نوادي القراءة في الأردن: في حبّ الكتاب الورقي
مجموعة من المكتبات العامّة والمقاهي في عمّان تطلق مبادرات للتشجيع على القراءة. ما حكاية نوادي القراءة؟ وما هو مستقبلها في عصر التكنولوجيا؟
يقرأون، يناقشون، يؤيّدون، ويعترضون. هذا بعض من الأجواء داخل أحد نوادي القراءة في "مؤسسة عبد الحميد شومان" وسط العاصمة الأردنية عمّان. هناك تتحلّق مجموعات من الشباب ذكوراً وإناثاً حول طاولة مستديرة وفي أيديهم كتب متنوّعة، فيحلّلون الأفكار والمضامين والرسائل الظاهرة والباطنة.
هكذا تتلخّص فكرة نوادي القراءة، التي تبنّتها مراكز ثقافية أو مقاهٍ فكرية، أو حتى مبادرات فردية، في عمان ومحافظات أخرى. من بين هذه النوادي، النادي الذي تعقده مؤسسة شومان داخل مكتبتها العامّة أسبوعياً، ويرى المشاركون أنه عبارة عن ردة فعل طبيعية من قبل الذين ما زالوا "يحملون في صدورهم حباً للكتاب الورقي، وما يحويه من معارف وعلوم"، كما يقول أحد المشاركين، أحمد السعايدة. خاصة في ظل حالة التجاهل والتهميش للكتب الورقية، ليس في الأردن وحسب بل في العالم العربي، الذي أنسته الشاشات بمختلف مسمياتها أهمية الكتاب الورقي.
بمجرد أن يمسك أحمد الكتاب، يشعر بأنه انعزل عن عالمه وحياته الفوضوية والمزدحمة بالصراعات والأزمات، وينغمس داخل كلمات الكتاب، مثل الغطّاس داخل المسبح. ويقول: "عندما أبدأ بقراءة كتاب معيّن، وأنا محبّ جداً لكتب عصر النهضة، أشعر بأني ارتديت ملابس تلك الحقبة، وأخذت أتجوّل وأتحرّك كما هي الشخصيات التي يحرّكها الكاتب داخل روايته".
أما العشرينية وطالبة الفيزياء في الجامعة الأردنية، تسنيم خالد، فتستهويها الحوارات المعمّقة حول الكتاب المختار داخل النادي، لأنها تتوه أحياناً داخل الرواية أو القصة، وتكون الصورة غير مكتملة، حتى يبدأ النقاش، لتكتمل بذلك الصورة الأدبية ورسالة الرواية بالنسبة لها.
في تجربة تسنيم الأولى مع القراءة، اكتشفت، كما ترى، أنّ فكرة تصفّح الكتاب الورقي لا يمكن وصف لذتها لشخص لم يجرّب ذلك، "وأنا كنت من هؤلاء الأشخاص غير المقتنعين بقيمة الكتاب الورقي، حتى جرّبت ذلك بنفسي".
وتضيف أنها خلال العامين الدراسيين لها في الجامعة كانت تعتمد على الكتب والمراجع الإلكترونية، وحتى عند الدراسة، فإنّ جهاز "التابلت" كان رفيقها، إلّا أنّ التحاقها بنادي القراءة، جعلها تجمع بين القراءة الإلكترونية والورقية أثناء الدراسة، أو داخل الجامعة.
محاولة لاستعادة مكانة الكتاب
تطوّر نادي القراءة في مؤسسة شومان عبر الزمن من خلال مبادرات مختلفة، كان آخرها "نادي عمّان للقراءة".
ويشرح مدير المكتبة في المؤسسة، غالب مسعود، أنّ النادي تجربة ثقافية لتعزيز القراءة التفاعلية بين أفراد المجتمع، وإثراء النقاشات حول الكتب التي يتمّ اختيارها.
واعتبر مسعود في حديثه مع "الميادين الثقافية" أنه إضافة إلى القراءة يركّز النادي على الجانب الاجتماعي من خلال فتح المجال أمام الأعضاء لفرصة التعرّف إلى أشخاص يشاركونهم شغف الكتاب، مما يوجد بيئة محفّزة للتعلّم المستمر.
وتقام فعّاليات النادي في فروع مكتبة المؤسسة في أماكن مختلفة، مثل فرع جبل عمّان وفرع شرق عمّان، كما أن المؤسسة تنظّم فعّاليات قراءة أخرى تحت مظلة "مسابقات القراءة"، مثل ماراثون القراءة السنوي، الذي يهدف إلى تشجيع القراءة الجماعية.
ونادي شومان للقراءة ليس الوحيد في عمّان. فقد أطلقت بعض المقاهي ومن ضمنها "مقهى مكان" مبادرات للتشجيع على القراءة، وعقد جلسات جماعية لتبادل أفكار ومضامين كتب وروايات في مواضيع مختلفة.
هذا الأمر أعاد للمقاهي دوراً رئيسياً، كما يقول مشرف النادي، إحسان زعتر، ففي السابق كانت المقاهي "ليست لتناول المشروبات فقط بل أيضاً لقراءة الصحف اليومية، أو المجلات، والكتب كذلك، لكنها اليوم تعجّ بدخان السجائر والنرجيلة".
وبيّن أنّ الفكرة جاءت بعد انتشار المقاهي الحديثة التي يلجأ إليها الطلبة للدراسة عن طريق الأجهزة الإلكترونية، لذلك وجد إحسان ومن معه الفرصة لطرح فكرة نادي القراءة داخل المقهى، بعد توفير مكتبة تضمّ ما يزيد عن 500 كتاب متنوّع بين العلمي والأدبي والروائي.
القراءة.. أسلوب حياة
لا يمكن تجاهل أنّ الحداثة جعلت الحصول على المعلومة، والبحث في المراجع والمجلدات، أمراً في غاية السهولة، واختصرت على الطلبة والباحثين والمثقّفين وقتاً وجهداً كبيرين، وهي من إيجابيات التطور التكنولوجي، من وجهة نظر الأستاذة في علم المكتبات والمعلومات في جامعة مؤتة، ميساء عواودة.
لكن عووادة استدركت وقالت إنّ التكنولوجيا تقدّم المعلومة بمفردها، ولا ترفقها بالأسباب والمسبّبات، ولا تسرد الخلفية التاريخية أو العلمية في كثير من الأحيان، و"هذا هو الفرق بينها وبين الكتاب، الذي يمنح القارئ تجربة معرفية غنية، وتزيد من نسبة رسوخ المعلومة في العقلين الظاهر والباطن، إضافة إلى زيادة التركيز، على عكس القراءة الرقمية".
واعتبرت عواودة أن التشجيع على قراءة الكتب يجب أن يتم بشكل مؤسسي وليس عبر مبادرات فردية، واستعادة مكانة ودور المكتبات العامة التي "هجرها القرّاء منذ سنوات طويلة" لتصبح مراكز مجتمعية للتعلّم والابتكار، لا مجرد أماكن لتخزين الكتب، داعية إلى إطلاق استراتيجيات وطنية شاملة تدمج القراءة في المناهج التعليمية منذ سن مبكرة، وتوفّر مصادر متنوّعة ومناسبة لجميع الفئات العمرية.
لكنّ وجهة النظر الاجتماعية لديها أسباب مختلفة عن أسباب هجران الكتب الورقية، أوضحها أستاذ علم الاجتماع في "آل البيت" حسين الخزاعي، الذي رأى أنّ زمن السرعة واللهث وراء تحصيل لقمة العيش، قلّص من وقت الفراغ الممنوح للأفراد، وبالتالي فإن استغلال ذلك الوقت بمهام أسرية أو اجتماعية أو شخصية، يطغى على أن يمنحه لقراءة كتاب أو حتى تصفّح صحيفة ورقية.
وأوضح الخزاعي أنّ مشكلة القراءة لا تنحصر بالكتب الورقية، بل المشكلة أكبر وأكثر تعقيداً. ذلك أنّ "المجتمع اليوم بمختلف مراحله العمرية أصبح مائلاً للكسل أكثر من السابق، لذلك فإنه يفضّل الاستماع أو المشاهدة على القراءة ورقية كانت أو إلكترونية".
عدا عن ذلك فإنّ تكلفة شراء الكتب كما يرى الخزاعي، "تزيد الطين بلة" فشراء وجبة طعام، أو ملابس، أو حاجيات أساسية، تكون أكثر أهمية بالنسبة لغالبية الطبقات المتوسطة والفقيرة من اقتناء كتاب ورقي.
واستبعد الدكتور في علم الاجتماع أن تنجح أيّ مبادرة أو استراتيجية في إعادة الناس إلى القراءة بشكل عامّ وإلى الكتب الورقية بشكل خاصّ، ما لم يتمّ تحقيق الرفاه الاجتماعي لمختلف طبقات المجتمع، "فالأهم تحسين حياتهم الاجتماعية، قبل تحسين مساراتهم الثقافية والفكرية".
وبحسب أرقام وزارة الثقافة الأردنية يوجد في الأردن ما يزيد عن 140 مكتبة عامة تتوزّع في مختلف المحافظات، منها 72 مكتبة عامّة وفروعها في العاصمة عمّان.