"غزة حبيبتي": عن حياة فلسطينية بين الحروب
"غزة حبيبتي" معرض فلسطيني ضمن مهرجان الصورة في عمّان، يرسم خارطة لحياة الغزيين قبل وأثناء العدوان الإسرائيلي.
هذه هي وجوهنا، هذه هي بيوتنا، هذه هي إنجازاتنا ونجاحاتنا، هنا كنا نجلس، هنا كنا نفرح، وهنا كانت مخيلتنا الخصبة تبني الآمال والأحلام. هذا تحديداً ما يمكن أن تقرأه في صور مئات الغزيين أطفال وشيباً وشباباً، عن حياتهم ما قبل وأثناء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ تاريخ 7 أكتوبر.
بهذه الكلمات وصف زوار الدورة الــ 12 من "مهرجان الصورة" في عمّان، من إعلاميين ومهتمين بفن التصوير الضوئي من الأردن والجاليات الأجنبية المقيمة في الأردن، الصور الملتقطة عبر عدسات الكاميرات الفوتوغرافية، التي وثقت لحظات ومواقف من داخل غزة، خاصة لما قبل الحرب الإسرائيلية على القطاع.
"غزة حبيبتي" هو العنوان الذي حمله المعرض الفلسطيني ضمن المهرجان، وجاء بمشاركة مجموعة من المصورين الفلسطينيين الذين وثقوا العدوان عبر عدساتهم. كما هي حال المصور الغزي شريف سرحان، الذي حاول، كما يقول، رسم لوحة توضح خارطة لحياة الغزيين قبل وأثناء العدوان الإسرائيلي.
سرحان أكد أنه على الرغم من أهمية توثيق ماذا صنعت هذه الحرب بالإنسان، إلا أن تغيير الفكرة النمطية الدموية والعسكرية المحفورة في أذهان العالم عن قطاع غزة، ونقل الوجه الآخر لهذا المكان المليء بالقصص والحب والأمل والفرح، هو ما كان يبحث عنه على الدوام عبر عدسة كاميرته، مشيراً إلى أن اختيار اسم المعرض "غزة حبيبتي" جاء من هذا المنطلق.
ويضيف سرحان أن مثل هذه المهرجانات فرصة لإظهار حياة الغزيين "حتى وإن كان من بين الأنقاض، أو فوق الركام"، معتبراً أن التصوير الفوتوغرافي قادر على تشكيل وأرشفة الحياة اليومية للإنسان والشعوب عموماً، وهو كذلك توثيق للحظات "ربما لا تتكرر دائماً".
ولم يخف سرحان حزنه عندما يتذكر أن العديد من الأشخاص الموجودين في صوره الملتقطة قبل الحرب، قد أصبحوا اليوم في عداد الشهداء، أو المفقودين والمعتقلين.
المقاومة بالصورة
من جهته، اعتبر المصور الفلسطيني، ومؤسس منصة "فلسطين غير المحكية"، محمد بدارنة، أن التوثيق الفوتوغرافي للمشهد الفلسطيني لا يقل أهمية عن الكفاح المسلح ضد الاحتلال، خاصة وأن تاريخ "إسرائيل" الاستعماري يشهد على محاربة الشعب الفلسطيني حتى في الصور، إذ سوّق بأن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب، أو أن هذا الشعب "غارق في غياهب التخلف والرجعية".
وأضاف البدارنة في حديث مع "الميادين الثقافية"، أن محاولة تشويه شخصية الشعب الفلسطيني عبر الصورة كان الدافع الرئيسي للاعتماد على الصورة كسلاح قاوم وما يزال الكذبة "الإسرائيلية"، و"بالتالي نقل سرديتنا الحقيقية لإبراز التنوع الثقافي والاجتماعي والحضاري، وإظهار ما نحن عليه بعيداً عن الصورة المرسومة في عقول الغرب عنا، والتي تتمحور حول العنف والإرهاب والاعتداء".
وقال البدارنة إن الهدف من المشاركة في مهرجان عمّان جاء لأهمية الفترة التي يقام خلالها. لذلك تم التركيز في أعمال المصورين على أشكال الحياة المتنوعة للفلسطينيين، والتي دمرها الاحتلال في مختلف المدن الفلسطينية، مع التركيز على الحالة الغزية، التي كانت تضج بالحيوية والحياة رغم الحصار والقتل والتجويع حتى ما قبل العدوان الأخير.
البدارنة قارن بين حجم الصور التي وثقت تجارب الفلسطينيين أثناء النكبة والنكسة وما تخللهما من مجازر، وبين الواقع الحالي، الذي أصبح فيه التوثيق بالصورة أمراً متاحاً ليس للصحفيين ومحترفي التصوير الفوتوغرافي فحسب، بل حتى للهواة والأشخاص العاديين، مما جعل من هذا التوثيق سلاحاً قوياً في وجه محاولات الاحتلال تصديرة روايته المزيفة.
"وجود"
وحملت الدورة الــ 12 من "مهرجان الصورة.. عمان" عنوان "وُجْود" في إشارة إلى المخاطر التي تهدد الوجود الإنساني على كوكب الأرض، كالحروب المنتشرة في عدة بقاع في العالم، وتحديداً حرب الإبادة الإسرائيلية بحق سكان قطاع غزة، إضافة إلى الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية، حسبما تصف منظمة المهرجان المصورة والناشطة البيئية ليندا خوري.
وتقول خوري إن هذه الدورة تأتي في ظروف مختلفة عن السنوات السابقة، وهو ما جعلها تختار فكرة الوجود الإنساني في مختلف المعارض المشاركة، مبينة أن المهرجان بنسخته الحالية يضم 26 معرضاً تمثل في 11 موقعاً مختلفاً في عمّان، وبمشاركة ما يزيد عن 400 مصور محترف من مختلف دول العالم.
وأوضحت خوري أن التعرف على قصص ضحايا الحروب والمتأثرين منها نال النصيب الأكبر من اهتمام زوار المهرجان المستمر حتى نهاية أيار/مايو الجاري، على حساب المعارض المتخصصة بالقضايا البيئية والاجتماعية، وقد لاقى معرض "غزة حبيبتي" إقبالاً جيداً، خاصة وأنه يظهر صورة لم يكن يراها العالم عن الفلسطينيين في قطاع غزة ومدن الضفة، مؤكدة أن "المعرض فتح المجال أمام المصورين الفلسطينيين لإظهار براعتهم في توثيق تفاصيل الحياة من حولهم بأدق تفاصيها".
وأشارت خوري إلى معرض "أشباح التاريخ" للمصور الإسباني مويسيس سمان الذي شهد إقبالاً أيضاً، كونه يتناول قضايا الحرب وانعكاساتها على الإنسان، وتحديداً الحرب الأميركية على العراق في فترة ما بعد عام 2003.
وأضافت أن المهرجان "يفتح مساحات تعبير للمصورين المشاركين بأعمالهم من جميع أنحاء العالم، وقد أصبح خلال سنوات قليلة أحد أهم الملتقيات الفوتوغرافية في العالم العربي، وكان وما زال مساهماً في إبراز ابداعات فنانين أردنيين وأجانب وتقديمها للجمهور".
خوري أوضحت في حديثها مع "الميادين الثقافية" أن المهرجان الذي انطلق لأول مرة عام 2011، تعاون مع العديد من المؤسسات الدولية، إلا أن الواقع الحالي وازدواجية المعايير لدى الغرب، دفعها لإعادة ترتيب اتفاقيات التعاون مع تلك المؤسسات واستبعاد كل من لم يدعم وقف إطلاق النار وإنهاء العدوان على غزة.