غزة وقهوة الصباح في زمن الحرب

في غزة اليوم يتساوى تحدي الحصول على الطعام، مع تحدي الحصول على القهوة، التي يصعب على الكثيرين الاستغناء عنها وعن رائحتها، وهي تطهى على نار الحطب، بسبب فقدان الغاز.

ينشر المحتلون صُنّاع الخراب وتدمير الذكريات في غزة، رائحة البارود والدم المحترق ومذاق العدم، الذي يحاول التغلب على رائحة  قهوة الصباح ومذاقها، ونكهتها المضادة للحرب والخوف، إضافة إلى مساهمتها في تحسين المزاج.

وترتبط القهوة باللهفة والشغف في الجلسات الخاصة والعامة، والحاجة إلى المنبهات من أجل المزيد من التركيز والسهر. لكن أهل غزة بالإضافة إلى ذلك، يشتاقون إلى قهوة الصباح كل يوم، كي يشحنوا قلوبهم وعقولهم، بقهوة مرة صامتة وساحرة، من دون حاجتهم إلى المنبهات بسبب القصف المستمر، ودوي القذائف والصواريخ والرصاص وصرخات الضحايا، طيلة الليل والنهار، إضافة إلى انقطاع الكهرباء، وشحّ المياه الصالحة للشرب والحرّ الشديد.

وينتظر أهالي غزة بصبر مالح وعنيد، لحظة انتهاء الحرب ليعودوا إلى شاطئ البحر، ويستمعوا إلى فيروز تغني: بالقهوة البحرية وطالع بأيديك، وتشرب من فنجانك، واشرب من عينيك، وتعود النكهة والسكينة إلى صباحات الناس، في المنازل والأحياء والشوارع والمقاهي والمخيمات.

وأهل غزة الذين كانوا في الماضي يدللون الشاي بإضافة القليل من الميرامية والنعناع، أصبحوا اليوم أكثر إقبالاً على شرب القهوة في زمن التوتر الدامي والحرب.

ويقول الكاتب محمد إسماعيل في غزة، الذي كان يتردد إلى محل شركة "ديليس" لبيع القهوة خاصة أنواعها المعروفة باسم (أرابيكا) أي القهوة العربية، أو (روسيتا) وهي من أقوى النكهات، وكان يشربها مع الشاعر الشهيد سليم النفار، الذي كان ماهراً في صناعة القهوة بيديه، معتقداً كما قال الشاعر محمود درويش، بأن تحريك القهوة ببكرجها من اليمين إلى اليسار، ثم من اليسار إلى اليمين متساوية ببطء وعناية، قبل أن تفور وتغلي، يُكسب القهوة نكهة لا تضاهى.

ويضيف محمد إسماعيل أن مرارة القهوة هي أقل بكثير من مرارات الواقع الذي يعيشه الناس في غزة بسبب الحرب، وأن القهوة ما زالت رغم صعوبة الحصول عليها، بسبب الحرب وشح المياه الصالحة للشرب، تشكل مفتاح الصباح، وسلاحاً قادراً على تعديل المزاج، بطعمها الأصيل ومذاقها الرائع، ونكهتها الفريدة والجميلة، التي تساعد على الدخول في أحلام جديدة، بذاكرة طازجة تؤكد  التمسك بالحياة، وعدم التنازل عن طقوس احتساء قهوة الصباح لمن استطاع الحصول عليها، بعد فقدانها ووصول سعر الكيلو الواحد منها أحياناً إلى 200 دولار، بعد أن كان ثمن الكيلو منها قبل الحرب لا يتجاوز 10 دولارات.

ويذكر أن غزة كانت قبل الحرب، تستهلك نحو 7 أطنان من القهوة يومياً، وتستورد نحو 2500 طن من حبوب القهوة سنوياً، ويتم تقديمها في الأفراح والأتراح وفي المقاهي وعلى البسطات في الطرقات حيث كان الشباب يجلسون حولها، يتأملون تحقيق الكثير من الأشياء، ومنها المصالحة الفلسطينية التي أصبحت بفعل الأداء السياسي، تشبه الغول والعنقاء والخل الوفي.

في غزة اليوم يتساوى تحدي الحصول على الطعام، مع تحدي الحصول على القهوة، التي يصعب على الكثيرين الاستغناء عنها وعن رائحتها، وهي تطهى على نار الحطب، بسبب فقدان الغاز، خاصة حيث تفوح تلك الرائحة من الخيام ومراكز الإيواء، ونوافذها المليئة بالأحلام والآمال المعقودة على الشباب، ومنهم ذلك الشاب الأسمر من "سرايا القدس"، الذي ظهر في فيديو يشرب قهوة الصباح بيد وباليد الثانية يطلق قذائف الهاون على جنود  الاحتلال وآلياته، بمزاج عال في قلب الميدان، الذي تكتب فيه حكايات الصمود الفلسطيني وكوابيس الغزاة.

 

 

 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.