شهب ونجوم ربطت أنحاء المنطقة
ما الذي يربط بين بلاد الفرس - إيران والأرض المقدسة؟ ذلك ما روته عناقيد الشهب الهاطلة من السماء في تلك الليلة.
كم كانت بهيّةً الأضواء التي زيّنت سماء ليل الأول من تشرين الأول/أكتوبر! كانت الأضواء قناديل ومشاعل هدي، وشُهُبٌ تنير الدّروب، بعثت الطمأنينة في الأفئدة التي أقلقها ظلام الليالي، والصمت المُطْبَق الذي أحاط عمليات القصف الهمجيّة لأحياء ومنازل الآمنين.
كان القلق في ذروته، وعيون الناس تأبى النوم خوفاً من مجهول يختبىء في الظلام.
وإذ هطلت الأضواء مشعشعة فوق فلسطين المغتصبة، كانت الطمأنينة تعود للقلوب، والارتياح غطى الوجوه، وعادت الشفاه على استعداد للتبسم.
في تلك اللحظة، أعاد بهاء الأنوار مقبلةً من السماء، بعضاً من طفولتنا. كنا نلعب بــ"الفُتَّيْش" البدائي مقارنة مع ألعاب النار الراهنة، شديدة التطوّر والانفجار، وكم كنا نفرح بخرق ألعابنا قَتَامةَ السماء ليلاً، ولإنارتها للمعة كلمع البرق.
وأكثر ما عاد بنا إلى الذاكرة مشهد النجوم في السماء مقبلاً من بلاد الفرس تحديداً. لماذا إيران، وليس العراق أو سوريا أو مصر مثلاً؟ أية علاقة تربط تلك البلاد البعيدة بنا نحن على شرقي المتوسط؟
مشهد النجوم في السماء مقبلاً من إيران، أثار في الذاكرة جانباً آخر من طفولتنا. ونحن كأطفال، نحب الأعياد، وأحبّها على قلوبنا، عيد ميلاد السيد المسيح، ترتسم في ذاكرتنا صورة الاحتفالية بذلك الموعد. أحببنا هذا العيد لما زخر به من رموز، وأطياف جميلة، شجرة يثبتها الوالد في البيت، نزيّنها بالكرات الملونة، ونغطيها بالقطن كالثلوج، وتحتها مغارة تشير إلى ولادة السيّد المسيح في المغارة، وأنصاب ترمز إلى مِزْوَدٍ يستريح فيه الطفل الحديث الولادة، وقربه نصب لأمه مريم التي أحببنا صورتها، وما رمزت إليه منذ نعومتنا، فصارت كل أنثى اسمها مريم محبّبة إلى قلوبنا تيمّناً بها، ثم نصب يوسف النجار، زوج مريم.
الغريب في الصورة التي لم تكتمل بعد، هو ضرورة تركيز 3 نصوب لأشخاص وافدين بجلابيب فضفاضة، وهم يحملون الهدايا الثمينة احتفاءً بولادة المسيح. من هم هؤلاء الأغراب؟ كنا نتساءل، وإذ هم "المجوس" في الرواية الدينية المسيحية، قادمون على جِمالهم من بلاد الفرس.
بغض النظر عن الجدل الذي يقترن بالمجوس وعلاقتهم بالأديان التي تلت وجودهم، فقد كانوا رمزاً من رموز الرواية المسيحية لولادة السيد المسيح، ولا يغيبون عنها، وهي شرط لاكتمال الرواية. لماذا وكيف؟ لا نعرف.
الرواية تذكر أن المجوس، الذين كانوا يهتمون بالفلك، وبالتنبؤ بالتالي من الأيام والأحداث بحسب معتقدهم، شاهدوا في السماء، نجوماً ساطعةً ليلة ولادة مريم العذراء للسيّد المسيح، فعلموا بقدوم مخلّص البشرية، ففرحوا، وجهزوا قافلة محملة بالأطياب، والنفيس من الهدايا، واتجهوا من بلاد الفرس الى أورشليم للمشاركة بفرح ولادة المخلّص، ترشدهم إلى الطريق إليه إشعاعات نجمة ساطعة طوال الليل، رافقتهم في دربهم من الانطلاق حتى الوصول، وبذلك شكّلت النجمة إحدى العناصر من الرواية، ومنها تُعَلّق نجمة فوق المغارة.
ليلة الأول من تشرين الأول/أكتوبر، والسماء تهطل بالأنوار الإيرانية، تراءت للمخيّلة صورة المجوس، ونجمهم، وقدومهم إلى أورشليم. ما الذي يربط بين بلاد الفرس - إيران والأرض المقدسة؟ ذلك ما روته عناقيد الشهب الهاطلة من السماء في تلك الليلة.