآباء ربما يكونون أقل اهتماماً بالحصول على هدايا رمزية أو مادية، مضيفاً "أعتقد أن الآباء لا يرون أنفسهم في حاجة إلى الهدايا الباهظة أو الفاخرة، مثل باقات الزهور التي تُهدى للأمهات. وغالباً لا يهتمون بالهدايا ولا يتوقعون أن يشعر الآخرون بأنهم ملزمون بشراء أشياء مادية لهم".
باختصار، يوضح بيرنر أن الأمهات يُنظر إليهن على أنهن يُقدمن تضحيات كبيرة إلى العائلة، الأمر الذي يجعلهن يستحققن تقديراً خاصاً. في المقابل، فإن الآباء قد لا يهتمون بالقدر نفسه بالهدايا المادية، ولا يتوقعون من الآخرين أن يعبّروا عن تقديرهم لهم من خلال شراء الهدايا لهم.