رسالة إلى السيد حسن نصر الله

أيها القائد، ليتكَ اليوم حاضراً بيننا لتشاهد ملاحم رجالك اليومية، براً وجواً، وتشرف على عملياتهم البطولية في أرض الجنوب، وفي عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، من الشمال إلى حيفا، وصولاً إلى "تل أبيب".

كأنما جبل الباروك أذهله أن تنحني

فمشى في يوم غدرك الشجر

أظنها صواريخ الحقد حين هوت

تكاد لو أبصرتْ عينيك تعتذر

كأنما أمة في شخصك اجتمعت

وأنت وحدك في صحرائها المطر

طال ارتحالك ما عوّدتنا سفراً

يا رجلاً قلّ نظيره.. ارجع نحن ننتظر

**

سلامٌ أيها القائد. لم أكن يوماً أعتقد أني سأكتب إليكَ رسالةً وقد غادرت هذه الدنيا بالطريقة التي أحببتَها وتمنيت حدوثها، شهيداً مُقبلاً مبتسماً في طريق القدس؛ ذلك الطريق الذي لم تتخلَ عنه على رغم قلّة سالكيه، ولم تتوانَ عن نصرته على رغم كثرة الحاقدين، حتى أعطاك ربك ما رغبت، ووهبَكَ ما تمنيت.

اليوم، أكتبُ إليكَ أيها القائد رسالة تختلط فيها مشاعر الفقد، والجزع، والشوق، والحب، والفخر، في آنٍ واحد، فالحزن على رحيلك والجزع لغيابك والشوق لحضورك يعزيّها الحب بأفعال رجالك والفخر بإنجازات حزبك، فأنت أشعلت فيهم يقيناً أصلب من الجبال، وعزيمة أقوى من جبروت العدو الإسرائيلي، وعرّفتهم طريق الحب الأبدي، وأنرت لهم درب العشق الجهادي، فتمكنوا، على رغم لوعة الغياب وألم المجازر وصرخات الثكالى، من تخطي كل الصعاب والمصائب، وقلبوا الميدان على رؤوس الأعداء، ومرّغوا رؤوس جنود نتنياهو بالوحل، وأعاروا الله جماجمهم حتى لا تدنّس أرض الجنوب برجس الإسرائيليين، ورفعوا شعارك الخالد: "لن نتخلى عن فلسطين".

أيها القائد، يعزينا اليوم أبناؤك الذين يسطّرون الملاحم في أرض الجنوب. لقد أعادوا أسطورة سهل الخيام وبنت جبيل ومارون الراس، واستنسخوا مجازر "الميركافا" ورعب "الكورنيت"، فلم يتمكن أنجاس العصر من السيطرة على قرية واحدة من قُرى الحافّة الأمامية في الجنوب، على رغم أن نتنياهو أرسل أكثر من 80 ألف جندي إلى معركة ظنّ أنها ستكون نزهة، فحوّلها مقاتلوك إلى كابوس لن يفارق مخيّلة من يعود منهم حيّاً.

أيها القائد، لقد ظنّ العدو أن رحيلك قد يفكك المقاومة وينهي وجودها، وأن المجازر اليومية واستهداف البنية التحتية قد يُضعفان الحاضنة الشعبية، وأن تهجير المدنيين من بيوتهم ثم تدميرها قد يلغي مفهوم العودة، لكنك تعلم، أيها القائد، أن المقاومة فكرة والفكرة لا تموت، وأن الحزب الذي بدأ بإمكانات بسيطة في ثمانينيات القرن الماضي، حوّله السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب، والحاج عماد مغنية، والحاج علاء البوسنة، والقائد مصطفى بدر الدين، والقائد إبراهيم عقيل، والسيد فؤاد شكر، إلى منظمة تمتلك من القوة والعقيدة الإيمانية أضعاف ما تمتلكه من القدرات العسكرية.

أيها القائد، ليتكَ اليوم حاضراً بيننا لتشاهد ملاحم رجالك اليومية براً وجواً، وتشرف على عملياتهم البطولية في أرض الجنوب وفي عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، من الشمال إلى حيفا، وصولاً إلى "تل أبيب".

أيها القائد، هل شاهدت عمليات التصدي اليومية التي نفّذها رجال المقاومة على طول الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة؟ وكيف وقفوا سداً منيعاً في وجه أيّ محاولة تسلل قام بها جنود العدو؟ وكيف حوّلوا النقاط الأمامية إلى كمائن متقدمة أصابت القوات الإسرائيلية في المقتل؟ وكيف تتساقط مسيّرات الاحتلال النوعية في أرض الجنوب بفضل صواريخ المقاومة المُباركة؟

أيها القائد، هل شاهدت كيف اضطر "الجيش" الإسرائيلي إلى إعلان الانتقال إلى المرحلة الثانية من المناورة البرية في الجنوب لأنه فشل في تحقيق أيّ إنجاز عسكري في المرحلة الأولى؟

أيها القائد، هل شاهدت صواريخ المقاومة وهي تدك مواقع  العدوّ  وقواعده العسكريّة، ونقاط التجمّع والتموضع لضباطه وجنوده، وسط استنفار لكامل منظومات الدفاع الجوّي الإسرائيلي بكل مستوياته وطبقاته، وسلاح الجو الإسرائيلي بمُقاتلاته الحربيّة ومروحيّاته، حتى دخلت أذرع "الجيش" الإسرائيلي في حالة من الاستنزاف والعجز؟

أيها القائد، هل شاهدت الصواريخ الدقيقة والمسيّرات النوعيّة التي تستهدف القواعد العسكريّة واللوجستيّة والجويّة والبحريّة الإسرائيلية، وقواعد الدفاع الجوي والصاروخي، والمصانع العسكريّة، والمقار القياديّة، وقواعد الاتصالات والاستخبارات، ومعسكرات التدريب، بعمق وصل حتى 145 كلم في ضواحي "تل أبيب"؟

أيها القائد، هل تشاهد المسيّرات المباركة وهي تتجول في سماء الأراضي المحتلة وتعجز مروحيات الاحتلال وطائراته الحربية ودفاعاته الجوية عن التصدي لها؟ وهل شاهدت تلك المسيّرة المباركة التي ضربت معسكر لواء "غولاني" في "بنيامينا" وقتلت وأصابت العشرات من جنود النخبة في "الجيش" الإسرائيلي من دون أن تتمكن دفاعات الاحتلال من رصدها وإسقاطها؟ هل شاهدت المسيّرة التي انطلقت بنداء "لبيك يا نصر الله" وضربت منزل نتنياهو في "قيساريا" وأجبرته على العيش في غرفة محصّنة تحت الأرض لا يجرؤ على الخروج منها؟

أيها القائد، هل شاهدت كيف يعجز نتنياهو عن إعادة المستوطنين إلى الشمال؟ وكيف أصبحت حيفا مثل كريات شمونة والمطلة بفعل الضربات المُباركة من المقاومة؟ وكيف تجبر الصواريخ والمسيّرات النوعية مئات الآلاف من المستوطنين على النزول إلى الملاجئ بشكلٍ يومي؟

أيها القائد، هل سمعت خطابات الشيخ المجاهد نعيم قاسم وشاهدت كيف يزلزل الأرض من تحت أقدام "الجيش" الإسرائيلي وحكومة نتنياهو المتغطرسة؟ وكيف يهددهم بحيفا وما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا؟ وكيف لا يزال يحمل أمانة فلسطين في عنقه على رغم تهديدات "جيش" الاحتلال والضغط السياسي العربي والضغط الغربي عليه؟ وكيف يحفظ عهد المقاومة ويصون أمانتك من المجاهدين؟

أيها القائد، هل شاهدت أهل الجنوب والبقاع والضاحية المثكولين المفجوعين الذين يرفضون التخلّي عن المقاومة؟ وكيف يعبّرون عن استعدادهم لتقديم أرواحهم في طريق العشق الوجودي من دون أن تهزّهم غارات وحشية أو رسائل دموية؟

أيها القائد، هل شاهدت النازحين وهم يتحرقون شوقاً إلى العودة إلى منازلهم المدمّرة ليعيدوا بناءها مجدداً وينشئوا فيها جيلاً جديداً من أبناء المقاومة؟

أيها القائد، لقد أقسم رجالك بروحك الشريفة من على حدود فلسطين التي مضيت شهيداً في طريقها، ومن مواقع "المقاومة الإسلامية" على امتداد الوطن، بأنهم على عهدهم ماضون، وعلى وعدهم مستمرون، حتى يحققوا آمالك وأهدافك، مهما بلغت التضحيات، وقطعوا عهداً بأن القاتل لن يسلم من بأسهم وثأرهم، ولن ينال من عزمهم، ولن تسقط الراية من أيديهم. وهم يقولون لك: "كما كنت تعدنا بالنصر دائماً، نعدك بالنصر مجدداً".

سلام أيها القائد!

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.