حفلات صاخبة ورقص أمام الأهرامات... هل باتت آثار مصر للإيجار؟

منذ سنوات تحوّل بعض المعالم الأثرية والتراثية المصرية إلى قاعات أفراح وأماكن لأنشطة تجارية. ما الأسباب؟ وكيف يعلّق خبراء الآثار على تداعيات ذلك؟

لنحو أكثر من 10 سنوات، تحوّل بعض المعابد الفرعونية والقصور التاريخية في مصر، البلد الذي تشكل فيه عائدات قطاع الآثار مصدراً رئيسياً للاقتصاد المصري، إلى قاعات أفراح وأماكن لأنشطة تجارية أو خيم رمضانية وحتى مواقف سيارات. كما استُغل بعضها لإقامة مطاعم ومقاهٍ، بينما أصبحت أُخرى مكاناً لتصوير إعلانات تجارية أو عروض أزياء.

ومن بين هذه المواقع أهرامات الجيزة، ومعبدا فيلة والكرنك، وقلعة صلاح الدين، وقصر محمد علي باشا. الأمر الذي أثار انتقادات واسعة من قبل خبراء الآثار والمدافعين عن التراث، الذين تحدثوا إلى "الميادين الثقافية"، معتبرين أنها "أنشطة تهدد سلامة المواقع التاريخية وتُهين تاريخ المصريين".

المعابد والأهرامات قاعات أفراح للأثرياء

عقب سماح وزارة السياحة المصرية في عام 2018 بتنظيم حفلات عشاء وفعاليات فنية في بعض المناطق الأثرية كإحدى وسائل الترويج السياحي لمصر ومناطقها التراثية، تنامت استباحة تلك الأماكن، خصوصاً من قبل أثرياء ونجوم مصريين.

هكذا أضحت المعالم التاريخية والأثرية قاعات للغناء وحفلات الزفاف والمطاعم تتعرض بشكل دائم لأنواع من الإضاءة الصاخبة والتصوير وأشعة الليزر والرقص، فضلاً عن أدخنة النرجيلة (الشيشة) والخمور، وهي كلها عوامل تؤثر على سلامة المعابد معمارياً وفنياً، وفق معنيين بحفظ التراث.

ففي أيار/مايو عام 2016، أقيم حفل زفاف داخل قلعة قايتباي الأثرية التي بناها السلطان المملوكي الأشرف أبو النصر قايتباي (882-884 هـ) في الإسكندرية، كما نُظّم في تشرين الأول/أكتوبر عام 2016 حفل راقص داخل معبد الكرنك لمجموعات "بول بارتي" الشهيرة، وبعد ذلك بعامين، شهد معبد الكرنك في الأقصر حفل عشاء ضخماً لعقد قران ضم نحو 300 شخص، فيما تحوّل معبد فيلة الأثري بأسوان، والمسجل على قائمة "اليونيسكو"، إلى صالة أفراح خلال زفاف نجل أحد رجال الأعمال وما رافقه من مظاهر لا تناسب القيمة التاريخية للمكان.

أما في معبد دندرة، والذي يوصف بمركز العبادة والفلك في مصر القديمة، فأقيم في كانون الثاني/يناير عام 2025، حفل خطوبة ابنة أحد رجال الأعمال المصريين، وفي نيسان/أبريل الماضي، وخلال حفل "أسطوري" احتفلت الفنانة، ليلى زاهر والمنتج والفنان هشام جمال، بحفل زفافهما في منطقة هرم سقارة بالجيزة، حيث تمت إضاءة الهرم وسط أجواء صاخبة بعد احتفالهما بعقد قرانهما داخل القصر التاريخي لمحمد علي باشا.

وكذلك حفل زفاف أقيم بمنطقة الأهرامات بالجيزة للملياردير الأميركي من أصل هندي، أنكور جاين، وزوجته عارضة الأزياء، إريكا هاموند، وصولاً إلى احتفال رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، بحفل زفاف نجله أنسي بمنطقة عروض الصوت والضوء أمام الأهرامات بحضور كبار الشخصيات الفنية والسياسية ورجال الاقتصاد.

استغلال المواقع الأثرية في أنشطة تجارية "سلاح ذو حدين"، وفق هدى زكي، الباحثة في الآثار الإسلامية وتاريخ العمارة المصرية، فمن ناحية توفّر موارد مالية ضرورية لصيانة وحماية المواقع الأثرية، لكنها على المقلب الآخر، تلحق أضراراً كبيرة بالقيمة التاريخية للحضارة المصرية.

ويتوجب، وفق حديث زكي إلى "الـميادين الثقافية"، "تطبيق قوانين صارمة تحدد الاستخدامات التجارية وتضمن عدم الإضرار بالتراث"، مشيرة إلى أن "استخدام الإضاءة خاصة التي تولد حرارة عالية أو إشعاعات قد تتفاعل سلباً مع الأحجار التاريخية ما يلحق أضراراً بالمواد الأثرية".

القصور التاريخية مطاعم ومواقف سيارات

مع السنين تمادت الانتهاكات بحق الأماكن الأثرية والمعابد لتصل إلى القصور التاريخية واستغلالها تجارياً، حيث أقيمت خيمة رمضانية في قصري القبة وعابدين، خلال شهر رمضان الفائت. كذلك احتفلت شركة "ماغي" للمواد الغذائية في قصر عابدين بنجاحاتها، وسبقها احتفال آخر لشركة الاتصالات "فودافون" في المكان نفسه. كما تم تصوير إعلان تجاري للفنانة ياسمين عبد العزيز داخل المتحف المصري الكبير في كانون الأول/ديسمبر الماضي، فيما عدّه البعض تقليلاً من القيمة التاريخية للمكان.

أما الواقعة التي أثارت غضب المصريين فكانت في آذار/مارس 2025، حين تم تحويل حديقة قصر الشناوي الأثري، بمدينة المنصورة، شمال مصر، إلى موقف للسيارات، رغم أنه من أهم معالم المدينة. إذ شيده محمد بك الشناوي عام 1928، وهو مصُمم على الطراز المعماري الإيطالي، بواجهات تنتمي إلى عمارة الباروك والروكوكو الأوروبية وحصل عام 1931 على شهادة رسمية موقعة من موسوليني، توثق قيمته الفنية كأحد أفضل القصور خارج إيطاليا.

من جانبها، ترى أستاذة التراث الحضاري، فتحية الحناوي، أن "التوسع في الاستغلال التجاري للمناطق الأثرية خلال السنوات الأخيرة، كان بسبب قرار ضم وزارتي الآثار والسياحة تحت إدارة واحدة، ما أدى إلى تعارض المصالح؛ ففي الوقت الذي يهدف فيه الأثريون إلى الحفاظ على التراث يدير القائمون على السياحة الآثار بمنطق العائد المادي كمنطقة سياحية يجب أن تدر الأموال".

  • حديقة قصر الشناوي الأثري في المنصورة بعد تحويلها إلى موقف للسيارات
    حديقة قصر الشناوي الأثري في المنصورة بعد تحويلها إلى موقف للسيارات

أما رئيس "حملة الدفاع عن الحضارة المصرية"، عبد الرحيم ريحان، فيقول إن الاستغلال التجاري للمعالم الأثرية يضر بها معمارياً وفنياً فالضوضاء وأدخنة "الشيشة" تضر بالألوان والزخارف.

في حديثه مع "الـميادين الثقافية"، يفسر ريحان أن "الضوضاء والأضواء يؤثران سلباً على الطبقات اللونية للأسطح الأثرية أو المسطحات الحجرية للآثار، إلى جانب التأثير الميكانيكي للموجات الصوتية على الآثار التي تحمل نقوشاً وزخارف ملونة"، مشيراً إلى أنها جميعها "تتأثر بشكل مباشر بالضوء سواء كانت آثاراً عضوية أو حجرية ومعدنية".

في المقابل، تقول خبيرة الآثار، هويدا صالح، إن تنظيم المهرجانات التراثية والمعارض الفنية يسهم في الترويج للسياحة المصرية، مشيرة إلى أن "استغلال منطقتي الأهرامات وقلعة صلاح الدين وفتح القصور الرئاسية التاريخية يتم وفق قواعد صارمة وتحت إشراف رسمي".

أماكن عالمية تحمي تراثها

هناك أماكن أثرية حول العالم ما زالت تتمسك بحظر التصوير أو إقامة الحفلات في داخلها، من بينها الكنيسة السيستانية في إيطاليا، وكنيسة سيدليك في التشيك، والتي تضم ما يقرب من 70000 هيكل عظمي بشري.

وفي اليابان هناك شارع جيون في كيوتو حيث يتم حظر التقاط الصور ويمكن إصدار غرامات مرتفعة بحق المخالفين، فيما يعد متحف فان غوخ في أمستردام ضمن أشهر المتاحف التي لا تسمح للزوار بالتقاط صور لأي عمل فني، وكذلك منزل "آن فرانك" في أمستردام، حيث يمنع تصوير القطع الأثرية.

أما وزارة الآثار المصرية فتبرر ما يجري، وفق بيانات سابقة، بأنه يحدث في غالبية الدول التي لديها مواقع أثرية، وأنها ترفض بعض الحفلات بمناطق أثرية احتراماً لقدسية الأماكن رغم الرسوم الضخمة، بينما تسمح بأخرى، وفقاً لشروط صارمة.

اخترنا لك