• 

ولمْ أعلمْ كعِلمِ بني زماني
بأنّ القُربَ داعِيَةُ المَلالِ
وأنّكَ حينَ تطمعُ في نِضالي
وتعلمُ أنّ لي سَبْقَ النِضالِ
كماشٍ في الهِياجِ بِلا حُسامٍ
وساعٍ في الظلامِ بٍلا ذُبالِ

هذه الأبيات من قصيدة للشريف الرَضِيّ (970 - 1015) تندرج في باب العتاب من جملة المواضيع الاجتماعية التي تناولها الشاعر في شعره المتعدد الأغراض. والشريف الرضِيّ لقب لهذا الشاعر واسمه محمد بن الحسين بن موسى الموسوي. عاش في عهد الدولة البويهية وكان نقيباً للطالبيين في بغداد وهم الذين ينتهي نسبهم إلى الإمام علي بن أبي طالب. وهو الذي جمع كتاب "نهج البلاغة" الذي يضمّ خطب الإمام عليّ وحكمه القصار وكتبه إلى عمّاله في مختلف الأقطار.

ويعدّ الشريف الرضيّ من كبار الشعراء وله ديوان ضخم تغلب عليه القوة والجزالة والعذوبة والنفَس البدوي وتكثر فيه أشعار الغزل العُذري والمواضيع الاجتماعية.

في الأبيات أعلاه يعاتب الشاعر صديقاً ذا شأن كان قريباً منه ثم تغيرت عليه حاله وما كان يعلم بأن القرب يبعث على الملال، كما يقول الناس، ويضيف أن رغبة هذا الصديق في مغالبته برمي السهام، كناية عن منافسته أو مقاومته، ستبوء بالفشل لأنه يكون عندئذ كذاهب إلى المعركة بلا سيف وماشٍ في الظلام بلا قنديل يضيء طريقه.

والنضال الذي يشير إليه الشاعر من معانيه الكفاح والجهاد والقتال والمقاومة، ومنه أُخِذ اسم العلم نضال وهو اسم مشترك بين الذكور والإناث. والأصل في معنى النضال هو الرمي والمُرامات. يقال: نضله، ينضُله، نضْلاً، إذا غلبه في الرمي. وناضله مُناضَلةً ونِضالاً: باراه في الرمي. وكان ذلك بالسهام، ثم يكون بكل ما يُرمى به من حجارة أو رصاص وما إلى ذلك. وناضل عنه: حامى ودافع. كما في قول الفرزدَق (641 - 728):

رأيتُكَ قد نضَلتَ وأنت ترمي 
عنِ الأحسابِ إذ جَدَّ النِضالُ

وللنضال ميادين متعددة، فمنه النضال في سبيل العدالة الاجتماعية، والنضال الوطني من أجل الاستقلال، والنضال لتحرير البلاد من المحتل، والنضال لمكافحة الجهل والتخلّف، والنضال من أجل حرية التعبير، والنضال لرفع الظلم عن الفئات الاجتماعية المغبونة، وما إلى ذلك من مسمّيات. والمناضل اسم الفاعل من ناضل. ويقع على كل من يناضل في سبيل الأهداف الوطنية والاجتماعية والإنسانية، والجمع مناضلون. والمناضلة مؤنث المناضل والجمع مناضلات. وعمل نضاليّ: منسوب إلى النضال.

وكما يقال ناضل عنه يقال كافح عنه، والمعنى: دافع عنه. فالكفاح والنضال هنا بمعنى واحد. ومنه أُخِذ اسم العلم كفاح. لكن الأصل في معنى الكفاح هو الكشف عن الشيء. ويأتي أيضاً بمعنى الجذب للشيء وإيقافه. يقال: كفَح الشيءَ، يكفَحه كفْحاً، إذا كشف عنه غِطاءه. وكفحَ لِجامَ الدّابّة: جذبه لتقف. والكفاح مصدر الفعل كافَح. يقال: كافحه، يكافحه، كِفاحاً ومُكافحةً، إذا واجهه. كأن يقال: كافح الشعب أعداءه، وكافح الأطباء الأمراض. وكافحت الدولة البِطالة. وكافح الأمورَ: باشرها بنفسه. وكافح عنه: دافع. والكفاح كالنضال يكون في ميادين عديدة منه الكفاح من أجل الاستقلال، ومن أجل الحرية وغير ذلك من الأمور الداخلة في باب النضال.

والكفاح يكون بالسلاح والقتال كما يكون بالقلم والكلمة والعلم والإرشاد، وهذا جهد المقِلّ كما يقول الشاعر السوري بدويّ الجبل (1903 - 1981) واسمه محمد سليمان الأحمد:

ما لي أُكافِحُ بالبيانِ وإنّه 
جُهدُ المُقِلِّ عزيمةً وكِفاحا
ومِنَ الغضاضةِ أنني أرضى به
بعدَ الظُباتِ المُرهَفات سِلاحا