أهمية القضيّة الفلسطينية في فكر السيد خامنئي
يشكل كتاب "قضية فلسطين" مرجعاً مهماً بشأن كلّ ما يرتبط بقضية الشعب الفلسطيني والصراع الإسلامي - الصهيوني.
لطالما شكلت فلسطين القضية المركزية بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد دفعت أثماناً باهظةً على خلفية التزامها بها، ولا زالت. عقوبات وخطط تآمرية ودماء زكيّة قدّمها الشعب الإيراني في ساحات الصراع على امتداد منطقة غربي آسيا (الشرق الأوسط) منذ انتصار الثورة الإسلامية حتى اليوم.
يشكل كتاب "قضية فلسطين" مرجعاً مهماً بشأن كلّ ما يرتبط بقضية الشعب الفلسطيني والصراع الإسلامي - الصهيوني، ورؤية القيادة الإيرانية لطبيعة هذا الصراع وسُبل مواجهة الكيان الإسرائيلي وإزالته من الوجود. وقد تناول الكتاب أبرز مواقف قائد الثورة السيد علي خامنئي من العام 1989 حتى العام 2018.
أعدت الكتاب "قضية فلسطين" ونشرته مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، ووزعته دار المودّة للترجمة والتحقيق والنشر في بيروت.
تمّ التطرّق، في الفصل الأوّل من الكتاب، إلى المحاور العامّة لقضيّة فلسطين في فكر السيد خامنئي. على سبيل المثال، أهميّة قضيّة فلسطين. وفي الفصل الثاني، يتمّ تحليل الهزائم والانتصارات في العالم الإسلاميّ في مقابل الكيان الصهيوني.
ويسلّط الفصل الثالث الضّوء على مسؤوليّة الأمّة الإسلاميّة، والشعب الفلسطيني، والحكومات المسلمة، والجمهوريّة الإسلاميّة، والوسائل الإعلاميّة، والنّخب وسائر الفئات الأخرى، في الدّفاع عن قضيّة فلسطين. وفي الفصل الرابع، يرِد الحديث عن جرائم الكيان الصهيوني طوال تاريخ احتلاله الأراضي الفلسطينيّة، ثمّ يعرض الفصل الخامس سُبل الحلّ الصحيحة والخاطئة فيما يخصّ قضيّة فلسطين.
وفي الفصل السادس، يجري التعريف بالشهداء الأبطال والشخصيات اللامعة التي صمدت حتّى الرّمق الأخير من أجل القدس الشريف (الشهيد الشيخ أحمد ياسين والشهيد الدكتور فتحي الشقاقي والشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، مع إضافة مواقف القائد الشهيد قاسم سليماني بعد اغتياله في بغداد في بداية عام 2020). وفي الفصل السابع، تتمّ معالجة أهمّ الأسئلة والشبهات المتداولة بشأن قضيّة فلسطين ومكافحة الكيان المحتلّ للقدس الشريف. وفي الفصل الثامن، يتمّ عرض الآفاق المشرقة لفلسطين في خضمّ آفاق الأمّة الإسلاميّة الواحدة.
إقرأ أيضاً: "جهاد التبيين" بين التبليغ الديني والإعلام الجماهيري
بحسب تمهيد الكتاب، صدر هذا العمل أوّل مرّة في خريف عام 2011، وأُعيدت طباعته 4 مرّات حتى الآن. وبعد فترة من الزمن، ظهرت ترجمتاه إلى اللّغتين العربية والإنكليزية. ومنذ صيف عام 2015، وتزامناً مع المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 5+1، ظهرت انعكاسات وأصداء لهذا الكتاب في الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية والغربية، وفيه آراء ومواقف قائد الثورة الإسلامية بشأن تحرير فلسطين والقضاء على "إسرائيل".
في بداية تشرين الأول عام 2015، عرض رئيس وزراء الكيان الصهيوني المحتل هذا الكتاب أمام أعضاء الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، وادّعى كذباً أن السيد خامنئي أصدره بعد أيام من الاتفاق النووي (14 تموز/ يوليو 2015). وقال: "إن الكتاب يحتوي على خريطة طريق رسمها المسؤولون الإيرانيون للقضاء على "إسرائيل". وللتعبير عن اعتراضه، التزم الصمت أمام الحاضرين مدّة 44 ثانية، وهو يحدّق في وجوههم".
ولإتمام الفائدة من هذا السِّفر القيّم، جرى استكمال مواده وكلماته إلى تاريخ تشرين الثاني/نوفمبر 2018.
وطبقاً لوعد السيد خامنئي الصادق، سيكون تحرير فلسطين وانهيار "إسرائيل" من الوقائع الحتمية، وسنشهد قبل عام 2040، إن شاء الله، الانهيار التام لهذا الكيان السفّاح المغتصب.
يُستهلّ الكتاب بحديث مهم للسيد السيد علي خامنئي، بمناسبة يوم القدس العالمي، في ذكراه الثانية، في خطبتي صلاة الجمعة، بتاريخ 8/8/1980.
يقول السيد خامنئي: "إن قضية القدس هي قضية مصيرية لشعبنا وكلّ أبناء الأمّة الإسلامية الكبيرة. وإذا حقّقت الثورة الإسلامية الانتصار النهائي في داخل هذه الحدود، فإن هذا لا يعني أن نقتنع ونظن أننا حقّقنا الانتصار النهائي، فما دام هذا الجرح وهذه الغدّة المتقيّحة موجودين في قلب البلدان الإسلامية والعربية باسم دولة "إسرائيل" المغتصبة، فإننا لا نستطيع أن نشعر بأننا انتصرنا، ولا يمكننا أن نلاحظ وجود عدوّنا إلى جوار آذاننا في أراضينا المغتصبة والمحتلة".
إقرأ ايضاً: المرشد خامنئي في مذكراته: أهتز من الأعماق عند سماعي اللغة العربية
ويؤكد خامنئي في موضع آخر من خطبته: "إننا لا نعدّ الصهيونية غاية ومذهباً، ولا نزعة يهودية، بل هي نزعة فاشية سياسية معتدية، لا يمكنها أن تواصل حياتها إلّا بالظلم والجور والاستيلاء على المناطق العائدة إلى المسلمين المستضعَفين والمحرومين".
ويختم خطبته بتوجيهه نداءً إلى الشعب الإيراني المسلم، قال فيه: "إن يوم القدس هو يوم شعار ثورتنا الإسلامية الكبير، وعليكم أنتم ونحن أن نعدّ أنفسنا. إنني أعلن لكم اليوم أن علينا أن نزيد كل يوم في استعداداتنا العسكرية وتسليحنا وتجهيزاتنا القتالية ونطوّر نوعيّتها".
ويورد الكتاب مقتطفات من تلك المواقف التاريخية للسيد علي خامنئي:
يعتبر السيد خامنئي في خطبتي صلاة الجمعة في طهران، بتاريخ 15/12/2000 أن "فلسطين هي قضية العالم الإسلامي من ناحيتين: من حيث إنها قطعة من التراب الإسلامي، ولا يوجد أي اختلاف بين المذاهب الإسلامية في ذلك، ويتّفق الفقهاء كلّهم على واجب الجميع أن يروا في الجهاد والسعي من أجل استعادة الأرض الإسلامية، إذا ما اقتطع أعداء الإسلام قطعة من التراب الإسلامي وفرِضت سيادة أعداء الإسلام عليها، واجباً على عاتقهم. والناحية الثانية أن إقامة "الدولة اليهودية" - أو بالأحرى الصهيونية – في هذه المنطقة من العالم الإسلامي، حصلت بهدف استكباري بعيد المدى. بل إن إقامة هذه الدولة في هذه المنطقة الحسّاسة الواقعة في قلب العالم الإسلامي، وهي تربط القسم الغربي منه، وهو أفريقيا، بالقسم الشرقي منه، وهو الشرق الأوسط وآسيا والشرق، فيظهر في ذلك مثلث بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، كان الهدف منها أن تستمر سيطرة المستعمرين آنذاك، وعلى رأسهم الحكومة البريطانية، في المدى البعيد، على العالم الإسلامي".
وبناءً على ذلك، فإن إنقاذ فلسطين وإزالة "الدولة الصهيونية" المغتصبة يمثّل قضية ترتبط بمصالح شعوب هذه المنطقة، ومنها مصالح بلدنا العزيز إيران. ومن اتخذ مواجهة نفوذ الصهاينة واقتدارهم منهجيةً له، فإنه قام بهذا العمل وفق مخطّط مدروس. واختير هذا المنهج بناءً على مصالح البلد والمصالح العامة للجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني.
أما بشأن القدس، فيقول السيد خامنئي خلال افتتاح المؤتمر العالمي لدعم انتفاضة فلسطين بتاريخ 24/4/2001: "تمثّل القدس المحور الرئيس لانتفاضة الأقصى. إن الشرارة التي أدّت إلى تفجّر غضب الشعب الفلسطيني كان سببها إساءة الصهاينة إلى المسجد الأقصى".
إقرأ أيضاً: "إن مع الصبر نصرًا": مذكرات السيد علي الخامنئي العربية
ويقول السيد خامنئي خلال لقاء القرّاء المشاركين في الدورة الحادية والعشرين للمسابقات الدولية للقرآن الكريم، بتاريخ 16/9/2004: أنتم تلاحظون اليوم بوضوح أنهم شنّوا حرباً شاملة واسعة ضد كلّ الأمّة الإسلامية، وليس قسماً منها. وهذه الحرب لها أبعاد اقتصادية، وسياسية، وثقافية، وعسكرية، وأمنية. كما أنها تتمتع باستخدام أدوات إعلامية حديثة واسعة. إن ما تشاهدونه اليوم في فلسطين أو العراق أو أفغانستان ليس حرباً على شعب فقط، لأنهم حين يحاربون فلسطين، فإنهم في الحقيقة يحاربون كيان الإسلام في هذه المنطقة. وإذا قاموا بتأييد النظام الصهيوني ودعمه بكلّ وجودهم، فلأنهم يريدون أن يضعوا عقبة كبيرة أمام وحدة العالم الإسلامي وقوّته.
في كلمة له في الروضة الرضوية المطهرة بتاريخ 21/3/2011، يقول السيد خامنئي: "يقولون لماذا تدعم إيران الشعب البحريني؟ نحن دعمنا الجميع. إننا ندعم الشعب الفلسطيني منذ 32 عاماً. أي بلد أو أية حكومة أو شعب قدّم مثل هذا الدعم طوال هذه الأعوام الاثنين والثلاثين؟ فهل الشعب الفلسطيني شيعي؟ كم بذل شعبنا من الجهد فيما يتعلق بغزة؟ لقد أبدى شعبنا مشاعره في كل مكان حيال غزة وفلسطين ومصر وتونس، وهؤلاء ليسوا شيعة. إذاً، القضية ليست قضية شيعة وسنّة".
ويوضح السيد خامنئي، خلال لقائه الأسرى المحرَّرين، بتاريخ 15/8/2012: "إثارة قضية فلسطين ليست عملية تكتيكية بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، بل هي قضية أساسية وجذرية، وناتجة من العقيدة الإسلامية. من واجبنا أن نُخرج هذا البلد الإسلامي من سلطة القوى المغتصبة وحماتها الدوليين ومخالبهم، ونعطيه لشعب فلسطين. هذا واجب ديني على كلّ المسلمين. من واجب كلّ الشعوب والحكومات الإسلامية أن تقوم بهذا".
ويعاود السيد خامنئي تأكيده في نداء له خلال المؤتمر الرابع للدفاع عن فلسطين، بتاريخ 4/3/2009، بأن هذا الكيان المغتصب، الذي ظهر طوال عدة عقود كوجهٍ رهيب وقوّة لا تُقهَر، بالاعتماد على ما لديه من جيش وسلاح، وبفعل الدعم الأميركي، سياسياً وعسكريّاً، نجده اليوم انهزم مرّتين (في لبنان وغزة) أمام قوى المقاومة التي كانت تقاتل بالاعتماد على الله، والاستناد إلى جماهير الشعب قبل اعتمادها على السلاح والعتاد.
ويقول السيد خامنئي في نداء له لإدانة انتهاك حُرمة الحرمين العسكريين (في العراق) بتاريخ 14/6/2007: "إن الأعداء يعملون اليوم في العراق وفلسطين ولبنان، وفي كل بقعة من بقاع العالم الإسلامي، إذا استطاعوا، على تأجيج النيران، ويحرّضون المسلمين على الاصطفاف، بعضهم في وجه بعض، ومقاتلة بعضهم بعضاً، عبر كل الذرائع الطائفية والقومية والحزبية وغيرها. يجب على المسلمين ألّا يُسعفوهم في تحقيق هذا الهدف المخزي والخطير".
إقرأ أيضاً: تجربة المرشد خامنئي في سجون الشاه
ويؤكد السيد خامنئي، في خطاب له خلال حفل افتتاح المؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية، بتاريخ 24/4/2001 أنّ "نموذج المقاومة والجهاد ماثلٌ أمامنا، بمعنى أن من الممكن عبر المقاومة والجهاد - وبالطبع عبر تحمّل بعض الخسائر - الظفر بالنصر. وفي الوقت ذاته، فإن نموذج الهزيمة والتشبّث بسُبل التسوية واستجداء السلام هو أيضاً أمام أعيننا، فليس من ثمرة هذا الأخير سوى التحقير والإذلال، وفي النهاية فرض الإملاءات الإسرائيلية من جانب واحد. وقد شاهدنا ذلك أيضاً بأمّ أعيننا".
ويعتقد السيد خامنئي، في خطاب ألقاه في جمع غفير من زائري حرم الإمام الخميني الراحل (قُدّس سرّه)، بتاريخ 4/6/2002، أن السبيل إلى حلّ القضية الفلسطينية لا يمرّ بالحلول المفروضة والزائفة. إن الحلّ الوحيد لهذه القضية يكون في أن يقوم أفراد الشعب الفلسطيني الحقيقيون - لا المهاجرون إلى فلسطين من المغتصبين المحتلّين - سواء منهم من يعيش داخل فلسطين أو مَن هجرها، بتحديد النظام الذي يحكم بلدهم وتعيينه بأنفسهم.
وإذا كان الاعتماد على أصوات الشعب عند دُعاة الديموقراطية في العالم كلاماً لا تشوبه شائبة، فإن الشعب الفلسطيني هو شعب أيضاً، ولا بدّ من أن يتخذ قراره بنفسه، فالكيان الغاصب المتسلّط الآن على مقدّرات فلسطين ليس له أدنى حق في هذه البلاد، فهو لا يعدو عن كونه كياناً مصطنعاً زائفاً، وهو صنيعة قوى البغي والظلم.
ويوضح السيد خامنئي، في مقطع من خطبة الجمعة في طهران، بتاريخ 15/12/2000: "تُثبت الوثائق التاريخية أنه قبل أن يكون تأسيس "دولة إسرائيل" في هذه البقعة أُمنية لليهود، كان مبتغىً استعمارياً للحكومة البريطانية. فالشواهد التاريخية تقول إن اليهود في معظمهم في ذلك الزمن، كانوا يميلون إلى الاعتقاد بعدم الحاجة إلى هذه الدولة، وأنها لا تصبّ في مصلحتهم. لهذا، كانوا يتهرّبون من هذا الأمر. إذاً، لم تكن القضية أُمنية وفكرة يهوديتين، بقدر ما كانت فكرة استعمارية بريطانية".
بالطبع، لقد تسلّمت أميركا مقاليد السياسة العالمية والاستكبار من بريطانيا فيما بعد، بحيث حدث ذلك ضمن نطاق جمع مواريث الاستعمار، لتصبح في يد أميركا. واستغلّ الأميركيون هذا المكسب، ولا يزالون يستغلّونه غاية الاستغلال.
ويبين السيد خامنئي، في كلمته أمام المشاركين في المؤتمر الإسلامي الأول بشأن فلسطين، بتاريخ 4/12/1990: "الحكم الفقهي في هذه القضية (الدفاع عن فلسطين) واضح، فليس بين المسلمين من يشكّك في الحكم المنطبق على القضية الفلسطينية. هي المسألة ذاتها الواردة في جميع الكتب الفقهية التي يُطرَح فيها بحث الجهاد، فلم يشكّ فقيه واحد من فقهاء المسلمين - متقدّمهم ومتأخّرهم – في وجوب الجهاد العيني إذا ما احتلّ الكفّار بلاد المسلمين أو أحاطوا بها".
ويقول السيد خامنئي في كلمته بتاريخ 9/9/2015: "بعد انتهاء هذه المفاوضات النووية، سمعتُ أن الصهاينة في فلسطين المحتلة قالوا إنه بهذه المفاوضات التي جرت ارتحنا من همّ إيران على مدى 25 عاماً. أمّا بعد هذه الأعوام الخمسة والعشرين، فسنفكّر فيها. وأقول في الجواب: أوّلاً إنكم لن تروا ما بعد 25 عاماً. إلى حد 25 عاماً، إن شاء الله، وبتوفيق وفضل من الله، لن يبقى شيء اسمه الكيان الصهيوني في المنطقة.
ويقول القائد، في كلمته في المؤتمر السادس لدعم الانتفاضة الفلسطينية، بتاريخ 21/2/2017: "إن هذه (جريمة اغتصاب فلسطين) تمثّل صفحة ملوّثة من صفحات التاريخ التي ستُطوى كغيرها من الصفحات الملوّثة بإذن الله تعالى وعونه، فقد قال تعالى: "إنّ الباطل كان زهوقاً" (الإسراء،81)، وورد في كتابه العزيز "أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون" (الأنبياء، 105)".