قرن المنازلة: العلاقات المدنية العسكرية في السياسة الخارجية التركية

يركّز الكتاب على التحوّلات في السياسة الخارجية التركية تجاه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكيف أثّرت المنافسة بين القيادة السياسية والجيش على معظم القرارات.

  • قرن المنارلة
    قرن المنارلة

يتناول هذا الكتاب تأثير العلاقات المدنية - العسكرية على السياسة الخارجية التركية، بدءاً من تأسيس جمهورية تركيا عام 1923، حتى عام 2023، وبالتالي يدرس المؤلف محمد حسن سويدان في كتابه تجربة مئة عام من تأثير المنافسة بين السلطة المدنية والجيش على السياسة الخارجية للبلاد . 

منذ تأسيس جمهورية تركيا شهدت البلاد أربعة انقلابات ناجحة وثلاثة انقلابات فاشلة في أقل من 75 عاماً. فالجيش التركي يعتبر نفسه وصياً على مبادئ مصطفى كمال أتاتورك، وتحديداً العلمانية والقومية، يتدخّل سياسياً كلما شعر أن هذه القيم في خطر؟.

في عام 2002، وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا. شهدت العلاقات المدنية العسكرية توتّراً بين الحزب الحاكم والجيش. وخلال سنوات حكم حزب العدالة والتنمية، مرّت هذه المنافسة المتوترة مع الجيش بتحوّل جذري أدى إلى تقليص دور الجيش في السياسة الداخلية والخارجية والأمنية للبلاد، بعد  قرار التحوّل "الدفاعي" ضدّالكرد في العام 2015.

كتاب قرن المنازلة العلاقات المدنية العسكرية في السياسة الخارجية التركية للمؤلف محمد حسن سويدان من القطع الوسط صادر عن دار الفارابي العام 2023 يقع في 237 صفحة.

يحاول المؤلف في كتابه قرن المنازلة، أن يجيب عن سؤال: كيف أثّرت المنافسة المدنية العسكرية داخل تركيا على قراراتها في السياسة الخارجية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2002، وبالتالي يهدف الكتاب إلى دراسة العلاقة بين اللاعبين المدنيين والعسكريين من جهة والسياسة الخارجية التركية من جهة أخرى، مع التركيز على السياسة التركية تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عهد حزب العدالة والتنمية. 

كتاب قرن المنازلة يشير إلى سيطرة الجيش التركي على السياسة منذ تأسيس الجمهورية في العام 1923، وبقوة أكبر بدءاً من ستينيات القرن الماضي من خلال التدخّلات العسكرية المباشرة وغير المباشرة والامتيازات التي حصل عليها بعد الانقلابات المختلفة. كذلك عند التعامل مع تحوّلات السياسة الخارجية التركية، ويركّز الكتاب على ثلاث نظريات هي الليبرالية، والإسلاموية، والقومية. واختيار هذه النظريات الثلاث نابع من التبدّل الذي حصل في توجّه السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية على مدار سنوات حكمهً، وذلك لتعزيز الهوية الوطنية، بشكل عام، واستبعاد الهويات الأخرى المتنافسة وإضفاء الشرعية على أفعال الدولة لأغراض وطنية.

أسباب الانقلابات العسكرية

في السياق التاريخي يلاحظ المؤلف محمد حسن سويدان في كتابه، أنّ تركيا خلال خمسينيات القرن الماضي، كانت إحدى أكبر حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وأدى ذلك إلى انضمام تركيا إلى حلف الناتو في العام 1952، وهي أحد الحلفاء العسكريين الرئيسيين للمعسكر الغربي. فضلاً عن ذلك، بدأ الأميركيون ببناء قاعدة إنجرليك، وهي قاعدة جوية عسكرية تستخدمها القوات الجوية الأميركية. كذلك، تمّ التوقيع على اتفاقية أمنية متبادلة عُرفت بميثاق بغداد في العام 1955 من قبل بريطانيا، وإيران، وباكستان، وتركيا والعراق. وكان الغرض الأساسي منه منع  تمدّد الاتحاد السوفياتي المحتمل في الشرق الأوسط.

وفي ربيع عام 1960، وصلت التطورات السياسية الداخلية إلى احتجاجات في الشوارع وأعمال شغب وعنف وإعلان الأحكام العرفية، حيث دعا رئيس الوزراء عدنان مندريس الجيش إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة. وفي الساعات الأولى من صباح يوم 27 أيار/ مايو 1960، نفّذت مجموعة من ضباط الجيش التركي انقلاباً ناجحاً ضد الحكومة المنتخبة للرئيس عدنان مندريس. وفي وقت لاحق، تمّ إعدام مندريس ووزير ماليته ووزير خارجيته عقاباً على أفعالهم.

كانت النتيجة الرئيسة للانقلاب على السياسة الخارجية هي تعزيز مكانة تركيا في التحالف الغربي الأميركي ضد الاتحاد السوفياتي. وكان الأمر آنذاك بحلول أواخر الستينيات، حيت بدأت الصعوبات الاقتصادية والانقسامات الأيديولوجية، فضلاً عن أسباب أخرى مثل المنافسة المتزايدة على الاستقطاب بين اليمين واليسار التركي، وبالتالي جاءت حقبة السبعينيات الفترة التي حملت مشكلات لتركيا ما أدى إلى تصاعد الاشتباكات في الشوارع. وبدت الحكومة غير قادرة على التعامل مع الاضطرابات. ففي 12 آذار/ مارس 1971، أرسلت مجموعة من كبار الجنرالات، مذكّرة – عرفت بما يسمّى بـ "انقلاب المذكّرة" - إلى رئيس الوزراء سليمان ديميريل، تطلب منه التنازل عن منصبه. فاستقال من دون الحاجة إلى تدخّل عسكري.

في ظل هذه الأحداث والتقلّبات التركية الداخلية التي تعصف بالبلاد، ونتيجة تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي، رأت الولايات المتحدة أنّ عليها ألّا تخسر تركيا كما خسرت إيران. ولهذا السبب في أواخر عام 1979، دعت عدة أصوات داخل الولايات  المتحدة إلى التدخّل وإنقاذ الوضع سريعاً.

العلاقات المدنية - العسكرية والسياسة الخارجية:

يلاحظ المؤلف محمد حسن سويدان من خلال المراجع والمستندات والمعلومات، أنّ ثمة علاقة متبادلة بين السياسة الخارجية التركية والعلاقات المدنية العسكرية، وخاصة في الانقلابات الأربعة، عندما كانت سياسة تركيا الخارجية تؤدي إلى التقارب بين تركيا والاتحاد السوفياتي أو تركيا وإيران، أجرى الجيش انقلاباً أدى إلى إعادة توجيه سياسة تركيا الخارجية نحو الغرب. وكانت هذه الانقلابات إما مدفوعة من قبل الولايات المتحدة أو كانت تحدث بمعرفة وموافقة كاملة من الأميركيين. ومن الطبيعي أن يكون الجيش التركي على دراية بأنه يتعيّن عليه الحصول على موافقة أميركية، وإلا فلن يتمكّن من السيطرة على البلاد. لا يمكن تجاهل أنه في الانقلابات الأربعة - امتلكت الولايات المتحدة الدافع والقدرة، من خلال علاقتها بالجيش والاستفادة من التوجّه الغربي لمبادئ العلمانية التي تحميها مؤسسة الجيش؟، والحريصة على النظام في تركيا.

سياسة "صفر مشاكل"

يكشف المؤلف أن سياسة تركيا "صفر مشاكل" مع الجيران، كانت عقيدة طموحة في السياسة الخارجية، قدّمها وزير الخارجية التركي آنذاك أحمد داود أوغلو في عام 2009. وكان الهدف من هذه السياسة التغلّب على العداوات والنزاعات التاريخية، وبناء علاقات تعاون وثيقة وتبعية اقتصادية متبادلة مع الدول المجاورة لتركيا.

طبّقت تركيا استراتيجية "صفر مشاكل" قبل "الربيع العربي"؟، لكن تغيّرت استراتيجية السياسة الخارجية هذه بعد "الربيع العربي"المشبوه، عندما بدأت تركيا بالانحياز لأحد الجانبين ودعمت المنظّمات الارهابية، وبخاصة في ليبيا وسوريا ومصر، حيث وقفت إلى جانب الجماعات التكفيرية ضد الحكومات الشرعية القائمة. فتسبّب ذلك بمشكلات لحكومة تركيا مع جيرانها. وهكذا، تغيّر موقف تركيا السابق غير التدخّلي ( صفر مشاكل) إلى التدخّل المباشر من خلال مواقفها.

كتاب قرن المنازلة للباحث محمد حسن سويدان، يشير إلى محاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو 2016 التي وضعت حداً لهيبة الجيش وشعبيته في تركيا، وأدّت إلى حقبة جديدة في العلاقات المدنية - العسكرية، حيث هيمن الرئيس رجب طيب إردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية على السلطة المدنية الكاملة وسيطر على القوات المسلحة التركية في السنوات التالية، وإن هذا الانقلاب الفاشل جاء في وقت كانت العلاقات بين تركيا والغرب تشهد بعض التوترات الخطيرة. واختارت قيادة تركيا تطويرعلاقاتها مع أحد خصوم أميركا، روسيا الاتحادية، كردّة فعل. ومن أجل ضمان سلطته الكاملة، أجرى إردوغان استفتاء شكلياً في 16 نيسان/ أبريل 2017، اقترح من خلاله مجموعة من 18 تعديلاً تهدف إلى تحويل النظام البرلماني في البلاد إلى نظام رئاسي تنفيذي، وفي شباط/ فبراير 2023، أبلغت الولايات المتحدة تركيا أن علاقاتها الاقتصادية والمالية مع روسيا تعرقل الجهود المبذولة لكبح غزو موسكو لأوكرانيا. وكثّفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الضغط على تركيا للقضاء على التهرّب الروسي من العقوبات خاصّة على القطاع المصرفي في البلاد.

الاستنتاجات الرئيسة لكتاب "قرن المنازلة" للمؤلف محمد حسن سويدان، تتلخّص في تأثير العلاقة المدنية - العسكرية في تركيا في سياستها الخارجية. كما يهدف الكتاب إلى معرفة ما إذا كان للانقلابات الناجحة تأثير في توجّه السياسة الخارجية للبلاد، وكيف تطوّرت هذه العلاقة بمرور الوقت. بالإضافة إلى ذلك، بحث الكتاب في آثار الانقلابات الفاشلة في السياسة الخارجية ودور الحكومة المدنية في تشكيل قرارات السياسة الخارجية.

ويوضح المؤلف في  كتابه إلى أنه خلال فترة الانقلابات الناجحة بين عامي 1923 و1991، أصبحت السياسة الخارجية التركية أكثر توجّهاً نحو الغرب بعد كلّ انقلاب. يتجلّى هذا الاتجاه في أعقاب انقلابات 1960 و1971 و1980 و1997 فقبل هذه الانقلابات كانت علاقات تركيا مع الاتحاد السوفياتي، ولاحقاً روسيا الاتحادية، وإيران تتحسّن قبل كلّ انقلاب. أما بعد الانقلابات، فساءت علاقات أنقرة مع هذه الدول.

ختاماً حاول مؤلف هذا الكتاب "قرن المنازلة"، دراسة مئة عام من العلاقات المدنية العسكرية في تركيا، وتأثير هذه العلاقات في السياسة الخارجية للبلاد، كما كشفت النتائج أن الانقلابات الناجحة في تاريخ تركيا أدت إلى سياسة خارجية أكثر توجّهاً نحو الغرب الرأسمالي، في حين أن فشل الانقلاب في العام 2016 لم تنتج عنه تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية التركية. فضلاً عن ذلك، سلّط الكتاب الضوء على الإمكانية الكبيرة للدور الغربي المشبوه في تنظيم الانقلابات التركية أو دعمها. وأظهر الكتاب أيضاً أن حكومة حزب العدالة والتنمية، بقيادة الرئيس إردوغان، نجحت في تقليص دور الجيش في السياسة وكبّلته وأدخلت معظم جنرالاته إلى السجن.

 يركّز الكتاب أيضاً على التحوّلات في السياسة الخارجية التركية تجاه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكيف أثّرت المنافسة بين القيادة السياسية والجيش على معظم القرارات. ومن خلال دراسة (قرن من المنازلة)، يُظهر الكتاب الدور الحيوي للعلاقات المدنية - العسكرية في تشكيل السياسة الخارجية التركية، وكيف يمكن أن تؤثّر القوى الخارجية على هذه العلاقة، وبالتالي على القرارات السياسية، من خلال دعم أو تحريك الجيش لضبط السياسة الخارجية التركية للبلاد