من محمد علي نصر الله إلى أبي السيد حسن: حين يصير الغياب يوسفَ والقلب بئراً

التاريخ مرادفٌ للحكايا، ونحنُ أولادُ الرواية التي نكتبها. لم تكن لك يا أبي رؤيا أستطيعُ تأويلها ولا سَجدَت لكَ كواكبُ وأقمار، لكنّك كيوسف الذي اختار الغيابَ بإرادته، واعتكف في صومعة التكليف بعيدًا من يعقوبه.

  • محمد علي نصر الله مع والده مع والده الشهيد
    محمد علي نصر الله مع والده سيد شهداء الأمة

التاريخ مرادفٌ للحكايا، ونحنُ أولادُ الرواية التي نكتبها. لم تكن لك يا أبي رؤيا أستطيعُ تأويلها ولا سَجدَت لكَ كواكبُ وأقمار، لكنّك كيوسف الذي اختار الغيابَ بإرادته، واعتكف في صومعة التكليف بعيدًا من يعقوبه.

هنا في حكاية النبوّة، تبادلنا الأدوار، كنت يوسفها المطمئنّ إلى قدرِه، وكنتُ يعقوبَك الذي أكلَ الانتظارُ بصره، فلا أكل الغياب حضورك ولا أكل التراب كرمك، يا كريم السجية وجميل المحيا، تعطف عليّ بريح يوسفي من تلك الأراضي البعيدة.

لقد عشتَ في قلبِ أمةٍ أنهكها القحط، فأنبت الله فيك سنابلَ العزّة، وملأ خزائنها بمعاني الفداء. علّمتنا كيف نصيرُ سيفًا في غمدٍ نستلُّه لنصرةِ الحقّ، وكيف يكون للعزيزِ مُلك يضعه بين يدي الأمّة دون روحه.

يا أحسن القصص، لم تحجُبك غيابةُ الجُبّ عن قلبي، فقد صَيّرت روحي قافلة تلتقطُ على مدار أربعة وثلاثين عامًا بعضًا من محاسِنِك وحملتُ معي سِقايةً من الوصايا تُعيدني إليك كلّما تاهت روحي في هذه الدنيا.

يا سيّد الأدب، كيف لمن سُقي شرابك أن يظمأ ولمن صافح يدك أن يضل الطريق......

يا سيّد الرقة، كنت تتنقّل في وجوه المؤمنين كنسمة، تمازح المجاهدين، وتغمرهم بلمسةٍ من لطفٍ لا يُنسى.

كنت سراً نكتم فرح لقياه عن العالم، لا خجلًا، بل حرصاً لئلا يشم المتربصون ريحك في الحاضرين، ولئلا يعرف القاصدون متى يطل القمر بيننا.

فكنت الرؤيا والتأويل، وأنا الفاقد الذي يشتهي الحلمَ ليراك. يا إبراهيم البطولة، الذي عاش معاني التوحيد، ثم صار في القومِ صادقًا عزيزًا، مؤتمنًا على قوتِ الجياع والمستضعفين.

لم تغرّك كأس الدنيا البارد، بل حملتَ مع المجاهدين حرارة الجهاد، وخشيت عليهم أكثر من خشيتك على نفسك.

يا وجهَ القمر، الذي اختار أيلول ليستريح... أحقاً اكتمل بدرك في سماء العاشقين، حيث يهتدون بنورك عندما تضل بهم السبل.

ها هي الرسائل توسم بالوداع، لكنّي هنا ألقاك، بين السطور وفي خبايا الكلمات، لألقى أباً من نورٍ، وظلاً أفيء إليه كلما اشتدّ حرّ الشوق.

قصةٌ كلّما رويتها، ازداد في العمرِ سطرٌ من الغصّة، لا يداويه إلا الوصل. يا ليتَ البئر كان قلبي، يا أبي، ويا ليتَ القميص الذي أعاد البصرَ لي كان حاضري.

لكنّ الفقد ذئبٌ محتوم، وعلى يعقوب الانتظار حتى يصدقَ تأويل الآية:
"ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلا".

اقرأ أيضاً: مئات الآلاف يودعون السيدين نصر الله وصفي الدين في بيروت: رمز المقاومة والسيد الأمة إلى مثواه الأخير

اخترنا لك