أحد الطرق إلى الأوسكار.. وادي رم استديو طبيعي في الأردن
يعدّ أحد أضلع المثلّث السياحي الذهبي للأردن، ويقول عاملون في السينما إنه أحد طرق الوصول إلى جائزة الأوسكار. ماذا تعرفون عن وادي رم؟
أحد طرق الوصول إلى جائزة الأوسكار يمرّ من وادي رم في الأردن. عبارة يمكن أن تقتبسها من كلمات العاملين في الأوساط الفنية، عندما يدور الحديث عن صناعة السينما العالمية في منطقة وادي رم جنوب عمّان. ذلك أن غالبية الأفلام التي احتضنها هذا المكان حصلت على جوائز أوسكار عديدة، أو ترشّحت لها على أقل تقدير.
هذا هي الحال مع فيلم "لورنس العرب" باكورة الإنتاجات السينمائية العالمية، الذي أنتج عام 1962، وأدّى دور البطولة فيه الممثل بيتر أوتول، مجسّداً دور الضابط البريطاني توماس إدوارد لورنس، وبمشاركة الفنان المصري عمر الشريف، والأميركي أنطوني كوين، وبعد عرضه حصل الفيلم على 7 جوائز أوسكار من أصل 10 ترشّح إليها.
حصول الأفلام على جوائز مرموقة ليس أمراً مستغرباً بالنسبة للمخرج الأردني رائد عفيشات، فوادي رم بكثبانه الرملية المميّزة وتضاريسه النادرة، كما يصف، تفتح من ذائقة الإبداع لدى المخرجين وصنّاع السينما التقليدية والوثائقية، ويمكّنهم من إيجاد تكوينات صورية يصعب إيجادها بسهولة.
ويقول عفيشات في حديث لـــ "الميادين الثقافية"، إن منطقة "وادي القمر" وهو الاسم الثاني لوادي رم، لا تتطلّب من المخرج التركيز على تفاصيل الديكور والخلفيات بالدرجة ذاتها عندما يكون التصوير داخل الاستديوهات، فالمكان يمنح عدسة المخرج لوحة طبيعية يمكن تشكيلها كما يراه مناسباً، إضافة إلى أن التضاريس ولون التراب المائل إلى الأحمر، تفاصيل أخرى تساعد فنيي الإضاءة، والتحكّم بكلّ التفاصيل التكوينية للصورة، وإظهارها بالشكل الذي يرونه مناسباً لأحداث الفيلم.
ويضيف العفيشات أنه خلال تصوير المشاهد في مناطق طبيعية تحاكي قصة العمل الفني كما في وادي رم، تكون مساحة الإبداع لدى الممثل أكبر بكثير، بما في ذلك الخروج عن النص، أو عن الحركات التمثيلية، على عكس الوضع داخل الاستوديوهات، والتي تحصر الممثل والمخرج بمساحات وزوايا محددة.
حوافز وتسهيلات لاستقطاب صنّاع السينما
عام 2003، أي قبل 21 عاماً تم تأسيس "الهيئة الملكية الأردنية للأفلام" بهدف "المساهمة في تنمية وتطوير قطاع الإنتاج السينمائي والتلفزيوني بمختلف أنواعه"، لتبدأ بعد ذلك بالترويج لوادي رم وغيره من المناطق الأردنية بغية استقطاب صنّاع السينما العالمية لإنتاج أفلامهم في المملكة، باعتبارها "استوديو مفتوحاً"، كما يقول مدير عام الهيئة، مهند البكري.
وأوضح البكري أن الهيئة اتخذت جملة من الإجراءات القانونية، والحوافز لتشجيع المنتجين، من ضمنها تسهيل الحصول على تأشيرات الدخول إلى الأردن وتهيئة الخدمات اللوجستية في مواقع تصوير، إضافة إلى تأمين الممثلين أو الممثلين الثانويين. كما أنها وضعت حوافز ضريبية تستعيد من خلالها جزءاً من الضرائب التي يدفعها صنّاع الأفلام.
وأكد البكري أن استقطاب الأفلام العالمية جعل من الأردن مركزاً مهماً في صناعة السينما العالمية، وأنعش القطاع الفني في المملكة من خلال إشراك ممثلين أردنيين بتلك الأفلام، أو تقديم خدمات من قبل شركات الإنتاج المحلية لصناع الأفلام، خاصة وأن موازنات الأفلام العالمية تكون بالملايين، مشيراً إلى أن الهيئة وضعت حداً أدنى للمبالغ التي يجب إنفاقها على الإنتاج.
وقال البكري إن احتكاك الكوادر الفنية الأردنية مع الكوادر الفنية والتقنية "الهوليوودية" رفع من مستوى الفن الأردني، وشجّع مخرجين على إنتاج أفلام تحاكي الأفلام العالمية، كان من أبرزها فيلم "ذيب" للمخرج الأردني ناجي أبو نوار، والذي ترشّح عام 2016 لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي.
منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، وتحديداً بعد إنتاج فيلم "لورنس العرب"، لفت وادي رم صنّاع السينما، وبات وجهة العديد من صنّاع الأفلام في هوليوود، وبالفعل احتضن المكان تصوير عشرات الأفلام العالمية على جوائز الأوسكار من أبرزها (Transformers Revenge of the Fallen) (The Martian) (Indiana Jones and the Last Crusade) (Prometheus) كما صوّرت هوليود فيه الجزء الأخير من سلسلة أفلام (حرب النجوم) عام 2018. أما أحدث ما تم تصويره في وادي رم فكان فيلم الخيال العلمي (Dune) عام 2021، وقد حقق إيرادات بمئات الملايين.
تكلفة إنتاج ووقت أقل
بعيداً من الجوائز الفنية، كان لتحقيق إيرادات كبيرة للأفلام التي تم تصويرها في وادي رم، وبالتالي مشاهدات بالملايين، أكبر ترويج للصناعة السينمائية في المملكة، كما يقول المنتج والمخرج التلفزيوني علي أبو جمعة، وهو ما زاد من الإقبال على اعتماد رم كبيئة تصويرية طبيعية.
أبو جمعة بيّن لــ "الميادين الثقافية"، أن التكلفة الإنتاجية في بيئة كوادي رم تعتبر اقتصادية لصنّاع السينما، كونه لا يحتاج إلى تكاليف كبيرة خاصة بالديكور، بالإضافة إلى تقليص مدة التصوير، "جميع الأفلام التي صوّرت هنا أنهت عملها بوقت أقل مما كان مخطّطاً له من قبل المنتجين"، وهو أمر مهم آخر شجّع المنتجين للتوجّه إلى الأردن.
وأضاف أن الحراك السينمائي في الأردن انعكس إيجاباً على الشركات المحلية العاملة في هذا القطاع، كونها تعمل في فريق صناعة الأفلام عبر توفّر كل أنواع الدعم الفني واللوجستي والتنسيق مع الكوادر الفنية المحلية المتخصصة من مصوّرين ومهندسي صوت، وتشمل الخدمات المقدّمة أيضاً توفير "شركات الطعام والحجز الفندقي والسيارات والشاحنات لنقل المعدات والألبسة وعقود الفريق الأردني وفتح حساب مصرفي والتنسيق مع القوات الأمنية والدفاع المدني والجيش وسلاح الجو".
ويعدّ وادي رم الذي يقع على بعد نحو 300 كيلومتر إلى الجنوب من عمّان، أحد أضلع المثلّث السياحي الذهبي للأردن، إلى جانب كل من البتراء ومدينة العقبة الساحلية، ويقصده السياح بكثرة لما يمتاز به من طبيعة صحراوية ساحرة خاصة في الليل، ومنح زوّاره تجربة الاستمتاع بالسكون والهدوء النادر، وهم محاطون بأجواء تمنحهم شعوراً بأنهم خارج نطاق كوكب الأرض، وهذا تحديداً كان وراء إدراج المنطقة على لائحة مواقع التراث العالمي لمنظمة "اليونيسكو" منذ عام 1985.
وذكرت كتب التاريخ أن منطقة وادي رم كانت ممراً للقوافل التجارية المقبلة من اليمن وشبه الجزيرة العربية باتجاه بلاد الشام، وكانت أكثر فترة ازدهرت فيها هذه التجارة والقوافل خلال عهد مملكة الأنباط، الذين اتخذوا البتراء القريبة من وادي رم عاصمة لهم، وهي مليئة بالنقوش والمقتنيات العائدة لتلك الحقب الزمنية.