كاظم - كاظمة

الكاظم الغيظ هو من يملك نفسه عند الغضب ويكبت أو يحبس أو يمنع غيظه من الظهور.

إذا طِبتُ نَفساً بِالسلامةِ رَدّني
إلى الحُزنِ دَهرٌ ليسَ يَسلَمُ سالِمُهْ
ولَولا التُّقَى لم يَردُدِ الدّمعَ رَبُّهُ
ولولا الحِجَى لم يَكظُمِ الغَيظَ كاظِمُهْ 

بهذه السلاسة ودقة تصوير الحالة النفسية التي يمر بها يدفعنا الشاعر إلى التعاطف معه في ما يعانيه من حوادث الدهر  وما ابتلاه به من دواعي الحزن والأسى، التي ما إن يظن أنه سلم منها حتى تعاوده. ولولا اتقاء الناس والخشية من أن يأتي بما لا يرضي الله لما أمسك الحزين دمعه ولولا الحكمة لما كتم المغتاظ غيظَه.

هذا الشاعر  هو أبو عبادة البُحتري (820 - 897) واسمه الوليد بن عُبَيد بن يحي الطائي، أحد الثلاثة الذين كانوا أشعر أبناء عصرهم وهم المتنبي وأبو تمّام والبُحتُري. ولِد في منبِج بسوريا، وظهرت موهبته الشعرية منذ صغره. انتقل إلى حِمص ليعرض شعره على أبي تمّام الذي وجّهه وأرشده إلى ما يجب أن يتّبعه في شعره. أصبح شاعراً في البلاط العباسي وعاصر 7 خلفاء وكانت صلته وثيقة بالمتوكل الذي لازمه نحو 12 سنة وكان حاضراً لحظة اغتياله وهو في مجلس شراب على يد مجموعة من عسكره عام 861.

وبيت القصيد في بيتَي البُحتُري أعلاه هو ما ذكره من كظم الغيظ، ومنه أُخِذ اسم العلم المذكر كاظِم. والكاظم الغيظ هو من يملك نفسه عند الغضب ويكبت أو يحبس أو يمنع غيظه من الظهور. اسم الفاعل من قولهم: كظمَ غيظَه، يكظِمه، كظْماً، إذا أمسكه وحبسه في نفسه،فهو كاظِم، وهي كاظِمة. من ذلك قول كُثَيّر عزّة (ت723):

وكنتُ إذا الصديقُ أرادَ غيظي
على حَنقٍ وأشرقني بريقي
غفرتُ ذنوبَه وصفحتُ عنه
مخافةَ أن أكون بلا صديقِ

والأصل في معنى الكظم هو الإمساك والجمع للشيء، كما يقول ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: من ذلك الكظْم وهو اجتراع الغيظ والإمساك عن إبدائه وكأنه يجمعه في جوفه. وجمع كاظم كاظمون. ومنه قرآناً: "...والكاظِمينَ الغَيظَ والعافينَ عنِ الناسِ واللهُ يُحِبُّ المُحسنينَ"، أي الذين لا يُعملون غضبَهم في الناس بل يكفّون عنهم شرَّهم ويحتسبون ذلك عند الله، والعافين عن الناس أي يعفون عمّن ظلمهم فلا يبقى في أنفسهم مَوجِدة على أحد وهذا من مقامات الإحسان.

والكاظم أيضاً: الساكت. والكظوم: السَّكوت أي الكثير السكت. والكظيم: المكروب الحزين. ومنه في سورة يوسف حكاية عن يعقوب: "وابيضّت عيناهُ مِنَ الحُزنِ فهو كظيم". وكظمُ الغيظ من الأخلاق الحميدة التي يمتدحها الشعراء ويثنون على من يتحلّى بها. من ذلك قول الشاعر الأموي عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفّان المعروف بالعَرجي (694 - 738):

وإذا غضبتَ فكنْ وَقوراً كاظِماً
لِلغَيظِ تُبصِرُ ما تقولُ وتسمعُ
فكفى به شرفاً تَصبُّرُ ساعةٍ
يَرضى بها عنكَ الإلهُ وتُرفَعُ

والكاظم لقب الإمام موسى بن جعفر الصادق (745 - 799) وقد شاعت التسمية بكاظم تَيمُّناً به. والعتبة الكاظمية في بغداد مرقد الإمام موسى الكاظم وحفيده الإمام محمّد الجواد. قيل سمّي بالكاظم لشدة ما كظم من الغيظ وصبر على الظلم الذي تعرّض له. تُوفّي مسموماً في سجن السندي بن شاهك ببغداد في عهد هارون الرشيد.

وكاظمة مؤنث اسم العلم كاظم. ويعرف باسم كاظمة عدد من الأمكنة في بلاد العرب. لعلّ أشهرها كاظمة على ساحل البحر بين البصرة والقطيف وهي في سَمت الجنوب عن البصرة ولها ذكر في أشعار العرب منذ الجاهلية. عاش فيها الفرزدَق أيام الصبا فألهمته أعذب الأشعار. وهي أرض عذبة التربة نقية الهواء وآبارها في الصيف منازل البدو يشربون من مياهها وترعى بها أنعامهم. ويبدو أن الشعراء كانوا يذكرون ذلك المكان لا عن معاينة بل عن اتباع بعضهم لبعض بما هي بقعة من الأرض مصدر إلهام وموضع حنين إلى ماض جميل يحلو فيه الوصف والغزل. وهنا بعض ما قيل عن كاظمة في أزمنة متفرقة:

مهيار الديلمي (945 - 1037):

يا نسيمَ الصبحِ من كاظمةٍ
شُدّما هجتَ الجوى والبرَحا
الصَبا إن كان لا بدّ الصَبا
إنها كانت لقلبي أروَحا
أذكرونا مثلَ ذِكرانا لكم 
رُبّ ذكرى قرّبت مَن نزحا

ابن هانئ الأندلسي (936 - 973):

ألمْ يأتِها أنّا كبِرنا على الصِبى
وأنّا بُلينا والزمانُ جديدُ
فليتَ مَشيباً لا يزالُ ولم أقُلْ
بِكاظِمةٍ: ليتَ الشبابَ يعودُ

البوصيري (1213 - 1294) في قصيدته البُردة:

أمِن تذكُّرِ جيرانٍ بذي سَلَمِ
مَزجتَ دمعاً جرى من مُقلةٍ بِدَمِ
أم هَبّتِ الريحُ من تِلقاءِ كاظِمةٍ
وأومضَ البرقُ في الظلماءِ من إضَمِ
فما لِعَينَيكَ إن قلتَ اكفُفا هَمَتا
وما لِقلبِكَ إن قلتَ استَفِقْ يَهِمِ