فنانان لبنانيان يتحفان طرابلس بفسيفساء ضخمة

اختار فتفت من تجاربه واطلاعاته الفنية الفسيفساء الحديثة، والسريعة، والجاذبة لكي تكون عملاً يلفت الانتباه، ويضفي على طرابلس أجواء من الفرح والأمل تكسر حدة الظروف الحالية. 

منذ إعلان مدينة طرابلس اللبنانية، عاصمة للثقافة العربية، بدأ الفنان، نديم فتفت، بالتخطيط لرفد المناسبة بما يتناسب مع طموحه ورغبته، وهو الذي أحب المدينة التي عاش فيها، وفتحت له آفاق التغلب على صعوباته الجسدية، وعاد من دبي حيث يقيم بعضاً من الوقت.

اختار فتفت من تجاربه واطلاعاته الفنية الفسيفساء الحديثة، والسريعة، والجاذبة لكي تكون عملاً يلفت الانتباه، ويضفي على طرابلس أجواء من الفرح والأمل تكسر حدة الظروف الحالية. 

نسّق فتفت العمل مع الفنانة رجاء نيكولاس، برعاية رئيس الرابطة الثقافية رامز الفري، واختارا إحدى أفضل المواقع الطرابلسية تجارياً وسياحياً، المركز المعروف بــ "السيتي كومبلكس"، وهو مبادرة سبّاقة لــ "المولات" الحديثة، ويوم أقيمت في ثمانينيات القرن الماضي، لم تكن "المولات" قد وصلت إلى لبنان بعد. 

أقيمت المبادرة تحت عنوان "جمالية المدينة بألوانها"، وتحية إلى طرابلس كما اتفق الاثنان، والفكرة ترتكز على أرضية تحاكي الفسيفساء، يقول عنها فتفت إن الفنون الحديثة منذ أن أدخلت الكولاج إلى الحقل الفني التشكيلي، أدخلت معه هذا النمط من العمل التوليفي كصنف من أصناف الفسيفساء.

ماهية العمل يشرحها فتفت بقوله إنها تقوم على نشر مساحة واسعة من الحصى بألوان مختلفة، من دون إلصاق، واللوحة تبلغ 12 متراً طولاً وزهاء 3 أمتار عرضاً، وبدآ بتشكيلها وإخراجها - فتفت ونيكولاس- منذ الصباح، وانتهى العمل بها مساء، وبينما اختارت الفنانة أسلوبها الخاص على نصف من اللوحة، بدت فيه الألوان مزدحمة، ومكتوب فيها "طرابلس 2014"، آثر فتفت الألوان المتباعدة، رغم لمعانها بالأحمر والأزرق والأصفر والأخضر، وواصفاً إياها بإنها نوع من التجريد.

ويتابع شارحاً أنّ ما اختبره في إقامته بدبي هو تفاعله مع النور، والشمس والألوان الفرحة، فأحب نقل انطباعه إلى مدينته، ألواناً وتشكيلات زاهية.

وفي حديثه مع "الميادين الثقافية" يقول فتفت إنه اختار تباعد الألوان لكي تبقى أكثر إشعاعاً، وبلطف يحاكي نمط الحياة الطرابلسية المتنوعة، التي تقوم على الهدوء والطمأنينة وحب الآخر. 

ويرى أن هذا النوع السريع من الفسيفساء يستخدم لمناسبات عابرة، وليس للبقاء الطويل. فالفسيفساء التقليدي عملية معقدة، وفيها الكثير من الشغل، والحرفية، وطول البال، واللوحة كانت تحتاج لسنوات حتى إنجازها، وكانت كل حبة حصى تستغرق جهداً لكي تستطيع أن تأخذ مكانها في الرقعة.

ولأنها مصنوعة لظروف محددة، فهي لن تستمر معروضة على الرصيف العام، قبالة "السيتي كومبلكس" لأنها ستحتاج لحراسة، وصيانة، ومنع المرور عليها من مارة قد لا يعرفون لها قيمة، لذلك استمرت اللوحة معروضة لثلاثة أيام فقط انتهت مساء أمس الجمعة.

عابرون كثيرون توقّفوا عندها، خصوصاً أثناء تكوينها، وتساءلوا عن ماهيتها، وكان فتفت ونيكولاس يجيبان الجمهور عنها، وبسبب إعجابهم بها، التقطوا الصور مع الفنانين، كما رغب البعض منهم بالمكوث عليها، والتقاط الصور لهم معها.

إحدى العابرات، نوف لبده، علقت بقولها إن: "طرابلس تفتخر بكما بينما تتمايل ريشتيكما بإحساس مرهف"، وأبت إلا أن تلتقط صورة وهي جالسة في حضن اللوحة. 

أما فهمي نجار فرأى أن العمل جميل، ولافت للنظر، وفوق ذلك، يعطي حيوية للمدينة، وتغييراً في نمطها السائد، ويكسر رتابة الحياة اليومية التي يعتاد عليها الناس.

فري حضر إلى الموقع بعد إنجاز العمل، وأثنى على ما قدّمه الفنانان، وقدّم لهما الشهادات التقديرية باسم الرابطة، إحدى أكثر المؤسسات الثقافية انغماساً في مناسبة "طرابلس عاصمة للثقافة العربية". كما قدّم جوائز تنويه لعدد ممن ساعدوا في تنفيذ العمل.

كما حضر فنانون كثر، ومنهم عمران ياسين الذي أثنى على المبادرة لأنها تغني طرابلس كعاصمة للثقافة وكذلك الحياة العامّة في المدينة. 

يُذكر أنّ الفنان فتفت من مواليد عام 1960، أصيب بالشلل في صغره، وبينما هو في عزلة بلدته الشتوية، والجو قاتم، امتشق قلماً من أخوته، وورقة من دفتر، ورسم عليها ما رآه ماثلاً أمامه من أثاث محفور، ثم تتالت الرسوم لمناظر تحت بصره، وطوّر فنونه، وبنزوله إلى المدينة مع والديه، تفاعل مع العديد من الفنانين، والأعمال الفنية، وأقام معرضاً خاصاً به، ما لبث أن عُرِف به، وشارك بالعديد من المعارض.

له مبادرات عديدة في مجال الفن في لبنان ودبي، وينتمي للمدرسة التجريدية الموسومة ببعض سوريالية ورموز. 

أما رجاء نيكولاس فهي فنانة من صربا اللبنانية، ابنة عائلة اهتمت بالفنون، نما لديها حسّ الرسم، وطوّرته مع الوقت في معاهد فنية خاصة، ثم كانت لها مشاركات واسعة في العديد من المعارض الجامعة، والسمبوزيومات، في بيروت وأنحاء متعددة من لبنان، ونالت جوائز عديدة وشهادات تقدير في مناسبات مختلفة.

تقول إنها أحبت طرابلس، وسواها من المدن اللبنانية، وتمنّت مشاركة فتفت للمدينة التي أحبّت، مساهمةً منها في إحيائها.