راتب - رتيب

الرتيب والراتِب بمعنى واحد، وهو الثابت والمستقر والدائم. وأمر رتيب ثابت مستمر على وتيرة واحدة.

مَعَ الدهرِ ظُلمٌ ليسَ يُقلِعُ راتِبُهْ
وحُكمٌ أبَتْ إلّا اعوِجاجاً جوانِبُهْ
أبيتُ ولَيلي في نَصيبينَ ساهِرٌ
لِهَمٍّ عَناني في نَصيبينَ ناصِبُه
وإنّ اغتِرابَ المَرءِ في غيرِ بُغيَةٍ
يُطالِبُها مِن حَيفِ دَهرٍ يُطالِبُهْ

هذه الأبيات من قصيدة للشاعر العباسي أبو عُبادة الوليد بن عُبيد الطائي المعروف بالبُحتَري (720 - 897) أحد 3 كانوا أشعر أبناء عصرهم والاثنان الآخران هما أبو تَمّام (803 - 845) والمتنبّي (915 - 965). سُئلَ أبو العلاء المَعرّي (973 - 1057) أيّ الثلاثة أشعر؟ فقال:المتنبّي وأبو تمّام حكيمان، وإنما الشاعر البُحتَري.

في الأبيات أعلاه يشكو الشاعر ظلم الدهر الذي لا يُقلع راتبُه، أي لا ينقطع  انتظامه وثباته، وكذلك أحكامه المعوجّة، ويعبّر عن حنينه إلى نصيبيبن المدينة السورية وقد ابتعد عنها في نوع من الاغتراب المؤلم الذي لا غرض من ورائه سوى نكد الدهر. 

لقد اخترنا الأبيات أعلاه مدخلاً للحديث عن اسم العلم المذكر راتِب ومعناه في الأصل هو الشيء الثابت والدائم، مأخوذ من اسم الفاعل من رتبَ. يقال: رتبَ الشيءُ، يرتُب، رُتوباً ورتابةً، إذا ثبت واستقرّ، فهو راتِب ورتيب، وهي راتبة ورتيبة. ويقال رتّبَ الشيءَ، يُرتّبه، ترتيباً، إذا أثبته وأقرّه، ونظّمه. وتَرتّبَ عليه كذا، انبنى وثبت واستقرّ. من ذلك قول الشاعر العراقي معروف الرصافي (1875 - 1945):

رتّبْ لكلٍّ مِنَ الأشياءِ مَوضِعَهُ
وضَعهُ فيهِ بِإتقانٍ وتَرتيبِ
حتّى إذا ما أردتَ الشيءَ في عجلٍ
تلقاهُ حالاً ولا تُبلى بِتعذيبِ

ومن هذا الرُّتبة والمرتبة وهي الدرجة في الوظيفة وغيرها. وفي بعض مَن صعد في الوظيفة بسرعة رتبة أعلى فأعلى وهو لا يستحقّها، يقول الشاعر العباسي ابن الرومي (836 - 896):

لقد رأينا عَجباً مِنَ العَجَبْ
بين جُمادى وجُمادى ورَجَبْ
عِلْجٌ ترقّى رُتبةً فَرُتبة
ولم يكنْ أهلاً لها تلكَ الرُّتَبْ
فَزَلَّ مِن تلك المراقي زلّةً
أصبحَ مِنها مُشفِياً على العَطَبْ

والرتيب والراتِب بمعنى واحد، وهو الثابت والمستقر والدائم. وأمر رتيب ثابت مستمر على وتيرة واحدة. ورتيب اسم علم مذكر مؤنثه رتيبة. والرتيب صاحب رُتبة في الجيش وسواه. 

قلنا إن الراتب هو الثابت والمستقر والدائم، واسم الفاعل من رتب. ومنه أُخذ اسم العلم المذكر راتِب. ويطلَق الراتب على ما يتقاضاه الموظف أو الأجير أو العامل من مبلغ مالي شهري، أو أسبوعي، على نحو ثابت ومنتظم لقاء عمله. 

وفي الختام نورد أبياتاً لمعروف الرُّصافي هجا بها ملك العراق فيصل الأول وكان معارضاً لحكومته. وخرج الرصافي من العراق وأقام فترة في لبنان إلى أن تدخّل من أصلح بين الملك والشاعر فعاد إلى العراق وعاتبه الملك على ما كان قد قاله عنه ولاسيما قوله إنه يتقاضى راتباً من المحتلين الإنجليز الذين يسمّيهم الشاعر  بالتيمسيّين نسبة إلى نهر التيمس في لندن. وفي ذلك يقول الرُّصافي:

ودَعْ عنكَ أخبارَ العِراقِ فَإنّني
لَأعلمُ منها ما يفوقُ العجائبا 
لهم ملكٌ تأبى عِصابةُ رأسِهِ
لها غيرَ سيفِ التيمسيّينَ عاصِبا
لقد عاشَ في عِزٍّ بحيثُ أذلّهم
وقد ساءهم من حيثُ سَرَّ الأجانِبا
وليسَ لهُ من أمرِهم غيرَ أنهُ
يُعَدِّدُ أيّاماً ويأخذُ راتِبا