"اثنتا عشرة حياة": كيف نبلغ السعادة؟

يعتبر المؤلف أنّ الصّبر هو الرّفيق الأوفى للإنسان، ومصدر قوّة أساسي له. وهو أنجع الحلول لمعظم مشكلاتنا.

  • محاكاة الإنسان والجمال فينا كتاب يحرّض على صناعة الفرح والإيجابية
    محاكاة الإنسان والجمال فينا كتاب يحرّض على صناعة الفرح والإيجابية

يرسم المؤلف يوسف البعيني في كتابه اثنتا عشرة حياة، ما يشبه خارطة طريق لحياة متوازية، لعلّه يتعرّف بواسطتها إلى بداية سيره نحو الهناء والسكينة والتصالح مع الذات أكثر! فنحن مهما اختلفت ثقافاتنا ومواقعنا الاجتماعية والمهنية، ومن كان منّا مرتاحاً وسعيداً في حياته، ومن أصبح القلق أو الملل رفيقه الدائم، كلّنا بحاجة أكثر إلى فهم حقيقة وأسباب وجودنا في هذه الحياة، وإلى التفتيش الدائم عن روح السّعادة الحقيقية فيها. 

لذلك فالكتاب يحاكي كلّ شخص مهما كانت ظروفه لينير أمامه طريق الأمل الدائم، ويساعده على زرع الطمأنينة في قلبه والثقة بنفسه، ودفعه إلى تحقيق أهدافه برؤية أوضح كما أنه يحدّد معالم الجمال ويصحبه إلى مواقعه، ويذيقه سحر الطبيعة والحب وأسرار الصفاء.

كتاب اثنتا عشرة حياة – محاكاة الإنسان والجمال فينا، للمؤلف يوسف العيني، صادر عن أوستن ماكولي للنشر في دولة الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى العام 2022، يقع الكتاب في 230 صفحة من القياس الوسط، 

تجديد الحياة في داخلنا

قد يسأل سائل: كيف للإنسان أن يختار البساطة والهدوء والسكينة في هذا الزّمن الذي يسابقنا وفي هذه الحياة التي كثرت متطلّباتها؟! هل ينعزل عن النّاس ليحقّق ذلك؟!

ليس بالضّرورة أن نعزل أنفسنا عن الآخرين كي نشعر بروح السّعادة الحقيقيّة فينا، ولعلّ هذا الكتاب يجيب عن السّؤالين، فما كُتب فيه ليس نظريّات علميّة أو فلسفيّة تساعد على تغيير سلوك النّاس ونظرتهم إلى الحياة، أو وضع قواعد جديدة لها، ولا دعوة إلى التصوُّف أو التزهد. لكنّ الكثيرين ممن لديهم الرغبة في تحصين حياتهم أكثر، أو أولئك الرّاغبين في إعادة التّوازن إليها، قد يجدون في الكتاب مفتاحاً من مفاتيح هذا التّحصين، وإعادة هذا التّوازن. 

وهو نتاج تجربةٍ خاصَّة مضافة إلى تجارب آخرين، وما قد يتعلّم منها الإنسان، وهو بمثابة رغيف الخبز المعجون بطحين الإحساس والعقل والقلب والرُّوح، وبخميرة أحداثٍ، ونجاحٍ وفشلٍ، وضحكاتٍ ودموعٍ، وإنجازاتٍ وإخفاقاتٍ وإحباطٍ، وعلاقاتٍ عاطفيّةٍ، وتعلُّمٍ وعملٍ، وغيرها الكثير الكثير من الأمور التي تواكب الحياة. 

وعليه... وانطلاقاً من رمزيّة عنوانه، تمّ تقسيم مضمون الكتاب إلى اثنَي عشر باباً، حمل كلُّ واحدٍ منها عنوان "التّجديد". ونجد وراء كل باب ثلاث نوافذ تُفتح على أمورٍ بسيطة تحيط بنا في كلّ يوم من أيّام حياتنا، فتجعلنا إذا أخذنا أقلّه بقسم منها، نشعر بالتجدّد الدائم فيها، وبالعيش اثنتي عشرة حياة في العام الواحد؛ لأنه لن تكون حياتنا حينها رتيبة، ولا سطحيّة ولا مُحاطة بالعُقَد، ولا غارقة في القلق والتردُّد والضَّعف؛ بل متطوّرة وإيجابية على الدّوام. 

أمّا نوافذ كلّ باب في الكتاب فهي:

أوَّلاً: نافذةٌ تُفتَح على الإيجابيّة والتَّفكير البعيد عن السلبيّة، وتستقبل لمسات التَّغيير اللّطيفة في شخصيّاتنا للتنعُّم بدفء التفاؤل، وبانتعاش آمالنا وإنسانيّتنا. 

ثانياً: نافذةٌ تطلُّ على جمال الطّبيعة وسحرها وأسرارها، لنتزوَّد من خلالها بالطّاقة الإيجابيّة، والشّعور بطبيعة الإنسان وفطرته، وبقدرة الصّفاء على صُنع الابتسامة والرّاحة له. 

ثالثاً: نافذةٌ تُفتَح لرمزَي الحياة (المرأة والرّجل) لنتلمَّس نور الحبّ، ونشعر بدوره المبلسِم لجراحنا، والمخفّف لآلامنا. 

معرفة الحياة

يحدّد المؤلف في كتابه أنّ الحياة تعلّمنا بالدّرجة الأولى أنّ الإنسان الأكثر ضعفاً فيها هو ذلك الذي لا يعرف ذاته، لكنّها تعلّمنا أيضاً أنّ الأضعف هو ذلك الإنسان غير القادر على فهم المعنى الحقيقي للقوّة والتي لا تكون بالسّلطة أو المال أو العضلات على أهميّتها، وإن بدا للبعض ذلك. فالقوّة بمعناها الحقيقي تكمن في عقولنا وقلوبنا، في إنسانيّتنا وأخلاقنا، وتجرُّدنا ووعينا ونوايانا، فلا تبهرنا مظاهر، ولا تهزُّنا صعوبات، ولا تجرفنا كلمات، ولا تحزننا مشكلات، ولا تخذلنا قناعات، ولا تفارقنا آمال.

ولا شكّ في أنّ الصّبر هو الرّفيق الأوفى للإنسان، ومصدر قوّة أساسي له. وهو أنجع الحلول لمعظم مشكلاتنا... فالصبر على سواد الأيّام وقساوتها يقوّي الإنسان ويظهر كم هو قادر على التحمُّل وعدم الركوع أمام المصائب التي تواجهه، حتّى لو أنّه في زمنٍ ما، ومكانٍ ما، ومع شخصٍ أو جماعةٍ ما يذكّرنا الصّبر ذاته بأنّنا بشر، وبأنّ لدينا قدرةً محدودةً على التحمّل مهما تعاظمَت قوّتنا، فيتململ من صبرنا، ويستهزئ بتحمُّلنا، وينفجر أمام عيوننا لعلّنا نجاريه، ولكن علينا ألّا نكترث، بل أن نصبر كي لا نضعف، نعم... علينا صناعة الفرح دائماً، والتّفتيش عنه باستمرار، فهذا يؤشّر على الأمل الدّائم.

اصطياد البسمة

يشير المؤلف في كتابه إلى أنّ تمسُّكنا بالتّفاؤل والأمل والفرح يعني أيضاً أن نتذوَّق الجمال أينما وجدناه. فهو معنا وحولنا على الدّوام، ويكفي أن نشعر به، وإن لم نستطع ذلك يمكننا أن ندرّب أنفسنا على الشّعور به، فنعوّد عقولنا على الحكم على أيّ شيء نراه أو نسمعه أو نلمسه أو نشمُّه أو نتذوَّقه بأنّه جميل. 

عندما نرى الجمال في أغنية، في كلمة، في طير، في تمايُل أغصان شجرة، في صوت، في ضحكة، في أيّ شيءٍ حتّى لو اتُّفق أنّه قبيحٌ بنظر معظمنا، فهذا إحساسٌ صافٍ بجمال الحياة وما ومن فيها، وتقديرٌ لها، وهذا أيضاً يمنحنا هديّةً لا تُقدَّر بثمن، الرّاحة والانشراح، وما أحوجنا دائماً إلى هذه الهديّة. 

لن نشعر بقيمة ذلك الضّوء المشتاق إلى معانقة اللّحظة، ولو بدت صغيرةً جداً في قاموس العمر. إذا لم نبادر إلى غسل وجوهنا ورؤوسنا بمياه الصّفاء وصابون التصميم، فتصبح لحظات حياتنا حينها جاهزةً لاستقبال الغد في رحاب الضّوء، فنسعى إلى الغوص في قلب الضّوء الذي يحضننا من دون ملل، لنكتشف أموراً بسيطةً محيطةً بنا، تضيء طريق حياتنا وتجدّدها. 

وفي مقدّمتها، مسألةٌ تناساها كثيرون وهي التي تهدي الإنسان روحاً من السّعادة الحقيقيّة، إنّها القناعة. قد لا يملك أحدنا المال، لكنّه يملك الصّفات الإنسانيّة داخله، في حين قد يفتقد مالك المال ذلك، وقد لا يكون شخصٌ في مركزٍ مهنيّ بارز، لكنّه يملك الصحّة، في حين قد يفتقدها صاحب المركز.

وقد لا يملك آخَرُ ما يعطيه لأولاده لإعانتهم على مصاعب الحياة، لكنّه يمنحهم الأخلاق والمحبة والرُّقيّ فيمتلكونها، في حين أنّ من يقدر على إعانتهم قد يفتقد ذلك في أولاده. قد لا يملك الشّخص أشياء وأشياء كثيرة يملكها غيره، لكنّه يملك الثقافة والوعي والإدراك والموهبة.

القناعة هي أنّ لدى الفرد ما يكون قد حُرم منه غيره: الإنسانيّة، المال، الصحّة، الأخلاق، الأبناء، محبّة الناس، العلم، الثقافة، الإبداع، وغيرها الكثير. 

والقناعة هي أنّ كلّ ما يملكه الإنسان-وليس بالضّرورة مالاً-هو نعمةٌ بحدّ ذاتها لا تضاهيها نعمة. القناعة هي أنّ شخصاً وُهب الحياة، وهذه نعمةٌ كبرى.

القناعة تريحنا وترسّخ السّلام الدّاخلي فينا، فلا السيّارات الفخمة، ولا المنازل الكبيرة، ولا الأرصدة الماليّة في المصارف، ولا الملابس الفاخرة، ولا المأكل والمشرب وما إلى هنالك من الماديات على أهميّتها وحاجتنا إليها هي التي تؤمّن السّعادة الحقيقيّة لنا، بل هي مجرّد وهم سعادة.

حالات مرضيّة

يحذر كتاب "اثنتا عشرة حياة"، من أنّ كثيرين ينبهرون بمظاهر الحياة المغرية ممّا يدفعهم إلى الارتماء في أحضانها ولو على حساب الأساسيّات في حياتهم. 

البعض ينبهر بمنازل فخمةٍ، ومفروشاتٍ باهظة الثّمن، فيسعى إلى التّماثل بأصحابها، وقد يكون بحاجةٍ فقط إلى منزلٍ صغير الحجم، جميل المظهر، وإلى مفروشاتٍ مرتبة لا أكثر. لكنّ انبهاره يدفعه إلى بناء أو شراء أفخم المنازل والمفروشات، ويلجأ أحياناً إلى الاستدانة لتحقيق ذلك.

باختصار... المهمُّ في الإنسان أن يعرف ماذا يريد في حياته، وأن تكون الإيجابيّة رفيقته الدّائمة، وأن يملك الإيمان في مسيرته فيها كي يستمرّ، فمن دون وجود الإيمان لديه سيبقى داخله يتخبّط ويغرق يوماً بعد يومٍ في أعماق التّفسيرات العبثيّة لحقيقة وجوده وما يُقدم عليه من خطواتٍ في حياته، ولن يعرف يوماً سعادة ولا سلاماً داخليّاً حقيقيّاً.

المرأة هي الأم

تميّز المؤلف يوسف البعيني في كتابه "المرأة"، بعبارات في منتهى الجمال، معتبراً المرأة كالبحر، هو جميلٌ لكنّ أعماقه تبقى غامضة مهما غصتَ فيه، والمرأة كالطّير، روعته في بقائه بعيداً عن تطفُّل الصيَّادين. أيّتها الآتية إلى معجن وجعي وملح ثورتي على رئتَيَّ اللتَين تتوقان إلى هواء الغد، اجعليني رغيفاً يبوح بسرّه إلى روحك الملهوفة على دفء موقده. 

يا امرأةً لا أعرفها إلَّا في ضجيج حنيني الآتي، سأكتبكِ ببسمةٍ تُحفّر في جلدي، وتغنّي لأنفاسي. يا امرأةً أفتّش عنها في مسام حروفي. أودُّ لو أجدكِ نقطةً على آخر سطوري. يا امرأةً رسمتُها بين رموشي بألوان عمري، أخاف النّعس كي لا يمحوك تثاؤب زمني. 

يا امرأة لا تفتح أبواب القلوب الطيّبة إلَّا لها، ونوافذ الأحاسيس المرهفة إلّا لها، ما أنتِ؟! مَن أنتِ؟! حلم؟! الحياة؟! لا أدري! كل ما أدريه الآن أنَّني زرعتُك فوق مخدَّة الآتي من عمري؛ كي أحفظ قيمة أوَّل صرخة لي في هذه الحياة بعد انعتاقي من رحم أمّي. 

يا امرأةً أعشق كلَّ نقطةٍ وفاصلةٍ في سطور حياتكِ، لن ينفعني الهرب من لاءاتك، ولن ينفعك الهرب مِن نعمي، فالتقاؤنا قَدَر، نعم ولا، من دون نقاط وفواصل. 

التجارب والمعرفة

لا يمكن لأيّ إنسانٍ أن يواجه الصّعوبات في حياته كما تنبغي مواجهتها إذا لم يكن قد ذاق التّعب، ومرَّ بمحطّاتٍ مؤلمة، وتعلَّم من تجارب متعدّدة، وطوَّر ذاته وأفكاره، وإذا لم يكن قد استثمر أوقاته بالإنتاجيّة والعمل، وجدَّ لتحقيق طموحه والوصول إلى هدفٍ رسمه من دون أن يسمح لتردُّدٍ أو خوفٍ من أن يستوطن روحه. 

التردّد مثلاً في حياتنا يضعفنا، ويساهم في فشلنا، واعتمادنا على إرادةٍ قويّةٍ في مواجهة التحدّيات يقوّينا ويساعدنا على النّجاح؛ لذا ما علينا سوى العمل على ترسيخ الانسجام مع ذواتنا ومع وضوح أهدافنا... ما علينا سوى الوقوف بثباتٍ وشموخ كشجرةٍ متجذّرةٍ في التُّراب.

لن يضعف شخصٌ أو يفشل في حياته إذا بقي صامداً وثابتاً وشامخاً كالأشجار التي لا تهاب العواصف مهما اشتدّت، ولا تنحني لها مهما حاولت كسرها، وإذا جعل حياته أيضاً من وراء هذا الثّبات مثمرة كتلك الأشجار التي تعطي أروع الثّمار. 

يحثّ المؤلف في كتابه على الإيجابية والتفاؤل، ويعتبر أن الأمل لا يشيخ، وشجرة العمر لم يصبها اليباس بعد، فمن غير الطبيعي أن يبقى الإنسان في غربةٍ عن نفسه وحياته... الإنسان ليس بذلك الضعيف أمام ما يريد أن يحقّقه لذاته، وأمام تصميمه على البقاء حياً بما تعنيه هذه الكلمة، وأقل ما يمكنه فعله هو المحاولة المستمرة لإزالة غيوم أيّامه السوداء من أمامه وإكمال طريقه واثقاً باسماً، وهو قادر على تحويل أيّ جزء مظلمٍ مِن حياته عندما يقرّر أن يرسم أهدافه فيها بوضوح ويتبعها مهما لوّنه التّعب.

نعم، عندما تصبح المحبَّة نهج حياة، فلا شيء يميتنا ونحن أحياء، وعندما يعرف الإنسان كيف يحبُّ، وكيف يُجبَل على المحبّة، فيكون أكثر الأشخاص قرباً إلى نفسه، وليس في غربة عنها، ويتمتّع بسلام داخلي استثنائي يجعل السعادة تلاحقه حتى لو أراد الهروب منها. 

أن يعرف الإنسان كيف يحبُّ يعني أن يعرف أنّ هذه الدُّنيا لا تتّسع للكره والحقد، وأنّ دنياه وكيانه لا يعرفان النُّور والرَّاحة معهما، وأنّ الكره لا مكان له في السماء ولا في فلسفة خلق الأرض والوجود، وأنّه مِن صُنع البشر ظنّاً منهم أنّه سلاح كل قوي لإثبات ذاته، وهو ليس سوى سلاح كل ضعيف لتدمير ذاته. فعندما يُعشِش الحقد والكره داخل أي كان لم يعد من مكان للتعقُل والمنطق، ولا للحكمة ولا للصَّبر ولا للسكينة، بل للتهور والانفعال والغضب والتشتّت.

للإنسان المميّز عنوان

يتساءل المؤلف، مَن مِنّا يضمن نفسه بأن يبقى حياً للحظةٍ واحدة؟ هذا السؤال قد يخطر ببال الكثيرين، كما أنّه قد لا يخطر ببال الكثيرين، ولكن من الضروري أن يطرحه أي شخص على نفسه، أحياناً يتَّخذ شخص قراراً ما يقلب درب حياته رأساً على عقب، فماذا لو كان قراره لا يشبه سوى الإنسان فيه ولا علاقة له بسرابٍ أو وهم أو مظهر خادع   بل هو حقيقة مشعّة؟ ماذا لو كان هذا القرار عطاءً؟ أليس العطاء أيسر الطرق نحو السعادة الحقيقية؟! 

سؤال قد يرتسم في أذهان الكثيرين، لكنَّ من يجدون الإجابة عليه بسهولة ويوافقون عليه هم وحدهم أولئك الذين اعتادوا على العطاء بمختلف أنواعه. لقد آن الأوان كي نعي أنّه كلّما تعمّقنا في هذه الحياة وفلسفة وجودنا أدركنا أنّ أهمية الإنسان تكمن في قلبه إذا نبض بالمحبّة والخير، وفي عقله إذا كان قيمةً مضافةً للإنسانيّة؛ لأنّه عدا ذلك ليس إنساناً، بل مخلوقاً عبئاً.

الحرب الأخطر داخل النفس

ينبّه المؤلف في كتابه أنّ مشكلة الذين يشكون من ضعفٍ في شخصيّاتهم تكمن في عدم تحديقهم إلى مرآة أعماقهم قبل أن ينطقوا بكلمة "ينقصنا"، وهي أيضاً مشكلة الذين يواصلون ترديد جملة: "لا نستطيع أن نخطط للغد" من دون أن يدركوا أنّ هذا الغد موجود في وجدانهم وأرواحهم، وأنهم قادرون على التخطيط له. 

فعندما لا يتوقّف الإنسان عن الشُّعور بالنقص وبعدم كفايته وبانحطاط قدره، وبأنّه أقل شأناً مِن الغير أو مِن شخص ما، فالحرب لا تنتهي داخله ولن يعرف السلام الداخلي طالما يشعر بذلك، وما أخطر هذه الحرب إن استمرّت؛ لأنّ صاحبها سيشعر دائماً بالدونية، مما يؤدّي إلى إرباكه وخطف السعادة منه وإفقاده ثقته بنفسه، وإعاقة أي خطوة يقوم بها وتدفعه إلى الأعلى أو الأمام، أو أي تحقيق للأهداف في حياته!

إِنَّ الضعف الذي يسبّبه اليأس للإنسان قاتل لا محالة، فمن ييأسْ ينتهِ، ولا يقدر على التقدُّم خطوةً واحدةً نحو الأمام في حياته؛ لأنّ الأمل حينها سيفارقه، ومَن لا أمل لديه مهما كان ضئيلاً لا يعود من معنى لوجوده، ويختار بنفسه العزلة عن مسيرة حياته.

يروي المؤلف في كتابه "اثنتا عشرة حياة" مجموعة من القصص، وهي كثيرة تحدُث حولنا في يوميّاتنا تشير بقوَةٍ إلى خطورة اليأس عندما يتربّع على عرش الحياة، ولعل حوادث الانتحار التي تقع في كل مجتمع خير دليل على ذلك، ومن دون شكّ فإن الأسباب التي تدفع أحدهم إلى الانتحار متعدّدة، ولكنّ غلبة العاطفة والحنان على العقل وغياب الأمل هما من أبرزها. 

وعملية تحصين الذّات منذ الصغر في وجه أسباب ضعفها تبقى من الضروريات لتجنُّب اليأس، ويلعب هنا التفكير الناضج دوراً رئيساً في ذلك؛ لأنّ النظرة إلى جميع الأمور حينها ستكون واقعيَّةً ومنطقية. لعل هذا الموضوع يوجب علينا التمسك بالأولويات في حياتنا؛ لأنَّ اعتماد هذا المبدأ يُعتبَر ركيزةً أساسيّةً لبناء وتحصين الذات وإطلاقها بثقة نحو المستقبل، فلا تعود خياراتنا حينها ضعيفةً أو قاتلة.

قيمة الإنسان بمبادئه

لن تغيب مسألة القيم عن المؤلف، لذلك كلّما كانت هذه المبادئ متأصِلةً في الشخص طبّقها في كل مفصل في حياته، صغيراً كان أم كبيراً ، فإذا كان موظفاً مثلاً سيقوم بعمله وكأنّ المؤسسة التي يعمل فيها هي ملكه وسيرفض أيَّ غش أو لا مبالاة، وأي رشوة أو إكرامية لتنفيذ عمل ما لشخص ما، ولن يقبل بتغطية فسادٍ مِن هنا وسرقة من هناك، وقد يسبّب ذلك له مشكلاتٍ مع من هم أعلى منه رتبة ومسؤولية إذا كانت المبادئ لا تهمهم، ولكن سيربح نفسه وكيانه، والأيَّام تثبت للجميع أنه مهما علا شأن الإنسان وخسر نفسه فهو إنسان بلا قيمة. 

إنّ التمسّك بالمبادئ قد يحرم الشخص من لقمة عيش، وقد يعزله عن العديد ممَّن يعتبرونه حالةً شاذّةً أو عنيداً أو مثالياً، أو أنّه يتصرّف بعيداً عن التعقل والحكمة، وقد يجعله يخسر منصباً أو أشخاصاً، ولكنّ التمسك بالمبادئ لن يحرمه من شرف الحصول الدائم على لقمة عيش نظيفة، ولن يعزله عن كيانه وتاريخه، وهما الأساس لكلّ مستقبل، ولن يجعله يخسر أغلى ما يملك... نفسه. يمكننا الحكم على أهميّة المبادئ في حياتنا سلبياً أو إيجابياً، وبحسب نمط تفكير كلٍّ منّا.

وهم الأمجاد

ينبّه المؤلف في كتابه، أن الماضي يحمل أحياناً لبعض الأشخاص محطّةً مشرقةً ومجداً وإرثاً غنياً، هذا جيد ورصيد لهؤلاء في رحلة بنائهم لمستقبل واعد، لكنّ العيش على أمجاد الماضي من دون فهم المتغيّرات حولنا، ومن دون الانضمام إلى أي حراك مستجد في مسيرة الحياة، ومن دون بناء الذات على ضوئهما سجن أبدي.

إنَّ الاكتفاء بالعيش على أمجاد الماضي فقط هو خداع للنفس؛ حيث إنّ التوقّف عند محطةٍ زمنيّةٍ محدَّدة هو تخلُّفٌ عن اللحاق بالزمن الذي لا يتوقّف، والذي أمامه محطات كثيرة لا تُعدُّ ولا تُحصَى للمرور بها والتقدّم دوماً إلى الأمام.

 في هذه الحياة ثمّة مَن لا يستطيع أن يعايش الفرح، فتراه على هامش الفترة الزمنية بين الولادة والرّحيل، وثمَّة مَن يستطيع ذلك، وهذا تحدٍ دائم للإنسان؛ لأنّ القسوة تكمن عند كلّ منعطفٍ مِن طرق حياتنا، وعند كل زاوية، وفي شتّى خطواتنا، فهل يمكننا أن نثبت أننا على قدر المواجهة؟! هذا هو السؤال، والإجابة الطبيعية عليه أننا جميعنا قادرون على صنع فرحنا إذا قرّرنا ذلك. هي في مرحلة التَّجديد الثاني عشر في حياتنا، لا بُدَّ مِن العودة قليلاً إلى التَّجديد الأوّل فيها، وأن نتذكّر هذه الكلمات:

"عندما نتفاءل فهذا يعني أن يكون الفرح رفيقنا، وإن بدا للبعض أنّه غائب عنه، فالواجب عليه أن يصنعه. نعم، علينا صناعة الفرح دائماً والتفتيش عنه باستمرار، فهذا يؤشّر على الأمل الدائم.

كتاب اثنتا عشرة حياة – محاكاة للإنسان والجمال فينا، يرشد القارئ إلى قدراته وكيفية جعلها في خدمة تطوّره ونجاحه وتميّزه. كما يساعده على تجديد حياته بشكل دائم، بإضافة مواصفات جديدة على شخصيّته لتقويتها، وعلى زيادة النضوج في تفكيره، وعلى تبديل سلوكه مع ذاته ومع الآخرين إلى الأكثر إيجابيّة، وعلى تبلور فهمه الحقيقي للحياة.