حدّث واقعك

"تم تحرير فلسطين... إضغط لتحديث الواقع". ظهر هذا الإشعار على هاتف سليم، الواقف على التلة المُطلة على مخيم نزوحه. نظر إلى الشاشة، ثم رفع رأسه يتفحّص علامات التحرير، لكنه لم يجد سوى خيامٍ مرقّعة، وسكّان صامتون، وجوّ خال من ذرة فرح. عاد ينظر إلى هاتفه، فوجد أن الإشعار صادر عن تطبيق اسمه: حدّث واقعك.

لم يعلّق على عبقرية مطوّره، لكنه فتحه. كانت واجهته بيضاء، وفوقها بخط مزخرف بألوان علم فلسطين كُتب: "أهلاً بك في فلسطين المُحرّرة".

بعد ثوانٍ، ظهر له مخيم نزوحه وكأنه يُصوَّر من كاميرا هاتف. ضغط على خيمة أبي علي المهترئة، فكانت المفاجأة: "خيارات التطوير". ومن خلالها استطاع تحويلها إلى قصر مضاد للصواريخ.

اندهش سليم، وبدأ بحماس يضغط على الخيام كلها، محوِّلاً إياها إلى قصور مجهزة بأحدث التقنيات. تفاجأ بتحوّل المخيم إلى حيّ للأغنياء. ثم التفت إلى الشوارع الرملية، فحوّلها إلى طرق إسفلتية. في أحد الأزقة، رأى دابة يعمل عليها محمود وهو يضحك. ضغط عليها، فظهرت له إمكانية تحويلها إلى مرسيدس.

أراد أن ينادي محمود ليُريه أن حماره صار سيارة مرسيدس، لكنه آثر أن "يحدّث الواقع" أولاً، ليرى محموداً يبحث عن حماره بجنون، غير مهتم بالسيارة التي وقفت مكانه.

تابع تحسين البنية التحتية، والمشافي، والمدارس. صار القطاع المنكوب، بفضل التطبيق، أفضل مكان في العالم، مجهّزاً بكل شيء.

ثم ضغط على أيقونة "أشخاص"، فظهرت له قائمة بسكان المخيم. بدأ يُهندمهم، ويرفع منسوب نفسياتهم. وبين الأيقونات، كانت واحدة تلمع وعليها رمح وسيف. ضغط عليها، فعلم أن اسمها: "حارب العدو".

ظهر له جنود، وكان السلاح الوحيد المتاح: قلوب متكسّرة. كلما ألقى على جندي قلباً وأصابه، خسر الجندي 10% من دمه.

في دقيقة، سقط الجنود أرضاً، وظهر غيرهم. بحث سليم عن "خنزيرهم"، فعرف أن عليه قتل 1000 جندي ليصل إليه. ولأن إرسال القلوب كان سهلاً، ظل يقتل حتى وصل إلى الخنزير... وقتله.

بعد هذا الإنجاز، اكتفى سليم، وقرر أن يضغط على زر: "تحديث الواقع".

ضغط، ولم يتغير شيء. ضغط مرة أخرى. لا شيء تغير. ظن أن الإنترنت ضعيف، فخرج من التطبيق، وفتح المتصفح، وكتب: "لماذا لا يتحدث الواقع لدي؟".

فخرجت له إجابة واحدة فقط: "لأنك تسكن في الواقع. أما التطبيق، فهو فقط مساحة ليمارس العرب نخوتهم الرقمية، ويرسلوا قلوبهم المكسورة".

ما إن قرأ هذه الجملة، حتى دوّى انفجار هائل، فانتفض من حلمه مفزوعاً. ارتجف قلبه، فسحب هاتفه بسرعة ليرى الأخبار. وبين الركام والدخان، راح يبحث بين التطبيقات عن حدّث واقعك... ولم يجده.

ابتسم بمرارة، وقال: "ليت القلوب المكسورة تُغيّر الواقع... ليت التكنولوجيا تُفلح كما في الأحلام". ثم عاد ليغفو، كأنه يُصرّ على الحلم، ولو أن كل شيءٍ حوله كابوس طويل.