مطر
من كلف العرب بالمطر ومعرفتهم بأحواله أنهم وضعوا للمطر أسماء عدة.
مَطرٌ يَذوبُ الصَّحوُ مِنهُ وبعدَهُ
صَحوٌ يكادُ مِنَ الغَضارَةِ يُمطِرُ
غَيثانِ فالأنواءُ غَيثٌ ظاهِرٌ
لكَ وَجهُهُ والصَّحوُ غَيثٌ مُضمَرُ
هذان البيتان من قصيدة لأبي تمّام حبيب بن أوس الطائي (803 - 845) من أجمل ما قيل في وصف مطر الربيع. وذلك على النحو الذي اتصف به أسلوب هذا الشاعر الذي اشتهر بأنه كسا معاني الشعر رونقاً جديداً، لم تهتدِ إليه جماعة المتقدّمين وأُعجب به وحاول النسج على منواله المتأخرون.
ولِد أبو تمّام في جاسم من قرى حوران بالشام. كان حاد الذهن سريع البديهة صاحب موهبة شعرية فذّة. رحل إلى مصر واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدّمه على غيره من الشعراء. نظم أبو تمام في مدح هذا الخليفة العباسي قصائد خلّدت ذكره وخاصة القصيدة التي كتبها في مناسبة فتح عمّورية وتخليصها من يد الروم ومطلعها:
السيفُ أصدقُ إنباءً من الكتُبِ
في حدّه الحدُّ بين الجِدّ واللعِبِ
في البيتين أعلاه يقول الشاعر إن المطر ينهمر ثم ينقطع فيكون الصحو بعده نديّاً غضّاً تخال أن المطر سيعقبه. فكأنّ هناك غَيثين، أي مطرين، أحدهما مطر السحاب يشاهده الناس والثاني صحو يظهر وكأنه مطر مُضمَر لا يشاهَد.
والمطر معروف وهو الماء النازل من السماء. وتيمّناً بالمطر الذي يجلب الخير للناس والأرض والأنعام سمّت العربُ الرجلَ مطَراً، ومُطَيراً بصيغة التصغير. وعُرف باسم مطر عدد من الأعلام وآباء القبائل. وإلى أحد هؤلاء يشير أبو تمّام في مدحه خالد بن يزيد الشيباني، من كبار القادة في العصر العباسي، حيث يقول:
مطرٌ أبوكَ أبو أهِلّةِ وائلٍ
ملأ البسيطةَ عُدّة وعديدا
نسبٌ كأنّ عليه من رأدِ الضُّحى
نوراً ومن فَلقِ الصباحِ عمودا
يقال: مطرت السماء، تُمطِر، مَطراً، إذا نزل مطرُها، فهي ماطِرة. وأمطرت إمطاراً فهي مُمطِرة. ومنه قرآناً: "هذاعارِضٌ مُمطِرُنا". واستمطر: طلب المطرَ واستسقى. وتمطّر الرجل، إذا تعرّض للمطر. والمِمْطَر: ما يُلبس للوقاية من المطر. ومن المجاز قولهم: "مطره بخير" إذا أصابه بنفع. وأمطره: أصابه بالمطر. وقيل: لا يقال أُمطِر المبني للمجهول إلا في العذاب. من ذلك قرآناً "وأُمطِرت مَطرَ السَّوْءِ".
ولم ترد كلمة المطر في القرآن الكريم إلا بمعنى العذاب أو الأذى، كما في سورة الأعراف: "وأمطَرْنا عليهم مَطَراً فانظُرْ كيفَ كانَ عاقِبةُ المُجرمين".
أما الماء النازل من السماء ليسقي الأرضَ والأنعامَ والناسَ فاستُعمِلت له ألفاظ غير لفظة المطر ومنها الغَيث. والمطر عند العرب مبعث الحياة والخصب وبه يحصّلون معاشهم من رعي وسقاية وزرع، ولذلك عرفوا خصائصه وأحواله واستدلّوا على نزوله بالرياح وألوان السُّحب والتماع البرق وأصوات الرعد. وكان المطر من أكثر الظواهر الطبيعية ذكراً في أشعارهم وأبدعوا في وصفه. من ذلك قول البُحتُري (820 - 897):
إنّ السماءَ إذا لم تَبكِ مُقلتُها
لم تضحكِ الأرضُ عن شيءٍ مِنَ الخُضُرِ
والزهرُ لا تنجلي أحداقُه أبداً
إلّا إذا مَرِضَت من كثرةِ المَطرِ
وقال جَرير (653 - 728):
قُلْ للديارِ سقى أطلالَكِ المطرُ
قد هِجتِ شَوقاً وماذا تنفعُ الذِكَرُ
قالوا لعلّك محزونٌ فقلتُ لهم
خَلّوا المَلامةَ لا شكوى ولا عِذَرُ
ومن كلف العرب بالمطر ومعرفتهم بأحواله أنهم وضعوا للمطر أسماء منها:
الغيث: مطر غزير يجلب الخير.
الحيا: المطر يحيي الأرض بالنبات ويجلب الخصب.
الوابل: مطر شديد ضخم القطر.
الغدق: مطر كثير القطر.
الودق: المطر الشديد الواسع القطر.
الديمة: المطر يدوم بلا رعد ولا برق.
الشُّؤبوب: الدفعة من المطر.
الهتان: المطر العتدل.
الرَّهو: المطر الساكن.
الرِهام: المطر الخفيف.
الطَّلّ: أخف المطر.
الرذاذ: مطر ضعيف رقيق صغير القطر.
ومن أغرب الأسماء التي أطلقها العرب على المطر الشديد "جارُّ الضبع" وهو أشد المطر. قال ابن دُرَيد في كتاب "جمهرة اللغة" إن هذا المطر سُمّي بذلك لأنه "يتسبّب بسَيل يُخرج الضباعَ من وُجُرها".