عوض - عواضة - معوّض
العِوَض والعَوْض والعِياض والعَوَض بمعنى واحد، وهو البدل، والخلف، وقيام شيء مكان آخر.
دَعِ التَّوانيَ في أمرٍ تهُمُّ بهِ
فَإنّ صَرْفَ الليالي سابِقٌ عَجِلُ
ضَيّعتَ عُمرَكَ فاحزَنْ إنْ فَطِنتَ لهُ
فالعُمرُ لا عِوَضٌ عنهُ ولا بَدَلُ
سابِقْ زَمانَكَ خَوفاً مِن تَقلُّبِهِ
فكم تَقلّبتِ الأيامُ والدُّوَلُ
يدعو الشاعر في هذه الأبيات مَن يعنيه الأمر مِن الناس أو كل أحد منهم، وربما يعظ نفسه من بعد تجربة، أن يسارع إلى مباشرة الأمور التي ينوي القيام بها من دون تقصير أو تراخٍ، لأن حوادث الدهر تأتي سراعاً وبلا إنذار مسبق، والعُمر يمضي ولا يمكن تعويض ما انقضى منه، فاحزن أيها الإنسان على ما فاتك فيه فالدنيا متقلّبة لا تدوم على حال.
صاحب هذه النصيحة الصالحة لكل زمان هو الشاعر بهاء الدين أبو الفضل زُهَير المُهَلّبيّ الأزديّ، المعروف اختصاراً بالبهاء زُهَير (1186 - 1258). ولِد في الحجاز ونزحت أسرته وهو صغير إلى مصر فأقامت في مدينة قوص مقرّ أعمال الحكومة آنذاك حيث نشأ وتلقّى تعليمه. ولمّا برزت موهبته الشعرية وطار ذكره في البلاد استدعاه الملك الصالح أيوب، مؤسس الدولة الأيوبية، فاختص به ولازمه في حلّه وترحاله وكان مخلصاً له فكافأه على ذلك واتخذه وزيراً له.
عاش البهاء زُهَير في عصر انصرف فيه الشعراء والكتّاب إلى تزيين الكلام بألوان البديع والبيان فنجح في ذلك قِلّة وفشل كثيرون وظهر في أشعارهم وكتاباتهم التكلُّف حتى مجّته الأذواق. أما البهاء فقد أجاد استعمال هذا الفن وأبدع فيه فلا يكاد يُلحظ في أشعاره التي أكثر فيها من البديع والمحسّنات اللفظية أي أثر للتكلّف بأسلوب سهل ممتنع حيث تنساب أشعاره بسلاسة وعذوبة تأنس بهما الأسماع.
العِوَضُ في الأبيات أعلاه هو ما يُعطى تعويضاً عن شيء. من أصل لغوي هو العين والواو والضاد يدلّ على شيئين، الأول على بدَل الشيء، والثاني على زمان ومنه كلمة عَوْض وهي ظرف لاستغراق المستقبل مثل أبداً، إلا أنها مختصة بالنفي.
يقال: لا أفعله عَوضَ العائضين، أي أبداً. ومن الأول يقال: عاضَه بشيء، يعوضه، عَوَضاً وعَوْضاً وعِياضاً، فهو عائض والمفعول مَعُوض، إذا أعطاه إياه بدل الشيء الذي ذهب منه. والعَوَضُ هو المصدر وكذلك العَوْضُ والعِياض، والإسم العِوَض. قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي (767 - 820) في الحثّ على السفر:
ما في المقامِ لذي عقلٍ وذي أدِبِ
مِن راحةٍ فَدَعِ الأوطانَ واغتَرِبِ
سافِرْ تَجِدْ عِوَضاً عَمّنْ تّفارِقُهُ
وانْصَبْ فَإنّ لذيذَ العِيشِ في النَّصَبِ
والعِوَض والعَوْض والعِياض والعَوَض بمعنى واحد، وهو البدل، والخلف، وقيام شيء مكان آخر. قال الشريف الرَّضِيّ (970 - 1015) مُعزّياً أحدهم بفقد عزيز:
أشكو إليكَ مدامِعاً تَكِفُ
بعدَ النَّوَى وجِوانِحاً تَجِفُ
فُجِعَتْ بِعِلقِ مظَنّةٍ يدُهُ
فأقامَ لا عِوَضٌ ولا خَلَفُ
ومن العَوَض أُخِذ اسم العلم المذكّر عَوَض. يقال: عاضه اللهُ، وأعاضه، أي أعطاه بدلاً من الشيء الذي فقده. قال الشيخ محي الدين بن عربي (1165 - 1240):
لكلِّ شيءٍ إذا فارَقتَهُ عِوَضٌ
ولَيسَ للهِ إنْ فارَقتَ مِن عِوَضِ
ويُستعمل الفعل عَوّض أكثر من عاض وأعاض، فيقال: عَوّضه، يعوِّضه، تعويضاً: أعطاه ما ذهب منه. ويقال لمن مُنِيَ بخَسارة: عَوَّضَ اللهُ عليك، فالله هو المُعَوِّض، والآخر هو المُعَوَّض عليه. ومنه أخِذ اسم العلم المذكّر مُعَوَّض. وعَوَضُ اللهِ اسم مركّب بالإضافة.
ومن أسمائهم المشتقة من العِوَض: عُواضة، وعُوَيضة، وعَيّاض، وعِياض. وعُرِف باسم عِياض بعض الصحابة ومنهم عِياض بن غَنْم وهو من القادة الفاتحين وقد غزا بلاد الروم. ومن أعلام الفُقهاء بالأندلس القاضي عِياض (1083 - 1149). كان عالماً بالحديث والأدب والتاريخ. ولّي قضاء سَبتَة وغَرناطة. قُتِل بمراكش بأمر من ابن تومرت لأنه رفض ادّعائه بأنه المهديّ.