اكتشافات جديدة تعيد كتابة تاريخ الولايات المتحدة وسط ردود فعل عنيفة
يقول الباحثون إن هذه المعركة تُهدد بتدمير مجال التاريخ، ودفع المتاحف والمؤرخين إلى تجاهل الأبحاث والعودة إلى نسخة من تاريخ الولايات المتحدة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي.
-
تمثال على المنصة يُظهر العَدَّاءَيْن الأميركييْن تومي سميث، وجون كارلوس، في أولمبياد صيف 1968 وهما يرفعان قبضتيهما في احتجاج صامت، وذلك في المتحف الوطني لتاريخ وثقافة الأميركيين الأفارقة (بول هنتر/سي بي سي)
على مدار العشرين عاماً الماضية، أعادت أصوات جديدة وقصصٌ كانت مخفية سابقاً تفسير تاريخ الولايات المتحدة ورسم ملامح المتاحف، مما أثار انتقادات من المحافظين يوجهها الرئيس دونالد ترامب الآن ضد متحف "سميثسونيان".
وأصبحت الولايات المتحدة أكثر تنوعاً من أي وقت مضى، ومنذ انتهاء الحرب الباردة مع الإتحاد السوفياتي، تراجعت الضغوط الرامية إلى الترويج لقصة وطنية أسطورية منتصرة، ليحل محلها تاريخ متعدد الآراء والتعقيدات.
قُوبل هذا التغيير المتصاعد بالدعم في الغالب داخل مجالس المدارس المحلية، حيث ثار بعض الآباء البيض على مطالب الآباء الملونين والمعلمين بإدراج تاريخ وكتب السود واللاتينيين في المناهج الدراسية من الروضة وحتى الصف الثاني عشر.
وتُشنّ هذه المعركة الآن ضد بعض من أعرق المتاحف والمؤرخين في البلاد، بسبب نقاشات حول الوطنية والفخر الوطني.
ويقول الباحثون إن هذه المعركة تُهدد بتدمير مجال التاريخ، ودفع المتاحف والمؤرخين إلى تجاهل الأبحاث والعودة إلى نسخة من تاريخ الولايات المتحدة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي.
وأخبر مسؤول في البيت الأبيض "أكسيوس" الأسبوع الماضي، أن ترامب يعتزم توسيع نطاق مراجعته للمتاحف الأميركية بحثاً عن أيديولوجية "الاستيقاظ" خارج مؤسسة "سميثسونيان".
وقال ترامب على منصة "تروث سوشيال" إن: "سميثسونيان خارج عن السيطرة"، موجهاً محاميه لإجراء مراجعة شاملة لنظام المتاحف، على غرار العملية التي أجراها المسؤولون في الكليات والجامعات.
في غضون ذلك، تُهدّد وزارة التعليم الأميركية بسحب التمويل الفيدرالي من المدارس الحكومية التي تُحافظ على برامجها للتنوع والإنصاف والشمول، وتُخزّن كتباً عن تاريخ السود، وذلك بموجب أمر تنفيذي صادر عن ترامب.
وزعم هذا الأمر أن "الأميركيين شهدوا جهداً مُنسّقاً وواسع النطاق لإعادة كتابة تاريخ أمتنا، واستبدال الحقائق الموضوعية برواية مُشوّهة مدفوعة بالأيديولوجيا بدلاً من الحقيقة".
في كتاب الاستبداد، تُعدّ إعادة كتابة الذاكرة الجماعية استراتيجية حاسمة للسيطرة على الجماهير، كما صرّحت هاجر يزديها، مؤلفة كتاب "النضال من أجل ملك الشعب: كيف تُحوّل السياسة ذاكرة حركة الحقوق المدنية"، لموقع "أكسيوس".
وأضافت يزديها أنه إذا استطاعت أي إدارة أن تُملي علينا كيفية تذكرنا للماضي، فإنها ستُحدّد الحاضر والمستقبل، بما في ذلك تجاهل حالات التمييز الموثقة كالاستعباد، متابعة "مع الحقيقة يأتي الحساب، وهم لا يُريدون الحساب".
في السنوات الأخيرة، شهد مجال التاريخ طفرة في الكتب الجديدة التي تُفنّد بعض الأساطير القديمة المُحيطة بالشخصيات والأحداث المحورية.
على سبيل المثال، يروي كتاب إريكا أرمسترونغ دنبار الصادر عام 2017، "لم يُقبض عليهم أبداً: مطاردة آل واشنطن المُستمرة لعبدهم الهارب، أونا جادج"، قصة عن جورج واشنطن وهو يُحاول إبقاء امرأة في عبودية بينما كان يُحدّث عن الحرية.
وأعادت بعض المتاحف، تحت ضغط من الشعوب القبلية، رفات أفراد من القبائل وقطعاً أثرية مرتبطة بها، مع إعادة سرد قصة السكان الأصليين بناء على أبحاث جديدة.
ورداً على ذلك، سنّت الولايات الجمهورية قوانين تهدف إلى الحد من نقاشات العبودية وإبعاد الأميركيين الأصليين في الفصول الدراسية، مع الترويج لرواية إيجابية وقومية للتاريخ الأميركي.
بدأ التحول التدريجي في سبعينيات القرن الماضي مع دخول جيل جديد من المؤرخين السود إلى هذا المجال، وافتتاح الجامعات برامج دراسات السود واللاتينيين، وفقاً لما صرحت به بيث إنجليش، المديرة التنفيذية لمنظمة المؤرخين الأميركيين (OAH) لموقع "أكسيوس"، حيث قالت: "منذ ذلك الحين، تحول التاريخ المُفسَّر في المتاحف والأماكن العامة الأخرى من الاحتفاء إلى التعقيد".
وأضافت إنجليش أن الأعمال والأصوات الجديدة لم تمحو أو "تلغِ" شخصيات مثل توماس جيفرسون، بل أضافت إلى التاريخ.
من جانبه، قال مايكل هاريوت، مؤلف كتاب "تاريخ السود في أميركا: قصة أميركا غير المُبيَّضة"، لموقع "أكسيوس": "يمكن القول... إن هذا الرجل فعل الكثير من الأشياء العظيمة، واغتصب النساء. استعبد الناس وأطفاله".
وأضاف هاريوت: "هذا التاريخ مُزعج، لأنه ينبغي أن يكون مُزعجاً".
ويأتي كل ما سبق في سياق تحديات يواجهها ترامب في أعقاب التغيير الجذري الذي أجرته الإدارة في تفسيرها لقوانين حقبة الحقوق المدنية، حيث ركزت على "العنصرية ضد البيض" بدلاً من التمييز ضد الملونين.
كما تأتي في أعقاب أخطاء ارتكبتها إدارة ترامب، حيث قامت بمحو - ثم إعادة - مواقع إلكترونية مخصصة لشخصيات تاريخية سوداء مثل جاكي روبنسون، وهارييت توبمان، في خضم حملة التطهير التي شنتها منظمة "DEI".